عيد الأضحى في المدينة المنورة.. احتفاء بمواقيت الفرح ومواسمه الدينية ومظاهره الاجتماعية

ارتفاع في مبيعات نعناع وتمور المدينة المنورة

ينتظر أن تشهد المدينة المنورة حركة كبيرة خلال الفترة الحالية لارتفاع زوارها خلال فترة عيد الأضحى («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت المدينة المنورة قبيل وبعيد عيد الأضحى المبارك، مبيعات عالية في نعناع وتمور المدينة دون أن ترتفع أسعارها، حيث جاء ذلك في ظل إقبال كبير شهدته المدينة من قبل المواطنين السعوديين الذين وفدوا إليها من أقاصي بلاد الحرمين الشريفين ودانيها، بالإضافة إلى المقيمين والزائرين من خارج البلاد وداخلها، الذين يشتركون جميعا في رفع القوة الشرائية لهذه المنتجات.

وفي هذا الإطار قال الأديب السعودي محمد الدبيسي، نائب رئيس نادي المدينة الأدبي، إن العيد هذا شهد أكبر نسبة من التطواف والزيارات، وبالتالي مبيعات منتجات أرض المدينة، مبينا أنه في العادة يبدأ الزائر للمدينة محاولة الاغتناء بما تجود به في هذه المناسبة.

وذلك ناتج وفق الدبيسي عن إيمان راسخ بأن منتجات أرض المدينة تشكل له زادا وذكرى تربطه بالمكان، حيث تنتعش سوق النعناع والتمور في مثل هذه المواسم؛ نظرا للإقبال الكبير عليها من قبل زوار المدينة، ولا سيما في العيد، التي تجد فيها المزارات والمواقع التاريخية التي تعيش ألقا في مثل هذه المناسبات اهتماما مضاعفا، حيث تشهد إقبالا كبيرا من الزوار، وخاصة مزار شهداء أحد، ومسجد قباء، ومسجد القبلتين، ومسجد الفتح.

وأضاف أن العيد في المدينة المنورة ليس كما في غيرها من حواضر العالم العربي العريقة، التي تحفل وتحتفل بمواقيت الفرح ومواسمه الدينية ومظاهره الاجتماعية.

وزاد الأديب السعودي: «إن الزائر للمدينة مع موعد من الفرح الثابت الذي يظلل الأمكنة المتعددة والمتغيرة»، مبينا أن مجتمع المدينة ليس كغيره من المجتمعات، فهو برأيه أمشاج من العرقيات والثقافات التي اندمجت في سنوات التكوين الماضية، عندما احتوت المدينة العراقة الوافدة والمهاجرة إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث توقفت حركة توطن هذا المكان بصورة دائمة، لتبدأ تراكمات تلك الثقافات بإفراج طوابعها في السلوك والحديث والمأكل والملبس وأنظمة التعايش.

وقال الدبيسي: «لك أن تتخيل حجم ومدى تلك الإفرازات وغناها، وكيف استقرت على مثال من المظاهر الأصيلة والمعبرة عن إدراك معنى مناسبة كالعيد، بوصفه طقس دينيا له شعائره وسننه التي تبدأ من وعي الفرد وإطار الأسرة، للتمدد في الحارات والأحوشة والتجمعات، تتنسم حرية التعبير بدءا من تكبيرات مآذن المسجد النبوي الشريف في صباحات العيد الأولى، ومقامات صوت يصل الأرواح بالسماء ومن ثم ينشرها في الأرض المدنية.. إنه تواصل حميم وثمر مفرط في البهجة تغذيه العناصر البشرية التي توحدت سلاسلها المدنية ضاربة الجذور بوعي الناس».

وأضاف: «في القديم لم تكن ثمة أطر وحدود إدارية تعلم الفرح وتسيج حرية الإحساس به وممارسته، كان المكان ميدانا فسيحا له وكان وكان، وموضوعية الرفص بهذه الظاهرة لا بد من أن تقف عند متغيرات مست كيان المجتمع ومفاصله، وضرورات اقتضتها تراكمات أخرى من انعطافات وإكراهات وضوابط مرعية أخرى، تلاشى وهج الفرحة بالعيد ولم يتبدد أو يمّحي، للمدرك ببصيرة أن يتلمس مظاهره هنا وهناك خفيا خجلا أحيانا، كما لم يكن من قبل، ببريق عيون أولئك الذين تربوا على ربيعه المورق في سالف الزمان».

ويتذكر الدبيسي عيد الأضحى في المدينة المنورة قديما، مبينا أن الغادي والرائح والمقيم والزائر للمدينة المنورة، يدرك ضجيج المكان وحفاوته، إذ تتلألأ عناقيد النور وضياء المصابيح بين المنازل وفي ساحات الأحوشة، وحيث الوجوه المتطلعة إلى الفرح والمعبرة عنه بسبب البساطة في التواصل والعفوية في الممارسة.

وكان صغر حجم المدينة المنورة والانشداد إلى أصول الثقافة والتربية الأولى، حاضرا باعتبار ما، غير أن تعقيدات الحياة المعاصرة والظروف الموضوعية الأخرى - سواء سبب كثرة السكان واختلاف الاهتمامات والتوسع العمراني ومقتضيات الحياة الحديثة - ألقت بظلالها على تلك الممارسات العفوية البسيطة، ومن ثم انعكس ذلك على سلوك الناس وأمزجتهم.

ويظل المسجد النبوي الشريف مضاءة ومنزلا يشتاق إليه المسلمون، ولا سيما من المواطنين السعوديين الذين يفدون إلى المدينة المنورة من بعض المدن الأخرى، ليقينهم بمذاق العيد وارتباطه الديني بالمكان المقدس، وما يضفيه هذا الشعور في داخلهم على شعورهم بالمناسبة ومعايشتهم لها.

أما الهدايا في عيد الأضحى فيأتي دورها عادة بعدما يغتنم زائر المدينة في هذا العيد ساعات في رحاب وأفياء المسجد الشريف، يغسلون فيه أرواحهم، كما يلقون في كنفه تعبهم، ليستعيدوا لحظات اليقين والإيمان من ترحاب الجوار الطاهر الكريم.