جدة تضع أنظمة السلامة تحت المجهر بعد تجاوز الحرائق حاجز الألف في 3 أشهر

الجداوي لـ«الشرق الأوسط»: إغلاق عدد من المنشآت المخالفة.. والاستشاريون يطالبون بمنحهم صلاحية مراقبة نظم السلامة في المنشآت

حريق مجمع العيسائي واحد من أكبر الحرائق في جدة
TT

عاد الاهتمام بأنظمة الأمن والسلامة ليتصدر حديث المدينة مجددا، عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها جدة، والتي كان آخرها وفاة عدد من المعلمات في مدرسة براعم الوطن، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى وسائل السلامة في معظم حوادث الحريق التي تجاوزت الألف حريق خلال ثلاثة أشهر.

وأعلن لـ«الشرق الأوسط» مصدر رفيع في الدفاع المدني بمحافظة جدة عن القيام بعدد من الحملات وإغلاق عدد من شركات الأمن والسلامة وبعض المحلات العشوائية في عدد من المواقع نتيجة تسجيل عدد من المخالفات عليها.

وأوضح في هذا الشأن العميد عبد الله الجداوي، مدير الدفاع المدني بمحافظة جدة، أن معظم شركات السلامة الموجودة تسيء إلى الدفاع المدني في أسلوب عملها المخالف للتصاريح.

وأشار الجداوي إلى لائحة صادرة منظمة لعمل كافة المنشآت في هذا القطاع، وتم اكتشاف العديد من المخالفات، وصل البعض منها إلى حد إغلاق المنشأة وتغريم مالكها، بينما دعا مجموعة من خبراء الأمن والسلامة الجهات المعنية منح المكاتب الاستشارية صلاحية مراقبة المنشآت ومراقبة نظم السلامة فيها.

وحذر الخبراء من تعاطي ملاك العقارات مع من وصفوهم بـ«سباكين» الأمن والسلامة الذين يقومون بتركيب شبكات الإطفاء في المباني بطرق عشوائية تشبه طريقة «التسبيك» دون التقيد بالمعايير الفنية والهندسية بقوانين نظم الأمن والسلامة.

وأكد الخبراء الذين التقتهم «الشرق الأوسط» أن مجرد تركيب أدوات السلامة ليس بالأمر الكافي لمنع الخطر عن المباني، فلا بد من توعية الساكنين بطرق تشغيل تلك الأدوات واستخدامها.

وأوضح سمير المفاتيحي، مالك مؤسسة المفاتيحي لأنظمة الأمن والسلامة، أن معظم الأجهزة الموجودة في المباني الحكومية والمشاريع الكبيرة مستوفية لاشتراطات السلامة، لكن يجب أن تخضع للتجارب قبل تسليمها من المقاول عن طريق مكتب استشاري سلامة مرخص ومعتمد من قبل الدفاع المدني ومن ثم عمل عقود صيانة لضمان استمرارية عمل هذه الأجهزة والمعدات، وينطبق ذلك على القطاع العام والخاص.

وأضاف «يجب أن تحتوي كافة مواقع التجمعات مثل صالات الأفراح والمناسبات والمراكز التجارية على أنظمة أنذار مبكر عن الحرائق تعمل للكشف على الدخان إضافة إلى أجراس إنذار ومعدات إطفاء آلي بالماء».

من جانبه، حمل محمد العناني، مالك مركز «العناني للاستشارات والسلامة»، مالكي المنشآت مسؤولية غياب السلامة، وذلك ببحثهم عن الرديء والرخيص لاستيفاء الاشتراطات فقط دون النظر إلى جوانب السلامة والصيانة والمتابعة.

وأكد العناني الدعوة إلى منح المكاتب الاستشارية المرخصة من قبل الدفاع المدني حق مراقبة تلك المنشآت ومتابعتها وبعث التقارير على الدفاع المدني مع تحميل المكاتب الاستشارية كاملة في حال حدوث أي قصور، كونه الجهة المستصدرة لتقارير.

من جانبه، قال المهندس عدنان بن زكي العباسي الهاشمي - خبير الأمن والسلامة ومالك أحد أكبر المكاتب الهندسية في مجال الأمن والسلامة الذي عمل في مجال الدفاع المدني على مدى 27 عاما - حول حريق مدرسة براعم الوطن للبنات بجدة: «سبق لي أن تحدثت عن قصور السلامة في المدارس سواء حكومية أو خاصة، وأن هناك أمورا كثيرة ضرورية ومهمة لو اتبعت لما حصل ما حصل أو حتى تم تقليل الخسائر، ولا شك في أن الأمر أولا وأخيرا هو قدر الله ولكن الحديث الشريف للمصطفى – صلى الله عليه وسلم – يقول (اعقلها وتوكل)».

