تأكيدات على ضعف اهتمام السعوديين بعلم الوراثة وما يتعلق به من أمراض

على خلفية عدم وجود أقسام متخصصة في هذا المجال

جانب من معرض «أدواتي» (تصوير: غازي مهدي)
TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في مستشفى الملك فهد بجدة على ضعف اهتمام السعوديين بعلم الوراثة والأمراض الوراثية من جميع النواحي، وذلك نتيجة عدم وجود أقسام متخصصة، إلى جانب عدم تدريس هذا العلم حتى لطلاب وطالبات تخصص الطب، مما يدفع بالكثير منهم إلى السفر خارج المملكة والالتحاق بجامعات عالمية لدراسته.

وأوضحت الدكتورة سميرة سقطي إخصائية الأمراض الوراثية في مستشفى الملك فهد بجدة، وإحدى أوليات السعوديات اللاتي تخصصن في علم الوراثة بالسعودية، أن هناك تقصيرا في جميع الإمكانيات من ناحية علاج وتشخيص الأمراض الوراثية، مشيرة إلى أن السعودية تعد بيئة خصبة ومليئة بالأمراض الوراثية، مما يجعل الباحثين الأجانب يزورونها لأخذ العينات والجينات ودراستها في بلادهم.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من الضروري توعية المجتمع رجالا ونساء بخطورة الأمراض الوراثية، التي سببها الرئيسي زواج الأقارب، عدا عن أهمية إجراء الفحوصات الوراثية إذا ما كان أول طفل يتم إنجابه معاقا».

وفي ما يتعلق بأكثر الأمراض الوراثية انتشارا في السعودية، أفادت بأنها تتمثل في مرض ضمور العضلات، مطالبة بضرورة جعل تحليل الكشف عنه مجانيا في ظل ارتفاع تكلفته المادية التي تجعل تحمّل الكثير لها أمرا صعبا، إضافة إلى أهمية إدراجه ضمن الفحوصات المطلوبة قبل الزواج باعتباره مرضا وراثيا.

ودعت الدكتورة سميرة سقطي إلى ضرورة تبنّي الحكومة لإنشاء مركز مخصص لهذا النوع من الفحوصات، إضافة إلى مساعدة المراكز الخاصة في إجرائه بشكل مجاني أو بتكلفة منخفضة على أقل تقدير، وذلك بهدف الحد من تزايد الإصابة بمرض ضمور العضلات.

وبينت أن التخلف العقلي والتشوهات الخلقية والمتنحية ومتلازمة داون تعد من الأمراض الوراثية الموجودة من قبل، إلا أنها شهدت زيادة في انتشارها، الأمر الذي يحتم تكثيف التوعية بإجراء الفحوصات وحماية الطفل الثاني من الإصابة بمثل هذه الأمراض في حال إصابة الطفل الأول.

وأضافت: «إن الكثير من الحالات التي تزورنا لديها أكثر من طفل معاق، وذلك نتيجة قلة الوعي بأهمية إجراء فحص الوراثة حال إنجاب الابن الأول ولديه إعاقة، فضلا عن جهل المجتمع، ولا سيما أن معظمهم، خصوصا سكان القرى، يرفضون التوقف عن الإنجاب حال إثبات حملهم للجينات الناقلة للمرض، التي تؤكد إنجاب أطفال معاقين بقولهم: (هذي عطية الله)، وهو ما يجعلهم يصرون على التزاوج من الأقارب».

وشددت إخصائية الأمراض الوراثية في مستشفى الملك فهد بجدة على ضرورة تنظيم ندوات ومحاضرات بشكل دوري ومستمر للأمهات في مراكز الإعاقة والمدارس والجامعات وأماكن التجمع، التي تهدف إلى توعية الأمهات والطالبات المقبلات على الزواج بأهمية إجراء الفحوصات الوراثية قبل الزواج، خصوصا عند ارتباطهن بالأقارب.

يأتي ذلك خلال احتفال مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي بيومهم العالمي للإعاقة، حيث تعد هذه المناسبة من أهم فعاليات مراكز الإعاقة السنوية التي تحظى بمشاركة الكثير من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة ومراكز الإعاقة المعنية بتأهيل وتعليم مختلف فئات الإعاقة والجمعيات الخيرية والمستشفيات.

