حريق جدة.. مع «تويتر» الكل شاهد عيان

إشاعات واقتراحات وتطمينات وتساؤلات بثها الموقع

تناقل الناس أخبار الحادثة باستخدام تقنيات التواصل مما مكن من وصول تفاصيل الخبر أولا بأول (تصوير: غازي مهدي)
TT

هي ظهيرة شبيهة بتلك التي وضع فيها المحيطون بالمدرسة الحادية والثلاثين بأحد جبال مكة المكرمة أيديهم على قلوبهم مرددين «اللهم سلم سلم»، حينما كانت جثث الفتيات تخرج متفحمة الواحدة تلو الأخرى لا يرى منها إلا بقايا قماش زهري لبسنه في الصباح، فخرجت أجسادهن منه إلى الزي الأبيض الأخير.

كان ذلك هو اليوم الحادي عشر من مارس (آذار) 2002، أما أمس فكان التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، حينما اقتحمت غرف العلم وفصول الدراسة نيران لهب خلال ساعة متأخرة من الدوام الدراسي، وكانت النتيجة أقل هولا من تلك التي كانت قبل 9 أعوام، لكن ما لم يكن أقل هو حالة الترقب والفاجعة التي هالت القاصي عن المدرسة قبل الداني منها، إذ إن الأخير يستطيع أن يرى بعينيه حقيقة الأمر ويعرف حالة الطالبات والمعلمات، ويرى النيران وانخمادها فور تمامه، ويرصد عدد الناجين ويرى جهود القائمين. أما البعيد والذي أسهمت تقنيات التواصل الاجتماعي في اللعب بعقله فقد عاش لحظات عصيبة، فخلال الدقائق التي كانت النار قد خمدت فيها كان يعصر قلبه خوفا من النتيجة.

بالأمس كان بالإمكان وبسهولة تسجيل مشاعر الجميع، الجميع بلا استثناء، فلا يغني تبرير الدفاع المدني ولا رصد الشرطة ولا شهادة رجال الحسبة ولا معاينة الحاضرين، إذ إن الذين عايشوا الحدث وكانوا معنيين به تواصلوا عبر «تويتر» و«فيس بوك»، وبالـ«بلاك بيري»، مشاركين الجميع في أرجاء البلاد بل وخارجها مشاعر الحادثة التي شهدتها مدرسة «براعم الوطن» في شارع أم القرى في جدة.

وكالعادة، نالت وسائل الإعلام الجديد حصة الأسد من تغطية خبر حريق مجمع مدارس «براعم الوطن» الأهلي، والذي اندلع يوم أمس لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن، وذلك رغم أن الخبر أتى بعد ثوان من خبر القبض على سيف الإسلام نجل العقيد الليبي معمر القذافي، ومن خلال الوسم أو «الهاش تاغ» الذي أطلقه «التويتريون» لمتابعة الحدث وآخر تطوراته على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لم يقتصر الأمر على بث الأخبار والصور أولا بأول، بل كانت هذه الوسائل مصدرا أساسيا لأولياء الأمور المتلهفين في بيوتهم لمعرفة النبأ، فقال أحد المغردين «ذهبت لأحضر ابنتي من المدرسة ولم أجدها، إلا أنني علمت بمكانها، وأنها تم نقلها إلى المشفى، من خلال تغريدات الإخوة».

فيما يروي مغرد آخر أن «تويتر» هو خير دليل ومرشد فوري في الكوارث حين غرد قائلا «لولا (تويتر) لما استطعت إنقاذ ابنة أخي، والوصول في وقت مناسب، على الرغم من الصعوبة التي واجهتني في الوصول إليها، ومساعدة المتطوعين في عمليات الإنقاذ، فشكرا لك»، ولعل ما يؤكد تحول «تويتر» لأفضل دليل في الكوارث تغريدة أحد «التويتريين»: «يتم الآن فرز الحالات على باقي المستشفيات، الرجاء من أهالي الضحايا التوجه لمستشفى الملك فهد أو مستشفى الجدعاني».

وفي الوقت الذي انشغل فيه المسؤولون بالوقوف على الكارثة ميدانيا، وانشغلوا عن الرد على هواتفهم، لف الحدث الكثير من الغموض والإشاعات، وهو الأمر الذي دفع بعض «التويتريين» إلى مطالبة البعض بالتوقف عن بث الشائعات التي من شأنها التأثير سلبا على مشاعر الأهالي، فغرد قائلا «الرجاء عدم بث أي معلومة أو خبر من دون التأكد من مصدره، فهناك من ينتظرون، وحرام أن يتم التلاعب بأعصابهم، وأرجو عدم المساعدة على نشر ذلك».

