معماريون يتجهون لاستخدام مكونات المنازل القديمة في إنشاء المباني الحديثة

باعتبارها صديقة للبيئة كونها مبنية من خامات المنطقة نفسها

بناء البيوت القديمة من خامات المنطقة نفسها يمنحها القدرة على مقاومة التغيرات المناخية («الشرق الأوسط»)
TT

يتجه مجموعة من المتخصصين في تصميمات البيئة إلى استخدام خصائص بناء البيوت القديمة في إنشاء المباني الحديثة خلال الفترة المقبلة، مؤكدين على أن المنازل القديمة الموجودة في القرى وغيرها تعد مباني صديقة للبيئة، في حين يرى آخرون عدم فاعلية تفعيل ذلك التوجه من منطلق تكلفته المادية المرتفعة.

وكشف علي الوحيدي، رئيس نادي تصاميم البيئة وأحد خريجي جامعة الملك عبد العزيز بجدة في هذا التخصص، عن وجود جملة من الدراسات بمشاركة مهندسين مختصين حول استخدام خصائص بناء البيوت الطينية القديمة في إنشاء المباني الحديثة، خصوصا أن مكوناتها مأخوذة من البيئة نفسها، لافتا إلى وجود ضغط بشأن توجه الكثيرين للمباني الخضراء التي تعد صديقة للبيئة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما يميز العمارة القديمة هو استخدام الأحجار والطين من المنطقة نفسها المبنية فيها، والتي لا تكون بحاجة إلى ترميم مع مرور الزمن»، مشيرا إلى وجود محاولات من قبل طلاب الجامعة بهدف دراسة وتعلم كيفية الوصول إلى هذا المستوى من المباني.

وأبان أن جميع الدراسات والبحوث أثبتت وجود العديد من تقنيات البناء الحديث في البيوت القديمة منذ مئات السنين، الأمر الذي ينفي صحة دخول تلك التقنيات بعد اكتشاف البترول - بحسب قوله. وأضاف «ما يثبت صحة هذه المعلومات هو أن لكل تفاصيل البيوت القديمة وظائف معينة ولم تتم إضافتها لمجرد ديكور فقط دون الاستفادة منها، حيث إنها مدروسة بدقة من واقع حس إنساني كان يتميز فيه كبار السن رغم عدم دراستهم لأي من تلك الأمور». ولفت إلى أن البيوت القديمة في المدن الساحلية لا تتأثر بالأمطار كونها مبنية من أحجار مستخرجة من البحار والتي تكون عادة مشبعة بالمياه، وهو ما يجعل عدم تأثرها أمرا طبيعيا، على عكس المباني الحديثة المسلحة. واستطرد في القول «إن طريقة العزل القديمة تساعد أيضا في حمايتها من الأمطار، حيث إنهم يقومون بوضع جذوع الأشجار وسعف النخيل، ومن ثم الرمل الذي يتم دكه بهدف إغلاق جميع المسامات».

عدد من كبار السن المتخصصين في بناء البيوت القديمة على مستوى السعودية، أرجعوا أسباب تصنيف تلك البيوت من ضمن المباني الصديقة للبيئة إلى اعتمادهم على استخدام خامات كل منطقة في بناء منازلها، وهو ما يجعلها مقاومة لكل التغيرات المناخية.

العم عيد الحايطي، أحد المتخصصين في بناء البيوت بشمال السعودية، ذكر أن البناء القديم في منطقة حائل يتكون من التراب واللبنة اللذين يخلطان بالماء ويترك الخليط قرابة ثلاثة أيام كي يتماسك، ومن ثم يوضع في قوالب ليتحول إلى طوب صالح للاستخدام، لافتا إلى أن تلك الطريقة هي المستخدمة حتى الآن بالوراثة. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تتميز تلك البيوت بأنها دافئة في الشتاء وباردة أثناء الصيف، عدا عن تكيفها مع عوامل التعرية بدليل وجود منازل يعود تاريخها إلى ما قبل 500 عاما، في حين لا تتجاوز صلاحية المباني الحديثة الـ20 عاما»، مؤكدا استمرار استخدام الطرق القديمة في بناء معظم المزارع والاستراحات والمنازل حتى الآن.

بينما أفاد لـ«الشرق الأوسط» العم سالم الغامدي من محافظة أملج الواقعة على ساحل البحر الأحمر، بأنهم يستخدمون الأحجار المستخرجة من البحر والتي يقومون بتجفيفها كي تصبح قابلة للنحت على هيئة مربعات يبنون بها طوابق بيوتهم القديمة.

بينما يرى العم علي الهذلي، الذي يعمل في بناء البيوت القديمة منذ أكثر من 50 عاما في منطقة القصيم، أنهم يعملون بحسب توافر حاجات البناء، حيث إنهم لا يقومون بشراء الخامات من خارج المنطقة، وإنما يستخدمون حصى أرضهم وطينها، مشيرا إلى أن منازلهم لا تتأثر مطلقا بالأمطار، لا سيما أن تلك الخامات موجودة في أراض مشبعة بالمياه. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل على تركيب ميزاب في السطح لتصريف مياه الأمطار إلى الخارج، عدا عن استخدام جريد النخيل وسعفه وجذوع الأشجار في بناء الأسقف، والتي نغطيها بالطين المخدوم حتى يتماسك، وهو ما يجعل تلك البيوت مقاومة لأي تشققات وتصدعات بفعل الأمطار».

