المكيون في مجابهة «حمام الحرم».. بين التنفير والقتل و«حرمة» المكان

بالأمن وحرمة الصيد.. ساحة الحجون تكسر «كونكورد» الباريسية و«الأغر» في لندن

مخاطر بيئية واقتصادية من «مخلفات الحمام» على أسطح البنايات («الشرق الأوسط»)
TT

تضاربت آراء مواطنين حول طريقة التعامل مع طيور الحمام على أسطح البنايات والمكيفات في العاصمة المقدسة باعتبار أن منطقة الحرم مكان لا ينفر صيده استنادا إلى قدسية المكان.

ودفع الحمام مواطنين متضررين نحو الاستعانة بشركات متخصصة مطالبين بالقضاء عليه لما يحدثه «الروث» من مشاكل صحية كبيرة، ناهيك عن تسببه المباشر في إغلاق مصارف المياه. ووقع المقيمون والأهالي في العاصمة المقدسة في حرج شديد جراء ما وصف بالمحظور، لأنه يقع ضمن حرمة المكان المقدس الذي تنطبق عليه أحكام وشروط قاسية جدا، فمكة تختلف عن غيرها في التعاطي مع الصيد.

وكساحة بلاش كونكورد الباريسية، وساحة الطرف الأغر في لندن، باتت ساحة الحجون وتوسعات الحرم المكي الشريف مطارا عالميا بامتياز، شهد هبوطا جماعيا لأسراب الحمام التي تحط رحالها في هدوء وسكينة، محدثة جمالا متفردا قل وجوده في ساحات الحمام العالمية. ويعتبر معتمرون وحجاج أن إطعام الحمام في ساحات الحرم إكرام لمكانتها والتشديد على أنها لا ينفر صيدها، فهي ميزة تفاعلت معها شرائح مختلفة من الزائرين، وكل يتصرف على طريقته في إكرام الحمام وسد رمقه. وقال علي العتيبي، مدير شركة متخصصة في تنظيف أسطح البنايات من الحمام، إن كثيرا من الضرر لحق بأسطح البنايات وما يسببه الحمام من إحداث «روث» على أسطح المنازل وفي أرفف المكيفات، معتبرا أن شركته أنشئت بعد تنامي الطلب على إيجاد حلول ناجعة للقضاء على المشاكل التي يتسبب فيها.

وأوضح العتيبي أن من أهم المشاكل التي يتسبب فيها الحمام «البري»، أن مخلفاته تحمل بكتيريا، وتقوم بإعدام السيارات من فوق أسطح المنازل، ونحن نقوم بتجهيز فرق عمل متخصصة للحد من بقائه في أماكنه فضلا عن تكاثره.

إلى ذلك، يصف علي الغامدي، أحد ملاك المنازل المتضررة، الحمام بأنه يقوم بعمليات واسعة من الأذى وبناء الأعشاش عند فتحات المكيفات في منزله، ويتسبب في إلحاق الضرر المباشر بأسطح بنايته. ونقل الغامدي إحدى القصص التي لحقت به، وهي أنه عندما كان في إحدى الليالي نائما في غرفة النوم تفاجأ بحمامة علقت بمروحة المكيف، لتتصاعد رائحة الحمام و«العفن» في جميع أركان المنزل، الأمر الذي حدا به نحو الاتصال بعامل تنظيف المكيفات لنزع المكيف من مكانه.

وأشار الغامدي إلى أن السعوديين في غير العاصمة المقدسة لا ينقلون مكيفاتهم من أماكنها إلا في حالات التنظيف، أما مواطنو مكة فيقومون بعمليات تنظيف فصلية على المكيفات والمنازل متكبدين خسائر كبيرة.

وعمد خالد العيسى، من منطقة الشرائع «داخل الحرم»، إلى شراء «شناكل» من المراكز الكبيرة، وهي عبارة عن رؤوس مسننة، تزرع في الأماكن التي يجود بها الحمام عادة، مبينا أنها فكرة جلبها حينما كان مبتعثا في مدينة بريطانية في مقاطعة غرب يوركشاير في بريطانيا، حيث تزامنت فترة إقامته بحملة بريطانية لمجابهة طيور الحمام، بعد أن سد روثه مصارف المياه وتسبب في حدوث مشاكل بيئية واقتصادية.

ونقل الغامدي أن إزالة روث الحمام من مصارف المياه كلفت بلدية مدينة مورلي في حينها ما يقارب 90 ألف دولار، مطالبا بتدخل حكومي لحل مشاكل بيئية واقتصادية كبيرة تنجم جراء ديمومة بقاء الحمام فوق أسطح المنازل.

إلى ذلك، قال فالح الجهني، أحد المتخصصين في تربية الحمام في السعودية، إن حمام الحرم بالفعل متزايد في الأعداد، فهو المشمول برعاية إلهية متكاملة، ناهيك عن أنه يحظى باهتمام الزوار والمعتمرين، حيث يقومون بتقديم الأكل والطعام له، حتى بات المشهد مألوفا، واكتسب حمام الحرم على أثره حماية سيكولوجية بأنه آمن، ولا يستطيع أحد تنفيره ولا صيده ولا ترويعه. وقال خالد الحارثي، باحث في الشؤون الإسلامية، إن حمام الحرم إذا تسبب في أذى فالواجب إزالة الأذى وعدم الركون لمقولة أنه لا ينفر، لأن الضرورات تبيح المحظورات، خاصة إذا تأكد وقوع الضرر البيئي على سبيل المثال أو العيني كسد مصارف المياه وما إلى ذلك. وأفاد الحارثي أن الحرمة تقع في حال أريد صيد الحمام وأكله، أو تنفيره لغير حاجة، فهنا يقع التحريم استنادا لأحاديث نبوية منحت مكة المكرمة امتيازات فعلية متفردة، ولم تمنح أي مدينة عالمية ما مُنحت إياه العاصمة المقدسة، حتى إن طيورها آمنة مطمئنة.

وأوضح الباحث في الشؤون الإسلامية أنه لما فتح الله على نبيه عليه الصلاة والسلام مكة، خطب الناس وقال «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب»، وقال «إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دما أو يعضد فيه شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد»، أي معرف. واختتم الحارثي بأنه في الشريعة الإسلامية لا يجوز قتل حمام الحرم، سواء للمحرم أو غيره، احتراما لقدسية المكان، ومن قتل حمام الحرم فيفتدى بشاه، والأمر أشد حرمة حينما يعتدى على فراخه، وهناك مسائل شرعية في ذلك.

من جانبه، قال الدكتور فواز الدهاس، أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى، إن حمام الحرم له لون مميز جعل له خصوصية عن غيره من حمام العالم أجمع، كما أن العدد الهائل الموحد له كان من أكبر ميزاته ولهذا تكاثر في مكة المكرمة وبالتالي حرمة صيده في البلد الحرام سببت هذا التكاثر، ومن المسميات التي تميز بها كذلك أنه حمام الحرم وحمام رب البيت.

ولاحظ الدهاس أن السلف في زهد وتورع للأخذ بأحاديث منع تنفير طير الحرم حتى إن البعض منهم كما روى كان يفدي إذا تسبب في قتل أحد هذه الطيور، واستدرك الدهاس «الأضرار التي تتسبب فيها مخلفاتها والطيور التي تموت منها في العشش التي تبنيها على أسطح المنازل وفي مواقع وجودها، قد تتسبب في تعفن وإيذاء للمسلمين، مما يجعل الحاجة ملحة لهذه المكافحة».