قرار عمل السعوديات في محلات الملابس النسائية يدخل حيز التنفيذ

التزامهن بالضوابط الشرعية فرض هدوءا نسبيا بين فئات المجتمع السعودي

المرأة السعودية أثبتت وجودها كـ«بائعة» في المجمعات التجارية بعد جدل واسع
TT

دخل قرار عمل السعوديات في محلات الملابس النسائية في الأسواق والمولات حيز التنفيذ بعد أن بدأت شركات ومحلات في تنفيذه والاستعداد للتوسع فيه بشكل كبير عقب القرارات التي صدرت تشدد على البدء بالتنفيذ والعقوبات التي ستطال المتهربين من تنفيذه.

ورغم الجدل الواسع الذي دام لفترات ليست بالقصيرة، فإن وجود المرأة كبائعة في المراكز والمجمعات التجارية تحول إلى أمر واقع بعد تمكنها من الوقوف بجوار الرجل داخل معظم المحلات، لتخرج بمهنتها تلك عن أسوار البازارات النسائية، عدا عن أن نجاحها مع امتلاكها للأدوات الجيدة والمهارات جعل من تواجدها في المراكز والمولات أمرا طبيعيا في ظل الهدوء النسبي الذي ساد جو المجتمع السعودي حيال ذلك التوجه.

ومع بدء الجهات المعنية فعليا في تنفيذ قرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، واقتحام المرأة لمجال البيع والشراء، ووصولها إلى مجالات أخرى مختلفة كالملابس وغيرها، وهو ما بدأ المجتمع في تقبله طوعا أو حتى كراهية.

وكانت السعودية قد ألزمت في شهر يوليو (تموز) الماضي، رسميا، جميع محال بيع المستلزمات النسائية (الملابس الداخلية، وأدوات التجميل) بتشغيل النساء، وإحلالهن مكان العمالة الوافدة، حيث توعدت الوزارة غير الملتزمين بتطبيق القرار في مدة أقصاها 6 أشهر بوقف خدماتها عن تلك المنشآت بشكل نهائي، على أن يشمل القرار توظيف السعوديات وبناتهن من آباء غير سعوديين.

وكشف آنذاك المهندس عادل فقيه، وزير العمل السعودي، وجود الكثير من طلبات السيدات لدى وزارة العمل والراغبات في العمل بتلك المحال والتي فاقت أعدادهن الأرقام المطلوبة، وذلك من واقع الإحصاءات التي سجلها برنامج «حافز» عن الباحثات عن العمل، مشيرا إلى عدم وضع حد أدنى للأجور.

وأوضح أن من حق أصحاب العمل نقل خدمات العاملين من الرجال في محلات المستلزمات النسائية إلى الأعمال الأخرى، التابعة للمنشأة بعيدا عن تلك المحلات، وقال: «إن الهدف من القرار ليس طرد العامل الوافد، أو حلا لمشكلة البطالة أو عمل المرأة بشكل عام، إنما هو حل لمشكلة اجتماعية واقتصادية استمرت لفترة طويلة، والمتضمنة بيع الرجال الأجانب الملابس الداخلية لنسائنا وبناتنا، وفي الوقت ذاته أوجدنا فرص عمل للمرأة».

وحذر القرار المنشآت التي تقوم بتسجيل العاملات عن بعد، في وظائف وهمية، بحرمانها من الحصول على تأشيرات عمل جديدة، أو نقل خدمات عمال لها، أو تغيير مهنهم وحرمانها من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية، لمدة لا تقل عن 3 سنوات للمخالفة الأولى، و5 سنوات للمخالفة الثانية.

كما أكد وزير العمل على فرض غرامة مالية لا تتجاوز 5 آلاف ريال على كل موظفة وهمية مسجلة لدى منشأة، طبقا للمادة 239 من نظام العمل، وفي حال قيام امرأة ما بالتعاون مع المنشأة بالتسجيل في وظيفة وهمية، فإنه يتم حرمانها من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية لمدة لا تقل عن 3 سنوات للمخالفة الأولى و5 سنوات للمخالفة الثانية.

