توجه لإنشاء «صندوق كيميائي خيري» لعلاج الأورام في السعودية

في ظل ارتفاع كلفة علاج مرض السرطان

الدكتورة سامية العمودي تتحدث في إحدى المناسبات السابقة الخاصة بسرطان الثدي («الشرق الأوسط»)
TT

كشف مصدر مسؤول في مركز محمد حسن العمودي للتميز في رعاية سرطان الثدي، عن توجه لإنشاء «صندوق كيميائي خيري» للإنفاق على علاج مرضى السرطان، بهدف تخفيف عبء ارتفاع تكلفة العلاج.

وأوضحت الدكتورة سامية العمودي مديرة المركز، أن متوسط العلاج للفرد إضافة إلى الفحوصات والأشعة المطلوبة، يكلف الفرد ما يقارب 500 ألف ريال، مشيرة إلى أن هذه التكلفة لامستها من خلال تجربتها الشخصية مع المرض وعلاجه. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من توافر العلاج في المستشفيات الحكومية فإنها لا تغطي جميع المرضى في جميع القطاعات»، موضحة أن هذا الأمر بالنسبة للمواطنين، أما بالنسبة للمقيمين فالقضية أكبر وقد لا يتمكن الشخص أحيانا من دفع قيمة الفحوصات التي لا تتوافر لهم.

وكشفت العمودي عن أنهم في طور العمل وفق آلية نظامية لإنشاء صندوق خيري يخصص لمعالجة هذه الفئة وقالت: «نحن في طور العمل لإنشاء (الصندوق الكيميائي الخيري) لمعالجة مرضى السرطان يساهم فيه أفراد وشخصيات، وفقا لآلية نظامية مقننة، وهو من ضمن المشاريع الجاري العمل عليها».

وأشارت إلى أن هذا الصندوق سيجد الدعم الكبير من أهل الخير، ولا سيما أن مثل هذه المشاريع الطبية الخيرية الإنسانية لا يتردد أهل الخير عن المساهمة فيها لما لها من مؤشر ومردود اجتماعي كبير.

وبينت العمودي أنه من خلال تجربتها مع مرض السرطان لامست مدى ارتفاع العلاج وتكلفته، وبالرغم مما توليه وزارة الصحة والجمعيات الخيرية وشركات القطاع الخاص من اهتمام ملموس بمرضى السرطان فإن هناك احتياجا دائما، لا سيما في علاج الحالات المتقدمة، الأمر الذي جعلها تتخذ مثل هذا التوجه لمساعدة المصابين الذين لا يمكنهم دفع تكلفة العلاج.

وفقا للسجل السعودي للأورام، فقد أشار إلى أن هناك تزايدا بشكل عام في حالات السرطان بالسعودية بين عامي 1994 و2004 من 5703 إلى 6969 حالة، وهو ما أرجعه الدكتور عبد الرحيم قاري استشاري أمراض الدم والأورام إلى زيادة السكان وتغير التركيبة السكانية.

وبين في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن سرطان الدم والأورام اللمفاوية تشكل نسبة كبيرة من الأورام في السعودية حيث زاد عدد المصابين بين عامي 1994 و2004 من 595 إلى 739 حالة، إضافة إلى الزيادة الواضحة في عدد حالات القولون والمستقيم لنفس السنوات حيث ارتفع من 166 إلى 366.

ولفت إلى ضرورة أخذ ذلك في الاعتبار لوضع خطط صحية، مبينا أن أورام الثدي والغدة الدرقية هي الأكثر شيوعا بين النساء وهي في ازدياد، بينما أورام القولون في ازدياد لدى الرجال.

وفي ذات الوقت بينت الإحصاءات ارتفاع عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي لتصل إلى 24 في المائة، أي ما يعادل حالة إصابة بين كل 15 امرأة تتراوح أعمارهن بين 60 و79 سنة، في حين أن متوسط أعمار المصابات بسرطان الثدي في السعودية 47 سنة، وهو أصغر بـ10 سنوات من متوسط أعمار المصابات في الغرب.

