غرفة جدة لـ «الشرق الأوسط»: شركات أمنية «مخالفة» توظف أجانب.. بدعوى رفض السعوديين

وسط تزايد تسرب السعوديين من القطاع... لجنة الحراسات الأمنية تحاول عقد اجتماع مع الشركات منذ عام

حراس الأمن في السعودية يواجهون ضغوطا كبيرة تجبرهم على ترك العمل («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تحاول غرفة جدة ممثلة في لجنة الحراسات الأمنية منذ نحو عام عقد لقاء مع شركات الأمن العاملة في المجال لترتيب أوضاعها وإخراج الشركات المخالفة، تشير المعلومات إلى تسرب أعداد كبيرة من السوق بسبب عدم وجود بيئة عمل مناسبة، إضافة إلى دخول مؤسسات غير نظامية مبتدئة خفضت قيمة العقود إلى أقل من 50 في المائة، والأهم بدء تشغيل أجانب في هذا القطاع الذي تنص التعليمات على منع عمل الأجانب فيه نهائيا.

ويأتي ذلك في وقت حذر فيه مسؤول أمني من توظيف الأجانب في هذا المجال، مشيرا إلى أنه لا يتم التوظيف إلا للسعوديين في هذه الأعمال، ولا يتم توظيف أي سعودي إلا بموجب البطاقة الوطنية الجديدة وتكليف من يتقدم بالقديمة بتجديدها مع التأكد من خلو صحيفته من السوابق.

وينص النظام الأساسي للحراسات الأمنية المدنية الصادر من وزارة الداخلية على أن يكون حارس الأمن سعودي الجنسية ولا تزيد ساعات عمله عن 8 ساعات حسب نص المادة 149 من نظام العمل، كما ألزم النظام الشركات بإبرام عقود عمل تسجل في التأمينات الاجتماعية، كما ألزم المنشآت والشركات بتأمين حراسات أمنية.

إلى ذلك أوضح متعاملون أن لجان الغرفة طالبت من الشركات الحضور لتوفير عقود جديدة لتوظيف سعوديين برواتب لا تقل عن 2500 ريال، مع منحهم إجازة أسبوعية وسنوية، والتوسع في نشاط الشركات لتشمل مجالات جديدة كحراسة الأماكن العامة من حدائق وشواطئ، خصوصا من السلوكيات الخاطئة، أسوة بدول العالم التي تساند الجهات الحكومية ذات العلاقة.

يأتي ذلك في وقت يدرس مجلس الشورى السعودي مقترحا لمشروع يعمل على تعديل نظام الحراسة الأمنية المدنية الخاصة بالبلاد، ويهدف المشروع المقترح إلى الارتقاء بالقطاع الأمني الخاص إلى مستويات تحدّ من البطالة، من خلال تحديد إطار للحوافز المناسبة، وبيئة العمل الجاذبة والمستقرة، التي ستحقق الأمن الوظيفي بمفهومه الصحيح لتلك الفئة.

خالد القحطاني المستثمر في مجال الحراسات والعضو في لجنة الحراسات الأمنية والسلامة في غرفة جدة اشتكى من عدم تجاوب الشركات مع اللجنة، لرفضهم تطوير برامجهم، بعد أن شهدت السوق تجاوزات كبيرة، من أهمها توظيف أجانب في الحراسات، نتيجة رفض السعوديين العمل في مجال الحراسات الأمنية.

وقال القحطاني لـ«الشرق الأوسط»: «لا ألوم السعوديين على تسربهم من العمل في الحراسات، فلا أحد يستطيع العمل براتب لا يتجاوز 1500 ريال شهريا، ودون إجازة أسبوعية وسنوية، وهذا ما يجب مناقشته مع الشركات لوضع تكتل لتنظيم القطاع، بدءا من توفير عقود موحدة بين الشركات تهدف زيادة قيمتها إلى إمكانية زيادة مرتبات العاملين، مع توفير مقرات تدريبية مناسبة لبرامج مستحدثة».

وأكد القحطاني وجود شركات مخالفة تقوم بتوظيف أجانب، خصوصا في الأسواق والمراكز التجارية، يعملون تحت إدارة مواطن يوفر لهم الحماية عند زيارة لجان مراقبة من الجهات الحكومية المسؤولة عن تنظيم عمل الحراسات.