سحر خياط الحاصلة على درجة البكالوريوس من جامعة الملك عبد العزيز في جدة، والتي تعمل في محل لبيع مستلزمات الخياطة داخل أحد أشهر المراكز التجارية بجدة، ترى أن المجتمع السعودي لم يتقبل حتى الآن فكرة تواجد النساء في الأسواق كبائعات، لافتة إلى أنه في بعض الأحيان يقف مجموعة من الرجال خلف زجاج باب المحل لينظروا إليها باستنكار.

وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إن مالك المحلات التي أعمل بها يمنع تماما دخول الرجال بمفردهم إلى المحل، حيث إنه مخصص للعائلات فقط ولا سيما أن لغة التفاهم في البيع والشراء بين النساء أنفسهن تعتبر مرنة للغاية مقارنة بها بين المرأة والرجل، خصوصا أننا كنساء بإمكاننا فهم متطلبات بعضنا البعض».

وتؤكد على أن المرأة السعودية قادرة وبقوة للعمل في مجال البيع والشراء إلى جانب الرجال، في ظل احتياجها فقط إلى ثقة المجتمع فيها كونها تمارس عملا لا يخالف أنظمة وتعاليم الدين الإسلامي، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجهها تتمثل في نظرات المجتمع إليهن كبائعات.

وفي ما يتعلق بأجورهن وما إذا كانت مجدية مقابل ساعات العمل التي تمتد إلى أكثر من 7 ساعات يوميا، أفادت سحر خياط بأنها تعد أقل من المستوى المتوسط، غير أن هذه المهنة من شأنها أن تكسب الفتيات خبرات كثيرة لتكون فيما بعد نواة لانطلاق مشاريع تجارية خاصة بهن، مبينة أن بدايتها في مجال البيع والشراء كانت عن طريق التقدم لأحد الإعلانات الوظيفية على شبكة الإنترنت.

وأضافت: «أفكر جديا في إنشاء مصنع للملابس، وهو ما جعلني أعمل كبائعة في المراكز التجارية بهدف تكوين فكرة كاملة وشاملة عن السوق السعودية، إضافة إلى التعرف على أوضاع العمالة واستقدامها قبل أن أنطلق في مشروعي»، مبينة أن المحل الذي تعمل فيه يقوم بعقد ورش تدريبية للفتيات السعوديات وتعليمهن الكثير من مهارات التجارة.

وأبرز ما يعيق عمل سحر خياط وصديقتيها كبائعات، هي الفترة المسائية من ساعات الدوام التي قد يتأخرن فيها قليلا عن العودة إلى منازلهن، الأمر الذي قد يثير حفيظة عائلاتهن، ولكنها استدركت قائلة: «إن مالك المحل يقدر ظروفنا، حيث إنه يجعلنا نعمل خلال الفترة الصباحية فقط بينما يتولى مهمة البيع في المساء رجال أو سيدات ممن يستطعن البقاء خارج منازلهن لأوقات متأخرة».

في حين تختلف وجهة نظر مها غنام البائعة وشقيقتها في أحد المحلات المخصصة للشوكولاته، حيث تؤكد على اختلاف نظرة المجتمع السعودي كليا حيالهن كبائعات، خصوصا بعد أن تمكنت المرأة من إثبات وجودها وقدراتها لتبرهن أمام الجميع بأنها موجودة ولديها الحق في العمل أسوة بالرجل.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت المرأة السعودية ترفض الجلوس في المنزل فقط دون أن يكون لها شخصيتها المستقلة، الأمر الذي جعلها تقتحم معظم المجالات بما فيها البيع والشراء، ولا سيما أنها تملك كافة الإمكانيات لفعل ذلك»، موضحة أن وجود المرأة في هذا المجال يسهل من التعامل مع الأوساط النسائية فيما يتعلق بأمور البيع والشراء.

وعلى مدار عام كامل، تشير مها غنام إلى أنها تمكنت من اكتساب خبرات كبيرة تتضمن معرفة الحياة العملية على أرض الواقع، واكتساب القدرة على تقييم العملاء إذا ما كانوا تواجدوا لغرض الشراء أم لأغراض أخرى، عدا عن التعرف على الحياة الاجتماعية والتعامل مع الناس، مبينة أن نظرتها للحياة تغيرت بشكل كامل.

