بعد الإندونيسيات.. الهروب يسيطر على العاملات الإثيوبيات والكينيات

نائب قنصل إثيوبيا في جدة لـ «الشرق الأوسط»: عقوبات رادعة للحد من خروجهن بطرق غير نظامية

مجموعة من العاملات المنزليات المخالفات اللاتي تم ضبطهن مؤخرا («الشرق الأوسط»)
TT

تفاجأت كثير من الأسر السعودية، بحالات هروب للعاملات المنزليات من الجنسيات الإثيوبية والكينية، على الرغم من أن تجربة استقدامهن لم تمض عليها سوى 3 أشهر، بعد أن شهدت السعودية أزمة في استقدام الخادمات بعد توقف الاستقدام من الفلبين وإندونيسيا، وهو ما جعل السفارة الإثيوبية تتخذ إجراءات رادعة للحد من حالات الهروب، وذلك بإلزام العاملة بإنهاء مشكلاتها مع الأسرة السعودية قبل السماح لها بالسفر لبلدها.

يأتي ذلك في وقت شهدت فيه أضابير شرطة منطقة المدينة المنورة تحقيقا حول العثور على جثة عاملة منزلية هاربة، توفيت نتيجة الإعياء بسب الحرارة، والعطش، بعد أن هربت من كفيلها، الذي أبلغ عن هروبها لدى الأجهزة المعنية، منذ نحو أسبوع، وعثر على الجثة على بعد 5 كيلومترات من منزل كفيلها، ولا تزال التحقيقات جارية لكشف الحادثة.

وتعتبر مشكلة هروب الخادمات من المشكلات التي تسبب قلقا كبيرا للأجهزة الأمنية، لما تسببه من مخالفات كبيرة، بدءا من العمل بطرق غير نظامية، والدخول في قضايا وجرائم أمنية، وكانت مشكلة الهروب تنحصر فقط في العاملات الإندونيسيات قبل إيقاف وتعثر الاستقدام بينها وبين السعودية، إلا أن الوضع تجدد مع العاملات المنزليات المستقدمات من الدولتين الأفريقيتين اللتين فتحت السعودية معهما باب جلب العاملات كخدم ومدبرات منازل ومربيات للأطفال.

واتهمت مكاتب استقدام في السعودية ضعف برامج التدريب، والتوعية في كل من كينيا وإثيوبيا، التي تلزم العقود المبرمة بين مكاتب الاستقدام والسماسرة في تلك البلدان، بضرورة التشديد في البرامج والدورات المرتبطة بعادات وقوانين السعودية، وأن بعض المكاتب أصبحت تفكر في تقليل طلباتها للاستقدام، حيث يدخل يوميا إلى السعودية من العاملات من كينيا وإثيوبيا ما يتراوح ما بين 3 إلى 5 آلاف عاملة.

وأرجع صالح حرندة، عضو لجنة الاستقدام في غرفة جدة لـ«الشرق الأوسط» المشكلات التي ظهرت مؤخرا مع عمليات الاستقدام من إثيوبيا وكينا، سواء من قبل الأسر في مشكلة الهروب أو التأخير في جلب العمالة من قبل مكاتب الاستقدام، إلى حداثة التجربة، وثانيا تأخر تلك الدول تقنيا، حيث ما زالت تلك البلدان تتعامل بالأوراق وليس هناك أجهزة، وبرامج حديثة، يمكن تعاملها مع القطاع العام والخاص في السعودية مع تلك الدول.

وقال حرندة: «هناك أسباب أخرى، تتعلق بوجود سماسرة، في الداخل، يوفرون عملا للعاملات برواتب تتجاوز المرتبات الشهرية التي تدفعها الأسر السعودية، وقد تبلغ بعض المرتبات الشهرية في المناسبات والأعياد 2000 ريال شهريا، في حين أن مرتبها نظاميا لا يتجاوز 750 ريالا، وهذا أمر مغري جدا، إضافة إلى وجود أقارب لهؤلاء العاملات، أوجدن طريقة للوصول لأزواجهن، بالوجود عن طريق تأشيرة عمل كخادمة، وعند الوصول إلى السعودية يهربن، ويحصلن على إيواء لهن بمنازل الأقارب، وفي الغالب يكونون أزواجا أو أخوة».

