بنهاية الأمس.. حجاج بعض الدول يحملون لقبي «الحاج والحاجة» مدى الحياة

عطفا على عادة جرت في بعض الدول الإسلامية وخاصة الأفريقية

الحجاج بمجرد قدومهم يعقدون نية التوبة وطلب المغفرة وتكفير الذنوب (تصوير: خضر الزهراني)
TT

بنهاية عشية الأمس حمل الملايين من الحجاج والحاجات من أصقاع بلاد المسلمين لقبي «الحج أو الحاجة»، عطفا على عادات الكثير من الدول التي تمنح هذا اللقب لمن أدى فريضة الحج ليبقى ملازما له مدى الحياة.

الحاج عبيد نحاس، القادم من دمشق، يرتب إحرامه بعد إنهاء رمي الجمرات، ليعود إلى مقر سكنه في المخيم مستقبلا سيلا من الاتصالات والتهاني من قبل أسرته في سوريا للتهنئة بأداء الحج، كما أنه يتهيأ لمسماه الجديد «الحاج عبيد» وهو اسم جديد اكتسبه فور وصوله إلى المشاعر المقدسة.

«حاج» و«حاجة» هذه التسمية التي التصقت بعبيد، هي نفسها ستلازم أسماء نحو 3 ملايين رجل وامرأة قدموا إلى مكة المكرمة لأداء فريضة حج هذا العام، وذلك بمجرد عودتهم لأوطانهم، كي تظل مرافقة لهم مدى الحياة، مما يجبرهم على تغيير مسار حياتهم من خلالها.

ويحرص عبيد عند عودته إلى دمشق، وغيره من الحجاج على أن يكونوا جديرين بهذه التسمية، وخصوصا أنهم سيكونون مثالا يحتذى به من قبل الغير كونهم يحثونهم على تأدية فريضة الحج والتقيد بالقيم الإسلامية - بحسب قوله.

لقبا الـ«حاج» أو الـ«حاجة»، يسعى إليهما الكثير من الناس، وتتنوع مقاصدهم حياله، إذ إن هناك من يقصدها بهدف إتمام فريضة الحج، وإنه تسمية لا تتعدى كونها لقبا رزقه الله به كنعمة يثبت فيها تأديته لآخر أركان الإسلام، والحرص على أن يكون قدوة وثقة بين الناس، ولا سيما أن الفرد بعد الحجة يعرف أنه شخص جديد، بحيث يصبح إنسانا تحسب عليه الزلة، بشكل أكبر مما حسبت عليه قبل ذلك، باعتبار أن الحجيج نساء ورجالا بمجرد قدومهم للمشاعر والصلاة في بيت الله الحرام فإنهم يعقدون نية التوبة، وطلب المغفرة وتكفير الذنوب.

بينما يقصد البعض هذه التسمية بهدف التفاخر، والتغطية على تصرفات شخصية وخاصة من قبل السياسيين والفنانين، دون أن يصاحب فريضة الحج التوقف عن تلك التصرفات.

وتوجد تسمية الحاج في جميع الدول الإسلامية، إلا أنها تنتشر على نطاق أوسع في أفريقيا ودول الشام، وتسبق هذه التسمية أي لقب حصل عليه الحاج، سواء كان صفة لمكانته الاجتماعية، أو العلمية، إلى درجة أن بعض الأطباء في عيادتهم يطلق عليهم لفظ الـ«حاج»، بدلا من الدكتور نظرا لقدسية ومكانة الحج في نفوس المسلمين.

وتصاحب هذه التسمية حفلات استقبال تختلف من دولة إلى أخرى من ناحية المظاهر الخارجية لها، غير أنها تشترك في تقديم الحلويات ورفع لافتات بمنزل الحاج والمنازل المجاورة له، والتي يكتب عليها «مبروك الحج يا حاج فلان»، عدا عن تقديم كلمات الحب والترحيب والدعاء، مع وجود موكب كبير للحاج محاط بمئات من الأشخاص، في حين يحرص الموجودون على أخذ قصص الحجاج وتسجيل مشاعرهم وزيارتهم للمشاعر المقدسة، سواء في مكة أو المدينة المنورة.

