«المحشش».. نجم النكتة السعودية وعدو التربويين

بعدما ساهمت التكنولوجيا في الترويج لظرافة «الحشاشين».. تخوف من انعكاس ذلك على المراهقين

TT

مع ثورة الرسائل الجماعية، أو ما يعرف بـ«البرودكاست»، صار السعوديون يتبادلون مئات النكت يوميا على هواتفهم الجوالة، خاصة بالنسبة لفئة الشباب، ويبدو متعاطي الحشيش أو «المحشش» الظاهرة اللافتة في جميع هذه النكت التي تستفتح بعبارات مثل: «مرة واحد محشش.. »، و«كان فيه محشش.. »، مما يعيد الذاكرة إلى «جحا» و«أشعب» اللذين كانا الشخصيات الأبرز في نوادر العرب القديمة، وهو المكان الذي يحتله اليوم «الحشاشين» بعدما أصبحوا فاكهة المجالس ومصنع الضحكة.

هذه الظاهرة «الهزلية» رغم ارتجاليتها وطابعها الترفيهي، فإن المتخصصين أبدوا قلقهم من آثارها على نفسية الصغار والمراهقين، حين يعتقدون أن متعاطي الحشيش هو شخص خفيف الظل ومحبوب، بدلا من تنفيرهم من هذه الشريحة، مما يعكس بعض الاستسهال في النظرة لمتعاطي المخدرات، وبخاصة الحشيش، باعتبار أنه يجعل متعاطيه «مبسوطا» على حد تعبير النكت، أي إنه ينقله إلى عالم آخر بلا منغصات.

ويشدد على ذلك الدكتور جمال الطويرقي، استشاري الطب النفسي في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن التداول العام لنكت الحشاشين بإمكانه أن يؤثر على نظرة المراهقين لهذه الفئة، بالقول «لا يمكن أن نتجاهل غريزة حب الاستطلاع لدى المراهق، فعندما يشهد جو التندر بـ(المحشش) فإنه قد يرغب في تجربة هذه الحالة ويكون لديه فضول تجاه ذلك»، وهو ما يجده قد يسهم في تكوين الاستعداد النفسي للانحراف.

ويتابع الطويرقي «معظم هذه النكت تصور المحشش على أنه إنسان مرح وخفيف الدم، وقد يربط المراهق بين ذلك وبين تعاطيه للحشيش، وهذه مكمن الخطورة»، مشيرا في الوقت نفسه إلى الجانب الأخلاقي الذي يرى الطويرقي أنه يلزم المجتمع بالنظر لفئة الحشاشين بعين الشفقة وبأنهم أشخاص بحاجة للدعم والمساندة بدلا من السخرية والاستهزاء بحالتهم المرضية.

ويؤكد مخاوف الاستشاري النفسي ما ذكره أحد التربويين لـ«الشرق الأوسط»، الذي فضل عدم ذكر اسمه، من أن بعض طلاب المرحلة المتوسطة يختارون لأنفسهم لقب «المحشش» للتعبير عن قوة شخصية الطالب أمام زملائه وقدرته على صناعة جو من المرح داخل الفصل، وهو ما يرجعه إلى اعتقادهم بأن «المحشش» هو شخصية كوميدية من الدرجة الأولى.

ويضيف «قديما كانت لدينا مشكلة في التركيز على مناطق أو فئات معينة للتنكيت على أصحابها، وكان ذلك يخلق بعض المشاكل والحزازيات بين الطلاب.. صحيح أننا تخلصنا من ذلك الآن، لكن البديل ليس موفقا، لأن النكتة التي يطلقها الكبير كي يضحك عليها يفهمها المراهق بشكل آخر ويحاول محاكاتها».

فيما يعود الدكتور الطويرقي ليشير إلى الأسباب التي جعلت التنكيت على متعاطي الحشيش أمرا مقبولا اجتماعيا لدى الكثيرين، والتي يأتي على رأسها «اختلاط الثقافات» الذي واكبه التطور التكنولوجي، حيث يفيد بأن التنكيت على الحشاشين هو أسلوب تم استيراده من إحدى الدول العربية التي تنتشر فيها هذه الفئة، فيما ساهمت وسائل الإعلام الجديد في تزايد انتشارها وإيصالها إلى شريحة كبيرة في وقت قصير.

من جهته، يرى الدكتور محمد الزهراني، وهو المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام، أن تداول نكت متعاطي الحشيش هو «من باب إطلاق الفكاهة والضحك بين الناس»، مضيفا بالقول «من المحتمل أن يكون فيه استحسان لسلوك (التحشيش)، لكن لا أتوقع ذلك، لأنه في الغالب فإن كل من يسمع النكتة يكون غير متنبه للشخص بل يضحك على موقف النكتة نفسه».

ويتابع الزهراني حديثه لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «جميع نكات الحشاشين تركز على إيصال سلوك لا يقدم عليه شخص واع، بل عادة ما يكون فاقدا للوعي والانتباه»، وأردف قائلا «أتوقع ألا يوجد أحد يقدم على تعاطي أي مادة تبدل المزاج سواء حشيش أو غيره إلا وهو يعلم أن المادة ستغير في إدراكه واستجابته للمواقف المختلفة»، مؤكدا أن السؤال الأهم هنا «لماذا يبحث الإنسان عن أي مادة لتبديل المزاج؟!»، وهو ما أوضح أن الإجابة عنه تبقى الأصعب.

وفي ذات السياق، تقول إدارة مكافحة المخدرات السعودية عبر موقعها الإلكتروني، إن «الحشيش أكثر المخدرات انتشارا في العالم، ويطلق اسم الحشيش على النبات وعلى الراتنج، وهو يشبه التبغ في مظهره، ولكن لونه يميل إلى الاخضرار، وقد أدرج الحشيش تحت الرقابة الدولية بناء على اتفاقية المؤتمر الثاني للأفيون التي وقعت في جنيف (فبراير/ شباط 1925)».

وتذكر إدارة مكافحة المخدرات كذلك أن «تعاطي الحشيش يسبب تشويش الإدراك بالزمان والمكان، واختلالا في الوظائف العقلية، كما يولد إحساسا خاطئا بالقدرة على التفكير الثاقب والخلق والإبداع، وتعاطيه يسبب الاعتماد النفسي على الغير، وقد يسبب الاعتماد الجسمي أيضا، وفي بعض الأحيان يؤدي التعاطي إلى الموت أو الجنون. كما يشكل تعاطي الحشيش نقطة انطلاق نحو تعاطي أشياء أكثر خطورة مثل: الهيروين، والكوكايين، والمؤثرات العقلية من منشطات، ومهبطات، وعقاقير هلوسة، وأحيانا يقوم متعاطي الحشيش بقتل أقاربه ومن حوله».

تجدر الإشارة هنا إلى ما كشف عنه أحدث تقرير أعدته الوكالة الدولية لمكافحة المخدرات والجريمة التابعة للأمم المتحدة لعام 2011، إذ جاءت السعودية في مرتبة متأخرة عربيا من حيث نسب إدمان الحشيش، حيث تتصدر مصر قائمة الدول العربية في استخدام هذا النوع من المخدرات بنسبة تصل إلى 6.2 في المائة من مجموع السكان، تليها الجزائر 5.7 في المائة، والإمارات العربية المتحدة 5.4 في المائة، والمغرب 4.2 في المائة، والكويت 3.1 في المائة، والأردن 2.1 في المائة، ولبنان 1.9 في المائة، وأخيرا السعودية بنسبة 0.3 في المائة.