ونفى نور الدين مصطفى، نائب القنصل العام للشؤون الاقتصادية للسفارة الإثيوبية في جدة لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون هناك ضعف في برامج التدريب، وقال: «على العكس، فهناك تشديد على الشركات العاملة في استقدام العمالة في أديس أبابا، سواء في تعليم اللغة العربية، ووضع برامج للتوعية بما يتعلق بقوانين السعودية وعادات وتقاليد الأسر».

وأرجع نور الدين مشكلة الهروب إلى حداثة بيئة العمل للعاملة بين الأسر السعودية وخروجها من بلدها، مقللا من كثرة حالات الهروب.

وكشف نائب القنصل العام الإثيوبي للشؤون الاقتصادية عن برامج تم اعتمادها من قبل إدارته، ويجري التباحث مع عدد من الجهات ذات العلاقة في السعودية لتنفيذها، كمنع العاملة من السفر لحين الحصول على أوراق ثبوتية، تثبت عدم وجود إشكاليات بينها وبين كفيلها أو صاحب العمل.

وحول ما إذا كانت السفارة تتابع وتدرس أسباب كثرة البلاغات التي ترد إلى أقسام الشرطة، لتبلغ عن خادمات هاربات من رعاياها، قال نور الدين: «هذا ضمن البرامج المقبلة، التي يتم التباحث حولها، كالحصول على بيانات وصور كل هاربة لدخولها في العقوبات التي يتم فرضها على كل الرعايا».

من جهته، قال علي الغامدي مسؤول في أحد مكاتب الاستقدام في جدة: «المكاتب ملزمة بتعويض كفيل الخادمة ببديلة في حال هروبها قبل 3 أشهر من تسلمها من المكتب، وتوقيع العقود، وهنا تتحمل الخسائر شركات السماسرة في بلدها، ولكن عند هروبها بعد هذا التاريخ، فإن الخسارة يتحملها صاحب العمل، وكثيرا من الزبائن يأتون إلينا، ولا نجد سوى القول لهم (الله يعوض عليكم في خسائركم)».

ويدفع الراغب في استقدام الخادمة مبلغ 8 آلاف ريال كرسم تأشيرة، ومبالغ مكاتب السمسرة، ويتم جلبها عن طريق مندوبين لمكاتب في السعودية لتنفيذ إجراءات قدومها من تذاكر وإنهاء برامج تدريبها، والكشف عليها طبيا حسب الاشتراطات الصحية في السعودية من قبل وزارة الصحة، حيث تلتزم الأخيرة بالكشف مرة أخرى عند وصولها للسعودية لتأكيد خلوها من الأمراض المعدية.

رسميا، قال محمد الحسين، المتحدث الرسمي للجوازات في منطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، إن إدارة الجوازات تتعامل مع مشكلة الهروب بعيدا عن جنسية معينة، فالجميع متساوون أمام المخالفة والعقوبة، وجميع العاملات أو المهن الأخرى تخضع لإجراءات البصمة، وتسجيل الخصائص الحيوية لكل شخص، وفي الغالب دائما ما تكون مشكلة الهروب تدخل في أسباب معروفة، من وجود سماسرة يسهلون على الهاربة وجود إيواء مناسب، إضافة إلى توفير عمل بطرق نظامية.

وأضاف: «هناك خطط ميدانية لتمشيط الأحياء وخاصة المناطق العشوائية، لكشف المخالفين الذين يقومون بإسكان العاملات عند هروبهن، وبعد كشفهن يتم التحقيق معهن عن طريق الجهات المعنية، للتأكد من أن يكن مسجلات في جرائم وقضايا أمنية».

وكانت السعودية، ومنذ بداية العام الحالي، قد شهدت أزمة عمالية بعد توقف جلب العمالة المنزلية التي كانت محصورة بين الفلبين وإندونيسيا، وكانت الأخيرة تمثل 80 في المائة من مجموع وجود العاملات.

