توقعات باستقطاب قطاع الرعاية الصحية النفسية لعدد كبير من الكوادر السعودية المدربة

عقب الموافقة على نظامها من قبل مجلس الشورى

وزارة الصحة استعانت بالعديد من الأنظمة العالمية لإخراج نظام متكامل في قطاع الرعاية الصحية النفسية («الشرق الأوسط»)
TT

توقع مختصون في مجال الرعاية الصحية النفسية في السعودية أن يستقطب القطاع عددا كبيرا من الشباب والشابات المدربين، عقب صدور الموافقة على نظام الرعاية الصحية النفسية من قبل مجلس الشورى مؤخرا، وهو ما اعتبرته مصادر سابقة على مستوى دول مجلس التعاون.

وأوضح الدكتور عبد الله العتيبي، رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية في مجلس الشورى السعودي، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا النظام يعد أحد أهم الأنظمة المتميزة التي قامت بها وزارة الصحة لإضافتها إلى منظومة الأنظمة التي تحويها الوزارة حاليا، لا سيما أنها سعت عندما وضعته إلى الاستعانة بكثير من الأنظمة الموجودة عالميا، وبعد أن تبلورت الفكرة كان نتاجها هذا النظام، الذي كان نتيجة تمازج بين اللوائح والقواعد التي كانت موجودة بالمملكة، والأنظمة المعمول بها في الكثير من دول العالم مثل الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وكندا، ومشروع الصحة النفسية في أكثر من دولة. وكان العتيبي قد صرح قبل أربعة أشهر لـ«الشرق الأوسط» بأن المجلس يدرس ويناقش أول نظام يقنن ممارسة العمل الصحي في السعودية، وقد أصبح النظام في صورته النهائية تقريبا، وأن المجلس قام بدراسة النظام المُقَر دراسة مستفيضة من خلال مناقشة مواده التي بلغت ثلاثين مادة، وذلك بمشاركة مختصين في نفس الحقل، عبر اجتماعات متعددة، وأنه تم تدوين جميع الملاحظات التي أخذت على الأنظمة واللوائح القديمة، كما أنه تم تعديل بعض الأمور التي كانت قد وردت من قبل العاملين بوزارة الصحة، وأن عدم وجود نظام حتى ذلك الوقت كان أمرا سلبيا للغاية، في ظل أن المستشفيات المتخصصة في العلاج النفسي تصعب عليها متابعة علاج الكثير من الحالات، وأصبح التوسع فوريا في العيادات.

وفي اتصال هاتفي عقب إقرار نظام الرعاية الصحية النفسية، كشف رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية أن أبرز الأهداف التي شملها النظام هو حماية حقوق المريض النفسي، ومعاملته بتقدير واحترام، إلى جانب توثيق عمل مؤسسات العلاج النفسي، وضبط العلاقة النظامية بين مقدم الخدمة - المستشفيات أو العيادات النفسية - والمريض وفق الأنظمة واللوائح القانونية، وتحديد مساعدة الممارسين المهنيين في مجال الصحة النفسية خاصة أن العاملين في مجال الصحة النفسية يندرجون من طبيب إلى إخصائي وممرض، لذلك وجب تحديد مهام الممارس الصحي المباشرة التي تتعلق بالمريض.

وتابع: «إنها أيضا حددت دور المتخصصين في مجال الصحة النفسية بشكل دقيق، لا سيما أن بعض العاملين في الحقل من غير المتخصصين، وأساءوا إلى مهنة العلاج النفسي، وضررهم امتد حتى بات الناس يفقدون الثقة بما يسمي الممارس الصحي سواء كان ممرضا، أو إخصائيا، أو استشاريا نفسيا، فركز النظام وبشكل كبير على تحديد الجهات المعنية في التعامل مع المريض النفسي، ودورها، وتحديد حقوق وواجبات المريض والمعالج والمختص ومقدم الخدمة والمنشأة العلاجية، كذلك تعريف ووصف الجهات المسؤولة عن التطبيق وتحديد الحالات والظروف التي يطبق فيها النظام وصلاحياته بعيدا عن الاجتهاد الفردي، وأيضا الدخول الإلزامي للمريض من قبل أسرته للمصحات النفسية حتى لو كان قسرا». وحول إحدى مواد النظام التي سعى إليها التنظيم الجديد، وهو ما يخص الدخول الاختياري والإسعافي والإلزامي، بين أن ذلك البند اعتبر إحدى أهم النقاط التي سعى إليها التنظيم الجديد. وذهب العتيبي ليبين أن النظام لم يقتصر فقط على تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب فقط، فقال: «كما أن عمل الممارس الصحي ربط بما يسمى نظام مزاولة المهن الصحية، هذا نظام آخر يختلف عن نظام الصحة النفسية، لكنه قريب جدا من مزاولي العمل الصحي، وهناك العديد من العقوبات التي حددت في نظام مزاولة المهن الصحية لمن أساء استخدام مهنته، في التعريف بالمريض سواء كان بطريقة أو بأخرى، عن طريق العنف المباشر أو عن طريق إفشاء الأسرار الخاصة بما يحويه ملف المريض». ويؤكد أن هناك عدة مواد شملها نظام الرعاية الصحية النفسية الذي تمت الموافقة عليه من ناحية العقوبات لمن يخالف أحد أحكام هذا النظام، تراوحت تلك العقوبات ما بين العقوبات التوقيفية، والغرامة المالية، فعلى سبيل المثال السجن بمدة لا تزيد على سنتين، وغرامة مالية لا تزيد على مائتي ألف ريال.

