اضطراب «فرط الحركة وتشتت الانتباه» يصيب 15% من أطفال السعودية

العلاج الطبي أثبت نجاح 90% من الحالات

يمكن للأسر التعرف على إصابة أبنائها بفرط الحركة بملاحظة شدة الحركة والاندفاعية وتشتت الانتباه («الشرق الأوسط»)
TT

تختلف نسبة نشاط الأطفال وتركيزهم واتباعهم للتعليمات من طفل لآخر، وعلى الرغم من هذا التفاوت الطبيعي، فإنه توجد نسبة من الأطفال يصعب تواصلها مع المجتمع وتكوين أصدقاء، إلى جانب النشاط الحركي الشديد الذي يسبب الإنهاك من قبل المحيطين له، واللجوء معه إلى أساليب قد تصل للعنف أحيانا للحد من هذا النشاط، وإرغامه على اتباع التعليمات.

إلى ذلك، شخص أطباء في علم النفس والمخ والأعصاب هذا السلوك المضطرب عند هذه الفئة من الأطفال إلى اضطراب عصبي يسمى «اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه» الذي يعد اضطرابا عصبيا بيولوجيا يصيب الأطفال.

وتشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يتشابه مع أنواع أخرى من الاضطرابات العصبية، لذا يصعب على الكثير من الأطباء تشخيصه، عدا الأطباء ذوي الخبرة والمطلعين باستمرار على الأحداث الطبية والمتميزين.

ويرى الاختصاصيون أنه يمكن للأسرة أن تكتشف إصابة أحد أبنائها بهذا الاضطراب من خلال التركيز على مدى شدة وحدة الأعراض، والفترات والظروف التي يظهر فيها السلوك غير المناسب، الذي يظهر في أعراض ثلاثة (فرط الحركة - الاندفاعية - تشتت الانتباه) ولا تكون ظاهرة فقط على الطفل وإنما مهيمنة على سلوكه، لدرجة أنها تؤثر سلبا على حياته من النواحي العلمية والسلوكية والاجتماعية.

وأكدت الدراسات أن نسبة الإصابة في السعودية تقدر بـ15 في المائة، فيما بينت آخر دراستين عن الاضطراب؛ الأولى في المنطقة الشرقية، أن متوسط الإصابة في الدمام يقدر بنسبة 16.7 في المائة، والأخرى في الرياض، تقدر بنسبة 12.6 في المائة.

وعن كيفية تشخيص المرض، توضح الدكتورة سعاد يماني استشارية المخ والأعصاب ورئيسة مجموعة دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، أنه ليس هناك اختبارات مخبرية أو أشعة لتشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، مشيرة إلى أنه لا بد أن يتم التشخيص من قبل مختص قادر على القيام بعملية التشخيص والعلاج كطبيب الأعصاب أو النفسية أو اضطرابات النمو.

وبينت أن الاضطراب يصاحبه أعراض رئيسية، منها: فرط الحركة وتشتت الانتباه والاندفاعية وهيمنتها على سلوك المصاب، ووجود تأثيرات سلبية على نواح كثيرة من حياة الفرد، أكاديميا وسلوكيا واجتماعيا، وأن تكون الأعراض الرئيسية مهيمنة على السلوك في بيئتين مختلفتين كالبيت والمدرسة، وجمع المعلومات من السجلات الطبية والمدرسية، معلومات من خلال المقياس العالمي الرابع DSM، والتأكد من قبل الطبيب المختص، إضافة إلى عدم وجود أمراض أخرى مشابهة في أعراضها لـ«افتا».

وأوضحت الدكتورة سعاد يماني أن العلاج الناجح هو العلاج الشمولي المتعدد الجوانب، والعلاج الطبي، والعلاج السلوكي إلى جانب العلاج التربوي، مشيرة إلى أن العلاج الطبي أثبت نجاحه في علاج هذا الاضطراب من 80 إلى 90 في المائة من الحالات.

