المساجد على الطرق.. ضحية 3 وزارات

دوراتها أزكمت أنوف العابرين.. وتنصل كامل من مسؤوليتها

المساجد على الطرق السريعة تحتاج إلى اهتمام أكبر
TT

عزا مراقبون تردي أوضاع المساجد على الطرق والخطوط السريعة إلى وقوعها ضحية لثلاث وزارات تبادلت سوء خدمتها، خاصة أنها «الانطباع الأول الذي يسود» في أعين المراقبين والحجاج والمعتمرين.

سوء دورات المياه بالمساجد على الطرق التي أزكمت أنوف عابريها، كان العنوان الأبرز، وهي تلتف بكم كبير من «القاذورات» ومشكلات التصريف، تقودها «مواسير» مهلهلة، تنصلت من مسؤوليتها ثلاث وزارات لتستقر كرة الثلج في مرمى وزارة الشؤون البلدية والقروية.

وكان مصدر في وزارة الشؤون البلدية والقروية قد ذكر أن مجلس الوزراء يدرس حاليا مشروع نظام استراحات الطرق، وفي حال الموافقة عليه ستحدث نقلة كبيرة، ومن أهم ملامح هذا النظام التشغيل تحت إدارة شركات أو مؤسسات متخصصة مما يساهم في تطوير جودة الخدمات المقدمة للمسافرين. كما تؤكد الوزارة أهمية رفع الوعي العام لدى المسافرين للمساهمة في نظافة هذه المرافق، وخلص إلى القول: «مساهمتنا تكمن في إطلاق المبادرة الهادفة إلى حل نهائي لتطوير تلك الاستراحات وملحقاتها».

وقال الحاج نور الله قربان، إن نظافة المساجد في الطرق الواقعة بين العاصمتين المقدستين مكة والمدينة والمنورة مرورا بمدينة جدة بينهما، يشوبها كثير من المشكلات وعدم النظافة، مبينا في السياق ذاته استغرابه من رداءة النظافة في الطرقات السريعة.

وأضاف قربان: «توجد عدة دورات مياه ملحقة بها لا تليق بمكانة المساجد في السعودية، وباعتبارها موقعا للعبادة، فحالتها سيئة جدا ولا تسمح لمن يضطر للوضوء أن يدخلها، فالروائح الكريهة والأرض القذرة وعدم النظافة تجعلك تضع كما كبيرا من علامات الاستفهام عليها».

سعيد الزهراني، مدير مدرسة في مكة المكرمة، قال إن من الأسف استمرار تردي أوضاع المساجد والواقعة على جوانب الطرق بين المدن الثلاث خاصة أنها تعتبر الانعكاس الحقيقي، وأول انطباع يترك لدى والزائر.

ويروي الزهراني أنه كان إبان عودته من إحدى الدول الأوروبية، كان برفقته في أحد مواسم العمرة، صديق بريطاني أسلم للتو وكان في رحلته الأولى للسعودية، واصفا صلاة المغرب في إحدى المحطات التي في طريق جدة - مكة، حيث أراد الصديق البريطاني الذهاب والوضوء ليتفاجأ بالكم الهائل من القاذورات وانعدام النظافة.

ويضيف أن «ذلك المشهد ظل عالقا في ذهن الزائر كثيرا، وهو يقرأ أن المسلمين أهل النظافة ولا يقبلون بالقاذورات، فما بالك حينما تكون تلك الأوساخ متمركزة في أطهر البيوت وهي المساجد»، مستشهدا بأن دورات المياه في تلك المساجد لا توجد فيها مقومات النظافة، بل إنها تفتقر لأدنى المقومات فيها».

وروى ناصر الزايدي، أن دول العالم الأول تزرع دورات مياه متنقلة في جميع الشوارع والمرافق والأحياء، وهي مزودة بأعلى درجات التعقيم والتنظيف والتطهير، مبينا أنه من خلال جولاته في المساجد الواقعة على الطرق رصد كثيرا من الحشرات الزاحفة والطائرة داخل تلك المساجد وهي مزودة بفرش متسخ ومليء بالغبار.

وتساءل الزايدي عن دور وزارة النقل في تردي أحوال دورت المياه ونظافة المساجد بها، مبينا أن الراصد والمتتبع الذي يصلي في تلك المساجد يجزم كليا بأن أيادي الإهمال طالتها بشكل كبير، حتى المجاري تكشفت وتكسرت بسبب تهالك «المواسير» الموصلة حتى إنها طفحت وأغرقت جميع الحجاج والمعتمرين والمواطنين الذين أرادوا الصلاة فيها.