وقدر القحطاني حجم العمالة الأجنبية العاملة في الحراسات الأمنية بـ50 في المائة، وهذه النسبة في تزايد مستمر بسبب وجود شركات مبتدئة في هذا القطاع توفر عقودا رخيصة للعملاء الراغبين في توفير حراسات في منشآتها، ويقومون بتوفير عمالة مخالفة لشغل تلك المهن.

وكشف القحطاني عن مشروع فشل في مناقشته وعرضه في الغرفة لعدم نجاح إمكانية عقد اجتماعات مؤخرا، ويهدف إلى تمكين شركات الحراسات الأمنية من مراقبة الحدائق والشواطئ من السلوكيات الخاطئة مع تدريبهم على عمليات الإنقاذ والإسعافات الأولية، وهذا أمر يوجد في معظم الدول المتقدمة التي تساند الجهات الحكومية الأمنية في هذا المجال.

وقد أوضح الدكتور محمد حسن قطب صاحب شركة أمنية والنائب في لجنة الحراسات الأمنية في غرفة جدة أن اللجنة لم تقصر في حث الشركات على الاجتماع مع اللجنة، وبحث التعاون مع الجهات ذات العلاقة حول تنظيم القطاع، حيث يعمل في هذا القطاع شركات لا تدرك أهمية الحراسات الأمنية، وتدار من قبل أشخاص متقاعدين غير متخصصين في هذا المجال.

وقال الدكتور قطب لـ«الشرق الأوسط»: «نطالب قادة الغرفة التجارية بضرورة الاهتمام بهذا القطاع، ومساعدة اللجنة في إقناع الشركات، بالتعاون مع الجهات الحكومية، لإمكانية إخراج الشركات المخالفة، التي تقوم بتوظيف أجانب، وهو أمر مخالف من قبل وزارة الداخلية».

وأضاف: «إن بقاء الوضع كما هو عليه سيساهم في هدر مزيد من الفرص الوظيفية للجنسين، وتطويره يساهم في مزيد من الفرص الوظيفية، حيث يستوعب القطاع أكثر من 500 ألف فرصة عمل كحراسات ومشرفين ووظائف إدارية، وهو ما يجعلنا كأعضاء اللجان سواء في غرفة جدة أو في الغرفة السعودية بالمدن الأخرى نعمل بإصرار لإنهاء هذه المشكلة».

وحول رأي إدارة الغرفة عن مساعدة لجنة الحراسات الأمنية تعذر الاتصال عن الأعضاء لمى السليمان وعبد الله مرعي وبسام أخضر وأمين الغرفة عدنان مندورة.

ولأن حراس الأمن هم لبّ المشكلة والحل، فإن فايز الشهري الذي كان يعمل حارس أمن في إحدى الشركات يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل في هذه الشركات قاسٍ جدا، إذ لا نحصل على رواتب مجزية ولا إجازات ولا مكافآت، خلافا للضغوطات التي نواجهها ولا نجد أي تقدير لها».

ويضيف: «مشكلة حراس الأمن لا تحل بسهوله، تحتاج إلى إعادة هيكلة كل أعمالهم، فبينما أكثرهم يناط بهم حماية الناس والمواقع، هم في الحقيقة عاجزون حتى عن حماية أنفسهم، إذ لا يملكون أي تدريب ولا إمكانيات».

ويستطرد الشهري: «القضية تحتاج إلى إعادة النظر فيها من التوظيف وحتى المزايا وانتهاء بالتدريب والتأهيل».

