الإعلان قريبا عن آليات القضاء المتخصص في السعودية

المجلس الأعلى للقضاء يرشح 54 قاضيا لتدريبهم وتأهيلهم لتولي المحاكم الجديدة

عصر التطوير لمرفق القضاء بالسعودية يدشن قريبا بإطلاق 5 محاكم متخصصة في خطوة تعد نقلة نوعية لذلك القطاع («الشرق الأوسط»)
TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة بالسلك القضائي السعودي عن قرب العمل بآليات القضاء المتخصص، من خلال إطلاق المحاكم التجارية، العمالية، والجزائية، التي تأتي في إطار مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء بالبلاد.

وأكد الشيخ حمد الرزين، القاضي في المحكمة العامة بالرياض، بأن قرار إطلاق 5 محاكم متخصصة يعد نقلة في تاريخ القضاء السعودي، ويتزامن مع الخط المهم لتطوير مرفق القضاء، مؤكدا أن الخطوات العملية لإتمام هذا المشروع تتم بتكليف وتدريب بعض القضاة على المحاكم المتخصصة، حسب رغباتهم، لافتا إلى أنه سيكون لهم الأولية في تولي القضاء لما اختاروه.

إلى ذلك، كشف المجلس الأعلى للقضاء، في الأسبوع الماضي، عن ترشيح 54 قاضيا للتدريب في آليات القضاء المتخصص الجزائي، استعدادا لإطلاق المحاكم المتخصصة بعد تعديل نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية.

وانتهى المجلس فعليا من تسمية القضاة المرشحين للبرنامج التدريبي للقضاء المتخصص، حيث رشح 32 قاضيا للتدريب على القضاء الجزائي، و15 قاضيا للتدريب على القضاء التجاري، و7 قضاة للتدريب على القضاء العمالي.

وأوضح الرزين أنه بعد إنجاز التدريبات اللازمة للقضاة سيتم افتتاح المحاكم المتخصصة، بعد صدور المرافعات بعد التعديل, ثم مباشرتهم في محاكمهم, واعتبر الوقت المحدد لتفعيل دور القضاة في المحاكم وانطلاق هذه المحاكم يأتي مرهونا بصدور قانون المرافعات، والتعديل المرفوع به للمقام السامي، الذي لم يصدر حتى الآن.

وكان المجلس الأعلى للقضاء فتح المجال لقضاة المحاكم العامة والجزئية للالتحاق ببرنامج التدريب على القضاء المتخصص، وأكد حينها أن ترشيح القضاة يأتي لأغراض التدريب على القضاء المتخصص فقط، على أن لا يعني التدريب ضمان الترشيح للمحاكم المتخصصة.

واعتبر الرزين أن من أهم انعكاسات هذا القرار على القضاء في السعودية تغيير طريقة التقاضي الموجود على درجتين، ولكن حين إطلاق المحاكم فسوف يكون على ثلاث درجات, وتوزيع الاختصاصات في القضايا على المحاكم، بعد أن كانت جميعها في محكمة واحدة, إلى جانب تخفيف التكدس الحاصل في المحاكم, وشدد الشيخ حمد الرزين على أن هذا القرار سيحدث نقلة نوعية في القضاء في السعودية, مبينا أن إطلاق المحاكم وتطبيق الأنظمة سيجعل هناك نوعا من الوضوح في قضية التقاضي, الذي سيخفف الكثير من العبء على المراجعين والمحامين والمتخصصين في قضاياهم, مما سيؤدي لتسريع الإجراءات الفعلية والمطلوبة والإنجاز في الكثير من القضايا وتسهيل تنفيذ الأحكام.

وعلى صعيد ذي صلة، اعتبر عدد من المهتمين بالشأن القضائي بالبلاد أن ما يشهده القضاء يعد نقلة حقيقية ونوعية لأدائه، عطفا على ما يمثله ذلك القطاع من أهمية بالغة، نظرا لطبيعة العملية التي ينظمها وخطورتها من جهة، ولما تضمنه من أحكام تحقق المبادئ العامة للقضاء الكفء.

إلى ذلك، أكد الدكتور إبراهيم بن عبد المجيد الأبادي، المدعي العام عضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا والمحامي والمستشار الشرعي والقانوني والمحكم المعتد حاليا، أنه كي يكون القضاء بالبلاد ذا إنتاجية مميزة بالكم والنوع، فلا بد من التطوير المرتقب على نظام القضاء ونظام ديوان المظالم بالصيغة الجديدة وآلية العمل التنفيذية لهما.