من جانبها، قالت الدكتورة منى صواف، الخبيرة الدولية للأمم المتحدة في علاج الإدمان، استشارية ورئيسة وحدة الطب النفسي بمستشفي الملك فهد بجدة، «أعتقد أن هذا المشروع سيحقق ما كنا نتمنى تحقيقه من تنظيم حقوق المريض النفسي وإعطائه نفس الأهمية لفروع الطب العضوي، مع التأكيد علي أهمية وجود قانون يحمي المريض النفسي من الأخطار التمويهية على التنويم القسري دون داع طبي، كما قد يحدث في بعض الحالات أو من إهمال حق المريض في العودة لأسرته بعد اكتمال العلاج، كما يحدث من بعض الأسر التي ترفض عودة المريض للأسرة بعد خروجه من المستشفى. وأضافت أن «أهمية العمل بهذا النظام تأتي من الحفاظ على حقوق العاملين في مجال الصحة النفسية من أطباء وإخصائيين، مما سيساعد على زيادة الإقبال على هذه التخصصات المطلوبة، كما أن هناك جانبا مهما وهو الحرص على دمج المريض النفسي في بيئته الاجتماعية من خلال تقليل الاعتمادية على المصحات النفسية وتنشيط دور مراكز الرعاية النفسية النهارية ومراكز إعادة التأهيل». وفي ذات السياق، أفاد الدكتور سهيل خان استشاري الطب النفسي، ومدير مستشفى الصحة النفسية بجدة، بأن نظام الرعاية الصحية النفسية يقنن ممارسة الطب النفسي في المملكة العربية السعودية التي كانت الشغل الشاغل للأطباء النفسيين طوال الفترات الماضية، وذلك لكثرة المشاكل القانونية في معالجة المرضى، ونتوقع في ظل تقنين الاعتراف بهذه الممارسة المهنية أن يرتفع مستوى الخدمة المقدمة للمرضى النفسيين، ونتوقع أن الخدمات النفسية تأتي ثمارها.

بينما أرجع رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية الدكتور عبد الله العتيبي، غياب الإحصاءات غير الدقيقة لمدى انتشار الاضطرابات النفسية في المملكة، والسبب خلف شيوع أشكال مختلفة للعنف في المجتمع إلى عدم وجود فريق بحثي مؤهل القيام بمثل هذه الدراسات المتخصصة، التي تساعدنا في معرفة عدد المرضى النفسيين، وأسباب انتشار أنواع مختلفة من الأمراض النفسية.

ليضيف: «مهم جدا الآن كخطوة جيدة من وزارة الصحة، والجهات البحثية مثل الجامعات أن يكون فريق بحثي محترف بميزانية كافية للخروج بمعلومات دقيقة وشفافة يحتاجها الممارس، والباحث في هذا المجال».

وبين أن «عملية صدور هذا النظام تسهيل لتفعيله بشكل مباشر في وزارة الصحة، وخاصة أننا نرى أن هذا النظام نظام متكامل، يبقى فقط عملية تنقية مواد هذا النظام، وتطبيقه على أرض الواقع، بشكل صحيح وتنظيم».

مبينا أن «كل نظام يتبعه لائحة تنفيذية يفسر بعض النصوص الموجودة في النظام، لذلك نتمنى صدورها سريعا حتى يكون النظام مكتملا، في ظل انتشار الكثير للأمراض النفسية، وتجاوزه إلى ما كان يعرف بظواهر العنف بأنواعه المختلفة».

من جانبه، أكد ماجد قاروب، رئيس اللجنة الوطنية للمحامين بمجلس الغرف السعودية، أن القانون والقواعد العامة تعطي المريض ضمانا على أن الطبيب مهما كان نوعه، ومنهم الأطباء النفسيون، يجب أن يحافظوا على أسرار مرضاهم، وأن هناك عقوبات موجودة في نظام الممارسين الصحي، إلا أنها غير رادعة، وتجعل من السهولة والبساطة أن يرتكب المخالف مخالفته باعتبار أن مبالغ العقوبات والغرامات في الأنظمة السعودية بسيطة ويمكن تحملها في مقابل الفوائد التي تتحقق من جراء المخالفة.

وقال في تصريحات سابقة: «هناك قصور في التشريعات السعودية بشكل عام، خاصة في ما يتعلق بالحقوق والواجبات من الناحية القانونية، لأن كل جهاز يضع ما يراه مناسبا، بمعنى أن القوانين الصحية يتم وضعها من قبل الأطباء ومنسوبي وزارة الصحة، والأمور التجارية تتم من قبل مستشاري وزارة التجارة، وبالتالي هناك خلل واضح في المنظومة التشريعية في المملكة لاتجاه النظرة الشمولية لإعداد القوانين واللوائح المنظمة للأعمال والخدمات».