عند رمي الجمرات.. أياد من حرير وأخرى «قاذفات راجمات»

بعضهم علق في «مشجبها» الثورات وسوء الطالع

TT

«تعددت الرميات والشيطان واحد»، كانت ذلك المشهد أمام الساتر الذي يرمي فيه الحجاج الجمرات الثلاث اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان الشيطان يخرج ليوسوس له بعدم طاعة أمر ربهم، فيدفعه راميا إياه بالحجارة ليبعده عنه.

كانت الحصوات التي يجمعها الحجاج من طريقهم في مزدلفة إلى منى، تسبقها ضغائن وأحقاد وخلفيات ثقافية متنوعة للحجيج، فمنهم من تلبس ثوب الانتقام ليختار حصواته بعناية مصوبا إياها بطريقة قوية مباشرة تحملها سواعد قوية لتهز «الشيطان» في «ساتره».

خالد حسام، حاج مصري، قال إنه يرمي الجمرات معتقدا أنه يرجم الشيطان بالفعل، حيث كان سيدنا إبراهيم ذاهبا مع ابنه إسماعيل لأداء ما أمره الله به، وهو ذبح إسماعيل، فكان الشيطان يخرج لسيدنا إبراهيم ليوسوس له ليمتنع عن ذبح ابنه وليعزز مكانة ابنهم ولا يستطيع ذبحه، وفي كل مرة كان الشيطان يخرج ليوسوس له كان سيدنا إبراهيم يرميه بالحجارة، واستمر الحال هكذا ثلاث مرات، وبعدها لم يخرج الشيطان.

أما الحاجة الموريتانية فاطمة فتصف الشيطان بالعدو الأكبر الذي يعتقد بعض الحجاج بوقوفه في مكان الجمرة ليرموه بالحجر، وبعضهم الآخر يظن أن الشاخص الذي يرمى بالحجر هو إبليس نفسه، والبعض الآخر يوهم نفسه بأنه يرمي الشيطان بذاته عندما يرمي أيا من الجمرات.

أياد ناعمة كانت عند رمي الجمرات تسبق حجارتها مقولات كـ«ربنا ينتقم منك»، «هذه من أجل سيدنا إبراهيم»، «أنت السبب في مصائب حياتي». سيناريوهات كلامية عجيبة وغريبة تتجسد عند الرمي، وعبارات النيل والشتم تتوجه صوب الشاهد الكبير، ليمتلئ حوض الرمي بالأحجار والأحذية والعلب الفارغة، يقودها الاعتقاد الخاطئ بأن الشيطان يختزله عمود أبيض، وأنه سبب رئيسي في عناء البشرية جمعاء.

واتهم البعض من حجاج دول الربيع العربي الجديد، شاخص الجمرات بأنه السبب الرئيسي الذي يحمل وزر كل التراكمات الاقتصادية والسياسية، والسبب وراء عاصفة التغيير الجديدة، ويقف وراء صراع الأصدقاء والأشقاء وتغيير الأنظمة وولادة أخرى.

في يوم الرمي تمثل الشيطان أمام الحجاج على هيئة شاخص ثابت، بعد أن كان خفيا يقف خلف ستار مشكلهم ويدنو من نواصي أعمالهم ووسوسة عقولهم، ويعتبر قاسما مشتركا في تفرقة الأحباب وسوء الطالع، الأمر الذي جعل مشاهدتهم له تهيج بها المشاعر، ويوما مشهودا للانتقام منه بشتى أساليب الرمي والتعذيب والتنكيل وكل ما تجود به أنفسهم وتلتقطه أيديهم.

«المواجهة المباشرة» كانت عنوان اليوم بين المسلمين وعدوهم الأول، واستغرقت 72 ساعة هي مدة رميهم للجمرات من اجل الخروج بالانتصار المؤكد الذي منحه الله لهم في هذا الأيام، وقد اختلطت مشاعرهم بخليط من المفاهيم الخاطئة المزدوجة والتي خرجت عن النص كثيرا.

وكانت للحادثة الشهيرة التي تناقلها الحجاج وقت الرمي دلالة واضحة على تلك الممارسات التي يشهدها رمي الجمرات، حين تسور أحد الحجاج من أفريقيا بشاخص الجمرات ليأخذه الحماس بعيدا بعيدا ويسقط الإحرام عن جسده، ليخيل للحجاج أن الشيطان بعث من شاخصه وخرج على رؤوس الأشهاد، وليكون الضحية حاجا أفريقيا تم إمطاره بوابل من الحصوات والأحذية وبقايا الحجاج.

خالد الحارثي، باحث إسلامي، وصف كل تلك المعتقدات بالضالة، وأنها لا يجب أن تدخل في معتقد رمي الجمرات مطلقا، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن رمي الجمار أحد مناسك الحج وواجباته التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وهو رمز لوحدة المسلمين على هدف واحد لو استوعبوه وطبقوه ضد أعدائهم لحققوا النصر.

وقال الحارثي «الجمار هي الحجارة الصغيرة، وهي الأماكن التي يرمي الحجاج فيها تلك الحجارة الصغيرة، فالجمار تطلق على شيئين: الحجارة، والأماكن التي تلقى فيها هذه الحجارة في يوم النحر، وأيام التشريق، وهي ثلاث جمرات: جمرة العقبة الكبرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى.. وجميعها في منى من جهة مكة، وبين كل جمرة والأخرى نحو 120 مترا.