الفريق التويجري: الدفاع المدني يرصد 19 طائرة وأكثر من 450 وحدة كاملة التجهيز وفرقا للإنقاذ السريع تغطي المشاعر المقدسة

أنظمة جغرافية ورؤية ليلية مكنت من إنقاذ كثير من الحالات.. وكاميرات لضمان أمان تنقل الحجيج

الفريق التويجري خلال حديثه في اللقاء السنوي لقيادات الدفاع المدني المشاركة في الحج («الشرق الأوسط»)
TT

يعد موسم الحج من أكثر المواسم التي تشهد حراكا حكوميا وشعبيا في السعودية، لما يشهده ذلك الموسم من كثافة في الحشود القادمة من كل حدب وصوب لقضاء منسك الحج، في فترة زمنية محددة وفي مساحة مكانية صغيرة، مما يشكل تحديا لكافة الأجهزة والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، التي يسعى العديد منها للاستنفار لموسم الحج منذ أشهر عدة استعدادا لهذا الموسم، ويأتي في مقدمة تلك الجهات جهاز الدفاع المدني، الذي تلقى على عاتقه مسؤوليات أمن وسلامة الحجيج من الكوارث والحوادث المتوقعة خلال موسم الحج. إلا أن مدير عام الدفاع المدني بالسعودية الفريق سعد بن عبد الله التويجري الذي يترأس الجهاز يعبر عن تفاؤله بموسم حج هذا العام، ويظهر اطمئنانه إلى ما تم اتخاذه من تدابير لضمان أمن الحجيج وسلامتهم، وأدائهم نسكهم في يسر وسكينة، إذ يؤكد التويجري في حوار خص به «الشرق الأوسط» أن الدفاع المدني بجميع طواقمه وقياداته ومعداته مستنفر منذ أشهر استعدادا لما وصفه بالتحدي الكبير لطاقات الدفاع المدني السعودي، الذي أصبح يمتلك خبرة غير مسبوقة في إدارة الحشود، لاتقاء المخاطر المحتملة، مع وجود هذه الأعداد الهائلة من ضيوف الرحمن، التي تقدر بالملايين في رقعة محدودة جدا من الأرض، وفي ظل ظروف طبيعة قد لا تكون مواتية أحيانا، مما يضاعف من مشقة مهام أفراد جهاز الدفاع المدني باطراد، ويصعد من خطورة التحديات التي تواجههم. وأكد التويجري ثقته بقدرة رجال الدفاع المدني على الوصول بسفينة الحج إلى بر الأمان، ومشددا على ما يلقاه جهاز الدفاع المدني من متابعة لصيقة ودعم دائم من القيادات الأمنية السعودية، ومشيرا في ذلك إلى متابعة واهتمام الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير للداخلية، ونائب وزير الداخلية، وأمير منطقة مكة المكرمة، ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية. وإلى نص الحوار..

* نرغب في أن تعطونا فكرة عن ملامح هذه الخطة، وهل هي نفسها خطة الموسم الماضي، أم أن ثمة جديدا طرأ عليها؟

- لا يتصور بداهة ألا يطرأ جديد على خطة الحج كل عام، إذ إن هذا يعد ضربا من المشي في المكان، والتجربة تقول إننا بعيدون تماما عن ذلك، وإننا - ولله الحمد - على قدر كبير من المواكبة لكل طارئ وجديد على صعيد المخاطر التي قد تهدد أمن الحجيج وسلامتهم، حتى إننا أصبحنا بفضل الله بيت خبرة عالمي في إدارة الحشود، وتجربتنا أصبحت موضع دراسات من قبل أكثر من جهة دولية، وهذا بعد فضل الله لم يأت من فراغ، فهو ثمرة تراكم الخبرات التي نترجمها في خطط عامة سنوية، تضمن لنا أن تكون أعيننا على كل صغيرة وكبيرة في ما يتعلق بسلامة الحجيج، فنحن لا نترك شيئا للظروف، فجوهر خطتنا العامة أن جميع المخاطر واردة، وعليه فجميع التدابير أيضا حاضرة لمواجهتها بعون الله.

