مع الاقتراب الفعلي لموسم الحج.. محلات تجارية تغير أنشطتها لتلبية طلبات الحجيج

تنامي عائدات الإيجارات في المناطق المحيطة بـ«المركزية»

هناك فئة من التجار الأجانب المستغلين للمواطنين يوجد لديهم محلات تجارية كبرى في العاصمة المقدسة
TT

لجأت كثير من المحلات التجارية في العاصمة المقدسة إلى تغيير كثير من أنشطتها التجارية في موسم الحج، وذلك لتتسق مع ذائقة الحجاج متعددي الجنسيات الذين قدّر عددهم بأكثر من مليون ونصف حتى الآن.

وتحولت معظم المحلات التجارية التي عرفت بأنشطة معينة طيلة العام لأنشطة أخرى بديلة للملابس والتحف وأجهزة الأدوات المنزلية في منطقة العزيزية، التي تعتبر العصب الرئيسي للمحاور التجارية في العاصمة المقدسة.

وتؤجر تلك المحلات على الرغم من صغرها وتموضعها في أزقة ضيقة بإيجارات مرتفعة جدا، وبعضها دخل فيه مبيعات تضر بالاقتصاد الوطني، خصوصا أن جلها بضائع يأتي بها معتمرون وحجاج.

وعبر صاحب أحد تلك المحلات التجارية المحاذية لـ«طلعت صدقي»، الذي آثر عدم ذكر اسمه، بأن التجارة في موسم الحج تعدل ما نسبته 80 في المائة من المداخيل التجارية في العاصمة المقدسة عن سواها، بل إن أعداد العمالة التجارية يتضاعف لتغطية الطلب المتنامي على البضائع من مختلف الجنسيات.

وحول الأسباب التي دفعت كثيرا من الباعة لتغيير أنظمتهم الاستثمارية ومساراتهم التجارية، أجاب بأنها مسألة فهم لاستراتيجيات الاقتصاد. كثير من الطلبات التي يحتاج إليها الحجاج لا يتم طلبها إلا في موسم الحج فقط، وهذا يعني أن غالبية العام لن تتم فيها تبادلات تجارية واقتصادية، وهو ما سيكبد أصحاب تلك المحلات خسائر فادحة وكبيرة.

وعلق فاروق الخطيب، أستاذ اقتصادي بجامعة الملك عبد العزيز في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مثل هذه التجارة، خصوصا ما يحدث في المناطق المقدسة، أضر بالتوازن الاقتصادي فيها، خصوصا أن هؤلاء الأجانب يعمدون في إدارة هذه التجارة إلى الكسب المادي، بغض النظر عن تطبيق الاشتراطات، أو بيع البضائع المقلدة التي قد تكون مضرة في بعض الأحيان»، مطالبا أن يكون هناك «تكثيف من الجهات المسؤولة، خصوصا مكاتب العمل، أو إدارة الجوازات، والبلديات، في تنفيذ الحملات الميدانية لبعض المحلات التجارية التي تديرها هذه العمالة، بغرض القضاء على هذه الظاهرة السلبية المضرة باقتصاد البلد».

من جانبه طرح الدكتور أسامة الفلالي، أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»، تساؤلا حول مدى فاعلية الأجهزة الحكومية، من بلديات، ومكاتب عمل، وإدارة الجوازات، المعنية بمتابعة تلك البضائع المقلدة التي ينتشر نطاق بيعها في الكثير من مناطق الذروة في العاصمة المقدسة، من خلال هؤلاء الأجانب الذين يديرون الكثير من اقتصادات مكة المكرمة، من حيث استغلال أسماء مواطنين في مشروعية فتح تلك المحلات التجارية، التي لا ترى إلا في أوقات معينة من السنة، وهي مواسم الحج والعمرة، بالإضافة إلى أن هناك فئة من التجار الأجانب المستغلين للمواطنين، يوجد لديهم محلات تجارية كبرى في العاصمة المقدسة مفتوحة على مدار السنة.

وأشار فلالي إلى أنه ما دامت هنالك سوق لهذه البضائع المقلدة، وتجد رواجا كبيرا في العاصمة المقدسة، خصوصا من المعتمرين والحجاج والزوار، وحتى من بعض المواطنين القاطنين في مكة المكرمة، خصوصا ذوي الدخل المحدود، الذين يجدون في تلك المحلات التي تبيع البضائع المقلدة مرتعا خصبا لهم في تلبية متطلبات أسرهم وأطفالهم، فسوف تستمر هذه الظاهرة السلبية، وتكون السبب الرئيسي في خلخلة الاقتصاد في العاصمة المقدسة، الذي يحتاج إلى تنظيم وتوعية قبل كل شيء للمواطنين الذين يستغلهم الأجانب في التجارة، تاركين لهم الفتات من الأموال كل شهر، وبالتالي يتسببون بعملهم هذا في الكثير من الخسائر الاقتصادية على المجتمع المكي. وطالب بدراسات اقتصادية ذات جدوى، يتم العمل بتوصياتها، للحد من ظاهرة العشوائية في الاقتصاد المكي، ووضع حلول ناجعة للبضائع المقلدة التي تجد رواجا كبيرا في مكة المكرمة، من خلال الإقبال الكبير عليها من قبل المعتمرين والحجاج والمواطنين.

