الطالبات نجون من السحب السوداء فتلقفتهن الأدخنة وألسنة اللهب

وأدت النيران صرخاتهن وحضر الموت في ساحتهن

TT

بينما نجت طالبات المدرسة الأهلية للبنات بجدة من السماء المكومة بالغيوم والسحب الركامية السوداء التي تلبدت بها سماء جدة، خالف القدر سير الأمور في حي الصفا، حين تلقفت ألسنة اللهب أجساد هؤلاء الطالبات اللائي سلمن أجسادهن للألسنة كما تسلم الأرواح المؤمنة أنفسها لخالقها.

ولأن لكل أجل كتابا، فقد كتب لمدينة جدة أن تلبس السواد، وتلتف بأدمع أولياء الأمور الذين انسكبت أدمعهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد تسرب الخبر المشؤوم الذي حيد السعوديين لمواجهة الموت في ساحة الأطفال الذين تقافزت أجسادهن بين جثث هامدة، وأخرى مختنقة في تراجيديا سوداء.

كانت أجواء جدة التي أنذرت برياحها وانفتاح سمائها الأرصاد، موئل تركيز أنظار السعوديين قاطبة، لا سيما أن رأس «الأربعاء الأسود» ما برح يومئ بناصيته، ليكثر السؤال وتتلاحق الإجابات حول الطريقة نحو حفظ الأرواح من موجة أمطار قادمة، كانت السماء شاهد العيان الوحيد فيها لا سيما والسواد قد تربع في سدولها.

ولو أن النفوس المؤمنة تتعلق بالعدوى والطيرة، لفسر البعض سوداوية المشهد بالاتساق مع سوداوية السماء التي آذنت منذ وقت مبكر بإمكانية هطول أمطار غزيرة، تداعت لها قلوب أولياء أمور الطلبة على اختلاف أماكنهم، إلا أن ألسنة اللهب كانت أشد قساوة من حالة الطقس التي كشفت عن مرارتها وحدة مخلبها.

صراخ الأطفال الذي وأدته ألسنة اللهب والغاز السام من أول أكسيد الكربون، كان عنوان الألم الذي تسربل في مشارب وعروق جدة عروس البحر الأحمر التي شاخ جمالها، وهي تهرع خائفة عند تحليق سحابة مكومة بالسواد، لتأتي الأخبار بنذير شؤمها من حيث لا تدري تلك المدينة الحالمة، ولتكون ساحة الألم متوسدة ثنايا المدرسة الأهلية في حي الصفا.

وقرعت الحادثة سيلا مختلطا بين الألم وجذوة الهرع التي أصابت الرجال حول الكارثة، لتتثاقل أجسادهم بما حملت، موعزة بأن يكون المصاب والجلل يسير ورؤوما بأكوام الحنان التي اختزلتها دهاليز المدرسة الأهلية، وهي تتصبح إشراقتها بضحك الوجنات، وحنان المعلمات وهن يدرن داخل مدرستهن كخلية نحل مستشرفات طلباتهن وصرخاتهن الاعتيادية، فما بالك حين ينقلب المشهد لتكتنف الصرخات بالاختناقات وألم العبرات! بيد أن ألسنة اللهب وأكوام السواد كانت أشد نزعا للأرواح من صدورها، وقطعت الطريق أمام نسائم الرحمات من لواعج المعلمات، وهي تنبري ألما وغصة فالمشهد يحمل في طياته كل معاني الأمومة، وكل لواعج الحنان وتلافيف الرحمة التي جسدت بثبات في المنظر الأخير للوداع المحزن.

إلى ذلك، نبهت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة من أمطار متوقعة مساء اليوم ما بين خفيفة ومتوسطة، تشمل عدة مناطق بما فيها أجزاء من شرق محافظة جدة مطالبة بأخذ الحيطة والحذر، في وقت تتهيأ فيه الفرصة بمشيئة الله تعالى إلى هطول أمطار خفيفة إلى متوسطة على منطقة القصيم ومنطقة حائل ومنطقة مكة المكرمة تشمل «الأجزاء الشرقية من محافظة جدة»، مشددة على ضرورة أخذ الحيطة والحذر.