من المؤكد أن هناك جديدا كل عام يطرأ على خطة الحج، حيث إننا إثر كل موسم حج نخرج ببعض الدروس المستفادة التي نسعى إلى تطبيقها والاستفادة منها في الموسم الذي يليه، وهناك أيضا مستجدات طارئة خاصة بكل موسم، وهذه أيضا تتطلب بعض التحديث على الخطة العامة، وفي ظل هذا الواقع فإنه بوسعنا القول إننا لا نخترع العربة في كل عام، بل ندخل عليها بعض التعديلات والإضافات اللازمة التي يفرضها الواقع من عام للذي يليه. كما أن هناك وجودا لما يزيد على 450 وحدة للدفاع المدني في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة مجهزة بأحدث معدات الإنقاذ والسلامة على أهبة الاستعداد، كفيل بتأمين الإسناد اللازم لأي طارئ محتمل، في ظل الخطة العامة المتكاملة التي استعددنا بها لإدارة موسم الحج هذا العام.

ولعل المحاور العامة التي تدور في فلكها الخطة السنوية للحج، تم تحديدها بناء على دراسات الرصد والاستشعار والتحليل التي تقوم بها الأجهزة المختصة بالدفاع المدني، ممثلة في إدارة تحليل المخاطر المحتملة في موسم الحج التي تنحصر في 12 خطرا، تشمل أخطارا طبيعية مثل الأمطار والسيول أو انهيار الصخور في المناطق ذات الطبيعة الجبلية، والأخطار الناجمة عن بعض السلوكيات الخاطئة مثل الحرائق الناجمة عن استعمال مواقد الغاز المسال أو غيرها في المخيمات، وكذلك المخاطر الناجمة عن الافتراش والتدافع والزحام في المشاعر المقدسة، وما يطرأ من حوادث أخرى أيا كان سببها. أمام هذه المخاطر المحتملة وفي مواجهة تحدي إدارة حشود تقدر بالملايين تتحرك في هذا النطاق الجغرافي الضيق المحدود المحفوف بالمخاطر، فإن الأمر يستلزم منا التركيز بشدة على تهيئة العاملين الميدانيين لتحمل أعباء مهامهم، وتدريبهم على التعامل مع توزيع الوحدات والمراكز الميدانية الثابتة والمتحركة بناء على الطبيعة الجغرافية والمنظومة المعلوماتية، في ظل ما يتطلبه الموقف، وكذلك تنفيذ خطط التوعية الوقائية التي تستهدف ضيوف الرحمن عبر أكثر من قناة تواصل، نحرص على تحقق شرط التفاعلية في معظمها، بين شاشات ولوحات نقطية ونشرات وملصقات تطبع بعدة لغات، بلغت 13 لغة، توزع على الحجاج في مقار سكنهم ومخيماتهم، تراعي اختلاف وعيهم وثقافتهم. أيضا نعتمد على مكبرات الصوت المتنقلة لبث الرسائل التوعوية والتواصل مع الحجيج من خلالها إذ يكون هذا أحيانا أشد نجاعة. وهناك تنسيق مع وزارة المالية والصحة والحج والداخلية لتجهيز هذه المراكز بكل مستلزماتها من إمكانات فنية وبشرية وتأمينها بكل معدات الأمن والسلامة والخدمات الصحية، وكذلك استخدام وسائل الإنذار، مع ما يمكن أن تطرأ الحاجة إليه من وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية، وصافرات الإنذار المحمولة، والدوريات، والشاشات، ورسائل sms لإيصال التنبيهات والتحذيرات، حسب ما يتطلبه الموقف، فخيارات التواصل لدينا مع الحجيج مشرعة على جميع القنوات والوسائط، إذ هي إحدى أهم أدوات الوقاية لتجنيب الحاج كثيرا من المخاطر المحتملة.

* إلى أي مدى تعد الإمكانات البشرية والمادية المتوافرة تحت أيديكم كافية لتنفيذ خطة في هذا الحج وبهذه القائمة الطويلة من الأهداف، وأيضا في مواجهة هذه المخاطر المتعددة والقابلة للزيادة في ضوء ما فهمنا؟

- لعلي أكون في ثنايا الإجابة عن السؤال السابق أشرت عرضا إلى أن رهاننا بالدرجة الأولى على تدريب أفرادنا على التعامل مع هذا الواقع وتنمية قدراتهم ورفع جاهزيتهم، ولن يتحقق هذا أبدا من دون توافر المعدات الحديثة التي تعينهم على الاقتحام بكفاءة واقتدار، والحديث عن كفاية هذه المعدات والقوى البشرية للاضطلاع بمهام خطة الحج، يعد متأخرا عن واقع الدفاع المدني الذي تجاوز سقف الكفاية إلى مرحلة التأمين التام، بضمان وجود زيادة عددية، سواء على مستوى المعدة أو العنصر البشري، تضمن لنا التفوق في مواجهة أي طارئ محتمل، فضلا عن خطط الإسناد في حال الحاجة إلى عناصر أو معدات من المراكز القريبة، التي تكون أيضا في حالة من الجاهزية التامة.