من جهته قال هاني باعثمان، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة «سدرة المالية» و«أعيان القابضة»، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «العاصمة المقدسة، أصبحت طوال السنة في حراك اقتصادي متصاعد، وذلك بسبب توافد المعتمرين والزوار لها في أغلب فترات الموسم، بالإضافة إلى موسم الحج، الذي يعتبر اللاعب الرئيسي في نمو الاقتصاد في مكة، وذلك لتوافد الملايين من البشر إلى هذه المنطقة المقدسة، فالقيمة السوقية مرتفعة جدا، وبالتالي يجب التركيز على نوعية البضائع المستوردة، ويجب البعد عن المقلدة من أجل الكسب المادي، فضلا عن أن هذا سيؤثر على الوافدين إلى مكة في نظرتهم إلى ثقافة العاصمة المقدسة الدينية». وتابع باعثمان حديثه: «هناك عوامل كثيرة تحدث خللا في المنهجية الاقتصادية لمكة المكرمة، على الرغم من امتلاكها أرضا خصبة لأفضل مقومات التجارة، وهي وجود القوى الاستهلاكية من قبل الحجاج والمعتمرين، ومن هذه العوامل عدم التنظيم في عملية البيع والشراء في العاصمة المقدسة، فتجد محلات تفتح مع بداية موسم الحج والعمرة، وتغلق بمجرد انتهائهما، وليس الاعتراض على موضوع فتحها وإغلاقها، ولكن مكمن الخلل هو وجود عمالة أجنبية تدير تلك المحلات، من خلال بيعها لبضائع مقلدة ومضرة في بعض الأحيان». وزاد بالقول: «يجب الاستفادة من الروافد المالية الكبرى من القوى الاستهلاكية الشرائية لدى الحجاج والمعتمرين، وذلك بسبب الانتفاع الكامل من هذه القوى الشرائية من قبل العمالة الأجنبية، بتحويل ما يجنونه من تجارتهم في العاصمة المقدسة إلى بلدانهم، بسبب أن المواطن سمح لهم باستغلال اسمه صوريا فقط، وماديا بما يجنيه منهم نهاية كل شهر بما لا يتعدى ألوفا قليلة، والربح الأكبر يذهب إلى جيوب هذه العمالة التي قد تكون في بعض الأحيان من العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة في البلاد».

من جهته قال نبيل المبارك، المدير العام للشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) لـ«الشرق الأوسط»: «إن مكة المكرمة تستقطب الناس من كل مكان، وجعلها الله مقدسة لأسباب دينية ودنيوية، وهناك أمر، وهو صناعة الحج والعمرة، ومن وجهة نظري أعتقد أنه لو تم تفعيل استراتيجية صناعة الحج والعمرة، بعيدا عن أي نظرة سياسية ولكن بنظرة اقتصادية بحتة ونظرة اجتماعية ثقافية للمملكة، فإننا سنعتبر ثروة البترول كتحصيل حاصل في الدخل الوطني، ولكن هناك عوامل أخرى تعطل هذا المفهوم، خصوصا الجانب السياسي الذي يؤخذ بالاعتبار».

وأضاف بقوله: «الثقافة الاقتصادية والدينية للبائع والمشتري في مكة المكرمة يوجد بها خلل كبير، وهو متمثل في عدم مصداقية البائعين، الذين يمثل الأجانب الشريحة الكبرى منهم، في بيع البضائع المقلدة على أساس أنها أصلية، مستغلين الثقافة الدينية التي تحويها مكة المكرمة، وبالتالي تصديق الحاج في ما يبيعه، وكذلك ثقافة الحاج الذي لا يلام في هذا الجانب، وهو المتصور أن البيع والشراء في مكة المكرمة يخلو من الغبن أو الغش».

وطالب بإيجاد «مفهوم حقيقي لصناعة الحج والعمرة في مكة المكرمة، بإيجاد صناعة تختص بمكة، وهو ما روج له أمير منطقة مكة المكرمة بضرورة تفعيل (صنع في مكة)، ومن المؤسف أن تجد تمثال الكعبة أو المسجد الحرام يصنع في دول أجنبية، وهو الذي من المفترض أن تتم صناعته هنا في مكة المكرمة، لكي يكون تذكارا منبعه (صنع في مكة)، وهذا يقودنا إلى البضائع الأخرى التي تباع في العاصمة المقدسة، فلو كان هناك صناعة حقيقية في مكة المكرمة لكانت سببا رئيسيا في القضاء على البضائع المقلدة».

وتابع المبارك حديثه: «إن الحجاج والمعتمرين يأتون وهم مستعدون لدفع النقود، وللشراء من هذه المدينة المقدسة، فبالتالي ذهابهم إلى هؤلاء التجار غير الأمناء على تجارتهم، وتعريض الحجاج والمعتمرين والزوار لعمليات الغش والغبن، يسيء إلى ثقافة مكة المكرمة، لأن الحاج أو المعتمر عندما يكتشف هذا الغش لن يقول التاجر الفلاني غشني، ولكن سيقول حتما تجار مكة يغشون، ويغبنون في البيع، وبالتالي تأتي الإساءة إلى ثقافة مكة الاقتصادية والدينية من هذا المنظور».

إلى ذلك، دافع مصدر في أمانة العاصمة المقدسة عن الحملات المفاجئة والمستمرة في جميع أنحاء العاصمة المقدسة، معتبرا أنها وفق خطط ترتكز على حملة مداهمات للتأكد من مزاولة جميع الأنشطة الموجودة وفق الرخص المصرح بها.