بينما ذكرت نوف الأحمد إحدى البائعات في محل للإكسسوارات النسائية وبعض المستلزمات المصنوعة يدويا، أن نظرة المجتمع للفتيات بعد دخولهن لمجال البيع والشراء في المجمعات التجارية والأسواق الكبرى تعتمد اعتمادا كبيرا على المنطقة وعاداتها وتقاليدها، مشيرة إلى أن أهالي منطقة غرب السعودية بشكل عام وجدة تحديدا باتوا متقبلين تماما لذلك الأمر.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تعود أصولي إلى منطقة الرياض، وقد كنت أخجل من العمل هناك في ظل عدم تقبل المجتمع بشكل جيد لذلك العمل، إلا أنني حينما أتيت إلى جدة وامتزجت بمجتمعها، اكتسبت جرأة أكبر جعلتني أقتحم مجال البيع والشراء بقوة منذ ما يقارب عام».

وبالنسبة لعملائها من الرجال، أبانت أنهم يصنفون على فئات بحسب مناطقهم، حيث إن الحجازيين يتعاملون معهن كبائعات بشكل طبيعي جدا، غير أن نسبة كبيرة من الرجال الآخرين يتعمدون تحاشي الاقتراب منا حتى وإن كانوا يصطحبون عائلاتهم معهم، مضيفة: «نحن نعمل بجوار الرجال البائعين أيضا، وهذا جعلنا نشعر وكأننا عائلة واحدة نساعدهم كما يساعدوننا».

وطالبت نوف الأحمد بضرورة تشجيع الجهات المعنية لعمل المرأة في الأسواق والمجمعات التجارية، خصوصا أنها تمتلك الكثير من الطموحات والأفكار والهوايات، غير أنها بحاجة إلى التشجيع والثقة لتنفيذها.

احترام المجتمع للمرأة كبائعة في الأسواق السعودية، هو جل ما يردنه هؤلاء الفتيات، حيث إنهن أفدن بوجود بعض الفئات الشبابية ممن هم بحاجة إلى إعادة تأهيل وتوعية قد يتعرضون لهم من باب «المغازلة»، الأمر الذي من شأنه أن يضايقهن في عملهن كونه يندرج تحت نطاق «إساءة الظن» فيهن كعاملات.

يأتي ذلك في وقت أكد فيه مصدر مسؤول في لجنة الملابس التابعة للغرفة التجارية الصناعية بجدة، على أن التصويت الخاص باختيار زي مناسب لعمل السعوديات في محلات الملابس أثبت الرضا الكامل على معظم التصميمات المطروحة، ولا سيما أنها تراعي الحشمة والعادات والتقاليد، وذلك من خلال الحصول على عينة من المشاركات عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بعد أن تخطى عدد المشاركين حاجز الـ100 مشارك، يشكل منهم الرجال المتزوجون ما نسبته 80%.

وأوضح في وقت سابق حسين الحارثي عضو لجنة الملابس المشرف على التصويت الخاص باختيار عباءة أو زي للعاملات بمحلات الملابس أن الإقبال كان كبيرا جدا، مما يدل على اهتمام السعوديين بعمل المرأة في هذا المجال وتوطين الوظائف وخاصة في محلات الملابس الداخلية.

وقال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «إن اللافت في الأمر أن معظم المصوتين هم من الرجال المتزوجين، والذين كانت لهم مداخلات ومشاركات فعالة ومؤيدة للقرار، خصوصا أن وجود الوافدين بداخل المحلات وخاصة في الملابس الداخلية يعد سببا في إحراجهم».

عبد العزيز القاضي، أحد المشترين من محل لبيع الإكسسوارات النسائية، والذي كان يشارك البائعة فيه طرح الأفكار والمقترحات لتطوير منتجاتها، أوضح أن خطوة السماح للمرأة بالعمل داخل الأسواق والمراكز التجارية تعتبر متأخرة كثيرا، حيث إنه كان من المفترض أن تأتي منذ زمن، مفيدا بأن الفتيات السعوديات يتمتعن بنسب ذكاء عالية، إلا أنهن يحتجن إلى إعطائهن المزيد من الفرص.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كما هو معروف أن المرأة نصف المجتمع، ومن أبسط حقوقها إتاحة الفرص أمامها مثلها مثل الرجل طالما أن عملها شريف وقائم وفق ضوابط شرعية»، مؤكدا على تأييده التام لعمل النساء في البيع والشراء خاصة لدى محلات الأطفال كونهن يتفهمن لاحتياجاتهم أكثر من الرجال.

