جدة: 62 مجسما جماليا تعترض خط سير عمل مشروع الواجهة البحرية في الكورنيش

تقدر قيمة أحدها بنحو 6 ملايين ريال.. وتخضع لدراسة إعادة وضعها أو الاستغناء عنها

الميادين في مدينة جدة ستخضع لدراسة وضعها وسط احتمالات الاستغناء عن بعضها (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في أمانة محافظة جدة عن وجود نحو 62 مجسما جماليا تعترض خط سير عمل مشروع تطوير الواجهة البحرية في منطقة كورنيش جدة، التي ما زال يُدرس إعادة وضعها بصورة أخرى من حيث إمكانية نقلها إلى أماكن جديدة أو الاستغناء عنها نهائيا.

وأوضح ياسر أزهر، سكرتير اللجنة الاستشارية للتجميل التابعة لأمانة محافظة جدة، أنه تم التوصل إلى مرحلة لتقسيم هذه الأعمال إلى نحو ثلاثة أقسام، مطالبا بضرورة التفكير في كيفية وضع تصوّر يتلاءم مع ما يتبقى من هذه المجسمات والتصميم المعد من قبل المصممين للمشروع والشركة المنفذة له.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يتمثل القسم الأول في أعمال فنية عالمية يجب عدم التخلي عنها، التي تحتاج إلى طريقة علمية في صيانتها ومن ثم إعادتها إلى المكان الذي تراه اللجنة مناسبا لها، بينما يتضمن القسم الثاني أعمالا دخيلة وضعت بجانب العالمية، إلا أن مستواها الفني ضعيف نوعا ما، ما يجعلها لا تستحق بقاءها بجانب تلك الأعمال العالمية».

وأشار إلى أن القسم الثالث من المجسمات الجمالية يحوي أعمالا فنية وصفها بـ«المتردية»، التي لا تتحمل الرؤية المستقبلية والتطوير العملاق المتعلق بمنطقة الكورنيش، مرجعا سبب ذلك إلى عدم قدرتها على العيش طويلا بفعل العوامل الجوية وتعرضها للصدأ وغيره.

وكانت أمانة محافظة جدة قد أعلنت في أبريل (نيسان) المنصرم عن تشكيلها لجنة متخصصة مكونة من 11 فنانا و4 فنانات تحت إطار «اللجنة الاستشارية للتجميل» بهدف إعادة بناء وتحسين وصيانة الأعمال الفنية الموجودة في ميادين جدة، التي يترأسها الدكتور هاني أبو راس أمين محافظة جدة.

وأوضح الدكتور بهجت حموة، مدير عام المرافق البلدية في أمانة جدة ونائب رئيس اللجنة الفنية في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة تضم في عضويتها نخبة من أشهر التشكيليين والفوتوغرافيين، لافتا إلى أنه تم الاجتماع بهم لبحث مدى إمكانية مساهمة فناني وفنانات جدة في الصورة التجميلية لمنشآت الطرق والجسور والأنفاق.

وأضاف: «اتفق المشاركون في الاجتماع الأول للجنة الاستشارية لتجميل جدة على عقد عدد من ورش العمل ضمن توجه الأمانة إلى الاستفادة من الفنانين السعوديين في إعادة الصورة الجمالية للمدينة والاستفادة من مشاريع الجسور والأنفاق التي نفذتها الأمانة خلال العامين الماضيين، كي تكون بمثابة لوحات فنية تعبّر عن عروس البحر وتراثها»، مؤكدا أنه تم وضع تصور أولي على واجهات المباني في الشوارع الرئيسية والمحاور.

وأبان أن الاجتماع الأول تداول تسمية وترقيم المجسمات والأعمال الفنية ومدى إمكانية طرح مشروع لتسمية وترقيم تلك الأعمال على أن يتضمن الاسم الخاص بالعمل والفنان المنفذ له والمصمم وتاريخ العمل، إلى جانب نبذة مختصرة عن العمل باللغتين الإنجليزية والعربية.

نحو 620 مجسما موجودة في جدة قد تصل قيمتها المادية إلى 3 مليارات ريال، فضلا عن ما يقارب 10 أعمال جدارية أخرى منتشرة على مستوى أرجاء عروس البحر الأحمر، ما زالت تنتظر مصيرها النهائي بين إزالة بشكل نهائي أو إعادة تركيب وفق صورة تحافظ على قيمتها الفنية التي اعتبرتها أمانة محافظة جدة لا تقدّر بثمن.