ويستخدم في العلاج الطبي لهذا الاضطراب العصبي عقاقير منشطة مثل ريتارلين أو دكسدرين أو ادرال أو كونشيرتا، مشددة على أنه في حالة استخدام العلاج الطبي لا بد على أفراد الأسرة والمدرسة من التعاون في ملاحظة الطفل من ناحية الاستجابة أو الأعراض الجانبية مع التواصل مع الطبيب المعالج. وقالت «هناك كثير من الأبحاث التي أجريت في مناطق مختلفة في العالم هدفها الإجابة عن ما هي أهم أسباب الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وجاءت النتائج لتؤكد أن الأسباب الوراثية تصل أهميتها في الإصابة إلى 92 في المائة، إلى جانب أسباب أخرى تلعب دورا أقل في نسبة الإصابة بالالتهابات أو الجلطات التي تحدث للأم أو الجنين أثناء الحمل أو تناول الأم لبعض المواد الضارة أو التدخين أثناء فترة الحمل.

وبينت الدراسات أن الأسباب الوراثية ربما تلعب دورا في زيادة نسبة الإصابة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.

وحملت رئيسة مجموعة دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه الدكتورة سعاد يماني وزارة التربية والتعليم مسؤولية كبيرة، وقالت «يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم مسؤولية كبيرة، خاصة إذا كنا نتحدث عن أطفال هم بالدرجة الأولى في عمر المدرسة، ومكانهم الطبيعي المدرسة، فنحن مثلا لا نتحدث عن أطفال مصابين مثلا بالسرطان والجهة المسؤولة بالدرجة الأولى وزارة الصحة أو المستشفى. من هنا أعتقد أن الفريق العامل مع الطفل سواء المعلم أو الاختصاصي أو المرشد الطلابي لا بد أن يكون على درجة عالية من التدريب ولديه مهارات التعامل الصحيح مع الطفل، بل إن الأفراد الآخرين الموجودين من الحارس إلى مدير المدرسة يجب أن يكون لديهم وعي بالتعامل الصحيح مع هؤلاء الأطفال».

ولفتت مدربة تعديل سلوك المصابين بفرط الحركة الدكتورة سلوى خشيم إلى أن تشخيص الإصابة بالاضطراب تعود إلى قدرة الدكتور وخبرته واطلاعه المستمر، في ظل وجود الكثير من الأطباء الذين لا يستطيعون تشخيصه ويرجعونه لأنواع أخرى من الاضطرابات مثل اضطراب التوحد.

وبينت أن نسبة الوعي في المجتمع عن هذا الاضطراب من واقع تعاملها مع أولياء أمورهم والتربويين وصلت إلى 50 في المائة، مرجعة استهدافهم في إعطاء الدورات التدريبية للأمهات لتعريفهن بماهية الاضطراب وكيفية التعامل مع الطفل، وأسبابه ونسبة الأطفال المصابين.

وقالت «لزيادة اطمئنان الأمهات نذكر أسماء بعض المشاهير المصابين بهذا الاضطراب والذين وضعوا بصمتهم في التاريخ ومنهم توماس أديسون، واينشتاين، إلى جانب الكثير من الموجودين بيننا».

وأوضحت أن هذا الاضطراب موجود في أوروبا وأميركا منذ فترة طويلة بمسميات أخرى، ومع التقدم في العلم أصبح الاضطراب منفصلا ويشخص على أنه اضطراب فرط حركة وتشتت انتباه بعقاقير خاصة تصرف للشخص المصاب.

وأرجعت بداية التعرف على هذا الاضطراب في السعودية وعلاجه إلى منتصف التسعينات، وعلى الرغم من هذه الفترة في ممارسة التشخيص وعلاجه فإنه يتم للأطفال، وتوجد صعوبة في تشخيصه لدى المراهقين والبالغين وبالأصح لا توجد أماكن لتشخيص حالاتهم.

