«السياحة والآثار»: تحويل مواقع التراث العمراني إلى أماكن «سياحية» حية بمشاركة المواطنين

سلطان بن سلمان: 80% من المواطنين لم يزوروا 80% من مناطق بلادهم

رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في صورة جماعية مع الطلاب (تصوير: عبد الله آل محسن)
TT

أعلنت الهيئة العامة للسياحة والآثار أن الهيئة بصدد تحويل مواقع التراث العمراني إلى مواقع حية يعيش فيها المواطن وتعيش فيها الأسرة وتستمتع بها، وتتطلع إلى الذهاب إليها بنهاية الأسبوع، وتجعلها جزءا من حياتها، إضافة إلى إطلاق مشاريع في مجال التراث العمراني من خلال الأنظمة التي ستصدر مع نظام الآثار الجديد المعتزم إصداره قريبا حيث ستسهم الحكومة والمؤسسات والمواطنون في هذه المشاريع.

وأوضح الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار رئيس مؤسسة التراث الخيرية، ورئيس اللجنة العليا لجائزة للتراث العمراني، خلال لقائه طلاب جامعة الملك عبد العزيز بجدة في أولى فعاليات الملتقى التراثي العمراني الوطني الأول الذي رعاه أمس الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، بتنظيم الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن الدولة تساعد في هذا التحول من خلال القروض وسوف تكون عاملا أساسيا في الدعم وهذا ما تقوم به الدول المتحضرة. وقال: «أنتم إن شاء الله تعيشون في دولة متحضرة ونحن نسابق الزمن لاستدراك ما تم من الهدم والإهمال في السابق».

وقال الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز في اللقاء إن 80 في المائة من المواطنين السعوديين لم يزوروا 80 في المائة من مناطق بلادهم المختلفة، وأضاف أن أهم تحد يواجه التراث العمراني الوطني هو تغيير المفهوم لدى الشباب لأن التراث العمراني ليس قضية ترميم أو حنين للماضي، بل هو قضية وفاء للمواقع التي انطلقت منها الوحدة الوطنية.

وكان قد أكد في الكلمة التي ألقاها في حفل توزيع جوائز الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني لطلاب الجامعات، الدورة الرابعة السنة الأولى لطلاب جامعة الملك عبد العزيز، في مركز الملك فيصل للاحتفالات والمؤتمرات بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

وأضاف رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار رئيس مؤسسة التراث الخيرية: «إلى وقت قريب كان الاهتمام بالتراث العمراني هامشيا وبعدا منسيا حتى أصبح تحديا للأمر الواقع وحلما تحقق اليوم ولله الحمد»، متسائلا «هل يعقل أن يمحى هذا التاريخ ويصبح تاريخ الوحدة المباركة التي نستظل بظلها اليوم فقط مواد في الكتب وقصصا تقرأ على الأطفال».

وأشار إلى أن الحضور الكبير للحفل يدل على اهتمام كبير جدا ونقلة كبيرة في اهتمام الجامعات السعودية، وزاد «ونحن نرى اليوم وقد انطلقت برامج التراث العمراني في جامعات الملك سعود والملك عبد العزيز وغيرها من الجامعات الأخرى، حيث تكونت قناعة كبيرة بأهمية التراث العمراني الوطني لنا كمواطنين، بحيث تحولت النظرة لها من مواقع ازدراء إلى مواقع اعتزاز واستلهام واستغلال للفرص التي ستكون متاحة في هذا التراث العمراني الكبيرة».

وفي النقاش أكد 73 في المائة من شباب الجامعة أنهم يعرفون التراث العمراني لبلادهم، و86 في المائة من يرون لهم دورا في إحياء التراث العمراني، 50 في المائة منهم لا يعرفون العلاقة بين التراث العمراني والهوية والوطنية.

وهنا أكد الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز خلال كلمته في الحفل أهمية ما صدر من الدولة من أوامر قوية من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، وأمراء المناطق، ومن وزارة الشؤون البلدية والقروية، لعدم المساس بالتراث العمراني إلا بعد الرجوع إلى الهيئة حتى تتم دراسته وتوثيقه وفق قرارات مؤسسية وعلمية، مشيرا إلى أن القيادة واعية وتقدر هذا التاريخ والتراث الذي يعتبر آبار نفط غير ناضبة.