ويرى أن عدم تقبل المجتمع للمرأة كبائعة في الأسواق والمجمعات التجارية في بعض المناطق سيبدأ في الاندثار، ولا سيما أن معظم المدن السعودية باتت ترى المرأة ذات كيان مستقل وشخصية وذمة مالية مستقلتين، عدا عن كونها عضوا في المجتمع مثل الرجل، الأمر الذي جعلها تستطيع اقتحام مجالات كثيرة وأماكن متعددة.

وأضاف: «كل ما في الأمر هو مسألة عادات وتقاليد لن تستغرق وقتا طويلا كي تنتهي، خاصة أنها ليست مرتبطة بالشرع، حيث إن المرأة تخرج إلى عملها ملتزمة بحجابها وقيمها، وقريبا سنرى المرأة السعودية في كافة المجلات كونها لا تقل عن غيرها من نساء العالم في الذكاء والطموح»، مستشهدا على ذلك بحصد سيدات سعوديات لأعلى الشهادات في مجالات مختلفة كالطب والفيزياء والرياضة والفروسية وحتى الطيران، مما يجعل لهن أولوية النجاح في مجال كالبيع والشراء.

في حين توقع مسؤولون ومختصون نجاح تجربة تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية، مطالبين بضرورة تعميم التجربة على كافة مناطق السعودية، وتطبيق قراري وزارة العمل بشأن معاقبة غير الملتزمين بتشغيل السعوديات.

وأقر المختصون في وقت سابق بوجود بعض العقبات في طريق هذه التجربة والتي تتمثل في عدم تأهيل الفتيات لمثل هذا العمل، وقلة وعيهن بقانون العمل، متوقعين ضخ مبلغ يتراوح ما بين 150 و200 مليون ريال في السوق السعودية على خلفية تطبيق هذه التجربة، الأمر الذي يساهم في تحريك جزء من السيولة المجمدة للنساء في البنوك السعودية.

من جهته، يؤكد أمين، أحد البائعين الذين يعملون بجوار النساء في البيع والشراء، على أنه مؤيد تماما لدخول المرأة إلى العمل في الأسواق والمجمعات التجارية أسوة بالرجال، في ظل وجود سيدات في المجتمع لا يحبذن التعامل مع البائعين من منطلق الخجل أو حواجز لا يمكن تخطيها.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة تنافس بيننا وبينهن في البيع والشراء واجتذاب الزبائن، والذي لا يخرج مطلقا عن نطاق النزاهة، ولا سيما أننا مؤمنون بأن الأرزاق بيد الله عز وجل، إلا أن المرأة تمكنت فعلا من إثبات وجودها ونجاحها اللافت في مزاولة تلك المهنة».

الجدير بالذكر، أن هناك مقترحا جديدا ينتظر رفعه لعدد من الجهات الحكومية والذي يهدف إلى تحفيز السعوديات للعمل كبائعات في المجمعات التجارية، من خلال توحيد عمل الأسواق والمولات التجارية لفترة واحدة، تبدأ من الساعة 11 صباحا وتنتهي في الساعة 9 مساء، وذلك أسوة بعملها في الدول الأوروبية.

ويأتي هذا المقترح من منطلق ضرورة إيجاد فترات عمل مناسبة للمرأة السعودية، بعد أن أكدت دراسة حديثة صادرة من الغرفة التجارية الصناعية بجدة على أن الدوام لفترتين وتأخر خروج السيدات من العمل إلى الساعة 12 ليلا يعد سببا في رفض عائلاتهن لعملهن كبائعات ملابس، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في عدم إيجاد كوادر بشرية عند تطبيق توطين الوظائف بدلا من العمالة الوافدة.

يشار إلى أن قرار تأنيث محلات المستلزمات النسائية فقط من شأنه أن يوفر وبحسب توقعات الخبراء نحو 500 ألف وظيفة للمواطنات في تلك المحلات خلال سنتين إلى 3 سنوات قادمة، وهو ما يدل على أن وجود المرأة السعودية كبائعة في مختلف المجالات داخل المجمعات التجارية سيحرك العجلة الاقتصادية من حيث عدم ذهاب الأموال الاستثمارية للخارج.