السعودية: غياب نسائي للمثقفات عن خوض انتخابات مجالس الأندية الأدبية

مسؤولون في مجالات ثقافية انتقدوا الغياب ونادي جدة أكد تمديد فترة التسجيل أكثر من مرة

TT

انتقد مثقفون وعاملون في المجال الثقافي عزوف عدد كبير من الأديبات السعوديات والمثقفات عن خوض غمار انتخابات عضوية الأندية الأدبية بالشكل المتوقع الذي كان يفترض أن تكون عليه نخبة المثقفات السعوديات، معتبرين أن هذا العزوف غير مبرر، خاصة في المدن الكبرى مثل جدة التي عرف عنها كثرة المثقفين والمثقفات.

ويأتي ذلك في الوقت الذي وضعت فيه وزارة الثقافة والإعلام، ممثلة في وكالتها للشؤون الثقافية، نصب عينيها حتمية جعل الانتخابات مبدأ أساسيا في اختيار مجالس إدارات الأندية الأدبية بديلا عن التعيين الذي فرض طوال الفترة الماضية، وإجراء الكثير من التعديلات على اللائحة القديمة كي تتوافق والمرحلة المقبلة التي تتطلع إليها الوزارة مستقبلا، وأعطيت الفرصة للمرأة بأن تشارك في التعديلات من خلال الترشيح والتصويت بجانب الرجل.

وهنا أكد الدكتور عبد المحسن القحطاني، رئيس النادي الأدبي في جدة لـ«الشرق الأوسط»: «أنه على الرغم من كل النداءات التي قدمها النادي الثقافي الأدبي بجدة إضافة إلى تمديد فترة التسجيل للجمعية العمومية لأكثر من مرة بهدف أن يتفاعل مثقفو ومثقفات جدة مع الانتخابات، فإن الرقم المتقدم كان بسيطا جدا ولا يتناسب ومكانة جدة الثقافية والأدبية».

في حين ذهب عبد الله الكناني، مدير عام الأندية الأدبية، خلال حديثه أمس لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عدد النساء المتقدمات لعضوية الجمعية العمومية منخفضة، وهذا ينعكس على عددهن في الترشيح لمجلس الإدارة الأمر الذي ينعكس على النتائج.

وأضاف الكناني «المرأة ظلت تطالب وتطالب بالحصول على حقها في الانتخابات والمساواة وها هو المجال فتح أمامها، ومن حقها الآن أن تثبت نفسها، فالفرصة أمامها مفتوحة لتصل لما طالبت به»، لافتا إلى أن «اللائحة لا تفرق بين المرأة والرجل فمن حق المرأة أن تصل كما كالرجل إلى الهيئة الإدارية ومن ثم إلى رئاسة النادي أيضا».

واستطرد أن «الأندية الأدبية تمر الآن بتجربة جديدة ومن الصعب تقييمها الآن، ولا سيما نحن في عرض الطريق»، مؤكدا أن «الرضا في كل شيء موضوع صعب، كما طالب بعدم التسرع والحكم على التجربة إلا بعد انتهائها ومرور فترة عليها».

إلى ذلك، وصفت الروائية قماشة العليان ما يجري في الأندية الأدبية من انتخابات وترشيحات بأنه مفتقد للعدل والإنصاف، وقالت: «الضوابط التي وضعت للانتخابات هي ذاتها بحاجة إلى ضوابط». وأضافت العليان لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الشروط والضوابط تصلح لأي مكان وأي حدث كالمعلمات أو العاملات في المجال الصحي أو موظفات البنوك، إلا النوادي الأدبية».

ورفضت العليان تجربة الانتخابات الأدبية، وقالت «في الفترة الماضية خضت تجربة الانتخابات، وللأسف لم أر أي تغيير إيجابي». وأشارت العليان إلى مقال بعنوان «سنتيا في النادي الأدبي» يصف بالدقة ما يجري داخل الأندية الأدبية من عشوائية في التصويت والانتخابات، مبينة أنها تقدمت بالشكوى لوزير الثقافة والإعلام حول الوضع، وخاصة عملية الترشيح والانتخابات. وقالت «قمت بإرسال برقية لوزير الثقافة والإعلام وتحدثت في أكثر من صعيد، ولكن دون جدوى، الأمر الذي جعلني أنا وغيري من الأديبات والمثقفات نفقد الأمل في أن يتغير الحال».

