جدة في عيد الأضحى.. هدوء يسبق عاصفة «عودة الحجيج»

أجيال سابقة من أهاليها كانوا ينشغلون بخدمة ضيوف الرحمن

عدد من الحجاج كانوا في الماضي يستغلون وجودهم في جدة للتسوق (تصوير: خضر الزهراني)
TT

بينما يعتبره المسلمون في كل مكان عيدا كبيرا، وفي الوقت الذي يجتمع فيه ممثلون عنهم من كل أصقاع المعمورة على صعيد المشاعر المقدسة، وتجتمع الأمة نساء ورجالا صغارا وكبارا حول موائد الأضحيات، تدأب جدة على التعامل مع عيد الأضحى بشكل مختلف كثيرا.

فالمدينة المأهولة بنحو 4 ملايين نسمة وتقع إلى مسافة محايدة بين الحرمين الشريفين أقرب إلى مكة المكرمة، تتخفف من كثير من سكانها ومن أعباء المناسبة الإسلامية المقدسة.

ليس ذلك مصادفة أو دون داع، بل لأن عروس البحر الأحمر اعتادت منذ سنين طوال على استقبال أفواج ضيوف الرحمن من الحجيج، قبيل وصولهم لأداء النسك بمدة طويلة واستضافتهم بعد ذلك ثم مرافقتهم أحيانا إلى مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

التنوع الديموغرافي الذي شهدته جدة في فترة مبكرة خلال القرن الماضي ومنذ قيام المملكة العربية السعودية، ساعد على أن تكون المدينة الساحلية الضخمة محطة رئيسية في رحلة الكثيرين من أقارب أهاليها من البلدان العربية المختلفة، وأفريقيا ووسط وشرق القارة الصفراء.

ويقول لـ«الشرق الأوسط» في هذا السياق شيخ البيتي، وهو حضرمي سكن جدة منذ أربعينيات القرن الماضي، إن دور الميناء الضخم والمتطور ثم وجود المطار القديم في جدة ساهما في فاعليتها فأصبحت تزدحم منذ منتصف شهر ذي القعدة، وكذلك بعد انتهاء أيام التشريق.

وبين أيضا أنه وأقرانه كانوا في شبابهم يعملون خلال هذه الفترة كخلايا نحل في عدة أماكن لخدمة ضيوف الرحمن الذين نزلوا جدة.

ويؤكد البيتي البالغ من العمر 81 عاما، أن جدة لا تزال حتى اليوم متأثرة بذلك، لذا تجد الكثير من الناس لا يهتمون بعيد الأضحى كاهتمامهم بعيد الفطر مع أن الكثير من الشعوب الإسلامية حولنا تعتبر عيد الأضحى أكثر حيوية وأكثر حضورا، حيث يتباهون فيه بذبح الأضاحي وإقامة الاحتفالات.

يذكر أيضا أن ذلك الإرث من الانشغال في الأجيال السابقة أثناء عيد الأضحى المبارك قد أثر على الجيلين الحالي والسابق كثيرا، فتجد أهالي جدة الذين لم يحجوا يتوزعون إما بسكنى المنطقة المركزية حول المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، أو استغلال الموسم لقضاء الإجازة خارج البلاد، حتى أنك إذا سرت في طرقات جدة المختلفة أو على كورنيشها فإنك تفاجأ ولا تعتقد أنك في جدة التي تعرف.

وتقول راما عبد الرحمن، وهي طفلة في العاشرة من العمر حول تلك المقارنة بين عيدها الحالي والعيد الذي خلا قبل شهرين أن الأخير يتميز باستعداد أكبر هنا وإن الآباء والأمهات يحرصون على إعطاءهم العيديات والهدايا، وأخذهم للتنزه خارج المنزل، بينما يقل ذلك ويكاد يعدم خلال عيد الأضحى.

الحقيقة أن أهالي جدة اليوم تأثروا كثيرا بتركة آبائهم في تعاملهم مع عيد الأضحى، ورغم أن عددا لا بأس به منهم يقوم على خدمة الحجيج والعمل في أعمال الحج في قطاعات مختلفة، سواء في جدة أو في مكة، فإن ذلك يختلف اليوم كثيرا عما كان في سابق الأيام.

فأعمال استقبال ضيوف الرحمن من أصقاع الدنيا في المنافذ البرية والجوية والبحرية وتوصيلهم وتأمين المسكن والمأكل والمشرب لهم، أو استضافتهم في المنازل ودور الإيواء أو مرافقتهم إلى المدينة المنورة، والتي كانت في الماضي تتم بشكل فردي وتطوعي في الغالب، باتت اليوم تتم عبر المكاتب والمؤسسات وحملات الحج، وبشيء من التعاون من الأهالي.