الافتراش مرض «مزمن» أبطاله متخلفون ومأواهم خيام من جسور

ظاهرة تبدأ بالتخفي وتنتهي بـ«أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى»

المفترشون.. أمتعة وأرجل ممدودة على قارعة الطريق (تصوير: خضر الزهراني)
TT

حين وصف اللواء عبد الله المقبل مدير مرور منى ظاهرة الافتراش بالمرض «المزمن»، تداعت إلى الأذهان مناطق الافتراش «خمس نجوم» تحت كباري المشاة في مشعر منى، والتي اتخذت من قبل الحجاج المخالفين بأنها خيام من جسور.

وتنتهي إلى منى ثاني أيام الحج، ومنها إلى ما جاور الحرم باقي أيام الحج، ولكنها تبدأ منذ عصر يوم الوقفة، حيث تتوافد زرافات المشاة ووحدانهم نحو مدخلي خط المشاة عند نهاية حدود عرفة، ولا يأتي موعد النفرة إلى المزدلفة إلا وتكون الجموع المتدفقة قد امتدت لمسافة تتجاوز الكيلومترين والثلاثة، على امتداد شارع مسجد نمرة وما جاوره من منافذ، والكل واقف متأهب منتظر لحظة الانطلاق، وهي النقطة التي يجب أن تبدأ بالتنظيم والتفويج.

ولأن الافتراش لم يتسم في سنوات الماضي، بوصف غير محبب لدى السلطات السعودية المعنية بأعمال الحج، وعلى رأسها قوات أمن المشاة التي تعنى بتنظيم التفويج من وإلى الجمرات في مشعر منى، إلا أنها استبسلت في الذود عن حياض محاربة الافتراش أينما كان ووجد. في الماضي، والمؤرخ من أكثر من أربعة عقود، لم تكن عملية الافتراش الصداع المزمن للجهات التنظيمية للحج، حيث إن تلك الحقبة الزمنية الماضية لم تكن تشهد توافد أعداد كبيرة من الحجيج، الذي تقابله مساحات شاسعة ومتجردة من أية مشاريع تطويرية، مما لم يكن من الواجب التطرق بمكان إلى إخلاله بالخطط الأمنية كما هو معهود به في هذه الآونة، والتي تزخر بالعديد من المشاريع التنموية والتطويرية المتوائمة مع التدفق الهائل في أعداد الحجيج من عام إلى عام. وتعهد رأس الهرم في منطقة مكة المكرمة وأميرها، الأمير خالد الفيصل، بأنه في هذا العام ستتم مراقبتهم واتخاذ الإجراء اللازم حيالهم، وسيتم العمل على متابعة الحجاج غير النظاميين، المتسللين من داخل مكة المكرمة.

اللواء سعد الخليوي، مساعد قائد قوات أمن الحج، قال: إن هناك مناطق ساخنة لا يسمح فيها بالافتراش وهي الطرق من نهاية مزدلفة بدءا بمنى وطريق المشاة المظلل وطريق الملك فيصل وطريق الملك فهد وطريق الجوهرة وطريق سوق العرب والطريق الجديد وأنفاق المعيصم وجسر الملك عبد الله وجسر الملك خالد والساحة الغربية والساحة الشرقية لجسر الجمرات فهذه المناطق لا يسمح بالافتراش فيها، معترفا بأن ظاهرة الافتراش موجودة ولكن في هذه المواقع التي تعتبر الطرق الرئيسية لحجاج بيت الله النظاميين، مؤكدا أن المناطق الواقعة تحت أعين قيادة إدارة وتنظيم المشاة لن يسمح إطلاقا بالافتراش فيها وسنجبر أي مفترش على المغادرة من موقع افتراشه في تلك المواقع المحددة.

وأضحت قضية الافتراش من المعضلات المزمنة التي نعتها المعنيون بهذه القضية، كونها أصبحت الشغل الشاغل لهم، نظير ما تسببه ظاهرة الافتراش من إعاقة أساسية في تنفيذ الخطط التفويجية للحجاج من مخيماتهم وعلى مختلف مشاربهم إلى منشأة الجمرات.

إمارة مكة المكرمة استشعرت ومنذ وقت مبكرة خطورة هذا «الافتراش» وبدأت منذ سنوات في بلورة مفاهيم أمنية متعددة متأزمة مع تعبئة توعوية سنوية تطلقها في كافة المنابر الإعلامية، في خطوة منها لتحجيم الافتراش إلى نسبة قليلة على الرغم من اعتراف المسؤولين بعدم إلغائها بتاتا. شهود الافتراش، وأطراف القضية، ما فتئوا يمددون الأرجل ويثنون الركب، على قارعة الطرق، متحدين كافة النداءات والاستجداءات التي يطلقها رجال الأمن، بوجوب إخلاء مواقعهم الحساسة، والتي تأتي في عصب خطط التفويج.

روزمانة الخطط الأمنية لم تجد إلا ظهرا أنكفأ على نفسه، وغمضة جفن التحف فيها المخالفون عنان السماء وتوسدوا بطحاء الأرض، لتنضب كل موارد الإجلاء والإخلاء التي يقوم على تنفيذها أفراد أمن يخشون التعامل بالقوة احتراما للشعيرة ولضيوف الرحمن. ظاهرة الافتراش التي تبدأ بالتسلل خفية وتنتهي بعبارة «أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى»، تتخلله جميع المظاهر اللاحضارية في وقت أعلنت فيه السلطات السعودية أن ظاهرة الافتراش «تنهش القواعد الأمنية والخطط الاستراتيجية».

ودافع مفترشون عن أحقية افتراشهم، متعللين بارتفاع غير مبرر واكب أسعار حملات الحج والتي كسرت الظهر الاقتصادي لحياتهم، خاصة أولئك يصنفون من ذوي الدخل المحدود، ولديهم أسر كبيرة ترغب في أداء مناسك الحج، مما دفعهم إلى القيام بمخالفة الأنظمة والقوانين والتي تزامنت في هذا العام بصدور فتاوى شرعية بعدم جواز الحج بهذه الطريقة المخالفة، وهو ما ترجم فعليا على أرض مشعر منى حيث يتكرر المشهد أعواما وأعواما.