تلك المجسمات التي يمثّل بعضها أهم الميادين في جدة، باتت تصنف من ضمن المعالم الضخمة والمميزة للمدينة، لا سيما أن منها ما تم تسجيله في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، المتمثلة في ميدان الهندسة والدراجة والفلك.

ويعد ميدان الهندسة الواقع عند نهاية شارع صاري مع المكرونة الأضخم، كونه يتكون من أدوات هندسية تعد الأكبر في العالم، والمتضمنة «الفرجار والمنقلة والمثلث والمسطرة»، حيث يبلغ ارتفاع الفرجار عن سطح الأرض مع قاعدته نحو 35 مترا، في حين يصل وزن تلك الأدوات الإجمالي إلى نحو 65 طنا، في حين تقدّر المساحة الإجمالية للميدان الذي تم إنشاؤه عام 1986 بما يقارب 4 آلاف متر مربع، بتكلفة 1.5 مليون ريال.

في حين يحوي ميدان الدراجة الذي يقع في شارع الستين بشمال مدينة جدة، أكبر دراجة في العالم تم تسجيلها ضمن موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، التي تمت صناعتها من بقايا أول مصنع للرخام السعودي.

وبالعودة إلى سكرتير اللجنة الفنية التابعة لأمانة محافظة جدة، فقد أعلن عن بلوغ قيمة إحدى مجسمات الميادين في جدة نحو 6 ملايين ريال، مشيرا إلى أن مجمل تلك المجسمات أصبحت ملكا لأمانة جدة، التي لا تقدر بثمن، مما يحتم ضرورة عدم التفريط فيها.

واستطرد في القول: «اشتهرت مدينة جدة عالميا باسم (المتحف العالمي المفتوح)، مما يعني وجود مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التشكيلية كمجسمات جمالية باتت تشكّل هوية لعروس البحر»، مبينا أن بعض تلك المجسمات دخلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، فضلا عن وجود أعمال لا يمكن الاستهانة بها، التي تعود إلى كبار الفنانين العالميين والعرب.

وذكر أن اللجنة الفنية التي تضم كبار فناني السعودية، خاصة النحاتين منهم، تم اختيارهم بدقة، مضيفا: «إن مدينة جدة تعيش الآن مرحلة انتقال هائلة نتيجة المشاريع التطويرية العملاقة، الأمر الذي يحتم علينا ضرورة دراسة وضع تلك المجسمات بما يتلاءم مع هذه المشاريع».

يأتي ذلك في وقت أكد فيه أمين محافظة جدة على أن أعمالا لفنانين عالميين تزين ميادين وكورنيش جدة، أمثال «هنري مور» و«فيكتور فزاريللي» و«عبد السلام عيد» و«عبد الحليم رضوي» و«ربيع الأخرس» و«صلاح عبد الكريم» وغيرهم، جديرة بأن يكون لها لجنة للاهتمام بها ورعايتها وإصدار التوصيات التي تضمن سلامتها والحفاظ عليها.

وبحسب أمانة محافظة جدة، فإن من أشهر الميادين الموجودة في جدة ميدان الفلك والدراجة والكرة الأرضة والتاريخ والهندسة والطائرة وطارق بن زياد والنورس والبيعة والصواري والقبضة وأبرق الرغامة.

هذه الميادين الجمالية التي تم إنشاؤها منذ أكثر من 25 سنة، تواجه حاليا خطر الإزالة باعتبار أن وجودها لم يعد يتلاءم مع الخطط المستقبلية والتنامي الكبير في عدد سكان مدينة جدة، خصوصا أنه حينما أنشئت لم تكن العروس تعاني من الكثافة المرورية والسكانية الحالية.

ووفقا لآراء المواطنين، فإنهم يرون أن ميداني الفلك والدراجة الواقعين بطريق الملك فهد في جدة يشكلان نقطة تمركز للازدحام المروري، بعد أن حررت أمانة محافظة جدة حركة السير من شمال المحور المتمثل في «شبك المطار» إلى جنوبه ناحية جسر الميناء.

في حين كشف مصدر مسؤول في أمانة محافظة جدة آنذاك عن مشروعين لتنفيذ أنفاق أسفل الدوارين اللذين سيتم الاحتفاظ بهما، ولا سيما أنهما يعدان من أبرز معالم مدينة جدة، موضحا أن المشروعين في مرحلة الترسية لبدء العمل بهما في القريب العاجل.

وفي هذا الشأن، أكد حسن الزهراني نائب رئيس المجلس البلدي في جدة على أن قرار إزالة ميادين جدة أو بقائها لا بد أن يبنى على أساس علمي وتقني ودراسة مرورية تفصيلية، في ظل وجود آراء مختلفة عن وجهات النظر المعتمدة على أساس علمي فني.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزحام المروري الذي تشهده مدينة جدة يرجع إلى عدة أسباب، وليس سببه الميادين فقط، في ظل وجود الكباري والأنفاق، مما يتطلب إعادة دراسة وفق أساس صحيح».