لا شك في أن العمليات الميدانية ستكون من خلال الاستعداد لمواجهة المخاطر المحتملة، منها الضرورية عند وقوع الحادث وأي طارئ - لا قدر الله - بتهيئة، وحتى نوضح الصورة أكثر فلعله يجدر بنا الاستعانة بلغة الأرقام هذه المرة، إذ هناك 21900 ألف ضابط وفرد وموظف من عناصر الدفاع المدني مسخرون لتأمين الوقاية والسلامة والإنقاذ لضيوف الرحمن، يتوزعون على وحدات الدفاع المدني في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة، مجهزة بجميع معدات الإنقاذ والسلامة والإسعاف والإطفاء والإنقاذ المائي، بالإضافة إلى الوحدات المتخصصة في التعامل مع المواد الخطرة، وقوات المهام الخاصة، فضلا عن وحدات متخصصة في مجالات أخرى، منها؛ طيران الأمن الذي يشارك في حج هذا العام بـ19 طائرة، تمكن من اقتحام المهام التي تستوجب التدخل السريع أثناء الليل وفي الظروف الصعبة، وهي طائرات على مستوى عال من التجهيز، بفعل تكنولوجيا متطورة وتجهيزات، تمنح قائد الطائرة إمكانات هائلة في العمليات وتتيح رؤية الأعاصير والصواعق ورصد قوتها، مما يمكن قائد الطائرة من تجنبها، فضلا عن الكاميرات الحرارية التي تعين على رؤية الأهداف المطلوب إنقاذها ليلا، معززة بأنظمة خاصة للرؤية الليلية.

وعلى الرغم من هذه الإمكانات الكبيرة المتاحة للدفاع المدني في موسم الحج، فإنها ليست كل شيء؛ إذ تتسع قاعدة الجهات القائمة بأعمال الدفاع المدني بمعناه الشامل والعام وانطلاقا من المسؤولية الوطنية المشتركة، في ظل المسؤولية الجماعية بين الجهات المشاركة في أعمال الحج، لمواجهة الحالات الطارئة، فيبلغ عدد الجهات المشاركة في تنفيذ تدابير الدفاع المدني في المشاعر أكثر من ثماني عشرة وزارة ومصلحة، مما يعزز من قدرات الدفاع المدني.

* نلاحظ حرص الدفاع المدني وتركيزه على الاستفادة من التقنية والعمل على التوسع في تطبيقاتها، فما المهام التي تنتظر التقنية لديكم؟

- الدفاع المدني ليس استثناء من العالم الذي أصبح يتنفسه هواء التقنية، وبالنسبة إلينا فهناك مهام كانت في الماضي بالغة الصعوبة، وفي ظل التقنية تحولت إلى أعمال روتينية اعتيادية من الدرجة الأولى، ويمكنني أن ألخص لك القول بعبارة إن التقنية اختصرت العالم. وعلى سبيل المثال، فمن بين التقنيات التي يعتمد عليها عمل الدفاع المدني نظام المعلومات الجغرافي «GiS»، الذي يوفر قواعد معلوماتية جغرافية وربطها بالمعلومات البيانية للعديد من المعالم الرئيسية والمنشآت الحيوية والسكانية. يساعد هذا النظام على سبيل المثال في تحديد المواقع المهمة والحيوية، بالإضافة إلى تحديد أقرب الطرق للوصول إلى مواقع الحادث بأسرع ما يمكن، وتحديد مواقع تجمعات الأمطار وجريان السيول والأودية، وغيرها من المجالات التخطيطية التي تساعد في بناء خطط وقائية، كما يساعد هذا النظام بجدارة على إعداد خريطة تحليل المخاطر المحتملة التي تحدثنا عنها سابقا، وأيضا المناطق التي قد تشملها في حال تطورها، وفي نفس الخريطة يمكن عمل سلسلة للإجراءات العملياتية، كمواقع الإسناد والإيواء، ونطاق الخطر، وأبراج الجوال الممكن استخدامها لبث الرسائل التحذيرية. يضاف إلى ذلك قائمة برامج أخرى لا تقل أهمية عن هذا النظام، كـ«الأوراكل» و«الفيجوال دونت» وغيرها، كما يتوافق مع نظام «AVL» الخاص بتتبع المركبات الذي زودت به معظم فرق الدفاع المدني، ونظام «ALI» الخاص بتحديد موقع المتصل مع تقديم إحصاءات متعددة تخدم المسؤولين في شتى المجالات. ومؤخرا، أمكننا الاستفادة من النظام البريدي «واصل» في تحديد مواقع المنشآت، فأصبح بإمكان أي مواطن الاستغناء عن الوصف التقليدي عند الإبلاغ عن أي طارئ، باستخدام رقم اشتراك «واصل»، مما يسهل عملية الوصف والاستدلال على الموقع.

