القنفذة «غادة الجنوب» تراهن على طقسها الصحي للمنافسة سياحيا

تناشد السياح من خلال الثروات الطبيعية البكر

سكان القنفذة وزوارها يؤكدون أنها الوجهة السياحية الأولى في منطقة مكة المكرمة («الشرق الأوسط»)
TT

تتطلع مدينة القنفذة، أو «غادة الجنوب» كما يحب أهلها تسميتها، إلى أن تقفز لتكون واجهه سياحية دائمة خلال الأعوام المقبلة، كونها مدينة بكرا لم تعرف دخان المصانع أو التلوث. ويبلغ عدد سكان القنفذة 30 ألف نسمة، وصنفت عام 2005 ضمن أفضل المدن الصحية حول العالم، لذا دخلت كمقصد لكثير من السياح من المناطق والمحافظات المجاورة.

مدينة القنفذة التي تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، تعتبر من الموانئ المهمة على الساحل الغربي للسعودية، تحادد 3 مناطق، لكنها تتبع منطقة مكة المكرمة إداريا منذ نشأتها، وتبعد عنها بمسافة قدرها 350 كلم جنوبا، وتقع شمال منطقة جازان بمسافة قدرها 430 كلم أي أنها تقع في منطقة وسط بين مكة المكرمة وجازان، وتقع غرب مدينة أبها عاصمة منطقة عسير.

كما اعتبرت من الموانئ المهمة لإقليم عسير قبل توحيد السعودية، وتقع القنفذة عند نقطة تقاطع 41.5 شرقا بدائرة عرض 19.8 شمالا وعندها ينتهي أحد فروع وادي قنونا الذي ينحدر من جبال السروات الواقعة شرق هذه المدينة متجها نحو الغرب حيث ينتهي في البحر الأحمر عند شواطئ هذه المدينة والذي أكسب أراضيها السهلة خصوبة جعلها من الأراضي الزراعية المشهورة بزراعة الحبوب ومختلف الثمار.

تاريخيا، كان ميناء القنفذة من الموانئ المهمة على ساحل البحر الأحمر حيث ساهم في استقبال السفن الكبيرة المحملة بحاصلات اليمن والشام. وعن طريق مينائها تم تصدير حاصلات هذه البلاد الوفيرة إلى خارج المنطقة ومدنها المجاورة مثل جدة ومكة المكرمة.

وليس بمستغرب أن يكون هذا الميناء من الموانئ التي كانت ترتاده السفن اليونانية والرومانية للحصول على الذهب والذي يوجد بوفرة في هذه المنطقة على بعد 75 كلم غرب مرسى «حلي» وقد نشط ميناؤها بحكم موقعه الاستراتيجي، ولعب دورا كبيرا في إثراء الحياة التجارية والتموينية لبعض مدن الحجاز، وخاصة مكة المكرمة قبل الفتح السعودي لمدينة جدة.

واستمرت قوافل التجارة والحج منها إلى مكة المكرمة وقوافل التجارة البحرية حتى بعد استيلاء القوات السعودية على جدة، كما كان ميناؤها يستقل حجاج جنوب الجزيرة العربية وحجاج جنوب شرقي آسيا وخاصة حجاج الهند.

منذ أقدم العصور كان الشريط الساحلي الشرقي الموازي للبحر الأحمر من الطرق البرية المشهورة التي ترتاده قوافل التجارة البرية من اليمن إلى الشام وبالعكس محملة بأصناف التجارة العالمية.

وقد نشأت على مسافات متباعدة على طول هذا الطريق استراحات ومحطات لاستراحة هذه القوافل من عناء الرحلة الطويلة ونمت هذه الاستراحات والمحطات حتى أصبحت مدنا تزخر بالأسواق التجارية يجد فيها المسافر طعامه وطعام راحلته وما يحتاجه من أصناف التجارة.

وقامت أيضا على طول هذا الساحل مراكز لحراسة القوافل من قطاع الطرق ومن تعديات بعض القبائل وقد تكون مدينة القنفذة من القرى والمراكز التي قامت في هذا الموقع ثم نمت وتطورت حتى أصبحت كما هي الحال في الوقت الحاضر.

وتميزت محافظة القنفذة بمكانة سياحية في شريط المدن الساحلية السعودية على ساحل البحر الأحمر فموقعها المتميز وسواحلها الرائعة وشواطئها الجميلة كل هذا جعل منها المكان المفضل للكثير من أبناء المناطق والمحافظات المجاورة، وتعد ثالث أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة بعد محافظتي جدة والطائف من حيث المساحة والكثافة السكانية والنهضة العمرانية. وقد أثبتت الدراسات الأخيرة أن محافظة القنفذة تتميز بما نسبته 65.5% من الأراضي الصالحة للاستثمار، وهي ثاني أعلى نسبة بين محافظات المنطقة حيث تأتي في المقدمة محافظة جدة التي تستحوذ على ما نسبته 66.5%، وفي القنفذة فرص استثمارية ضخمة، من أهمها الفرص الاستثمارية في القطاعات السمكية والزراعية والصناعية.