وبين أن جذوع النخيل المستخدمة في بناء الأسقف عادة ما يتم قصها على هيئة «سيف»، وذلك من أجل إعطائها القوة، عدا عن أن ذلك الشكل يجعلها أكثر أمانا في الأمطار، إلى جانب استخدام الإسمنت القديم المكوّن من رماد الحطب والذي تتم إضافته بعد التراب كمرحلة أخيرة.

من جهته، استبعد مصدر مسؤول في المجلس السعودي للمباني الخضراء (الصديقة للبيئة) احتمالية نجاح تجربة استخدام خصائص بناء البيوت القديمة في إنشاء المباني الحديثة، مرجعا أسباب صعوبة تطبيقها إلى تكلفتها المادية المرتفعة، وعدم وجود الأشخاص القادرين على تنفيذها بالطريقة الصحيحة. وأوضح المهندس سلطان فادن، رئيس اللجنة التأسيسية للمجلس السعودي للمباني الخضراء، أن الطفرة الحديثة التي شهدها العالم خلال السنوات الـ50 الأخيرة كانت سببا في تغير الشكل العمراني بشكل جذري، لافتا إلى أن لهذه التغييرات إيجابياتها وسلبياتها، إلا أن طريقة الحياة الحالية فشلت في تقديم الكثير من الأمور.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن تغيير الوضع الحالي للعمران يحكمه اتجاهان، إما التوجه نحو القديم أو تحسين الصورة الحالية، وهو ما يصعب من إمكانية الجزم بمدى صحة أو خطأ التجارب التي قد تختص بهذا الجانب تحديدا»، مشيرا إلى عدم وجود أي توجه نحو خصائص البناء القديمة في إنشاء المشاريع الضخمة الحكومية حتى الآن.

وبين أن الحياة في السابق كانت سهلة بعكس اليوم، حيث إن المجتمع في الوقت الحالي لا يمكنه العيش من دون الأسلوب الحديث، الأمر الذي يؤكد عدم صلاحية التوجه بالشكل الكامل نحو نمط البناء القديم، لكنه استدرك قائلا «من الممكن الاستفادة من بعض الأساليب، إلا أن طريقة البناء القديمة أثبتت فشلها في الوقت الحالي كونها بطيئة ولا يوجد أفراد قادرون على تنفيذها».

واعتبر المهندس سلطان فادن الاستفادة المعاصرة من طرق البناء القديمة موضوعا «جدليا»، وبعيدة كل البعد عن الطريقة المطلقة التي يمكن النظر إليها، مضيفا «مادة البناء الأساسية في الوقت الحالي هي الخرسانة، والتي قد تكون في استخدامها تجاوزات بيئية، غير أنها من الممكن حلها».

وفي ما يتعلق بمدى إمكانية توظيف خامات المناطق في بناء مبانيها، علّق رئيس اللجنة التأسيسية للمجلس السعودي للمباني الخضراء بالقول «إن الخرسانة مصنوعة من مكونات سعودية ولا يتم استيرادها من الخارج، فضلا عن عدم وجود مواد أخرى بديلة لها».

وهنا، عاد علي الوحيدي ليؤكد على أن الخاصية التي يسعون إلى تطبيقها في إنشاء المباني الحديثة هي استخدام الخامات الموجودة لكل منطقة، رغم صعوبتها باعتبار أن الكثيرين اعتادوا على الخرسانة المسلحة، إلا أنه ستتم المحاولة في ذلك بشكل فعلي. وزاد «عند استخدام المواد من نفس المكان فإنها تكون متكيفة مع البيئة المستخرجة منها، وهو ما يعطيها خصائص اختلاف المناخ الداخلي للمنازل عن الخارجي، خاصة أن انتقال الحرارة من خلال جدران البيوت القديمة يستغرق وقتا طويلا، مما يعكس حالة الطقس في الخارج»، مبينا أن معظم المنشآت الحديثة مزودة بالإسفنج والعوازل، إلا أنها لا تعود بأي فائدة، بحسب قوله.

وشدد رئيس نادي تصاميم البيئة على ضرورة التوجه نحو تقليل الاستهلاك في بناء المباني الحديثة، وذلك من أجل إنتاج طاقة من خلال تزويد شبابيكها بخلايا شمسية لتحل محل الكهرباء أثناء النهار، إلى جانب إمكانية الاستفادة من الرواشين القديمة كونها تعطي المبنى إضاءة طبيعية تمكن الساكن من رؤية الخارج ولا تسمح لمن في الخارج بكشف المنازل من الداخل.

وحول توجه معظم أفراد المجتمع نحو المباني الأوروبية الحديثة، علق علي الوحيدي قائلا «يعود ذلك إلى جهلهم الحقيقي بمدى أهمية المباني القديمة وفوائدها إذا ما تم تطبيق خصائصها في إنشاء المنازل الحديثة».