اختصاصيون يطالبون بضرورة إنشاء فرق للتعامل مع الكوارث بمختلف القطاعات

للخروج من الحوادث بأقل الخسائر الممكنة

TT

بعد عودتها من مدرستها التي احترقت أمام عينيها، انكبت يارا على كتابة مذاكرتها اليومية كعادتها، إلا أنها هذه المرة لم تسمح لوالدتها بقراءتها، أو حتى الاقتراب منها، ومنذ ذلك اليوم لا تتحدث يارا إلى أحد في محاولة منها للهروب وتجاهل كل شيء، وعلى الرغم من ذلك فإن الخوف والقلق والكوابيس لا تفارقها.

الدكتور عادل عبد العزيز استشاري السلوك الإنساني والاجتماعي طالب بضرورة إيجاد «فريق كوارث» داخل المنشآت التعليمية، والصحية، والتجارية، لديه ثلاث مهمات؛ الأولى تهيئة الطلاب والعاملين في أي منشأة للتعامل مع الكوارث، وتجهيزهم لذلك، لا سيما أن الشخص عندما يكون مهيأ لمواجهة أمر ما سيكون قادرا على التعامل معها بشكل أفضل. ويتابع: «المهمة الثانية بعد التهيئة تتمثل في وجودهم داخل المنشاة حال حدوث أي كارثة يمكن أن تبث الرعب في نفوس الموجودين، وتمثل خطرا في حال لم يتم التعامل معها بشكل منسق ومنظم، بحيث يتولى الفريق مهام التبليغ، والإخلاء، للخروج من الوضع بأقل الخسائر الممكنة».

ويؤكد الرأي السابق الدكتور علوي إشراقة، الاختصاصي النفسي والمرشد الأسري لـ«الشرق الأوسط» بأن أي حادثة يتم التعامل معها بحرفية تكون وطأتها النفسية أقل، خاصة أن الصدمة الأولى تأثر بشكل كبير في حال تم التعامل مع الموقف بطريقة غير سليمة. ويضيف: «ميزة أخرى يمكن اكتسابها عند التعامل مع الكوارث بحرفية هي إكساب المتعرضين لها خبرة حياتية مفيدة»، مؤكدا أن أي حادث يتعرض له الشخص، خاصة حينما تصاحبه إصابات ووفيات، لا بد أن يترك آثارا سلبية على الناحية النفسية، ولا شك أنها ستظهر عاجلا أم آجلا، ولهذا لا بد من الاستعانة بالاختصاصيين بعد الحادثة.

واستطرد قائلا: «إن الفوبيا الحاصلة الآن هي فوبيا مجتمعية وليست فردية، والدليل تناقل عدة أخبار للحرائق متتالية بعد حريق المدرسة، خاصة أننا نتحدث عن حريق مدرسة أطفال». وحول مواجهة الفوبيا المجتمعية، أفاد بضرورة التفات الإعلام لأسلوبه، والاتزان في ذلك، إلى جانب تحريه الدقة في معلوماته، على أن يتسم بالشفافية، وأن يتحد في إرسال رسالة واحدة للمجتمع تتسم بلغة التطمين دون المبالغة في ذلك. وأضاف: «من النتائج السلبية المتوقعة بعد الحريق صدور ردات فعل من بعض الطالبات، مثل عدم رغبتهن في الدراسة، وخوفهن الشديد، والكوابيس، وبعض الأعراض مثل التبول اللاإرادي، مؤكدا أن هذه الآثار لا تقتصر فقط على الطالبات، بل أيضا تمتد لتطال المعلمات. والدة الطالبة يارا التي تدرس ابنتها في ذات المدرسة التي احترقت، قالت لـ«الشرق الأوسط» متحدثة عن خوف وقلق ابنتها، «على الرغم من أن القدر كتب لابنتي النجاة، لكن هذا لا يمنعها من عيش تبعات ذلك، فما زالت ابنتي تسترجع ما حدث في أحلام يقظتها ونومها، خاصة أنها شاهدت ابنة خالتها وهي تقفز من الطابق الثالث بغية النجاة، والحروق تغطي جزءا من جسدها النحيل».

وبالعودة إلى الدكتور عادل، الذي بيّن أن أبرز المعوقات عند وقوع أي أزمة هي حالة الارتباك، وغياب المسؤول عن التعامل مع الحدث بحرفية وتأهيل، في ظل العشوائية في توزيع المهمات، لافتا إلى أن المهمة الثالثة تتمثل في تدريب الكوادر والعاملين في ذات القطاع بشكل دوري، مؤكدا أن إيجاد ذلك الفريق المتخصص لا يتطلب جهدا كبير، باعتبار أنه يتكون من تربويون، ومختصون في علم النفس، وعلم الاجتماع، والخدمة الاجتماعية.

وفي السياق ذاته، وصفت والدة الطفلة ريماس التي تدرس في مرحلة التمهيدي، حالة طفلتها المفزعة، بقولها: «لم يصب ابنتي أي مكروه ولله الحمد ولكن بعد أن عادت إلى البيت بقيت صامتة على غير عادتها خاصة أنها تحكي كل يوم بعد عودتها عن أدق تفاصيل يومها الدراسي، أما الصادم فكان صوتها العالي وهو يأمرنا بإغلاق التلفزيون عندما كان يبث خبر الحريق، ورغبتها في عدم الحديث عن الأمر برمته، واستيقاظها من نومها مذعورة». وتوافقها والدة الطالبة يارا، وتصف حالتها مع ابنتها بقولها: «لا تزال ابنتي في حالة من الذهول، وعدم الوعي لما حدث، ولا يزال يتملكها شعور كبير بالخوف والهلع، وبات لديها قلق كبير حيال المدرسة التي ستنتقل إليها، والدراسة بشكل عام».

وهنا علق الدكتور حول فوبيا الطالبات: «تدخل ضمن المسؤولية الخاصة بالأسرة»، موضحا لبعض الأسر التي لا تكون قادرة على التعامل مع مثل هذه الحالات، أنها لا بد أن تلجأ إلى الأشخاص المختصين الذين يملكون التأهيل ومن شأنهم المساعدة والتعامل مع الحالة، مؤكدا أن هذه المرحلة هي جزء من اختصاص فريق الكوارث في حال وجد في أي منشأة، وأن تحديد الزمن لا يمكن، لا سيما أن هناك فروقا فردية لا بد من أخذها بعين الاعتبار، إلى جانب الوضع الأسري للطالبة.

واعترفت المعلمة التي فضلت حجب اسمها بأن دورات السلامة التي يعطيها التعليم لمنسوبيها ليست كافية، وأن الغرض في كثير من الأوقات من سماح المدرسة للمعلمة بحضور مثل هذه الدورات يرجع لرغبتهم في الحصول على شهادة في السلامة المدرسية، لا سيما أن الدورة لا يكون فيها أي تطبيق عملي، ولا ورشة عمل يستطيعوا من خلالها اختبار ما يحصلون عليه، واصفة هذه الدورات بالعقيمة، والمهدرة للوقت، وغير المجدية.