وبيّن أن ميادين جدة تحتاج إلى دراسة علمية، ولا سيما أنه قد تكون ذات جدوى في مرحلة من المراحل قبل أكثر من 20 عاما، غير أنها الآن بحاجة إلى إعادة نظر نتيجة التوسع والزحام المروري والتغيرات والكثافة السكانية في جدة.

واستطرد في القول: «ثمة عوامل كثيرة باتت تلح على ضرورة القيام بدراسة تفصيلية علمية لتحديد الأفضلية، سواء كانت إزالة الميادين أو إبقاءها على مكانها، خصوصا أن مدينة جدة مستمرة في التوسع من كل الجوانب».

وكانت أمانة محافظة جدة قد كشفت في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ عدد المركبات التي تشهد حركتها شوارع مدينة جدة نحو 7 ملايين مركبة يوميا، في ظل عدم وجود محاور طولية وعرضية تستوعب هذا الطلب المهول على الحركة المرورية، إلى جانب غياب النقل العام في المدينة.

وأوضح آنذاك مصدر مسؤول في أمانة جدة أن الأمانة لديها الكثير من المشاريع لمعالجة الزحام، التي تنفذها بقدر ما تأتيها من اعتمادات مالية، حيث إنه تم إنفاق أكثر من مليار ريال على هذه المشاريع في السنوات الخمس الماضية، وتخصيص نحو مليار ونصف المليار ريال أيضا خلال السنوات الخمس المقبلة.

وشدد على ضرورة رفع مستويات الخدمة على المحاور والطرق لاستيعاب الطلب الكبير على النقل، خاصة أن التقاطعات في جدة تشهد اختناقات مرورية كبيرة يقابلها تدني مستوى السلامة المرورية وتأخير طابور من المركبات على بعض المحاور.

وزاد: «في هذه الحالة لا يمكننا كخطط عاجلة سوى التنسيق مع وزارة النقل وإدارة المرور من أجل العمل على الحلول التشغيلية والمتضمنة منع دخول السيارات المحتوية على راكب واحد فقط لمناطق وسط البلد، واقتصار الدخول على العائلات أو المركبات المحتوية على أكثر من راكب، ومنع إدخال سيارات الأجرة الفارغة وإلزامهم بالوقوف في نقاط معينة».

بينما بدأت أمانة جدة خلال شهر مارس (آذار) الماضي في تنفيذ مشروع مخطط النقل الشامل لمدينة جدة، الذي تبلغ تكلفته ما يقارب 14 مليون ريال، وذلك في غضون مدة تستغرق نحو عامين في ظل المرحلة الحالية التي ما زالت تتمثل في جمع المعلومات والدراسات السابقة بهذا الشأن.

وذكر في ذلك الوقت الدكتور عبد العزيز عسيري، مدير عام هندسة النقل والمرور في أمانة محافظة جدة، أن الاستراتيجية الكاملة لهذا المشروع ستشمل أيضا مشاريع أخرى، ووضع خطط على مدى 30 عاما تلخص ما تحتاجه مدينة جدة في مجال النقل. وقال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «تتضمن مراحل مشروع مخطط النقل الشامل لمدينة جدة تقويم الوضع المروري ومستوى الخدمة الحالي وتطوير بدائل تحسين النقل واختيار الأفضل منها وتطبيقه، غير أن الحلول ستكون عموما هندسية وتشغيلية وتنظيمية على المدى القريب والبعيد».

وأشار إلى أن هذا المشروع سيعمل على تطوير البنية التحتية لمدينة جدة التي من أهمها قطاع النقل، خصوصا أنه سيحدد احتياجات المدينة من طرق دائرية ومحاور وجسور جديدة لتجاري الطلب على النقل.

ولكنه استدرك قائلا: «إن الطرق من المستحيل أن تلبي الطلب على قطاع النقل في ظل إشكالية زيادة النمو السكاني في جدة بمعدل 5 في المائة سنويا، الأمر الذي يحتم تنويع أنماط النقل وتشجيع الناس على استخدام طرق أخرى وعدم اقتصار استخداماتهم على المركبات الخاصة فقط».

وبيّن مدير عام هندسة النقل والمرور في أمانة محافظة جدة أن مشروع مخطط النقل الشامل يشهد مشاركة المرور والمجلس البلدي وإمارة منطقة مكة المكرمة عبر لجان يتم إطلاعها على الاستراتيجية بشكل دوري، من أجل أخذ مرئياتها باعتبارها جهات مستفيدة من المشروع أيضا.