وتضمنت تلك الفعاليات معارض ومهرجانات وزيارات تهدف جميعها إلى تكريس فكرة دمج المعاقين في المجتمع وإزالة الحاجز بين المجتمع وهذه الشريحة، إضافة إلى إدخال الفرحة على قلوبهم وإشعارهم بمدى أهميتهم ودورهم في المجتمع.

وأبانت عبير الدبيسي، مديرة قسم التدريب في جمعية الأطفال المعوقين بجدة، أن مركز الملك عبد الله شارك العالم احتفاله باليوم العالمي للإعاقة من أجل تكريس الوعي لدى كل أفراد المجتمع بقضايا الإعاقة، إضافة إلى التأكيد على أهمية مواجهة المجتمع للتصدي لقضية الإعاقة، لافتة إلى ضرورة تعاون كل المؤسسات الحكومية والأهلية للتعاون على مواجهة هذه القضية التي تشكل هاجسا كبيرا في المجتمع.

وأكدت على ضرورة نشر الوعي لدى المجتمع بشأن الإعاقات والمسببات وطرق الوقاية من بعضها، وذلك لزيادة فرص التشخيص والتدخل والعلاج المبكر، مبينة أن مركز الملك عبد الله نظم هذا العام محاضرة تثقيفية للأمهات والنساء عن الأمراض الوراثية وعلاقتها بالإعاقات، مؤكدة على أهمية مثل هذه المحاضرات والندوات في توعية الأسر وبالتالي خفض نسبة الإعاقة.

وفي نفس الوقت طالبت الأمهات اللاتي حضرن الندوة بضرورة تكرار هذه المحاضرات التوعوية والتثقيفية بشكل مستمر لهن ولبناتهن المقبلات على الزواج حتى لا تتكرر معاناتهن في إنجاب أطفال غير سليمين.

كما تضمنت فعاليات اليوم العالمي للإعاقة افتتاح معرض «أدواتي»، الذي عرضت فيه كل أدوات ومستلزمات واحتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي سيستمر لمدة أسبوع.

وأشارت الدبيسي إلى أن فكرة هذا المعرض الذي يقام للمرة الأولى هي تعريف المجتمع بالأدوات التي يستخدمها ذوو الإعاقة، ومن جهة أخرى إيصال فكرة أن هذه الفئة أيضا لديها أدوات ومستلزمات خاصة بهم كجميع فئات المجتمع، حيث نظم المركز زيارات للمدارس والجامعات والجهات الخاصة للتعريف بالمعرض.

واستطردت في القول: «يحتوي المعرض على جميع مستلزمات الطفل المعاق داخل الجمعية وخارجها مثل كراسي الإعاقة والأدوات المستخدمة لتمارين اليد وتقوية العضلات، ومن ضمن الأدوات (بدلة فضائية) يرتديها الأطفال لتساعدهم على المشي، حيث تعمل على شد جميع أجزاء الجسم، إضافة إلى وجود الجبيرة التي تستخدم للأيدي والأقدام».

كما يحتوي أيضا على ركن الوسائل التعليمية الخاصة بهم، والتي تختلف قليلا عن الوسائل التي يستخدمها الطفل الطبيعي، من حيث الحجم، والتي لا بد أن تكون كبيرة حتى يستطيع الطفل الإمساك بها، وضرورة أن تكون الألوان واضحة وقوية.

وزادت مديرة قسم التدريب في جمعية الأطفال المعاقين بجدة: «إن جميع هذه الأدوات يوفرها المركز للأطفال، ووضعت في المعرض بهدف التعريف وليس للبيع»، مشيرة إلى وجود بعض الأدوات التي يطلب الإخصائي المتابع لحالة الطفل استخدامها في المنزل فيطلبون من الأسرة توفيرها.

ولفتت إلى أن تلك الأدوات غالبا ما يتم تصنيعها داخل المركز من خلال ورشة خاصة، إلى جانب وجود بعض الأدوات التي يتم شراؤها من الخارج فور توفرها، ولكنها استدركت قائلة: «معظم الوسائل التعليمية مبتكرة من قبل المعلمات حتى تتناسب والحالات الموجودة لديهن»، مشددة على أهمية هذه الأدوات في مساعدتهم لتحقيق أهدافهم.