وحول أسباب إصابة الفئة العمرية تحت سن الـ50 في السعودية، بين استشاري أمراض الدم والأورام أن أسباب هذه الزيادة قد تعود إلى التغيرات السكانية، مؤكدا أنه وفقا للسجل السعودي للأورام فإن الفئة العمرية بين 25 و55 سنة يوجد فيها نحو ثلثي حالات سرطان الثدي، وربما يرجع السبب إلى الزيادة في عدد السكان بالسعودية، تتمثل في هذه الفئة العمرية التي تمثل 60 في المائة من السكان، إضافة إلى أن تغيرات التركيبة السكانية تفسر جزئيا هذه الزيادة - على حد تعبيره.

ولفت قاري إلى أن هناك تقصيرا من قبل الأطباء والباحثين في معرفة أسباب إصابة الفئة العمرية تحت الخمسين في السعودية، مطالبا ببذل جهد أكبر لتفسير هذه الأمور، التي ربما تكون بسبب تغير أنماط الغذاء أو حدوث طفرة جينية إضافة إلى أهمية أن تتركز الجهود لمكافحة السرطان لدى هذه الفئة العمرية.

وعادت العمودي بالقول «إن من سبب ارتفاع حالات الإصابة بسرطان الثدي أننا في السعودية أصبحنا الآن أكثر دقة وشمولية في العمل الإحصائي، إضافة إلى نتيجة الحملات المتكررة والتي أدت إلى اكتشاف المزيد من الحالات»، مؤكدة على ضرورة استمرار التوعية بأهمية الفحص المبكر الذي يؤدي إلى اكتشاف المرض مبكرا وبالتالي مضاعفة فرصة الشفاء وتقليل تكلفة العلاج، مشيرة إلى أن تأخير سن الزواج قد يكون أيضا من الأمور التي لها دور في الإصابة بالمرض، لافتة إلى عدم وجود دراسة محددة تثبت أسباب ارتفاع الحالات.

وأوضحت أن ارتفاع عدد الحالات في السعودية التي غالبا ما تكون متقدمة، يرهق ميزانية الفرد وقطاع الصحة، وقالت: «لذلك نسعى نحن لنشر ثقافة الكشف المبكر التي من دورها أن ترفع نسبة الشفاء وتخفض نسبة الوفيات، كما أنها تجنب إهدار موارد الدولة على علاج الحالات المتقدمة».

الأمر الذي أكده قاري وهو أن الكشف المبكر يؤدي لنتائج واحتمالية شفاء أكثر، إضافة إلى أنه يخفض تكلفة العلاج، موضحا أن السرطان في مراحله الأولى يحتاج لتدخل جراحي أو علاج إشعاعي، لكنه لا يحتاج إلى علاج كيميائي حيث يعتبر مكلفا جدا، مشيرا إلى أنه في المرحلة الثانية والثالثة والرابعة أيضا نضطر إلى استخدام العلاج الكيميائي ذي النفقة المرتفعة. وأضاف: «هناك 4 سرطانات قابلة للكشف المبكر اثنان منها للنساء وهي سرطان الثدي وعنق الرحم، وبالنسبة للرجال سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا الذي يتم اكتشافه عن طريق تحليل الدم»، لافتا إلى أن لكل ورم خصائصه التي تختلف عن الآخر. وأشار قاري إلى وجود مستشفيات كبيرة في السعودية، كالحرس الوطني والتخصصي، تحتوي على أقسام لعلاج الأورام، لافتا إلى أنها تستوعب أعدادا كبيرة من المرضى، وقال: «بالنسبة للأجانب فالتأمين الطبي الذي فرض منذ فترة قد يكون سهل عليهم موضوع العلاج، ولا سيما أن البوليصة التأمينية التي نظمت من قبل مجلس الضمان الصحي التعاوني قد شملت الأمراض الخبيثة أيضا».

وأكد أنه على الرغم من ذلك فإن ميزانية وزارة الصحة لا تمكنها من تغطية تكلفة علاج جميع المرضى، خاصة أن تقديرات المختصين تشير إلى أن تكلفة علاج الفرد الواحد تكلف 500 ألف ريال، لذا قد نجد قصورا في علاجهم.