وكانت إندونيسيا قد أعلنت عن إيقاف الاستقدام للسعودية، بسبب حالة فردية تعرضت لها خادمة، وقوبلت في السعودية باستنكار رسمي من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وتم القبض على المتسببة وحوكمت، في محكمة المدينة المنورة، بالإضافة إلى الاعتراض الذي أبدته السلطات التشريعية ممثلة في مجلس الشورى على رفع رسوم الاستقدام لـ550 دولارا عن كل عاملة، ليصل مجموع قيمة التأشيرة إلى 1200 دولار، معتبرة ذلك ابتزازا للمواطن في السعودية، داعية إلى البحث عن بدائل جديدة لإندونيسيا.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن لجنة الاستقدام السعودية، توجهت إلى كل من كمبوديا ونيبال، لتوفير العمالة المنزلية، حسما للخلاف مع إندونيسيا الذي وصل إلى طريق مغلق، ونفت اللجنة أي توجه لتوفير عاملات منازل من أي دولة عربية، بحسب مصدر في اللجنة لـ«الشرق الأوسط». وتوقع المصدر بدء الاستقدام من كل من كمبوديا ونيبال خلال الشهرين المقبلين.

وكانت السعودية قد حسمت خلافها مع إندونيسيا حول الاستقدام بالتوجه نحو نيبال وكمبوديا، ولكن تلك الدول لم تجد ترحيبا من قبل الأسر السعودية، ليكون البديل في القارة السمراء عبر إثيوبيا وكينا، لتوفير العمالة المنزلية.

وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين في إندونيسيا قد طالبوا بعودة التفاوض في الاستقدام، بعد أن خسرت إندونيسيا أكثر من 15 ألف فرصة وظيفية شهريا، كانت السعودية توفرها للعمل كمربيات وعاملات، وسائقين ومزارعين بالنسبة للرجال، إلا أن الشروط التي حددتها شركات السماسرة في جاكرتا تسببت مرة أخرى في إثارة الجدل بين الأوساط السعودية، وصلت مفاوضات اللجان العمالية في السعودية وإندونيسيا إلى مكان مسدود بعد اشتراط الأخيرة شرطا مثيرا للجدل لمخالفته للعادات السعودية، حيث اشترطت جهات مسؤولة ترعى رعاياها في الخارج، وضع صورة واضحة ومكبرة للزوجة ولجميع أفراد الأسرة الراغبة في استقدام خادمة من إندونيسيا، وهو ما تم رفضه من الجانب السعودي، إضافة لمنع أي سعودي من الاستقدام ما لم يقل مرتبة الشهري عن 15 ألف ريال، مع رفع الرواتب من 850 إلى 1500 ريال، وهو ما قوبل بالرفض من قبل الجهات الرسمية والمجتمع المدني في السعودية.

وأوضح صالح الحرندة، عضو لجنة الاستقدام في غرفة جدة لـ«الشرق الأوسط» في حينها: «لقد فوجئنا في لجان الاستقدام مع وفد من وزارة العمل السعودية عند لقائنا الأخير بلجان العامل في إندونيسيا بشروط جديدة تخالف العادات والتقاليد، على الرغم من أن الاجتماع كان مقررا لمناقشة الأسعار التي وصلت إلى مستويات قياسية».

وأوضح محمد حسان باجري، وهو صاحب شركة سمسرة في إندونيسيا لدول الخليج لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن «قرار التسعيرة تحدده السوق، وحاليا السعودية هي الدولة الوحيدة التي قامت بتخفيض التسعيرة، ولا نعرف على أي مقومات استندت في قرارها». وقال: «أتوقع أن يستمر التأخر في وصول العمالة المنزلية إلى السعودية، وسيطول الانتظار إلى أكثر من ذلك، لأن المكاتب تبحث عن السعر الأفضل لتحقيق أرباحها، وحجم الطلب على العمالة الإندونيسية في العالم أصبح كبيرا، حيث تواجه مكاتب التوظيف طلبات كبيرة، وخصوصا في بلدان الخليج وبلاد الشام، ووضعت تلك الدول تسهيلات تصل إلى توفير العمالة في أقل من أسبوعين فقط».

ودعا أعضاء في مجلس الشورى واقتصاديون إلى إيجاد حلول وبدائل لاعتماد السعوديات الموظفات على الخادمات الأجنبيات، عقب الجدل الدائر مؤخرا في الاستقدام، الأمر الذي اعتبر ابتزازا من مكاتب توفير العاملات من الخارج.

في حين اعتبر اللواء متقاعد صالح الزهراني رئيس اللجنة الأمنية في مجلس الشورى في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» ممارسات المكاتب الأجنبية ابتزازا للسعوديين، وقال: «هذا الأمر مرفوض لأنه استغلال لحاجة الأسر، وهو ما يوجب على اللجنة الوطنية للاستقدام فتح المجال لعدد أكبر من الدول لاستقدام العمالة المنزلية حتى تضع خيارات المواطن لتحد من التلاعب في الأسعار».