وأبرز الأمير سلطان بن سلمان دور الفتاة السعودية في مجال دراسة وأبحاث التراث العمراني وقال: «أنا سعيد لما رأيته من الإقبال الكبير من الطلاب والطالبات في جامعة الملك عبد العزيز، وخصوصا الطالبات اللاتي يعملن في مجال التصاميم الداخلية، ونحن نعتز بمشاركتهن ولا فرق حقيقة بين مواطن وآخر وبنات المملكة العربية السعودية لا يحتجن إثبات أنفسهن أبدا، بل نحن نحتاج أن نعطيهن الفرصة المستحقة ليقدمن ويخدمن بلادهن ويشعرن بالاعتزاز لوطنهن»، مبينا أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تتطلع اليوم لتوقيع عدد من الاتفاقيات مع جامعة الملك عبد العزيز.

وأضاف رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار رئيس مؤسسة التراث الخيرية أن «الهيئة بصدد تحويل مواقع التراث العمراني إلى مواقع حية يعيش فيها المواطن وتعيش فيها الأسرة وتستمتع بها وتتطلع إلى الذهاب إليها بنهاية الأسبوع وتجعلها جزءا من حياتك، والدولة تساعد في هذا التحول من خلال القروض وسوف تكون عاملا أساسيا في الدعم، وهذا ما تقوم به الدول المتحضرة، وأنتم إن شاء الله تعيشون في دولة متحضرة ونحن نسابق الزمن لاستدراك ما تم من الهدم والإهمال في السابق».

ودعا رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الجميع إلى حضور فعاليات ملتقى التراث العمراني الوطني الأول الذي يقام في عدة مواقع في جدة، مشيرا إلى أن الملتقى ينطلق في نسخته الأولى من عروس البحر الأحمر التي ستستعيد تراثها الجميل ممثلة في جدة التاريخية.

وكرم الأمير سلطان بن سلمان الفائزين بالجائزة حيث حصل على فرع جائزة مشروع التراث العمراني مشروع التصميم الداخلي للأبنية التراثية النجدية ين الأصالة والمعاصرة دراسة تطبيقية بمنطقة حلة الدحو (الرياض) وبرنامج التصميم الداخلي بكلية الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبد العزيز، في حين نال مشروع جامعة أهلية في مدينة الرياض لكلية الهندسة والإدارة الإسلامية بجامعة أم القرى المركز الثاني، وفاز مشروع جامعة أهلية في مكة المكرمة لكلية الهندسة والإدارة الإسلامية بجامعة أم القرى بالمركز الثالث.

وفي ما يخص فرع جائزة مشروع الحفاظ على التراث العمراني نال المركز الأول مشروع تطوير المسارات التاريخية بمنطقة قلب جدة، كلية تصاميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز، والجائزة الثانية مشروع التصميم الداخلي للأبنية التراثية التقليدية برنامج التصميم الداخلي بكلية الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبد العزيز.

وفي ما يخص فرع جائزة تعليم التراث العمراني نالت كلية العمارة الإسلامية بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى الجائزة الأولى، والثانية كلية تصميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز، في حين كانت الجائزة الثالثة مناصفة بين كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود وكلية تصاميم البيئة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

وتمنح الجائزة للمشاريع الجديدة للطلاب والمحترفين من المعماريين التي تعكس نجاحا في استلهام التراث العمراني استلهاما حقيقيا وفاعلا، ولمشاريع إعادة تأهيل مناطق عمرانية، أو مبان تراثية أو أثرية، أو مشاريع إعادة استخدامها بشكل يؤكد استمراريتها وفائدتها، كما أن التقديم للجائزة يكون من قبل الطلاب والمتخصصين المحترفين والمؤسسات الخاصة والعامة، وذلك من أجل مشاركة أوسع وتفاعل أكبر ودعم أفضل لدور الجائزة، ويتم الحصول على نموذج الترشيح لفروع الجائزة من خلال موقع التراث الإلكتروني.

وأوضح الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة أن جائزة طلاب كليات العمارة والتخطيط قد حققت بعضا من أهدافها في تحفيز الطلاب على الاهتمام بالتراث العمراني واستلهامه في مشاريع حديثة، كما أبدى إعجابه بالمشاريع المقدمة من الطلاب في هذا العام التي تركزت في المدن التاريخية التي لها مركزيتها في الذاكرة الشعبية واهتمت بتطويرها.

وقد بدأ الملتقى بعقد حلقة نقاش بعنوان تناغم العمران الحديث مع التراث، ثم أقيم حفل تكريم كلية تصاميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز ولجنة الحكام والفائزين في مسابقة جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني وافتتاح المعرض المصاحب.