وأردف «لو تم تطبيق إجراءات السلامة بشكل صحيح وآمن في المدرسة كوجود مراوح سحب الدخان في البدروم وغيرها من وسائل السلامة الضرورية كالتدريب على مكافحة الحريق والإنقاذ والإخلاء، فإن ما يحدث بعدها هو خارج عن إرادة الإنسان، لذا فإن المسؤولية في هذا الحادث بجانب من ادعى أنهن أشعلن الحريق تشمل كافة المسؤولين وذوي العلاقة بالمدرسة وترخيصها والمالك والاستشاري المصمم وشركة الصيانة والإدارة وغيرهم، وتتحدد نسب المسؤولية من خلال التحقيق الدقيق والمفصل».

واعتبر أن التحقيق في مثل تلك الحوادث وإشراك الخبراء المستقلين من خارج الأجهزة الحكومية المعنية يثري الموضوع، وخاصة في تطوير نظم المكافحة والإنذار والسلامة من خلال الدروس المستفادة ووضعها في الأكواد المعتمدة.

لذلك، فإنه أصبح من الضروري والأهمية أن يفعل دور المرأة في هذا الاختصاص وتدريبها على أعمال المكافحة والسلامة والإنقاذ والإخلاء والإسعافات لحماية نفسها وأسرتها ومن حولها، والشواهد لفقداننا كثيرا من بناتنا ونسائنا أبرزها حادث قصر الأفراح في جازان الذي قضى فيه 30 مدعوة غير الإصابات، وحادث حريق مدرسة مكة المكرمة الذي قضى فيه 31 طالبة غير الإصابات وآخرها مدارس براعم الوطن وهناك الكثير والكثير.

وفي هذا الصدد، أفاد بأنه قد اجتمع مع الأمير فيصل بن عبد الله، وزير التربية والتعليم، في مكتبه شهر رمضان للعام الماضي، وقدم له «عرضا مرئيا عن تدريب الفتيات على أعمال مكافحة الحريق والسلامة والإنقاذ وطرق الإخلاء، علما أن ذلك البرنامج سبق أن تم تقديمه لتعليم البنات عندما كان جهاز الرئاسة العامة لتعليم البنات بعد حريق مدرسة مكة مباشرة ولم يحصل أي تقدم، إلا أنه بارك تلك الخطوة واستحسنها، ووجه وزارته بمتابعتها معي، وبالفعل استدعتني الوزارة في حينه (الإدارة العامة للمدارس)، وناقشوا معي البرنامج في عدة اجتماعات، وتم وضع خطة وتصور لآلية التطبيق، ولكن لم يحصل شيء في حينه».

وقد تعجب الهاشمي من التعميم الذي نشر إعلاميا بعد حريق مدرسة البراعم بأن إدارة التربية والتعليم بمنطقة مكة شكلت لجانا للكشف على 2400 مدرسة لتحديد قصور السلامة خلال 3 أيام، وهذا أمر مستحيل لأن تطبيق المعايير الفنية للسلامة ليست مجرد طفاية وجرس إنذار بل هي منظومة متكاملة من الأعمال الفنية والأسس التصميمية.

وطالب الدكتور الهاشمي بمناشدة المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بضرورة تكليف كافة المدارس الحكومية والخاصة بالتأمين الشامل على الطلاب والمدارس ويربط ذلك رسميا بترخيص المدرسة، وكذلك من خلال اختيار شركات التأمين الأمينة التي لا تؤمن على المنشأة إلا بعد توافر وسائل ونظم السلامة الصحيحة، وذلك يتم بتقرير فني من استشاري متخصص في مجال الأمن والسلامة لتحمل كافة المسؤوليات في حالة وقوع أي حادث لا سمح الله.

وكذلك طالب وزارة التربية والتعليم بتفعيل الأمر السامي في نظام الدفاع المدني الذي وجه لكافة الوزارات والإدارات والمؤسسات الحكومية والخاصة بأن تفرض استشاريا متخصصا في مجال الأمن والسلامة، بالإضافة للمكتب الهندسي، يقوم بإعداد التصاميم وكذلك الإشراف على التصاميم والتنفيذ والتسلم من المقاول والتسليم للدفاع المدني، وهذا التوجيه مهمش ولم يتم تطبيقه، وهذا ما يجعل الكثير من النظم التي يتم تركيبها غير فاعلة.

بالإضافة إلى أن مهمة الاستشاري المتخصص الكشف على عينات نظم السلامة واعتمادها، بجانب تأهيل من يقومون بالتركيب، وكذلك أورد النظام نفسه وجود عقد لشركات صيانة دائمة بعقد سنوي متخصص لصيانة وتفعيل وتشغيل تلك النظم.

