100 باحث عربي يثرون ملتقى «أدبي الشرقية» الأول من خلال 24 بحثا

الشرقية تعيش عرسا ثقافيا بحضور خليجي وعربي

TT

في تظاهرة ثقافية هي الأولى من نوعها احتضنها النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية شرق السعودية، وفي حضور رجالي مميز ولافت غابت المرأة السعودية عنه، على مستوى دول الخليج العربي، أقام النادي ملتقاه الثقافي الأول تحت عنوان «ملتقى دارين»، بحضور أكثر من 100 باحث ومثقف من مختلف دول العالم العربي، حيث شارك أربعة وعشرون باحثا بأوراق عمل وبحوث بعضها نقدية وأخرى وصفية، تناولت المحاور التي حددها النادي قبل قرابة ستة أشهر. وفي قاعة الاحتفالات في فندق شيراتون الدمام أقيمت الفعاليات، حيث تناول الملتقى في نسخته الأولى «المجلات الثقافية في دول مجلس التعاون الخليجي وتنمية المعرفة»، وبثت الفعاليات على الهواء مباشرة عبر القناة الثقافية السعودية.

وقال المشرف العام على الملتقى ورئيس مجلس إدارة النادي الناقد والإعلامي محمد بن عبد الله بودي، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدد المشاركين في جلسات الملتقى العلمية بلغ 24 باحثا وباحثة من مختلف الدول العربية، وتمت الاستعانة بالجمعية العلمية السعودية للأدب العربي كشريك علمي في تحكيم بحوثهم، في الوقت الذي يرأس فيه جلسات الملتقى الست رؤساء تحرير المجلات الثقافية الخليجية. وأضاف بودي أن «جلسات الملتقى تتناول المحاور التي أعلنتها في ما سبق اللجنة العلمية في الملتقى، وهي: تعزيز المجلات الثقافية لحركتي الشعر والسرد، وامتداد التراث في المجلات الثقافية، ومواكبة المجلات الثقافية للنظريات النقدية الحديثة، وحضور أدب الآخر في المجلات الثقافية عبر الترجمة، وتجليات المكان في المجلات الثقافية، والمجلات الثقافية بوصفها حاضنة للمعارك النقدية، والمساجلات الثقافية، ومستقبل المجلات الثقافية والتحديات في عصر الإنترنت والإنفوميديا».

وأوضح المشرف العام على الملتقى أن الفعاليات استمرت لمدة يومين، وأقيم على هامشها معرض مصاحب للمجلات الثقافية الخليجية بمشاركة عدد من الأندية الأدبية ودور النشر والمجلات التي كانت محور اللقاء.

ومن خلال البحوث اتفق عدد من المثقفين على أن أوراق العمل والبحوث التي قدمت من الجانب النسائي اتسمت بالدراسة التحليلية المرتكزة على استنطاق التراث لمسقط رأس تأسيس تلك المجلات، وأنها اعتمدت على استقراء التراث كما هو في المنطقة الشرقية من خلال «دارين المكان والتاريخ». واليوم يحتفل بإصدار المجلة التي توسم غلافها بـ«دارين» بعد مضي 18 عاما منذ صدور عددها الأول عام 1414هـ، والتي أصبحت وجها ثقافيا للمنطقة الشرقية وتُقرأ من خلالها تفاصيل المشهد الثقافي في شرق المملكة.

وفي لقاءات بعدد من رؤساء تحرير المجلات الخليجية، قال الدكتور عثمان الصيني، رئيس تحرير مجلة «العربية» الصادرة من الرياض «لقد كان لهذه المجلات كما هي الصحافة بوجه عام دور ريادي في معركة النهضة من خلال الكتّاب والصحافيين، لإرساء مبادئ الحريات السياسية والاعتقادية والفكرية والاجتماعية، فيما واجهت هذه المجلات بعض المشكلات والعراقيل منذ القرن الماضي، لعل من أهمها التمويل وما قد يتصل بالحريات التي دخلت في مأزق الدعم الحكومي بعد أن أصبحت العلاقة بين هذه المجلات والدعم جزءا من العلاقة الإشكالية بين المثقف والسلطة، وتمثلت حالة المجلات الثقافية في العلاقة المتوترة بين الحرية والدعم».

وزاد الصيني في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كذلك الحرية المتصلة بالرقابة وحركة المطبوعات داخل الوطن العربي، والعمل المؤسسي، والركون إلى ما هو قائم حاليا، وعدم الابتكار أو البحث عن آفاق جديدة وصيغ مبتكرة للمجلات». وأشار إلى أن بعض الأهداف التي رسمتها تلك المجلات عند صدورها قد تحققت، إلا أنه أكد أن العملية أخذت مسارات جديدة أكثر انتشارا من المجلات، وامتد الأمر إلى الثقافة الأفقية الشعبية التي حلت محل الثقافة الرأسية الأبوية، ثم امتد للثقافة التفاعلية التي أحلت المنتج مكان المستهلك وبالعكس، وأن أهم ما طرأ على صناعة المجلات بوجه عام والثقافية على وجه التحديد هو تبادل الأدوار بين الوسائط الإعلامية التقليدية والإعلام الجديد.

