حادثة مدرسة «براعم الوطن».. قصص ومآس وسواعد المتطوعين تخفف من وطأة الكارثة

رجال الدفاع بذلوا جهدا كبيرا في الإنقاذ من الأرض والسماء

رجال الدفاع المدني في المدرسة المنكوبة من الداخل (تصوير: عبد الله آل محسن)
TT

حالة من الهلع انتابت أهالي مدينة جدة يوم أمس جراء الحريق الذي نشب في مجمع «براعم الوطن» التعليمي الكائن بحي الصفا، في الوقت الذي كانوا يترقبون فيه موعد هطول الأمطار، إلا أن الغيوم التي غطت سماء مدينتهم لم تكن ماطرة وإنما أبخرة سوداء حملت بين ثناياها رائحة احتراق ضحايا، مغلفة بأرواح زهقت دون مقاومة.

جميع طاقم مستشفى الجدعاني الخاص، وأبناء الحي الذي تقبع فيه المدرسة المنكوبة تحولوا إلى مسعفين، يحاولون بشتى الطرق إنقاذ «براعم الوطن» الذين خرجوا كعادتهم كل صباح إلى مدارسهم، غير أن جدول يوم السبت اختلف كليا عن مطلع أي أسبوع مضى، فبدلا من عودتهم إلى منازلهم ليحكوا ما في جعبتهم من حكايا أطفال مارسوها، باتوا هم أبطال رواية مأساوية ختامها 48 حالة مصابة وجثتان هامدتان.

ريم النهاري، ابنة الـ23 ربيعا، وإحدى معلمات الدراسات الإسلامية في «براعم الوطن»، لم تستطع إنقاذ نفسها لتلقى حتفها إثر نزيف تعرضت له جراء إصابتها في رأسها، وهو ما يرجح قفزها من الطوابق العلوية خوفا من الحريق.

تلك الريم، كانت تعول أسرتها في ظل ضعف دخل والدها الشهري، حيث إنها الكبرى بين شقيقتيها وأشقائها الثلاثة الذي يصنف أحدهم من ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة (معاق)، إلا أن الموت خطفها بعد 3 سنوات فقط من بداية مسيرتها العملية.

مشهد مأساوي رصدته «الشرق الأوسط» في ركن الاستقبال بالمستشفى، لوالد ريم الذي علا صوته بالبكاء، عدا عن انفعالات شقيقها الهستيرية والتي جعلته يرفض تماما عرض جثة المتوفاة على الطبيب الشرعي، مكتفيا بالقول: «الموت من عند الله، ونريد تسلم الجثة ودفنها دون معرفة سبب الوفاة»، وما أن رأى جثة شقيقته حتى سقط على الأرض غارقا في موجة بكاء حادة.

في حين أوضح علي العريشي خال الضحية أن سبب الوفاة لم يتضح بعد، إلا أنه من المرجح تعرضها لنزيف نتيجة وجود إصابة في رأسها وكدمة في إحدى ساقيها، مشيرا إلى أن أحد أشقائها من المفترض أن يتزوج قريبا.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تلقينا خبر وفاتها بعد العصر حيث إنني كنت خارجا من العمل، ولم يحددوا لنا موقع الجثة، الأمر الذي جعلنا نذهب إلى مستشفى الملك فهد والملك عبد العزيز ومن ثم توجهنا إلى مستشفى الجدعاني»، مؤكدا أن المتوفاة تعول أسرتها بالكامل من بينهم شقيقها المعاق.

فتاتان في عمر الزهور، إحداهما على مقاعد الصف الخامس الابتدائي، بينما لا تتجاوز الأخرى الـ8 سنوات، قدر لهما الخروج في الصباح الباكر مع والدتهما غدير كتوعة وكيلة القسم الابتدائي في مجمع «براعم الوطن»، إلا أنهما خرجتا من المستشفى من دونها بعد أن خطفها الموت.

ويروي أحد أقربائها لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل وفاتها قائلا: «تربط بينها وبين زوجتي صلة قرابة كونها ابنة خالتها، وتبلغ من العمر 37 عاما، حيث نقلت إلى المستشفى مختنقة، إلا أنها لقيت حتفها فور وصولها»، مؤكدا أن مخارج الطوارئ في المدرسة كانت جميعها مغلقة.