واستعرض الدكتور الدوسري العمران وما طرأ عليه في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أنه اعتمد في المملكة على تعدد الوحدات وتوفير الاحتياجات دون النظر إلى الأخذ بجوانب التصميم في العمران واحترام المعايير في الشوارع.

ولفت إلى أن التصميم في المدن بني على أساس أماكن الخدمات، بينما في الغرب تصمم الأحياء السكنية من خلال إيجاد مركز قوي للحي تتفرع منه المباني مع تحديد مسافات للمشي إلى المركز، وتحديد أحجام المجاورة للمساكن ومنح الحرية في البناء للسكان مع الالتزام بالأسقف ومراعاة هوية المنطقة العمرانية.

وتحدث المهندس الشعيبي حول تناغم العمران الحديث مع البيئة قائلا: «إن الإشكالية في العمارة والعمران الحديث سيطرة التقليد والموضة عليها مع عدم الأخذ في الاعتبار التفاعل بين المبنى وسكانه مع البيئة».

وتحدث عن نظرته إلى المباني العامة وتأثيرها على النسيج العمراني مبينا أن المحافظة على التراث هي الخطوة الأولى للاستفادة منه وتهمل المباني الحديثة العلاقة مع الخارج وسط غياب الفراغات بين المباني إضافة إلى عدم دخول الضوء إليها.

وأفاد بأن الدراسات أثبتت أن حرمان الإنسان من الاتصال بالطبيعة يسبب الكثير من الأمراض، مقدما عددا من التجارب في المباني الحديثة التي راعت جانب الاتصال بالطبيعة حتى وإن تعددت أدوراها، فهناك أهمية لوضع الفراغات بين الأدوار السكنية.

واستعرض الدكتور تركستاني تجربة برنامج إعادة إحياء الحدائق التاريخية بالمدينة المنورة ونقل التجربة إلى محافظة جدة، مبينا أهداف البرنامج الحديثة والثقافية المرتبطة بتاريخ المدينة المنورة وإعادة إحيائها، إضافة إلى استخلاص المفاهيم الأساسية لتصميمها، وترميم القطيعة بين التراث والحداثة ووضع نماذج للحلول والتصاميم العصرية مع إتاحة الفرصة لاتخاذ استخدام مبان حديثة.

وأشار إلى أن الصورة الحضرية الحديثة للمدينة المنورة تستند إلى مركز المدينة والوصول إلى القرى دون المرور بالمسطحات الخضراء أو الفراغات، مع العلم أن المدينة المنورة عرفت منذ التاريخ بأنها مدينة خضراء وزراعية، وشكلت الحدائق جانبا رئيسيا في المدنية المنورة، حيث لم تكن خارج المدينة ولكن كانت جزءا من الحرم.

ودعا الدكتور النعيمي في مداخلة له خلال حلقة النقاش إلى الاهتمام بالتراث العمراني، طارحا الكثير من الأفكار والمفارقات بين الماضي والحديث، مستلهما البداية في العودة إلى التراث العمراني وربطه بالحديث، التي تبدأ من الجامعات وإقرار ذلك في المناهج الدراسية.

كما خصص الملتقى حلقة نقاش للتعليم الجامعي في مجال التراث العمراني، بمشاركة معالي نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد بن محمد السيف، وعدد من الأكاديميين والمتخصصين من داخل المملكة وخارجها.

وركزت الحلقة على لفت أنظار العالم نحو الاهتمام بالتراث العمراني الذي يعتبر انعكاسا طبيعيا للمسيرة الإنسانية ومرآة للحضارات على مر العصور، مؤكدة على مضامين الملتقى التي من أبرزها رسوخ قدم الحضارة الإسلامية بين الحضارات الأخرى وتأثيرها على الحياة وخصوصا في ما يتعلق بالجزء المادي فيه، وهو التراث العمراني الذي هو جزء من الحضارة الإسلامية.

وشددت على أهمية العناية بهذا التراث والاهتمام به كونه يحكي سيرة ذاتية صامتة عن الحضارة الإسلامية وكتابا ثقافيا وتراثيا وآثاريا مفتوحا يمكن قراءته وفهمه إلى جانب ما قد يعود به هذا الاهتمام من موارد اقتصادية ثمينة.

وشدد على دور المملكة في العناية بالتراث العمراني في الدول الإسلامية ومبادراتها في هذا الجانب، والبحث عن السبل والوسائل الكفيلة برفع هذا التراث العمراني إلى درجة يمكن الاستفادة منها ثقافيا وسياحيا واقتصاديا.