واعتبر الأبادي أن ما قرره النظام الجديد في أحكامه هو إكمال استقلال القضاء وتكريسه، من خلال حصر الشؤون الوظيفية للقضاة في المجلس الأعلى للقضاء, وإلحاق اللجان ذات الاختصاص القضائي بالسلطة القضائية, ومن المعلوم ما يحققه ذلك من أثر في البيئة العدلية بصورة عامة، وما ينتج عنه من إحقاق للحقوق وتوفير للأمن, وأثر مباشر في التنمية، في وقت تعد فيه أبرز ما تضمنته تلك الأنظمة الجديدة الأخذ بالتخصص القضائي بشكل أكبر، حيث تم تخصيص محاكم تجارية وعمالية وأحوال شخصية وجزائية وعامة, في تلك المحاكم من خلال دوائر متخصصة.

إلى ذلك يؤكد الأبادي أن هذا القرار يعتبر داعما مهما للعملية القضائية وسببا لتركيز الخبرات وتراكمها في أنواع معينة من القضايا، مؤكدا أنه ينعكس إيجابا على الإنجاز والجودة في الأحكام، لافتا إلى الدور المهم الذي سيكون للمحكمة التجارية في دفع التنمية الاقتصادية في المملكة، ولا سيما أن الآلية التنفيذية تضمنت نقل قضاة الدوائر التجارية (الابتدائية والتدقيقية)، الذين كانوا في ديوان المظالم إلى المحاكم التجارية مما سيحقق معه استقرار الأحكام والمبادئ القضائية.

ولم يخف الأبادي حاجة الأنظمة الإجرائية السعودية (المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية, والمرافعات أمام الديوان والتحكيم وغيرها) لمزيد من التطوير، من خلال إصدار المدونات الموضوعية، (المعاملات المالية والعقوبات والأحوال الشخصية)، بالإضافة إلى تأهيل وتدريب العاملين في البيئة القضائية من القضاة وكتاب العدل والمدعين العامين والمحامين ومعاوني القضاة، ولعل ذلك ما أشارت إليه القرارات الملكية، التي تضمنها مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء، باعتبارها جزءا من مشروع التطوير.

والمح الأبادي إلى أن العمل بمشروع تطوير مرفق القضاء لا يزال يعاني من بطء في تنفيذها، معتبرا أن الواقع القضائي محليا لا يزال كما كان عليه قبل صدور النظام، وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للقضاء كان قد أعلن أواخر فبراير (شباط) 2010، أصدر قرارا يقضي بإنشاء محاكم تجارية في عدد من مدن المملكة، وموضحا أنه منذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم يشهد أي أثر لتلك المحاكم، كما أن ديوان المظالم ما زال مستمرا في نظر النزاعات التجارية ليتساءل: أين هي المحاكم التجارية؟

من جانبه، بين الدكتور عادل سقا المحامي والمستشار القانوني أن هذا القرار سيكون له مردود إيجابي من حيث تحديد الاختصاص النوعي، بما يسهل إجراءات التقاضي للمتقاضين، ويحد من ظاهرة الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص النوعي، كصدور حكم من ديوان المظالم بعدم الاختصاص ولائيا في نظر الدعوى وذلك للاختصاص النوعي في نظر القضية للمحكمة العامة، وقد يكون العكس صحيحا، معتبرا أن المحاكم المتخصصة تساعد القضاة على سرعة إصدار الأحكام، التي تستغرق وقتا طويلا في الآونة الأخيرة، مما يخفف العبء على القضاء والتقاضي بالمملكة للمواطن والمقيم والمستثمر.

يشار إلى أن مشروع «الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء» يتمتع بدعم مالي من قبل الحكومة السعودية، حيث خصص له ما يزيد على 7 مليارات ريال، كما يعد ذلك المشروع مشروعا متكاملا، ويهدف إلى تحقيق كل ما يتطلبه هذا التطوير من تهيئة الكوادر وتوفير الوظائف والتجهيزات ومباني المحاكم والمتطلبات اللازمة لتحقيق الأهداف والغايات من الرقي به.