وتعتبر مصر أكثر الدول الإسلامية التي ما زالت تحافظ على إنشاء حفلات وداع واستقبال للحجيج، رغم أنها قلت مؤخرا بسبب كثرة الأعداد الكبيرة للحجيج، وقلة المخاطر والمشقات التي يواجهها الحاج حاليا في رحلته ذهابا وإيابا لأداء المناسك، وذلك مقارنة بالأهوال والمصاعب التي كان يواجهها الحجاج في الماضي، خاصة مع توفير وسائل المواصلات، وتسهيل الخدمات المقدمة من قبل الحكومة السعودية على الصعيدين الأمني والصحي.

وبمجرد الحصول على موعد قرب عودة الحاج أو الحاجة المصرية إلى مدنهم وأريافهم، يعلن عن قيام الاحتفالات بطريقتهم الخاصة، والمعروفة لدى المصريين في المناسبات الدينية، كتعليق الإضاءات المختلفة، والزينات على جدران منزل الحاج وفي الشرفات، وكتابة بعض العبارات «حج مبرور وذنب مغفور»، كما تقام في بعض القرى والأحياء الشعبية حلقات واحتفاليات للذكر والدعاء وقراءة القرآن في منزل الحاج، ليلتف الأقارب والأصدقاء والجيران حوله ويقدموا له التهاني والهدايا المختلفة، في حين يتولى الحاج إعداد وتقديم وليمة الطعام والشراب لضيوفه، ويوزع عليهم زجاجات ماء زمزم التي أحضرها من الأرض المباركة.

وقديما كان لاستقبال الحجاج طقوس متبعة اندثرت مؤخرا كنحر الخرفان ونثر الحلويات والنقود المعدنية تصاحبها الزغاريد والترانيم الدينية والشعبية.

في المغرب، تكون عودة الحجاج ونجاح رحلتهم دائما محل احتفال واحتفاء لمكانتها ورمزيتها، والقدسية التي ينظر بها المغاربة للحج، حيث يحرص الأهالي على حضور الاحتفالات المخصصة للحجاج من أجل التشجيع على الطاعة، وفعل الخير.

أما في السعودية، فيحرص أسر الحجاج على ألا يصاحب جلساتهم أي تكلف أو صرف مبالغ كبيرة، ولا سيما أن الهدف من هذه الجمعة هو الترغيب في الحج، ونقل المعاني التعبدية والإيمانية للناس.

ولا يختلف الأمر كذلك في الدول الإسلامية الأخرى من ناحية الاحتفال وملازمة الحاج للتسمية، حيث إنه في إسلام آباد وأفغانستان والهند يجتمع الحجاج في المسجد للاحتفال بهم ويلقون التهاني والخطب التوعوية، مع الاستماع لقصص الحجيج.

وأثناء تأدية مناسك الحج يناصح الحجاج بعضهم البعض بعد انتهاء فريضة الحج، وعند عودتهم لحياتهم الطبيعية وأن يحرصوا غاية الحرص على الابتعاد عن الأعمال السيئة بعد أن من الله عليهم بالوجود في موقف عرفات وطلب المغفرة والعتق من النار.

وعن الجانب الشرعي، سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذه الظاهرة، والتي تنتشر في القرى والأرياف في معظم الدول الإسلامي، سواء من الناحية الشرعية، أو من الناحية الاجتماعية فأجاب قائلا «هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم، ويشجعهم أيضا على الحج، لكن التبذير الذي أشرت إليه، والإسراف هو الذي ينهى عنه؛ لأن الإسراف منهي عنه، سواء بهذه المناسبة، أو غيرها، لقوله تبارك وتعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين)، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِينِ)، لكن إذا كانت وليمة مناسبة، على قدر الحاضرين، أو تزيد قليلا: فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى، أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيرا من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم، لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد، ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم، ولا يحب أحدهم أن يقصر على الآخر».