وتؤكد إحصائية غير رسمية أن عدد زوار شواطئ القنفذة خلال إجازة عيد الأضحى الماضي تجاوز 22 ألف زائر، مما يؤكد أهلية القنفذة على استقطاب الزوار.

بدوره، قال عبد الله هبيلي وهو من أعيان مدينة القنفذة إن المحافظة لم تجد الاهتمام الكافي من قبل الجهات الخاصة بالسياحة، فالسياح كثر والمقومات متوافرة ولكن لا بد من الدعم. ويضيف أن من مقومات محافظة القنفذة وجود الأودية والسهول والجبال والمعالم الأثرية مثل الطاحونة وجبل الصبايا الموجود بإحدى جزر القنفذة وكذلك معالم سوق حباشة الذي مر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

والزائر للقنفذة – بحسب هبيلي - لا يمل فالمعالم وكل وسائل الترفيه الطبيعية متوافرة ولكن لا بد من الاهتمام من قبل هيئة السياحة كي تنتظم العملية السياحية بشكل أدق، وتكون القنفذة الخيار الأول في المستقبل لما تحمله من تميز أثري وطبيعي. ويأمل أبناء محافظة القنفذة أن تتوسع دائرة المشاريع الخدمية لتشمل كافة أرجاء المحافظة التي شهدت خلال السنوات الماضية نهضة عمرانية وكثافة عددية في السكان يقابله تعثر في بعض المشاريع. وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد بدأت عمليات انتشال سفينة غارقة قبالة ميناء القنفذة، وهي تعود إلى فترة الحرب العالمية الأولى، وقام الدكتور علي إبراهيم الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار للآثار والمتاحف بزيارة لميناء القنفذة، بهدف التأكد من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة السفينة العثمانية الغارقة التي يتم انتشالها بعد تقسيمها إلى أجزاء، حيث سيتم عرضها بالقرب من الأرض التي تملكها الهيئة في القنفذة.

ويأتي انتشال السفينة العثمانية الغارقة بعد اعتراضها تنفيذ مشروع مرسى محافظة القنفذة والذي تنفذه وزارة الزراعة حيث ترجع هذه السفينة إلى فترة الحرب العالمية الأولى، إذ شنت القوات الإيطالية غارات جوية أدت إلى تدمير مجموعة من السفن العثمانية في هذا الميناء ومن بينها هذه السفينة. ويبلغ طول السفينة المراد انتشالها 56 مترا، وهي سفينة كبيرة سيتم انتشالها على شكل أجزاء، وسيتم وضع كل القطع الأثرية التي ستخرج من السفينة في مكان مناسب تعمل الهيئة على إنشائه حاليا، في محافظة القنفذة، حتى يتمكن سكان القنفذة وزوارها من الاطلاع على السفينة ومحتوياتها.

وبادرت الشركة المنفذة لمشروع مرسى القنفذة بإنشاء رصيف ترابي مواز لموقع السفينة، بهدف انتشال أجزاء السفينة بواسطة رافعة خاصة، وهناك لجنة مشتركة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار وحرس الحدود ووزارة الزراعة تقوم بتسجيل وتوثيق كل القطع التي يتم انتشالها.

كما سيتم انتشال قارب عثر عليه تحت السفينة طوله 28 مترا، وعرضه مع أجزاء السفينة التي سيتم انتشالها. وبالنسبة للسفن الأخرى الغارقة في ميناء القنفذة فهي بعيدة عن موقع مشروع المرسى، تعمل الهيئة على إعداد دراسة خاصة لتحويل موقعها إلى متحف تحت الماء، وتزويده بنفق زجاجي يمكن للزوار من خلاله الاطلاع على السفن الغارقة ومحتوياتها.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها انتشال سفينة بهذا الحجم في المملكة العربية السعودية، ويأتي انتشالها في إطار اهتمام الهيئة العامة للسياحة والآثار بالحفاظ على المواقع الأثرية والتراثية والتاريخية.

فيما قال محمد الفقيه المهتم بالآثار إن محافظة القنفذة تعد ثالث محافظات منطقة مكة المكرمة التي تزخر بالكثير من المواقع السياحية الطبيعية البحرية والبرية، وذلك لموقعها السياحي الفريد والممتد لأكثر من 150 كلم بامتداد ساحل البحر الأحمر وأكثر من 200 كلم برا تتداخل فيها السهول والأودية والجبال والمناظر الطبيعية الخلابة.

فيما يرى عبد الرحمن حلواني أحد السكان أن محافظة القنفذة تضم الكثير من المواقع السياحية الطبيعية من سهول وجبال وغابات وأودية وتعد من أجمل المواقع الطبيعية التي تؤهلها لأن تصبح مواقع جذب رئيسية للسائحين. ومضى في قوله «البلدية نجحت في تجهيز عشرات المواقع المطلة على شاطئ البحر الأحمر والحدائق، والتي أكسبت المدينة منظرا جذابا عن السابق» لافتا إلى أن على هيئة السياحة المساهمة أيضا في تقديم المزيد من المشاريع والرؤى للمحافظة.