وأشار آنذاك الدكتور هاني أبو راس، إلى أن دراسة مشروع مخطط النقل الشامل لمدينة جدة ستشمل أيضا الجسور والأنفاق والطرق الدائرية داخل المدينة، إلى جانب تحديث توزيع الأراضي من خلال الكثافة السكانية.

وهنا، علّق سكرتير اللجنة الاستشارية للتجميل التابعة لأمانة محافظة جدة قائلا: «حتى الآن نحدد مواقع المجسمات التي من المحتمل أن يتم نقلها، غير أن المهم في الوقت الراهن هو كيفية سير أمانة جدة جنبا إلى جنب مع أعمال التطوير في نفس المكان».

وزاد: «من حق هذه المجسمات أن تعرض مرة أخرى بأسلوب جديد، إضافة إلى تجهيز عنصر الإضاءة لإبرازها، وما يتبعها من جوانب أخرى كالممرات الخاصة فيها»، موضحا في الوقت نفسه أن المجسمات التي تحتضنها ميادين جدة لن تزال نهائيا، وإنما سيتم نقلها إلى أقرب نقطة من موقعها الأساسي.

واستشهد على ذلك بما حدث لميدان الصاروخ الذي تم نقل مجسمه إلى أقرب نقطة من موقعه الأصلي، بحيث إن المتابع للأعمال الفنية والمتذوق لها يشعر بأن هذه المجسمات لم تنقل وإنما ما زالت في موقعها (بحسب قوله).

وبالنسبة إلى ميدان الطائرة الذي تمت إزالته، لفت ياسر أزهر إلى وجود محاولات جادة واهتمام من قبل المسؤولين في الدولة لوضع المجسم في أقرب منطقة للميدان، مشيرا إلى أنه تم تحديد مجموعة من المواقع كان آخرها وأهمها غرب شركة عبد اللطيف جميل الموجودة هناك، حيث سيتم تنفيذه في القريب العاجل.

حفظ مجسمات الميادين التي تتم إزالتها، وبحسب ما ذكره سكرتير اللجنة الاستشارية للتجميل التابعة لأمانة محافظة جدة، عادة ما يكون في مستودع الأمانة، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذه المجسمات تلقى الرعاية المستمرة هناك.

وفيما يتعلق بعدد الميادين التي ستتم إزالتها، قال: «يشير المستقبل الآن إلى أهمية عدم وجود تقاطعات في جدة، وفي هذه الحالة فإن أي تقاطع يوجد في الحيز الذي يحوي مجسما جماليا، أيا كان، يجب أن ينقل أو يزال».

من جهته، أفاد المهندس يوسف المزروعي مدير إدارة المرافق العامة في أمانة محافظة جدة بعدم اتضاح الرؤية الكاملة حول الميادين التي ستتم إزالتها في مدينة جدة، مبينا أنه حتى الآن ما زالت مجرد أقوال لم يتم تحديدها بشكل رسمي فيما يتعلق بإزالة الميادين الكبيرة أو إبقائها كما هي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما يحدث الآن هو إزالة للمجسمات الصغيرة باعتبار أن فكها وإعادة تركيبها أمر سهل، إلا أنه في مشاريع الكباري والأنفاق الحالية يتم وضع بند في عقود المقاول ينص على أنه في حال مواجهته لأي مجسم فإنه يتم فكه ونقله إلى المكان الذي تحدده الأمانة».

وحول صعوبة تحديد المواقع الجديدة لهذه المجسمات، علّق المهندس يوسف المزروعي قائلا: «قد يصعب تحديدها في ظل اتخاذ الأمانة لقرار تعارضه اللجنة الفنية من منطلق عدم ملاءمته، غير أنه يتم تحديد الموقع المناسب بالاتفاق بين الطرفين». وأكد على وجود تنسيق مستمر مع كل الجهات والإدارات المعنية، حيث إنه في بعض الأحيان تكون هناك خدمات أرضية كالهاتف والكهرباء والمياه والصرف الصحي، التي قد يعيها تركيب مجسمات جمالية في هذه المناطق. وأضاف: «ثمة إدارة مختصة تابعة لأمانة محافظة جدة، التي تعمل على مخاطبة الإدارات والجهات المعنية لشرح رؤية أي مشروع، ومن ثم معرفة مدى إمكانية تنفيذه في تلك المنطقة قبل البدء به، وذلك تفاديا لإعاقة صيانة الخدمات الأرضية بها مستقبلا».