وفي نفس السياق، أوضح مصدر في العلاقات العامة بمركز زهرة لسرطان الثدي، فضل حجب اسمه، أنهم لاحظوا ارتفاع الأعداد خلال السنوات الخمس التي تم إنشاء المركز فيها، مشيرا إلى أن أكثر حالات الإصابة تتراوح من 30 سنة وما فوق، موضحا أن العلاج مكلف، ولكن المركز يقدم الدعم لهذه الفئة بالقدر المستطاع.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «بسبب تكلفة العلاج التي ترهق الفرد تعمل الجمعية على تقديم المساعدة لهذه الفئة من خلال عقد اتفاقيات مع مستشفيات خاصة في مختلف مناطق السعودية لإعطائهم قسائم خصم قد تصل إلى 60 في المائة فقط على الفحوصات وليس العلاج الذي يعتبر ذا تكلفة عالية».

وبالعودة إلى العمودي فقد لفتت إلى أن السعودية مقارنة بالبلدان الأخرى لا تعتبر من الدول التي يرتفع فيها عدد الإصابات، فالرقم الإجمالي ليس كبيرا، مبينة أن المشكلة تكمن في أن ثلث الحالات المكتشفة تكون متقدمة وبالتالي ينعكس هذا الأمر على نسبة الشفاء، والأمر الآخر أن 30 في المائة من المصابات هن أقل من 40 سنة، مقابل 7 في المائة فقط في الدول الأوروبية، لافتة إلى أن هذه الأرقام هي بحاجة للتركيز عليها في البحث العلمي لمعرفة أسباب ارتفاع عدد المصابات الأقل من 40 عاما.

وعاد المصدر للحديث عن وجود مركز يسمى «لمسة زهرة» يقوم بتوفير احتياجات المصابات، لافتا إلى أنه المركز الوحيد في الشرق الأوسط الذي يوفر هذه الاحتياجات، مشيرا إلى تخصيص جزء لغير القادرين على دفع تكلفة هذه الاحتياجات وإعفائهم من دفع قيمتها.

وكررت العمودي على أهمية نشر ثقافة الفحص المبكر الذي بات أمرا أساسيا، موضحة أن الحملات التوعوية التي قدمها المركز تخاطب جميع شرائح المجتمع بدءا من العاملين في القطاع الصحي، ثم حملة خاصة بالطلبة والطالبات، وحملة أخرى لمخاطبة فئة الصم والبكم بلغة الإشارة.

ولفتت إلى أن حملة هذا العام خصصت لمخاطبة الرجل بعنوان «أنت شريكي» الذي يعتبر هو صانع القرار وشريك المرأة فإذا كان لا يعرف ولا يدرك خطورة سرطان الثدي والتعامل مع المريضة أو أهمية الفحص المبكر فهنا يكمن الخلل، وقالت: «أردنا أن يدرك الرجل أهمية الفحص المبكر، وكيفية التعامل مع المريضة فالرجل أيا كان للمريضة، سواء كان زوجا أو ابنا أو قريبا، يجب أن يكون على وعي بالتعامل معها»، لافتة إلى أن 1 في المائة من الرجال يصابون بالمرض مقابل 99 في المائة من النساء.

ولم يكن ارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان ومعاناة ارتفاع تكاليف العلاج حصرا على السعودية حيث حذر فريق مكون من 37 باحثا في مجال علم الأورام في العالم من أن كلفة علاج مرض السرطان في دول العالم المتقدمة آخذة في التصاعد، وهي «تتجه نحو أزمة حقيقية».

وأضاف الباحثون في تقرير نشر في مجلة «لانيست لعلم الأورام» أن عدد مرضى السرطان وكلفة علاج كل مريض في ازدياد مستمر، مشيرين إلى أنه يتم تشخيص نحو 12 مليون إصابة بمرض السرطان في أنحاء مختلفة من كل عام، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 27 مليون حالة بحلول عام 2030.

كما لفت التقرير إلى أن الكلفة السنوية لعلاج الحالات الجديدة من مرض السرطان تقدر بنحو 286 مليار دولار أميركي، وبين أن معظم الدول المتقدمة تخصص ما بين 4 و7 في المائة من ميزانيات الرعاية الصحية لديها للتعامل مع حالات السرطان.