وحمل قريبها الذي فضل عدم ذكر اسمه مسؤولية ما حدث لكل من إدارتي الدفاع المدني والتربية والتعليم، في ظل اندلاع الحريق منذ الحادية عشرة صباحا، غير أن فرق الإنقاذ لم تصل إلى الموقع إلا بعد الواحدة والنصف ظهرا، مشيرا إلى أنهم تلقوا خبر وفاتها في تمام الساعة الخامسة من عصر يوم أمس، في حين لم تصب ابنتيها بأي أذى، بينما اكتفت والدتها التي كانت غارقة في نوبة بكاء حادة بقولها لـ«الشرق الأوسط»: «أنا والدتها، وذهب شقيقها وزوجها إلى المدرسة فور تلقيهم الخبر، وهي وكيلة المدرسة».

العناية الإلهية حفت الطفلة طيف القحطاني إحدى طالبات الصف السادس الابتدائي التي ألقت بنفسها من الطابق الثالث، ليلتقطها أحد الموجودين في موقع الحادثة، مما أسفر عن إصابة طفيفة في الرأس استدعت عمل 4 غرز خياطة فيها.

وتقول طيف خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «في تمام الساعة الواحدة ظهرا سمعنا صوت جرس الإنذار وتوجهنا فورا إلى حجرة المعلمات، وحينما شاهدنا تصاعد الدخان أغلقنا الباب خوفا من دخول النيران علينا، إلا أن حرارة الأبخرة أصابتني بتسلخات في أجزاء متفرقة من جسمي، وهو ما جعلني أقفز من النافذة بعد كسرها بأحد السلالم الحديدية الموجودة في الحجرة».

وذكرت أنها تعرضت إلى حالة إغماء أثناء سقوطها، والتي لم تفق منها إلا في سيارة الإسعاف، مبينة في الوقت نفسه خلو الفصول والحجرات داخل المدرسة من وسائل السلامة ورشاشات الماء المتعلقة بالحرائق.

ولم تقتصر الإصابات فقط على طالبات ومعلمات المدرسة، وإنما طالت أفرادا دخلوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل وصول فرق الدفاع المدني إلى الموقع، حيث تعرض أيمن عوض أحد العاملين في مطعم يبعد عن المبنى المنكوب بنحو 30 مترا، إلى السقوط من ارتفاع يصل إلى 5 أمتار، ليصاب بكدمات متفرقة في الرأس والكتف واليد.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت الطلاب يرمون أنفسهم من نوافذ المدرسة، ودخلت أنا وأحد أفراد الإنقاذ التابعين للدفاع المدني، فوقفت على سقف المقصف المصنوع من الخشب لإنزال بعض الطلاب بالسلالم، إلا أن السقف هوى بي لأسقط على الأرض».

وأفاد بأنه كان يرى الطالبات والطلاب يلقون بأنفسهم بشكل عشوائي، إلى درجة أن بعضهم سقط على حاجز فولاذي، بينما كان هناك نحو 7 شبان يمسكون بقطعة قماش كبيرة ليسقط عليها الآخرون من الطالبات والطلاب، إلا أن منهم من سقط بشكل خاطئ، مبينا أن معظم الذين قفزوا من النوافذ هم أطفال.

واستطرد في القول: «دخان كثيف غطى كامل المبنى، وأصوات صراخ ملأت أرجاء المنطقة، وأطفال رموا بأنفسهم من الطوابق العلوية في ظل وجود حاجز حديدي خطير، لأول مرة أرى مثل تلك المشاهد أمامي».

وفي الوقت نفسه، عجت ممرات المستشفى بالكثير من الروايات حول الحادثة، فمنهم من أكد على أن سبب الحريق كان نتيجة تماس كهربائي في القبو، والذي كانت مديرة المدرسة على علم به قبل أيام من وقوع الحادثة، غير أنها اكتفت فقط بمنع الطالبات من الاقتراب منه، في حين أفاد آخر بأن دخان الحريق وصل إلى منزله القريب من المدرسة، وحينما خرج لرؤية ما حدث فوجئ بسقوط طالبتين عليه، مما أدى إلى إصابته بكسر في ذراعه.

يشار إلى أن الدفاع المدني أصدر بيانا له عقب الحادث ذكر فيه أن طائرتين من طيران الأمن وطائرتين من الهلال الطائر شاركت في عمليات الإنقاذ، وبلغ عدد الطالبات الذين تم إخلاؤهن 700 طالبة إلى جانب 110 معلمات وعدد 32 مستخدمة، ونتج عن الحادث وفاتان وعدد 44 إصابة، مبينا أن هذه المعلومات غير نهائية نتيجة وجود الكثير من الحالات الحرجة في العناية المركزة جراء استنشاق غاز أول أكسيد الكربون ونواتج الحرق السامة وتم فتح تحقيق موسع في الحادث لمعرفة أسبابه وملابساته.