وأكدت الدكتورة سلوى خشيم أن العقاقير المستخدمة في علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه مكلفة جدا مقارنة بالعقاقير المعالجة للاضطرابات الأخرى، وقد يستمر العلاج لفترة طويلة أو قد يستخدم لفترة بسيطة على حسب حالة الاضطراب التي تختلف من مرحلة الشباب للمراهقة للبلوغ، مبينة أن كل مرحلة تحتاج لفترة معينة من استخدام العقار.

وأوضحت أن المدارس من أهم العوامل التي تتسبب في إحباط الأم وانتكاسة حالة الطفل في حال عدم تعرفهم على التعامل مع الحالة، مبينة أن الصلاحيات التي سمحوا لأنفسهم بإعطائها بعد أخذهم لدورات تدريبية على كيفية التعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تسببت في الكثير من المشاكل واختلاط الأمور، مبينة أن بعضا من المدرسين الذين يحرصون على أخذ الدورات لا يكون حرصهم في إتمام الدورات والحصول على شهادة من أجل مساعدة المصابين بهذا الاضطراب، بل تكون من أجل أغراض أخرى مثل الوصول لترقية معينة أو مكانة معينة.

وشددت على أن وجود الأمانة العلمية تفرض على التربويين حسن التعامل مع مثل هذه الحالات، وعدم مطالبتهم بخروج المصابين بهذا الاضطراب من مدارسهم، وإدخالهم مدارس التربية الفكرية، مبينة أنه علميا لا يمكن لهذه الفئة من المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أن تتلقى تعليمها في مدارس تربية فكرية وإنما تعليمهم يكون مع الأطفال الطبيعيين في المدارس العادية، بل العمل على مساعدتهم ونصح الأهالي بالنصائح السليمة التي تلقوها في الدورات التدريبية.

وبالعودة إلى الدكتورة سعاد يماني أوضحت أن جمعية «افتا» وهو اختصار اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، تبذل جهودها في التثقيف والتوعية والتدريب لكافة القطاعات والفئات في المجتمع منذ إنشاء المجموعة والجمعية.

وبينت تفرغهم بالدرجة الأولى لتنظيم اجتماعات دورية لأولياء الأمور لدعمهم معنويا وإعطائهم الفرصة الكافية لتبادل الخبرات والمهارات في التعامل مع الطفل المصاب بهذا الاضطراب داخل وخارج المنزل، إلى جانب تحديد برنامج تدريب الأهالي ليصبحوا مدربين من قبل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال. وإقامة دورات تدريبية للأهالي ليصبحوا مدربين بالتعاون مع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال.

إضافة إلى مشاركة جمعية «افتا» في عدة معارض في المملكة تهدف لرفع الوعي بالاضطراب وجمعية «افتا» ودورها في المجتمع، وزادت أنه تم إطلاق أول موقع إلكتروني عربي متخصص عن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، يهدف لنشر التثقيف العلمي والتربوي والطبي عن هذا الاضطراب، وإعداد ونشر 8 من المطبوعات الإرشادية والموجهة لفئات مختلفة مثل أولياء الأمور والتربويين. وتنظيم ما يقارب 20 ورشة عمل حول اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه موجهة لكل من أولياء الأمور والتربويين والأطباء.

وبينت أن هذه الورش أعدت بأسلوب مناسب من شأنه تطوير المهارات التعليمية والطبية والبحث عن أسلوب التواصل المناسب في البيئة المنزلية والمدرسية مع الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. إلى جانب نشر مواضيع مختلفة المجالات عن فرط الحركة وتشتت الانتباه بعدد من المجلات والجرائد وطرح الموضوع من خلال برامج متعددة بالراديو والتلفزيون، وعمل جلسات تعديل السلوك للمصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه مع الأهالي لمختلف الأعمار من 3 إلى 18 سنة.