الحوار الوطني يبتعد عن الشعارات والخطب الحماسية في آخر لقاءاته حول «الإصلاح»

فيما يرى مثقفون اتساع الفجوة بين النخبة والعامة

TT

اختتم الأسبوع الماضي آخر جلسات اللقاء الرابع للخطاب الثقافي في العاصمة السعودية الرياض، والتي أتت استكمالا للقاءات عقدها سابقا مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في كل من محافظة الأحساء، والرياض، وجدة.

اللقاء الأخير والذي تناول موضوعا هاما هو «مفهوم الإصلاح ومنهجية التطوير ومجالاته في المجتمع السعودي»، وبرزت أهميته على وجه الخصوص في ظل ما بدأت تشهده المنطقة العربية في الآونة الأخيرة من تبدلات وتحولات ثقافية واجتماعية وتغيرات فكرية، نتيجة ما سمي بـ«الربيع العربي».

ملامح جديدة للحوار بدأت تظهر بين أوساط النخب السعودية وعلى مختلف تصنيفاتهم وتياراتهم في اللقاء الأخير رغم بحثه 4 محاور رئيسية هامة، كان من بينها الدور المجتمعي في الإصلاح والتطوير، والتحديات التي تواجه الإصلاح والتطوير، ومفهوم الإصلاح والتطوير.

كانت الحوار رصينا وهادئا وبعيدا عن الشعارات والحماسة التي ترفع من تيار وآخر، بخلاف ما جرى في اللقاءات السابقة للحوار الوطني كالتي عقدت في مكة المكرمة والأحساء، والتي شهدت ارتفاعا في الأصوات تحت قبة الحوار الوطني.

وعلى الرغم مما يراه البعض من المثقفين والمتابعين للقاءات المركز بالنجاح الذي بدأ يتحقق بانعكاس مفهوم الحوار على سلوكيات الأفراد في المجتمع السعودي. إلا أن هذا التأثير بات محصورا برفع مستوى تقبل الآخر واحترامه، في أوساط «النخبة» السعودية، ولم يطال حتى الآن ولم يصل لعامة أفراد المجتمع.

من ثلاث إلى دقيقتين كانت حصة المشاركين في لقاءات المركز المختلفة من علماء ومفكرين ومثقفين، للإدلاء بدلوهم، وجدها كثيرون غير كافية لتأصيل مبدأ الحوار الهادف والمثمر والذي يشترط عرض وجهة النظر واقتراح الحلول والآليات.

بالأخص في حال كان اللقاء، كما حدث في آخرها، اختلف منذ بدايته على تعريف «الإصلاح» لغة وشرعا وتحديد مفهومه، ففي الوقت الذي رأت فيه إحدى المشاركات أن الإصلاح يأتي مقابل الإفساد، عارضها الدكتور سعد العتيبي أستاذ المعهد العالي للقضاء واعتبر الإصلاح عملية منهجية يتطلبه جميع المجالات مشتملا على الشعب والحكومة، مع الحذر ممن يدعي الإصلاح من المنافقين دون توضيح ماهيتهم، ومشددا على أن الإصلاح لا بد وأن يكون مرجعيتنا للحفاظ على الريادة الإسلامية، وبحسب الدكتور سعد هي «ثوابت سابقة للدولة ومثبتة لها».

سنوات عدة مضت منذ تأسيس مركز الحوار الوطني، سبقت كل ما يجتاح المنطقة من تغيرات وصراعات، درب المركز خلالها أكثر من 30 ألف متدرب ومتدربة، ولديه من المدربين على مختلف الجنسين أكثر من 3000، إضافة إلى تأسيس مركز الحوار الوطني ذراعا آخر ضمنه، وهو «الحوار الخارجي» الذي اختص هنا بتأسيس الحوار مع الثقافات والأديان المختلفة كما أقامها مع وفود بلجيكية وهندية وأميركية وعدد آخر من الدول الغربية والشرقية. إلا أنه مضت 9 أعوام منذ صدور الأمر السامي بتأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني يتطلب إعادة طرح وتقييم أعمال المركز وتطوير برامجه وأنشطته، لتنعكس على مختلف أفراد المجتمع من عامة ونخب.

رغم تأكيد الدكتورة حسناء القنيعير التي شاركت في اللقاء الأخير على النجاح الذي حققته الجلسات الحوارية والتي بحثت مفهوم الإصلاح وآلياته في المجتمع السعودي، فإنه ومن وجهة نظرها تبقى 2 أو 3 دقائق الممنوحة للمشاركين والمشاركات غير كافية لعرض وجهات النظر واقتراح الحلول وتفصيل الآليات في ظل موضوع هام كموضوع الإصلاح، مضيفة أن مناقشة 4 محاور هامة في ظل الوقت الضيق لن يساعد على إعطاء الموضوع حقه من البحث والنقاش. وأكدت القنيعير أن أعمال المركز وجلساته الحوارية اقتصرت على النخب دون العامة، مشيرة إلى انعكاس مفهوم الحوار على سلوك النخب أنفسهم بعد أن بدأوا في الابتعاد عن الصراخ ورفع الصوت للتعبير عن آرائهم، إلى جانب استغلال الشعارات الحماسية والرنانة من قبل بعض التيارات.

وكأن الفجوة بدأت تتسع ما بين سلوك ومفهوم النخب السعودية، وعامة أفراد المجتمع حول مفهوم الحوار وتأصيل أخلاقياته رغم إعلان رئيس مركز الحوار الوطني في وقت سابق عن سعي المركز لافتتاح مراكز للحوار داخل المدارس.

حوارات المثقفين والنخب السعودية لم تنتظر فقط موعد لقاءات المركز، وإنما كان للصالونات الثقافية والأدبية نصيب في المساهمة بمثل هذه الحوارات.

من جانبه أكد سعيد الحلوة مستشار الأمين العام لمركز الحوار الوطني ورئيس تحرير مجلة «الحوار» على دور المركز في تشكيل حراك فكري وثقافي غير مسبوق ساهم في ترسيخ مفهوم الحوار بالمجتمع السعودي، وجعل مستوى الطرح على أعلى مستوياته بين أفراد المجتمع، منوها إلى أن أدبيات الحوار لم تكن موجودة في السابق كما باتت اليوم ظاهرة بين النخب.

وأضاف الحلوة أن في بدايات لقاءات المركز كان هناك توجس من الحوار، منوها إلى رفض بعض التيارات في السابق الحوار مطلقا، إلا أنه ومن خلال اللقاءات المفتوحة بين النخب، اقتربت المسافات فيما بينهم واتجهت إلى اتفاق مطلق وهو أن الحوار مصلحة وطنية.

تغير سلوك المتحاورين من النخب والذي بعد عن الخطاب الحماسي والشعارات والصراخ، يرى سببه التقارب والتفاهم الذي بدأ المجتمع السعودي يحصده من خلال اللقاءات الحوارية، مشيرا إلى أن قصر الحوار بين المشاركين على 60 قي اللقاء يعود إلى الاكتفاء بإيصال وجهة النظر، والفكرة الرئيسية دون الوصول إلى مرحلة الجدل.