وحذر الدكتور عدنان الهاشمي من ورش تغيير وتنظيف الطفايات المخالفة التي انتشرت بشكل لافت في الفترة الأخيرة دون وجود رقابة عليها، وقال إن 99 في المائة منها غير مرخصة وتغش المنتج، والبودرة الموجودة مغشوشة، وتسأل الهاشمي كيف تغير تلك الورش الطفايات بثلاثة ريالات للكيلو وتكلفة البودرة الأصلية 3 دولارات، ولافتا في ذات الوقت إلى محلات بيع أدوات السلامة التي احترفت بيع المقلد والرديء، وقال «60 في المائة من المضخات الموجودة في الأسواق تجميع محلي وغير جيدة».

وأشار إلى أن «99 في المائة من العمالة في أنشطة الأمن والسلامة عمالة وافدة لا تعرف عن السلامة في بلدانها فكيف تطبقه في بلادنا والمؤهلون منهم لا يزيدون على 3 في المائة فقط بما فيهم المهندسون». وأكد أنه من خلال الكشف ومباشرة التحقيق في حرائق منشآت متعددة ومختلفة في أنحاء المملكة، وجد أن معظم الملاك يلجأون للتجهيزات والصيانة الرديئة والأقل ثمنا بعيدا عن العمل الاستشاري والهندسي».

وشن مؤسس لجنة الأمن والسلامة بغرفة جدة هجوما عنيفا على الشركات، وقال «أصبح السباكون والنجارون برتبة فنيين ومهندسين في تركيب الشبكات، وهو أمر فائق الخطورة، كون العمل الذي يقومون به يخص نظم الأمن والسلامة، فهم يركبون شبكات الأمن والسلامة في مواقع مهمة من دون مخططات هندسية أو دراية بطريقة التركيب، بل إن التصميم يتم في بقاله المورد والمركب وبواسطة عمالة وافدة ليس لديها أي مؤهلات علمية، ويتم للأسف الترخيص لصاحب المنشأة بناء على تلك التصاميم».

ودعا الدكتور العباسي الدفاع المدني في تشديد على ضرورة التصميم الهندسي لنظم الأمن والسلامة بما في ذلك الإشراف على التنفيذ من قبل مكتب استشاري متخصص في مجال الأمن والسلامة، وذلك تنفيذا للتعليمات الصادرة لهم من الأمانة العامة لمجلس الدفاع المدني والمبنية على الأمر السامي الصادر بنظام الدفاع المدني.

وأوضح «كذلك أن للوعي لدى كافة شرائح المجتمع وخاصة المسؤولين بأهمية السلامة لحماية النفس البشرية وحفاظا على التنمية المستمرة ومكتسبات الوطن أمر مهم، ودلل بذلك على أن عدم الوعي قد أدى إلى تدخل من لا يعنيهم الأمر ولا الصلاحية في الغرفة ومن يبحثون عن مصالحهم الشخصية الضيقة في إلغاء لجنة الأمن والسلامة من الغرفة التجارية بجدة إرضاء لبعض الرموز التي انتقدت تدريب المرأة حسب قولهم، وكذلك تضرر بعض الموردين للتجهيزات المقلدة والرديئة في السوق، علما أنه قد اتضح لأعضاء اللجنة التلاعب الموجود في السوق من ناحية المؤسسات الوهمية وهي ذات السجل التجاري ولا وجود لها على أرض الواقع وكذلك المعدات وتجهيزات السلامة المقلدة والتي تم الإشارة عليها في الفترة السابقة في أكثر من صحيفة إعلامية بجانب تصريحات عن ذلك لمسؤولي الدفاع المدني في أكثر من منطقه ونتيجة لذلك زيادة نسبة حوادث الحريق وفقدان الوطن الكثير من الأرواح والإصابات وخسارة الممتلكات.

ودعا الدكتور العباسي إلى أنه «حان الوقت لإنشاء وزارة للطوارئ للتفاعل مع الكوارث والأزمات أسوة بالدول المتقدمة ويكون مسؤولوها الرئيسيون من ذوي الخبرة في هذا المجال، وخاصة أن العالم يمر حاليا بظروف مناخية متغيرة تؤثر عليه وتسبب في كوارث طبيعية بجانب الكوارث الصناعية نتيجة التطور الصناعي ولا يعلم مداها إلا الله، وقد أشارت إليها الأرصاد العالمية وأشارت إليها أحاديثنا الدينية المسندة، فلا هناك مكان أو دولة بمنأى عن الكوارث، نسأل الله السلامة».