ومع ذلك فإن بعض «التويتريين» كانت لهم بعض المطالب المتعددة، أبرزها وبحسب أحد المغردين «لا بد من عمل مخارج خاصة للطوارئ والحريق في جميع مدارس المملكة، وتدريب الطلبة والطالبات على كيفية التصرف في حالات الطوارئ والحريق»، وتساءل مغرد آخر عن سبب عدم وجود تدريب على الإخلاء أثناء الحريق وغيره من الكوارث، أما إحدى أخوات الطالبات بالمدرسة فقالت «قمة المهزلة أن يكون قد تم تدريب الفتيات قبل بضعة أيام على الإخلاء، ومع ذلك لم يستطيعوا السيطرة على الوضع الآن».

هذا الأخير وافقه مغرد آخر قائلا «أجزم بعدم وجود نقطة تجمع آمنة في المدرسة على الأقل تكون معلومة لدى مسؤولاتها»، فيما انتقد آخر الدورات التي يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر، واصفا إياها بالهامشية، والمهدرة للوقت.

أحد «التويتريين» ذهب إلى أبعد من ذلك، حين غرد «للحريق صور من التعاون والتلاحم الرائع بين الأسر. أسر كثيرة استضافت طالبات في منازلها لحين وصول أهاليهم واستلامهم بأمن وسلامة»، ليضيف مغرد آخر «الآن فقط علمت لماذا أحب مدينة جدة، لأنه عندما تكون هناك كارثة حقيقية تكون المدينة كلها يدا واحدة، وهذا هو الحب».

ليس ذلك فحسب بل أرجع أحد المغردين سبب صعوبة الوصول إلى موقع الحريق إلى تأخر إنجاز مشاريع البنية التحتية في الشوارع المحيطة، فقال «تأخر إنجاز مشاريع البنية التحتية في الشوارع المحيطة بالمدرسة المنكوبة أدى إلى إعاقة سرعة الوصول لموقع الحادث. من يحاسبهم؟»، وأن مدينة جدة لا تزال مدينة عشوائية، لا تتوافر بها مراكز لإدارة الأزمات، وأن التنسيق بين الإدارات التعليمية والأمنية والصحية يتم عبر الاجتهاد.

وضمن ذلك شبه بعض «التويتريين» الحريق الذي حصل بحريق مكة، مطالبين بضرورة معاقبة المسؤول عن الإهمال، فقالوا «حريق جدة ما هو إلا تكرار لمأساة حريق مكة، من الواجب أن تطال يد الإبعاد كل من له ضلع في المراقبة، وألا تقتصر التصريحات على المحاسبة»، مؤكدين أن «ثقافة السلامة معدومة جدا في مدارس أبنائنا وبناتنا، وضحايا مدرسة جدة هذا اليوم أكبر دليل».

ومكنت أجهزت الاتصال الحديثة السعوديين من تناقل أخبار حريق مدرسة البنات بجدة في وقت قياسي، في حين كانت تلك الوسائل الحديثة في الاتصال أداة جديدة لإرسال رسائل الاستغاثة بمن لديه معلومات عن أولياء أمور طالبات المدرسة، والتي أعقب اندلاع الحريق بها أن انتقلت الطالبات للمنازل المجاورة لمبنى مدرستهن.

وكانت رسائل الهاتف الجوال بأيدي السعوديين تستقبل رسائل من قبيل «أي أحد يعرف طالبات يدرسن في مدارس براعم الوطن الأهلية، أو يرى عندنا طالبة ويعرف عنها معلومات، فليتواصل معنا»، وبهذا الإعلان السريع الذي استخدمه من يؤوي عددا من الطالبات من السعوديين في منازلهم القريبة من المدرسة عبر الأجهزة الحديثة (بلاك بيري) ومواقع التواصل الاجتماعي («تويتر» و«فيس بوك») حتى لا يقلق أهل الطالبات عليهن.

وغلبت على تلك الرسائل المطالبة من الجميع بالمساهمة في نشرها لكي تصل إلى أهالي الطالبات في أسرع وقت ممكن، وتفيد بإبلاغهم عن أن عددا من الطالبات المنتميات إلى مدرسة براعم الوطن الأهلية موجودات لدى الأسر السعودية القاطنة بالقرب من المدرسة.

ويشهد للسعوديين بمواقفهم الشجاعة في مثل هذه الظروف، ولم يكن ما حصل في كارثة جدة قبل عامين وأمطار الرياض ببعيد عن هذه المواقف، حيث أظهر في هذه المواقف عدد من الشبان السعوديين شجاعتهم، لتكون شاهدة لهم اليوم وغدا.