واستدركت العليان بقولها: «هذا هو واقع الأندية الأدبية وفي ظل الأوضاع الحالية لن نستطيع تغيير أي شيء، لذا من الأفضل أن يتفرغ الأديب للأدب ويترك الأمور الإدارية».

ولا تختلف رؤية بعض الأديبات والمثقفات الأخريات عن رؤية قماشة العليان، حيث ترى الدكتورة لمياء باعشن، أن هذه الخطوة لن تضيف شيئا للأندية الأدبية. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من أنني تقدمت ورشحت نفسي فإنني أرى أن هذه الخطوة غير مجدية، لأن لدينا لائحة واضحة وأنشطتنا معروفة ومحددة، لذا أنا لا أعتقد أن هذه الانتخابات ستضيف شيئا».

وترى باعشن أن موضوع الانتخابات واجب على جميع الأدباء والمثقفين، سواء تم ترشيحهم أو لا، ولفتت إلى أن العمل الثقافي أطره معروفة، فالانتخابات قد تفرض أناس وتبعد آخرين ولكن الموضوع شكلي فقط وليست هناك إضافة واضحة. وأضافت «حدودنا كأدباء ومثقفين معروفة منذ بداية الأندية الأدبية والسقف الموجود لا يمكن لأحد أن يتعداه».

وحول عزوف كثير من الأديبات والمثقفات عن التقديم للانتخابات بينت باعشن أن العزوف عن الانتخابات موجود في جميع المنشآت، سواء البلدية أو الأدبية وغيرهما، مرجعة السبب في ذلك إلى ضعف ثقافة الانتخابات في السعودية.

وقالت: «الشخص عندما يذهب لينتخب فهو يفكر بشكل شخصي جدا هل هذه الانتخابات ستعود عليه بالنفع، فالموضوعية ما زالت ضعيفة وإحساسنا بمسؤوليتنا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ما زال ضعيفا».

وترى باعشن أن المشاركة في عملية الانتخابات واجب لكل من يؤمن بالديمقراطية، ويجب على من ينتخب أن يكون جزءا من المنظومة، لا سيما أن الكثير من الأشخاص الذين يذهبون الآن للانتخابات هم بعيدون جدا عن الساحة الثقافية ولا يعرفون طريق النادي.

إلى ذلك عاد الدكتور عبد المحسن القحطاني، رئيس النادي الأدبي بجدة، ليقول «نأمل من هذه الانتخابات أن ترتقي بالنادي الثقافي الأدبي من خلال كونها اختيارا جماعيا، لذا أتوقع أن تترك إضافات جديدة للنادي». وتساءل عن السبب الذي جعل الإقبال مقلا على الانتخابات في ثقافي جدة تحديدا، لا سيما أن نادي جدة الأدبي هو الأول في مخاطبة جميع الجهات، لافتا إلى بعض الأسماء المعروفة التي تقدمت كالدكتورة فاطمة إلياس والدكتورة لمياء باعشن والدكتورة أميرة التونسي، ومن الرجال تقدم رئيس نادي جدة السابق عبد الفتاح أبو مدين، وبين أن النادي أغلق التقديم لباب الترشيح بالحصول على 204 متقدمين من بينهم 44 سيدة.

من جهة أخرى، أكد الدكتور والناقد الأدبي عبد الرحمن الوهابي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن نادي جدة يعتبر من الأندية المهمة في السعودية - كأي ناد آخر - وإن كان له الأسبقية بحكم الموقع والمكان والشخصيات المحيطة به، والتي تشارك معه بين حين وآخر.

وطالب الوهابي الأندية الأدبية بالسعودية التوجه للمجتمع بشكل أكبر وأن تحاول الخروج من رؤيتها الدائرية الضيقة إلى دائرة أوسع، مؤكدا أن ذلك لن يخرجها عن مجالها الثقافي، بل ستظل في هذه الدائرة، ولكن لا بد من التوسع في إضافة الخدمات والأنشطة التي تخدم الأجيال والجنسين وفق برامج تضيف لهم ولا تتوقف على محاور تركز فيها على برامج أدبية محددة.

وبين أن «الأندية الأدبية في السعودية ضيقة وأنشطتها وروادها محدودون»، مؤكدا بقوله «على الرغم من ذلك يجب أن نتفاءل ولا نربط القضايا بالشخصيات على الرغم من أن الشخصية هي التي تضيف وتزيل ولكن التجديد والتغيير مطلب مهم».