عائشة علي، حاجة موريتانية كشفت من خلال جولة ميدانية أن نظافة دورات المياه للمساجد تعتبر سيئة جدا، مستغربة أن يكون ذلك على حساب الجودة في العمل والإتقان، وزادت: «يؤسفني أن يصل هذا الوضع إلى هذا التردي في الخدمات، فهو لا يتسق أبدا مع ما سمعنا عن رغبة أكيدة في نقل مكة المكرمة، التي هي عزيزة على قلوبنا، نحو العالم الأول».

وقالت عائشة إن «أسوأ دورات المياه تلك التي تكون عند النساء، فهي مهملة بشكل كبير ولا تتسق أبدا مع تحديات المرحلة التي ينبغي أن تكون جميع المرافق فيها التي تستقبل الحجيج مجهزة ونظيفة ومعقمة، ناهيك بالنقص العددي لتلك الدورات على قارعة الطريق»، مبينة أن العدد يحتاج أن يتضاعف كثيرا. وطالب من جانبه، أحمد الحكمي، بضرورة فرض تنظيف المساجد على ملاك المحطات على الطرق السريعة، مؤكدا أنهم «مسؤولون مسوؤلية مباشرة عن تلك المحطات التي على الطرق، وكذلك الاستراحات تعاني كثيرا هذه المشكلة، ونحن رأيناها لكن لا ندري أين الحل، ونستغرب حقيقة من ذلك أن لا توجد رقابة على هذه المحطات لإجبارها على تنظيف المساجد ودورات المياه وهي المخولة بعمل ذلك».

ويرى الحكمي، أن «العناية بالمساجد من أول اهتمامات هذه البلاد المباركة، والدولة تولي ذلك جل اهتمامها، لكني حقيقة أتألم كغيري من رؤية المساجد على الطرق وهي تعاني أبسط أمور النظافة، خصوصا المساجد التي على طريق الرياض - الطائف - مكة المكرمة - المدينة المنورة، وهذا أمر لاحظته وشاهدته بنفسي وشاهده غيري وهو لم يتغير منذ سنوات».

وأفاد الحكمي بأن «الوضع لم يتغير ونتمنى أن تتم معالجته ووضعه والاهتمام به، وكم من مرة تلو الأخرى نتوقع أن يتحسن الوضع، ولكن يبقى الوضع دون تغيير، والأمل أن نجد اهتماما بها ومتابعة، كما أن فاعلي الخير الذين يبنون هذه المساجد أو المصليات مطالبون، ما دامت لديهم مقدرة مالية، بتعيين عمال نظافة للاعتناء بنظافة المساجد والاعتناء بها، وحتى تكون بيوت الله، مكان العبادة، نظيفة وغير متسخة تساعد المصلين على أداء الصلوات بخشوع وسكينة.. نسأل الله أن يوفق الجميع لكل خير».

وفي السياق ذاته، أشار خالد الحسيني، الاختصاصي الاجتماعي، أن «تردي مستوى النظافة في المساجد يترك طابعا سيئا لا يختفي بسهولة، وهو ما لوحظ على المساجد الواقعة على طريق مكة - جدة السريع، خاصة في المحطة الواقعة عند جسر بحرة، ولا يخفى على أحد أن هذه المساجد يؤمها كثير من الزوار والمعتمرين، فتدني مستوى النظافة في هذه المساجد يعكس صورة غير مشرفة لجهود وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد».

وأبان أنه ينبغي اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد أصحاب محطات البنزين والاستراحات على الطرق الرئيسية وعدم الاكتفاء بتوجيه الخطابات التحذيرية لهم دون متابعة، وإلزامهم بتنفيذ الأوامر والتوصيات، مفيدا أن «من أمن العقوبة أساء الأدب».

واختتم: «إنه من المؤسف حقا أننا نقرأ كثيرا من القرارات والتوصيات التي تصدرها بعض الجهات المعنية من أجل تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. إلا أن هذه القرارات لم يواكبها شيء من المتابعة الجادة، لذا نرجو أن تكون هناك جهة رقابية عليا ذات صلاحية واسعة لتقييم أعمال الجهات الخدمية ومحاسبة المقصرين دون محاباة أو مجاملة لأحد، لأن مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار».