مع حلول موسم المطر.. أهالي جدة يتذكرون الشهيد «فرمان خان»

كرمته السعودية بوسام الملك عبد العزيز وتكفلت بحج أسرته هذا العام

عائلة الشهيد فرمان خان خلال حفل استقبال طاقم السفارة السعودية في كراتشي لهم عقب عودتهم من الحج
TT

مثلما لن ينسى أهالي جدة فاجعتهم الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2009، والتي راح ضحيتها 123 شخصا، فإن السعوديين بشكل عام وأهالي جدة بشكل خاص لن ينسوا «فرمان خان»، الذي حال دون زيادة عدد الموتى إلى 137 بإنقاذه 14 نفسا، فيما حال القدر بينه وبين إنقاذ النفس الخامسة عشرة وتم عدّها ضمن الضحايا.

البطل الباكستاني فرمان خان (32 عاما) سلم ولي العهد، والده في السابع من الشهر الحالي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، حيث وافق خادم الحرمين الشريفين على منحه الوسام تقديرا لدوره في إنقاذ 14 شخصا من الغرق، خلال السيول التي غمرت محافظة جدة عام 1430هـ، حيث جرفته السيول واستشهد بعد أن كتب الله على يديه إنقاذ تلك الأرواح.

فرمان حاصل على شهادة جامعية وشهادة في فن الكاراتيه، ولديه العديد من الشهادات في الأعمال التطوعية في باكستان، وقد وصف بالبطل الشهم فأنقذ 14 نفسا من الموت، فيما تفرغ الكثير في ذلك الوقت لتصوير مشاهد الدمار وتصوير بطولته وهو يتحدى الطوفان وينتشل هؤلاء من الغرق، وخلصهم من قبضة السيل العرم في أربع عشرة مرة، حيث كان فرمان يربط الحجارة في طرف الحبال ويرميها للمستغيثين، وتضربه أمواج السيل وتحاول أن تجرفه لكنه يتشبث وينتشلهم واحدا بعد الآخر، لكن توازنه اختل وهو ينقذ الضحية الخامسة عشرة.

والمتتبع لتلك المشاهد التي صورت ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى «موقع يوتيوب» يدرك ما قام به فرمان من عمل بطولي مستخدما دواليب سيارات وحبلا وألواحا خشبية لإنقاذ 14 نفسا تستغيث، وحينما هم بإخراج الشخص الـ15 جرفه السيل محتضنا الحبل الذي أنقذ به أرواح غيره.

لم يكن فرمان ذا اهتمامات كبيرة، أو طموحات صعبة، كان طيب القلب تغلب عليه السماحة ودماثة الخلق، مع جميع سكان الحي الذي يعيش فيه، وكان متواضعا إلى درجة كبيرة.. عاش بسيطا جدا من خلال البقالة التي يعمل بها منذ ساعات الفجر الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل.

ويحكي صديقه المقرب شاه خان أنه تلقى من فرمان اتصالا قبل موته، وأنه طلب منه عدم الخروج من البيت بسبب مياه السيل التي غمرت شوارع الحي الداخلية وجرفت السيارات في طريق مكة جدة القديم، وأن فرمان أوصاه في آخر اتصال بينهما بأن يذهب إلى دار ابن عمه للاحتماء من السيل والاحتفاظ بالدواء الذي اشتراه لوالدته في باكستان وإيصاله لها وكأنه كان يشعر بأنه لن يتمكن من إيصال الدواء.

ويضيف شاه أنه ترجى فرمان أن يخرج من مياه السيل لكنه أصر على مواصلة إنقاذ المحتجزين.. شيء غريب وكأنه على موعد مع الموت، فأراد أن يستعد للقياه ويكلل حياته بمحاسن الأعمال في ذلك اليوم المهول، حيث يحكي جيرانه ومعاشروه في الحي الذي يقطنه أنه ظل يوم استشهاده مستيقظا طوال الليل يقرأ القرآن الكريم، وقبيل أذان الفجر خرج مسرعا إلى المسجد المجاور للبقالة التي يعمل بها كبائع، وبعد الصلاة عاد إلى البيت وكان في قمة النشاط والانشراح والبشاشة، مستنير الوجه يكثر من ذكر الله، يداعب أصدقاءه، وكأنه يودعهم.

لم تكن له أي مشاكل، رغم أنه أعزب في بلاد الغربة، وكان كثير الصلاة والذكر، ومن المواظبين على الصلوات جماعة في وقتها، إضافة إلى مساعدة كل من يريد الاقتراض من البقالة من المعسرين والفقراء من سكان الحي.

تتكون أسرة الشهيد من والده: الشيخ عمر رحمن، وهو رجل طاعن في السن، صاحب دكان في القرية. وللشهيد فرمان 4 إخوة، و5 أخوات. وتزوج فرمان منذ سبع سنوات، وأنجب ثلاث بنات (زبيدة 7 سنوات، ومديحة 6 سنوات، وجويرية 4 سنوات)، والأخيرة لم يرها لأنه لم ينزل إجازة إلى قريته الصغيرة وادي سوات منذ فترة طويلة، وكان يعتزم السفر إليهم إلا أن القدر كان أسرع.

عائلة الشهيد الباكستاني فرمان علي خان كانت ضمن ضيوف خادم الحرمين الشريفين لموسم حج هذا العام الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

وأقامت سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية باكستان الإسلامية أول من أمس حفل استقبال تكريما لعائلة الشهيد فرمان علي خان التي عادت من المملكة بعد أداء فريضة الحج ضمن ضيوف خادم الحرمين الشريفين.

وأوضح السفير عبد العزيز بن إبراهيم الغدير، في كلمة بهذه المناسبة، أن السفارة أقامت هذا الحفل بمناسبة عودة عائلة فرمان علي خان بعد أن استضافهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لأداء فريضة الحج واستقبالهم من قبل الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وتسليمهم وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، عرفانا لما قام به الشهيد فرمان علي من عمل بطولي.

وأضاف سفير خادم الحرمين الشريفين لدى باكستان أن السفارة تقتدي دائما بقادتها، حيث دعت جميع أفراد عائلة فرمان علي لهذا الحفل لتكريمهم، مؤكدا أن ما قامت به قيادتنا الرشيدة من رد للواجب رسالة من المملكة بأنها لا تنسى من يقف معها.

حضر الحفل المقام في البيت السعودي بإسلام آباد عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة الباكستانية ونواب البرلمان ومجلس الشيوخ والفعاليات السياسية والاجتماعية ورجال الفكر والإعلام. وقدمت عائلة فرمان علي الشكر الجزيل لحكومة المملكة العربية السعودية لتقديرها ما قدمه من تضحية، مبدية اعتزازها بموقف المملكة، وقال والده عمر رحمن في تصريحات صحافية «لقد قام ابني بعمل بطولي وأنقذ أربعة عشر شخصا وأنا أفخر به».

وأوضح عمر رحمن والد الشهيد فرمان علي أنه فخور بابنه الذي استشهد بعد أن كتب الله على يده إنقاذ تلك الأرواح، وأن فخره واعتزازه تضاعف بعد أن خلدت المملكة العربية السعودية ذكرى العمل البطولي الذي قام به. وعبر رحمن عن مشاعر الحب والتقدير التي لمسها هو وأفراد عائلته من قيادة وشعب المملكة خلال استضافتهم للحج، موضحا أن ولي العهد احتضنه بعد أن سلمه وسام ابنه في الحفل الذي أقيم في المملكة خلال موسم الحج.

من جانبه، أعرب حاكم إقليم خيبر بختونخواه، الدكتور كوثر مسعود، عن شكره وتقديره للمملكة العربية السعودية على ما قدمته للشهيد فرمان علي وعائلته، مؤكدا أن المملكة دائما تجسد مبادئ الإنسانية وهذا ليس بغريب على قادتها. وثمن مسعود الجهود المميزة التي يبذلها سفير خادم الحرمين الشريفين لدى باكستان في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين على كل المستويات السياسية والاجتماعية.

وقالت والدة الشهيد فرمان علي من جانبها في حفل مماثل أقامته حرم سفير خادم الحرمين الشريفين في البيت السعودي بإسلام آباد، إن فقدان ابنها كان صدمة قوية بالنسبة لها، لكنها تعتبر ما قامت به المملكة من عرفان وتقدير لجهوده كالدواء الذي يخفف الألم، مؤكدة أنها لن تنسى ما قدمته قيادة المملكة لتخليد بطولة ابنها. وسألت والدة فرمان، الله عز وجل أن يجعل ذلك في موازين حسنات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. وأكد شقيقاه، عصمت ومحمد علي أن فرمان أصبح مضرب مثل في القرية، وانتشر ذكره نظير ما قام به في جدة، وشكرا المملكة على تسمية أحد شوارع محافظة جدة باسمه، كما شكرا حكومة خادم الحرمين الشريفين على منح فرمان وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى.

ووصفت بقية عائلة فرمان المكونة من أخته وزوجته وبناته المستضافات هذا العام ضمن ضيوف خادم الحرمين الشريفين موقف المملكة بأنه غير مستغرب، مؤكدات أنه يأتي ضمن مكارم تترى عليهم وعلى الشعب الباكستاني والأمة الإسلامية بشكل عام.

وأشادت العائلة بالترتيبات والاستعدادات تجاه جميع ضيوف خادم الحرمين الشريفين والبرنامج الحافل المعد لهم الذي من المقرر أن يشمل بالإضافة لأداء مناسك الحج، زيارة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومصنع كسوة الكعبة المشرفة، ومعرض الحرمين، والالتقاء بمفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وعدد من أئمة الحرمين الشريفين.