* لوحظ مؤخرا أن هناك عددا من الجهات الدولية أشادت بتجربتكم في إدارة الحشود، كيف تحقق لكم ذلك، وما الأساليب التي تتعاملون بها مع هذه الحشود؟

- واقع الأمر أن هناك عقبة كبرى كانت تواجهنا وكنا نقف أمامها كل موسم في حالة استنفار عام مشوب بالتوجس، تحسبا لحوادث التدافع المحتملة من جراء الازدحام الشديد في الحرم والمشاعر الذي كان مرشحا للزيادة عاما بعد عام، مما كان يضاعف من الأعباء والمسؤوليات الملقاة على كواهلنا. ولقد خف هذا الواقع الضاغط علينا كثيرا، وأصبحت إدارة الحشود مهمة أقل خطرا من ذي قبل، في ظل مشاريع التوسعة الهائلة التي سهلت علينا المهمة إلى حد ليس بالقليل، فبعد استكمال المراحل النهائية لمنشآت الجمرات وتوسعة المسجد الحرام أصبح الحاج يتنقل بكل سهولة، خصوصا في ظل خطة تفويج الحجاج بمنطقة الجمرات التي يشارك فيها الدفاع المدني بالتنسيق مع الجهات الأخرى. ولدينا قوات مخصصة ومدربة على إدارة الحشود البشرية، وهؤلاء يكونون في الحرم والمشاعر قبل وصول ضيوف الرحمن، ويكونون على مستوى عال من التدريب العملي والنظري والمعرفة التامة بجميع المداخل والمخارج لجسر الجمرات، ليكونوا بدراية تامة وعلم بما حوله.

كما تتم متابعة تحركات الحجيج بالنقل المباشر من خلال كاميرات التصوير إلى الشاشات التلفزيونية بغرفة العمليات، ورصد ما يعكر صفوهم أو تحركاتهم، والتدخل مع الجهات ذات العلاقة وتوفير أقصى درجات السلامة. وقد تم تخصيص قوات للإنقاذ والتدخل السريع داخل الحرم الشريف وساحته تصل إلى ألف فرد، مهمتهم التدخل في أوقات الذروة لمساعدة المجهدين وكبار السن والحالات المرضية الأخرى، ونقلهم للمستوصفات الصحية داخل الحرم وخارجه. هناك أيضا ثماني شاشات عملاقة و20 لوحة نقطية، مهمتها إرشاد الحجيج وتوصيل تنبيهات الدفاع المدني وإرشاداته إليهم. بالإضافة إلى الاستفادة من أبراج الجوال في إرسال وبعث رسائل SMS بعدة لغات، تحتوي على إرشادات السلامة والوقاية التي تبث وفق ما يتراءى للقائمين على غرفة عمليات الدفاع المدني وما يعرض لهم من مخاطر محتملة عبر الكاميرات.

* في ظل احتمال سقوط أمطار خلال موسم حج هذا العام، ما تدابير الدفاع المدني في هذا الشأن؟

- هناك استعدادات كاملة للتعامل مع كافة الأخطار المحتملة، ومنها احتمال سقوط الأمطار والسيول وتساقط الصخور، وتشمل هذه الاستعدادات الأمطار الغزيرة والنقاط الأكثر خطورة في حال سقوطها، لا سيما في مكة المكرمة ومشعري منى وعرفات، ونستفيد في ذلك من المشاريع المتميزة التي يتم تنفيذها في المشاعر لدرء أخطار السيول، مثل إنشاء «المصدات» والسدود، والتأكد من صلاحية شبكات تصريف مياه السيول وإزالة أي عوائق تحد من فاعليتها، ولدينا رصد دقيق للمناطق الأكثر عرضة لخطر السيول، وفي ضوء ذلك تم توفير كافة التجهيزات لمواجهتها، من الغواصين المتخصصين والقوارب السريعة ومعدات تصريف السيول، واعتماد خطة تفصيلية لإخلاء وإيواء الحجاج في حال سقوط الأمطار الغزيرة باستخدام قوارب الإنقاذ والسيارات المجهزة، وكذلك طائرات الأمن.