قصر الملك عبد العزيز بالدوادمي.. خططه المؤسس وشيد بتكلفة 3000 ريال

موقعها وإرثها التاريخي يعززان النمو مع ظهور صناعة الجرانيت للمسجد الحرام

جانب من قصر الملك عبد العزيز في الدوادمي («الشرق الأوسط»)
TT

تجتمع بمحافظة الدوادمي التي تربض في علو من الصحراء على هضبة نجد، أكثر المواقع الأثرية والتاريخية بوسط السعودية، ومن أبرزها قصر الملك عبد العزيز الذي تم إنشاؤه منتصف القرن الماضي، وتعول الدوادمي - تبعد عن الرياض نحو 300 كيلومتر غربا على تلك الميزة بهدف جذب الزوار والسياح خلال الفعاليات والبرامج السياحية.

وتضم المحافظة نحو 436 مدينة وقرية وهجر، وتعتبر من أكبر المحافظات في منطقة الرياض مساحة وسكانا، وتقدر مساحتها بنحو 29 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو 272 ألف نسمة.

وتأسست الدوادمي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري حيث كانت تحوي مزارع وآبارا، وعرفت عنها جبالها الجرانيتية ويوجد بها أكثر من مصنع لصناعة البلاط والرخام الجرانيتي، وينقل لمشاريع التوسعة في الحرم المكي الشريف نظرا لجودته العالية.

ويؤكد عبد الله ضاوي العتيبي مسؤول الآثار والمتاحف بالدوادمي أن هناك أكثر من 10 مواقع أثرية مصنفة من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف ومنها قصر الملك عبد العزيز، وهو معلَم غني عن التعريف، ويقع في الجهة الغربية من المحافظة على امتداد طريق الحجاز، ويتميز بمبناه الجميل الذي يقع على مساحة كبيرة، حيث كانت بداية مراحل تأسيس القصر الأثري 1349 بصدور أمر الملك عبد العزيز إلى الشيخ عبد الرحمن أبو بكر آل غيهب، أن يختار موقعا مناسبا لبناء قصر للملك في الدوادمي.

ويضيف: «وضع الملك عبد العزيز حجر الأساس للقصر بنفسه وخططه بقدميه، ويقع على مساحة ألف متر مربع، واستمر العمل في بنائه 13 شهرا، وتولى عملية بناء القصر أمهر الرجال البنائين «الأستاذية» في ذلك الوقت. واللذان شيدا قصر الملك عبد العزيز في الرياض، وهما ابن يوسف من أهالي «ثرمداء»، و«ابن زومان» من مدينة «حريملا»، اللذان انتدبهما الملك عبد العزيز مع عمالهما الذين يطلق عليهم «المزورية»، لإنجاز مهمة بناء القصر.

وبين العتيبي أن عدد العمال الذين شاركوا في بناء القصر ما بين 100 إلى 120 عاملا من داخل الدوادمي وخارجها، واستغرقت مدة البناء 13 شهرا وتم الانتهاء من بنائه في شهر ربيع الآخر 1351هـ.

وبين مسؤول الآثار والمتاحف بالدوادمي أن الوثائق توضح أن تكلفة بناء القصر بلغت 3 آلاف ريال، ويتكون من المجلس الملكي أو ما يسمى الروشن فوق البوابة الرئيسية في الجهة الشمالية والمسجد على يمين الداخل من البوابة الرئيسية والمستودعات على يسار الداخل من البوابة الرئيسية وديوانية القهوة على يمين الداخل من البوابة الرئيسية والورش والسجن وإسكان الأخويا وموظفي البرقية والبئر ومحطة البنزين ومكتب تسجيل السيارات، بالإضافة لسكن الشرطة «المقاصير» وهي أربعة أبراج في زوايا القصر.

وقد أمر الملك عبد العزيز ببناء القصر بعد أن طلب أيضا تحويل طريق القوافل المتجهة من نجد إلى الحجاز أو القادمة منه وكان في السابق يمر ببلدة الشعراء التي تقع جنوب الدوادمي بنحو 30 كيلومترا، واستمرت الشعراء تؤدي دورها كمحطة رئيسية للمسافرين في هذا الطريق حتى عام 1348هـ وجاء ذلك لأسباب أمنية تتعلق بآثار فتنة الإخوان بعد عام 1347هـ، إلا أن هذا الطريق يشكل شريانا رئيسيا تتردد عبره قوافل الحكومة وقوافل التجارة والحج، فعزم الملك بعد عودته من حج 1348هـ على إنشاء ثلاثة قصور أحدها في «مرات»، والثاني في «الدوادمي»، والثالث في «المويه»، لتكون محطات رئيسية في هذا الطريق ولم تكن قصورا ملكية خاصة بقدر ما كانت منشآت حكومية متكاملة الخدمات متعددة الأغراض، وكان أول أمر أصدره الملك عبد العزيز بعد تمام البناء هو تأسيس مركز اللاسلكي داخل القصر لسرعة الاتصال وضبط الأمن وتوجيه الأعمال ومعرفة المستجدات في أجزاء مملكته.

ومن أشهر الرحالة الذين كتبوا عن القصر الرحالة الياباني إيجيرو ناكانو وكان في رحلة برفقة الوزير الياباني المفوض في سفارة اليابان في القاهرة ماسويوكي يوكوياما والمهندس في وزارة الصناعة والتجارة اليابانية تومويوشي ميتسوتشي عام 1939م ويصف الرحالة الياباني البناء ودخوله إلى غرفة اللاسلكي في القصر وإرسالهم برقية للملك يخبرونه بوقت وصولهم، كما قاموا بإرسال برقية أخرى باللغة الإنجليزية إلى القاهرة ثم يصف حديثه مع الموجودين في القصر وتناولهم القهوة والشاي بالنعناع والقرفة ثم حليب الماعز وبيّن أنهم ذكروا لهم أن عدد سكان الدوادمي نحو 300 نسمة وفيها 120 بئرا.

وذكر عبد الله العتيبي أن بداية العمل في الترميم كانت في مطلع عام 2002م، وتكلفته تتجاوز الأربعة ملايين ريال سعودي، وبعد نهاية ترميمه ظل مغلقا حتى تم تدشينه رسميا بواسطة الأمين العام لهيئة السياحة والآثار في شوال قبل 3 أعوام، وتقام فيه المناسبات الرسمية والفعاليات السياحية ويحتضن حاليا فعاليات خريف الدوادمي.

ومن جهته قال عقاب بن عميرة أحد المستثمرين في قطاع الإيواء بالدوادمي أن القطاع يشهد نموا متزايدا نظرا لموقع المحافظة على شبكة طرق متعددة منها طريق الحجاز وتوسطها من مناطق السعودية مع تكامل الخدمات ومنها مطار الأمير سلمان بن عبد العزيز، وضمها لعدد من المواقع الأثرية والسياحية القديمة منها قصر الملك عبد العزيز والذي يعد أحد معالم الدوادمي ونقاط الجذب السياحي.

وشدد ابن عميرة على أن الدوادمي غدت إحدى المحافظات الجاذبة للنشاط الاقتصادي الملحوظ مع ظهور صناعات عدة منها صناعة الرخام والجرانيت للمسجد الحرام وغيرها من الجبال الجرانيتية المحيطة بالدوادمي.