وفتح الخبراء على الجانب الآخر اشتراطات السلامة في قصور الأفراح، ودعوا إلى ضرورة إجراء الفحص الدوري لها قبل أي حفل، ومراقبة مخارج الطوارئ لها وتحديدها هندسيا بحسب سعة الموقع وإلزام القصور بتوفير إخصائي سلامة متمرس وإضاءة طوارئ وإلغاء ما يطلق عليه غرفة العبايات واستبدالها بدواليب خاصة في المقاعد ومتابعة ومراقبة التوصيلات الكهرباء وتوفير مولد احتياطي.

إلى ذلك، توقعت مراكز بحثية من خلال دراسة متخصصة أن تحتل السعودية المرتبة الثانية عالميا في استخدام معدات وبرامج الأمن والسلامة في المنشآت الخاصة من شركات ومصانع وبنوك، وتوقعت أن يصل إجمالي أرباح المصنعين والموردين العالميين لنظام الأمن والسلامة في السعودية وحدها لـ97 مليار دولار حتى عام 2018.

وبينت التقارير أن السعودية تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، وذلك يرجع إلى حرص المصانع السعودية الكبرى، وخصوصا في مجال الكيماويات والبنوك، على تطبيق أعلى درجات الأمن والسلامة بالتعاقد مع كبرى الشركات العالمية والداخلية.

وأرجع فائق خياط، رئيس لجنة الأمن والسلامة في غرفة جدة، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، هذا النمو المتزايد عاما بعد عام نتيجة حرص أصحاب المصانع على تطبيق درجات قياسية في الأمن والسلامة، وخصوصا من الحرائق، عبر استخدام برامج إلكترونية جلبتها شركات السلامة سواء كانت محلية أو سعودية.

وأضاف: «هناك عوامل أخرى تساهم في نمو هذا القطاع، وهو عزوف بعض شركات التأمين عن التأمين في بعض المصانع والمخازن لاعتبارات اقتصادية، كخشيتها من حدوث خسائر لها عند حدوث أمر طارئ في المنشأة».

وقال العميد متقاعد علي الحليسي، المدير التنفيذي لشركة «أمنية»، وعضو لجنة الأمن والسلامة في غرفة جدة، إن شركات الأمن منفصلة عن شركات السلامة، ولكنها تصب في هدف واحد وهو حماية المنشآت.

وأوضح الحليسي أن السنوات الثلاث الماضية شهدت إقبالا كبيرا ومتضاعفا مقارنة بالسنوات التي سبقتها، إضافة إلى حرص شركات الأمن والسلامة على تطوير عملها عبر الاستعانة بقيادات أمنية سابقة.

وبالعودة للعناني، أعلن تكلفه بالكشف على كافة اشتراطات السلامة في أي مدرسة بمحافظة جدة مجانا، وأعلن من جهته سمير المفاتيحي تكفله بتقديم تدريب البنات للتعلم على كيفية استخدام طفايات الحريق والاستفادة منها ورفع مستوى التوعية والسلامة من الحرائق - لا قدر الله - لدى طالباتنا بالمدارس الابتدائية دون مقابل داخل محافظه جدة.

وبالعودة إلى العميد عبد الله الجداوي، فقد أشار إلى أن الدفاع المدني خلال الأشهر الثلاثة الماضية باشر نحو 1801 حالة حريق في جدة، حيث بلغت حوادث الحريق في شهر شوال ما يقارب 720 حادثة، بينما وصل عدد الحرائق في شهر ذي القعدة إلى 491 حريقا، إلى جانب 590 أخرى باشرتها فرق الدفاع المدني الشهر الماضي.

وأفاد بأن حرائق المخلفات والنفايات شكلت النسبة الأكبر من إجمالي عدد الحوادث التي تمت مباشرتها خلال شهر الحج، إذ بلغ عددها نحو 270 حادثة وبنسبة وصلت إلى 45.76 في المائة، في حين بلغ عدد حرائق المنازل 107 بنسبة 18.14 في المائة.

وأضاف: «باشرنا أيضا خلال الشهر الماضي حالة حريق واحدة في إحدى الشقق المفروشة ومثلها في عيادة طبية، فضلا عن 31 حادثة حريق بمحلات تجارية شكلت ما نسبته 5.25 في المائة، وحريقين في منشآت تعليمية، ومثلهما داخل محطات وقود، و66 حادثة حريق في سيارات، التي بلغت نسبتها 11.19 في المائة».

ومما لا شك فيه أن ملفات تلك الحرائق تتم إحالتها إلى الشرطة في حال التأكد من وجود شبهات جنائية وراء أي حريق منها، إلا أن الدفاع المدني أكد عدم وجود إحصائية دقيقة حول عدد الحوادث ذات العلاقة بأي شبهة جنائية.