وقال إن انحسار تلك المجلات الورقية لا يخرج عن انحسار الثقافة الورقية ككل، لكنها في الجانب الثقافي أشد وجعا، ولكن لا يوجد ما يعزز تلك العموميات بأرقام وإحصاءات ملموسة توضح مساحة ذلك الانحسار سواء في كمية المطبوع منها أو التوزيع وأعدادها وما هي درجة مقروئيتها سواء على مستوى المملكة أو الخليج العربي أو حتى العالم العربي.

أما الدكتور محمود الضبع من مصر، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك جملة من المتغيرات التي طرأت على الثقافة عموما تفرض تحدياتها على تلك المجلات، يعود بعضها إلى التحديات العالمية وبعضها يعود للتحديات الخاصة بالثقافة العربية وأوضاعها وهويتها وتشكيل ملامحها، وكلا البعدين الخارجي والداخلي لا يمكن فصله بفعل التشابك المطرد بين العام والخاص وفعل حركة العولمة وتهديدها لمحو الهويات الصغيرة الضاربة في العمق الثقافي.

بينما تساءل نايف كريري، من جامعة جازان بالسعودية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عن اختفاء عدد من المجلات والدوريات الثقافية والأدبية بصورة تثير القلق على مستقبل هذه المطبوعات، وطالب بعدم الاتكاء في استقاء الثقافة على القنوات الفضائية أو المواقع الإلكترونية أو المدونات الشخصية أو المنتديات السطحية التي لا يقدم بعضها سوى هامش لا يسمن ولا يغني من جوع.

فهد الشريف، المشرف على تحرير ملحق الأربعاء الثقافي بصحيفة المدينة، تساءل أيضا عن مستقبل المجلات الثقافية في عصر الثورة الاتصالية واتجاه الإعلام في ميادين مختلفة نحو الرقمية بما تحمله من خدمات تفاعلية. وأكد أن هذه المجلات بدأت تفقد كثيرا من حضورها في المشهد الثقافي، حيث أصبحت تواجه إشكاليات في التوزيع والتواصل مع المثقفين، واستبعد نجاح ظهور مجلات ثقافية جديدة حاليا، وأشار إلى أن بعض الناشرين عزفوا عن إصدار مجلات جديدة تخوفا من الخسائر المادية التي ستأتي لا محالة، وأن الاستثمار في مثل هذه المشاريع قد لا يؤتي ثماره جيده.

وأكد أن بعض هذه المجلات وإن كانت تصدر من مؤسسات ثقافية إلا أنها لا ترقى إلى تطلعات المثقفين، لما تحمله من خروج عن السمة الأدبية المحكمة، وأنها تقوم على أيدي محررين غير متخصصين، وبالتالي تكون موضوعاتها أبعد وغير مؤكدة المصادر، مما يحدث سرقات لا يمكن ضبطها، وبالتالي يشوه الصورة التي رسمها أو رسمتها تلك المؤسسات الثقافية.

أما الدكتورة عفاف بنت صادق من تونس، فقد أكدت لـ«الشرق الأوسط» أهمية تلك المجلات الثقافية العامة والمتخصصة في احتضان الآراء والمقاربات المتباينة المختلفة أو المتفقة في شتى صنوف المعرفة وشعاب الفكر، كما حددت الدور الذي نهضت به أهم المجلات الثقافية الخليجية المتخصصة في النقد، ومنها مجلة «العربية» الصادرة من الرياض، و«عبقر» و«علامات» و«جذور» من جدة.

أما الدكتور محمد بوهلال من جامعة سوسة بتونس، فقال وهو يتحدث عن مجلة «الدارة» إن التفرد التاريخي لمكة المكرمة تطلب تضافر جهود المؤرخين قديما وحديثا لتسجيل تاريخ هذه المدينة المقدسة وما جد فيها من حركة وأحداث، وما مر بها من أشخاص وعلماء، وما أنتجه زوارها من ثقافة وعلوم وصنائع، وما حظيت به من الدولة السعودية في جميع مراحلها من اهتمام وتطوير.

وعلى هامش الملتقى، نظم «أدبي الشرقية» رحلة لـ«دارين» التي توسم الملتقى باسمها كما هي المجلة، حيث قاموا بزيارة للآثار التي رممت من قبل الهيئة العليا للسياحة، حيث استمعوا من المسؤولين بها عن تاريخ «دارين»، وشاهدوا بعض المقتنيات الأثرية، وشاركوا الأهالي بعض الأهازيج والفلكلور الشعبي الخاص بـ«دارين».