الطائف محطة حجاج الجنوب والشرق قبل 30 عاما تستعيد ذاكرة الخيام بفنادق الخمسة نجوم

ركبان شبرا واليمانية مقران لخيام حجاج المشرق والجنوب

جانب من سوق سويقة بالطائف.. وفي الإطار الباحث عيسى القصير («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد محافظة الطائف غرب السعودية هذه الأيام توافد أعداد كبيرة من حجاج الداخل ومن حجاج دول الخليج العربية، وبعض من حجاج إيران وتركيا، والمشاهد هذه الأيام تزداد في حركة المدينة ومراكزها القريبة من ميقات «قرن المنازل» بالسيل الكبير وميقات «وادي محرم» بالهدا، فالحركة هذه الأيام ليل نهار.

وكثفت الشقق المفروشة والفنادق ودور الإيواء من خدماتها وعروضها لاستقطاب وفود الحجيج الذين يأتون للطائف قبل التوجه لمكة المكرمة للراحة والتزود باحتياجات مناسكهم.

وتعد الطائف منذ قديم الزمان محطة استراحة للحجاج، وعرفت تحديدا عند حجاج اليمن والجنوب وكذلك حجاج المشرق من عرب وعجم، وكانت تقام لهم مخيمات ومراكز تجمع لخدمتهم ولتزودهم باحتياجات الحج من ملابس ومأكل وغيره.

وقال في هذا السياق المؤرخ والباحث عيسى بن علوي القصير لـ«الشرق الأوسط»، إن الطائف تعد منطقة استضافة للحج والمعتمرين بالنسبة للقادمين إليها من شرق السعودية والخليج ودول مثل تركيا وإيران، وكذلك القادمين من الجنوب ومن اليمن.

وأضاف أن الطائف برزت منذ قديم الزمان بوصفها مدينة قريبة من مكة المكرمة لاستضافة الحجاج، وفي العهد السعودي، سخرت الحكومة خدماتها لضيوف الرحمن، حيث يتم استقبالهم وتأمين لوازم الحج والحجاج الذين يأتون من العراق وتركيا وإيران وسوريا، ويستضافون في موقع يسمى «ركبان شبرا» المعروف حاليا بـ«شارع أبي بكر الصديق»، وأما حجاج الجنوب واليمن فكانوا يقيمون في «حي اليمانية» الذي سمي نسبة لهم والموجود حاليا بالقرب من كوبري حسان بن ثابت، وكذلك لهم موقع آخر للإقامة في «برحة ابن عباس» بحي السليمانية.

وأشار القصير إلى أن البلدية وبعض رجال الأعمال كانوا يؤمنون الحجاج ويستضيفونهم؛ ومنهم عبد الوهاب حلواني وحامد ياسين وعبد الله ياسين، ويؤمن لهم خياما وصوالين حنابل وفرشا متنوعة وأتاريك للإنارة ليلا مع تأمين أكثر من 30 حمام متنقل وبراميل مياه.

وبين المؤرخ عيسى القصير أهمية الطائف في تلك الحقبة التاريخية، أي قبل أكثر من ثلاثين عاما بالنسبة لحجاج اليمن بالذات حيث كانوا يأتون ويقيمون بالطائف عدة أيام تتراوح بين 3 و4 أيام ويدرسون في مسجد الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي يعد في ذلك الوقت منار علم وثقافة، والدروس تقام به بعد صلاتي العصر والمغرب.

وقال: «قبل التسعينات، كان الحجاج يأتون على السيارات اللوري القديمة والفورد الحمالي، حيث تكثر الحركة في سوق وسط البلد بالمنطقة المركزية وباب الريع وباب الحزم والسليمانية التي تتوفر بها الفواكه الطائفية والنقليات والمعمول والشابورة والغريبة والعيش الفتوت والعيش البلدي المبزر بالبهارات الطائفية، حتى إنه تطغى على الأسواق رائحة الأفران بسبب كثرة إنتاجها».

ويستطرد المؤرخ عيسى القصير في وصفه تلك الفترة الزمنية ويقول إن الحركة الاقتصادية كانت متبادلة، فأهل البلد يبيعون ما عندهم للحجاج من مأكولات ومشغولات تراثية وكذلك يشترون من الحجاج الأتراك والإيرانيين المكسرات والمفروشات والزل، فحركة البيع والشراء مستمرة من الصباح وحتى المساء.

وأضاف القصير أنه في يوم عرفة وقبله بيوم تخلوا الطائف من الحجاج وكذلك من الرجال، حيث إن الجميع كان يشارك في الحج بالعمل أو بالبيع والشراء، وكانت النسوة يأخذن راحتهن في الأسواق ويلعبن لعبة تراثية حجازية تشتهر في الطائف ومكة والمدينة وهي «لعبة القيس» حيث يلبس النساء الثياب الرجالية أو بعض البدل العسكرية ويتجمعن في برحة صغيرة ويرددن «يا قيس.. يا قيس.. الناس حجة وانت قاعد هنا ليش يا قيس.. يا قيس.. قم اخبز العيش» ويستكملن ألعابهن دون أن يعترضهن أحد من الرجال القلائل الموجودين في البلد.

ويرى أن التطورات المتلاحقة في المشاعر المقدسة وفي المدن الأخرى جعلت الحج أسهل بكثير من الماضي بفضل جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين التي وضعت كل الخدمات والتسهيلات للحجاج، وأصبح الحجاج يأتون للطائف إما عن طريق البر بالطرق المعبدة والمعدة على أحدث المواصفات، أو عن طريق الطيران، ويقيمون في فنادق وشقق مفروشة فاخرة حتى يوم السابع أو الثامن من ذي الحجة.