وكان الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي عام السعودية، قد وجه انتقادا عنيفا في خطبته يوم الجمعة الأسبوع ما قبل الماضي لبعض مكاتب الاستقدام العاملة في بلاده، متهما بعضها بـ«المتاجرة» بالعمالة. وطالب المفتي، وهو رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء، الجهات المختصة، بتنظيم الأوضاع الحالية لمكاتب الاستقدام، وقال إن بعضها «يتصف بالكذب».

ويأتي حديث مفتي عام السعودية عن ملف العمالة المهاجرة، في وقت تواجه فيه الرياض انتقادات من بعض المنظمات الدولية، على خلفية حادثتي التعذيب اللتين تعرضتا لهما خادمتان إندونيسيتان، إحداهما لقيت حتفها جراء عمليات عنف.

وهنا، انتقد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الرجل الأول في المؤسسة الدينية الرسمية، سوء التصرف الذي يحدث من البعض تجاه العمالة، ويفضي إلى وقوع أعمال جنائية. وقال المفتي: «إن كثيرا من القضايا إنما مصدرها غالبا سوء تصرف بعض أرباب العمل، سوء تصرفهم حتى يحدثوا من هذا التصرف السيئ ظلما يترتب عليه جنايات كبيرة».

لكن رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية، رأى في خطبة الجمعة في جامع الإمام تركي بن عبد الله وسط العاصمة الرياض، أن مكاتب الاستقدام، تتحمل جزءا كبيرا من الأخطاء التي تقع في ملف العمالة المستقدمة. وأكد المفتي أن بعض مكاتب الاستقدام تمارس المتاجرة بالأشخاص، واستفزازهم بأمور غير مشروعة.

وقال: «مكاتب الاستقدام أحيانا تتصف بالكذب بالمواعيد، والإخلال بها، والغش فيما يأتون به. هناك كذب فيما يقولون، يعدون ويكذبون، ويخبرون بأن العامل سيأتي بعد يوم أو يومين أو شهر، وإذا بهم يمارسون الكذب والزور والإخلال بالمواعيد، وغشهم أحيانا بأن يأتوا بعامل، والمواصفات المطلوبة بالعمل المطلوب غير متحققة في العامل، فيظلمون العامل المسكين ويظلمون رب العمل».

وأضاف مفتي عام السعودية في إطار حديثه عن الأخطاء التي تقع فيها مكاتب الاستقدام قوله: «ومن أخطائهم، متاجرتهم بأولئك (العمالة)، وتأجيرهم بمبالغ زائدة، ثم لا يعطون العامل إلا جزءا منها، ويتلاعبون بأموالهم ويستفزونهم بأمور غير مشروعة، كل هذا من أخطائهم».

وأشار الشيخ آل الشيخ، إلى موضوع المبالغ المرتفعة التي تضعها مكاتب الاستقدام مقابل تأجير العمالة، ثم لا تعطي العامل سوى نصف المبلغ، بينما يستحل النصف الآخر. وقال: «فليتق المسلم ربه ولتكن معاملته بالصدق والأمانة والوفاء، إن كثيرا منهم (أصحاب مكاتب الاستقدام) يؤجرون العامل بـ1500 ولا يعطونه إلا نصفها، والباقي يأخذونه، فبأي حق يستحقون تلك الأموال؟».

وتشرع السعودية، عبر 4 مناطق، إلى تأسيس شركات لتأجير العمالة للتخفيف من استقدام العمالة بمختلف أنواعها وخاصة العمالة المنزلية، الأمر الذي يقطع الحد من وجود عمل وفرص وظيفية بطرق غير نظامية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن بعض الشركات قد أنهت عملية إكمال النصاب للحصول على رأس مال مقترح، والبالغ عدده 100 مليون ريال.

وقال عضو لجنة استقدام، فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» إن مشكلة العمالة المنزلية من هروب وسوء الخدمة، لن تحل بالتشديد على البلدان التي يتم استيراد العاملات منها، وإن الحل يكمن في تأسيس الشركات وتحديد فروع لها بالمدن والمناطق والهجر، حيث ستحصل على حوافز وتسهيلات حكومية.