وبالعودة إلى موضوع دراسة مجلس الشورى لمقترح مشروع يعمل على تعديل نظام الحراسة الأمنية المدنية الخاصة بالبلاد. كشف اللواء محمد أبو ساق، عضو مجلس الشورى السعودي، لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن مشروعه المقترح، الذي سيقدمه للمجلس في وقت قريب، يأتي مفصلا وبمثابة دراسة في مرحلتها الأخيرة لتعديل نظام الحراسة الأمنية المدنية الخاصة، كاشفا عن أن غاية هذا المشروع الدفع بهذا القطاع الأمني الخاص إلى مستويات أفضل تجعله أكثر جذبا للشباب السعودي، وتمنحه بعض الحوافز على مستوى الكادر الوظيفي، بالإضافة إلى شروط تأهيل، وغير ذلك من المقومات الضرورية التي يحتاج إليها ذلك القطاع. ولفت أبو ساق إلى أن مجلس الشورى أسهم في دراسة نظام الحراسات الأمنية المدنية الخاصة قبل خمس سنوات، مؤكدا أن المجلس يراجع الأنظمة كلما طرأت حاجة إلى ذلك، عبر مبادرات لجان وأعضاء المجلس من ناحية، ومن ناحية أخرى حسب ما يرد إلى المجلس من الحكومة من مشاريع تعديل للأنظمة القائمة. وأكد أنه من الطبيعي أن يشهد القطاع الأمني الخاص، الذي وصفه بالحساس، تغيرات مستمرة في نظامه ووسائل تطبيقه، مبينا أن القيام بمهام الأمن على المستوى المطلوب يعد من أصعب الأمور وأكثرها تعقيدا، وزاد: «وما كان مناسبا بالأمس القريب لم يعد مناسبا اليوم لتحقيق مستوى أمني مناسب ومطمئن». واعتبر أبو ساق أن هناك تذمرا كبيرا، حاليا، من قبل بعض موظفي الحراسات الأمنية المدنية الخاصة، في القطاع الخاص، بشأن الرواتب التي يرون أنها أقل من مستوى جهودهم، معللين ذلك بأن بيئة العمل في بعض المنشآت تستحق إعادة النظر.

يشار إلى أن «الشرق الأوسط» سبق وناقشت ملف تشغيل الأجانب في أعمال الحراسات الأمنية، وذلك في 18 سبتمبر (أيلول) 2007م، ورصدت ضبط جهات أمنية لشركات تشغل أجانب بأوراق غير رسمية أو مزورة تشير إلى أنهم سعوديون.

وحذرت الجهات الأمنية في السعودية حينها الشركات العاملة في مجال الحراسات الأمنية من قبول غير البطاقات الرسمية كـ«الوثائق» للتعريف بالراغبين في العمل، مشددة على اعتماد بطاقة الهوية الوطنية الجديدة في التعريف بالمواطن السعودي، وذلك على أثر استخدام أجانب مقيمين بشكل غير نظامي لمشاهد من شيوخ قبائل تؤكد أنهم سعوديون، بينما ثبت لدى سلطات الأمن أنها مزورة في ما بعد.

وقالت في ذلك الحين إدارة الجوازات السعودية والشرطة إنها ضبطت خلال أقل من عام نحو 45 رجل أمن مقيما بشكل غير نظامي على أنهم سعوديون بموجب «مشاهد» أو «وثائق» يعملون في حراسة منشآت مهمة، في مقدمتها البنوك والمستشفيات والأسواق.

وأوضح في ذلك الحين المقدم سليمان عبد الرحمن المحيا، مساعد قائد الدوريات في جوازات جدة، لـ«الشرق الأوسط»، وقوع مخالفات متعددة، فإضافة إلى تشغيل العمالة المتخلفة التي تشمل مخالفات مجهولي الهوية ومخالفات التزوير، وجد أن عددا كبيرا منهم يحمل مشاهد مزورة من مشايخ قبائل نائية في الربع الخالي، ويدعون أنهم سعوديون، وبعد التحقيق معهم ثبت أن هذه المشاهد كلها مزورة، والبعض الآخر كان يحمل بطاقات أحوال سعودية، منها ما هو مزور بواسطة جهاز الاسكانر، ومنهم من كان يستغل الشبه بينه وبين صاحب البطاقة الأصلية وقام باستخدام البطاقة.

ودافع مسؤول في إحدى الشركات المتورطة عن موقف شركته بعدم وجود العدد الكافي من السعوديين، وعدم وجود عقود عمل تلزم الشاب السعودي بعدم ترك العمل، وواصل بقوله: «حيث إن الشاب السعودي متى ما وجد فرصة أفضل ترك العمل، ومنهم من لا يلتزم بالدوام الرسمي وساعات العمل».

من ناحية أخرى كان قد علق في ذلك الوقت عبد القادر عيد الغامدي الذي كان يشغل حينها منصب مدير مكتب العمل المكلف بالإنابة بجدة، حول أسباب ترك السعوديين هذه الحراسات: «إنها تتركز في ضعف الرواتب، وعدم تحديد يوم للإجازة الأسبوعية، وتكليف الحراس بساعات عمل أكثر من الساعات المحددة نظاما، إضافة إلى الأوامر والقرارات التعسفية من خصم وفصل».