المهندس عبد الله رحيمي: افتقار الإدارات الحكومية للسياسات واللوائح جعلها عرضة لـ«العبث»

اعترف في حوار مع «الشرق الأوسط» بعدم ارتقاء المطارات السعودية إلى طموحات المواطن حتى الآن

المهندس عبد الله رحيمي
TT

اعترف المهندس عبد الله رحيمي الرئيس الأسبق للهيئة العامة للطيران المدني بعدم ارتقاء المطارات السعودية إلى طموحات المواطن أو توقعات الزوار حتى الآن من حيث المرافق أو الخدمات التي تقدمها، مرجعا سبب ذلك إلى أن هذه المطارات كانت تدار بنموذج حكومي في الوقت الذي تدار فيه جميع المطارات المتقدمة من قبل شركات تعود ملكيتها جزئيا أو كليا للقطاع الخاص، سواء كانت ملكيات خاصة أو شركات مساهمة.

وربط ملفات الفساد الموجودة في عدد من القطاعات الحكومية بافتقار إداراتها إلى السياسات واللوائح وأساليب العمل، الأمر الذي يجعلها عرضة في بعض الأحيان لما وصفه بـ«العبث»، مشددا على ضرورة حسن اختيار الأفراد والقيادات المؤهلة الكافية في تلك القطاعات.

وأكد خلال حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» على خلو معظم المشاريع الضخمة من الأطر المرجعية المتكاملة والشروط التعاقدية المناسبة والجداول الزمنية المحددة، إلى جانب غياب التحديد الجيد لمواطن المخاطرة في زيادة التكاليف وتأخير التنفيذ ومعالجتها.

واعتبر توسعة مطار الملك خالد الدولي في الرياض أمرا لا يحتمل التأخير، في ظل توقعات باعتماد تمويل لذلك الأمر ضمن ميزانية العالم المالي المقبل، مشيرا إلى أن طبيعة تشغيل المطارات «ديناميكية»، كون حركتها تتأثر تصاعدا بالأنشطة الاقتصادية والتحرر في بعض السياسات. وفيما يلي نص الحوار..

* حدّثنا عن تجربتكم في رئاسة الهيئة العامة للطيران المدني، وما هي إيجابياتها وسلبياتها؟

- الفترة الزمنية التي قضيتها كرئيس لهيئة الطيران المدني تعد جزء من حياتي العملية، وقد قبلت بتعييني في المنصب آخذا في الاعتبار أنها مهمة سوف أبذل فيها كل جهد ووقت وفكر لتحقيق طموحات الدولة في هذا القطاع وليس باعتبارها تجربة تحتمل النجاح أو الفشل.

من جانب آخر، فإن قطاع الطيران متداخل مع عدد كبير من الإدارات الحكومية، الأمر الذي مكنني من إجراء العديد من مبادرات التعاون التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.

ومما لا شك فيه أن قطاع الطيران واسع وكبير ومحرك قوي لنمو الاقتصاد الوطني، إلا أنه لم يصل بعد إلى الحد الأدنى من مساهمته المطلوبة في إجمالي الناتج الوطني، وبقدر ما فيه من التحديات بقدر ما فيه من المتعة، حيث تجتمع فيه مناشط عديدة منها تنظيمية وعملياتية تتمثل في بناء وتشغيل المطارات، إلى جانب المناشط الخدماتية والتي تتضمن الملاحة الجوية.

وجميع هذه المناشط تشكل منظومة لخدمة الطيران المحلي والدولي وتخضع لمعايير ومقاييس دولية من دون الإخلال بالأحكام والمتطلبات المحلية، وكذلك يعتمد هذا القطاع بشكل كبير على العلاقات الدولية في تشغيله ونموه سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية أو الهيئات الإقليمية والدولية.

ونظرا لتنوع مكونات القطاع، فقد استهدفت الهيئة من خلال إعادة تنظيمية فصل الجوانب التنظيمية الرقابية عن الجوانب العملياتية والخدماتية بحيث يتم تحقيق أهداف الدولة في تحويل رئاسة الطيران المدني آنذاك إلى هيئة تعمل باستقلال مالي وإداري ومعايير تجارية (وهو نموذج معمول به في كل الدول المتقدمة).

وهذا من شأنه أن يمهد لتحويل المطارات وخصوصا الدولية منها إلى العمل بأسلوب تجاري تمهيدا لتحويلها في وقت لاحق إلى شركات وكذلك تحويل نشاط الملاحة الجوية إلى التشغيل بالأسلوب التجاري ليس بهدف الربح ولكن من أجل الارتقاء بأدائه لجذب حركة جوية عابرة بشكل متنام، الأمر الذي سوف يمكنه من الوصول إلى القدرة على تغطية تكاليفه التشغيلية والاستثمارية والاستمرار في النمو.

ويزخر قطاع الطيران المدني السعودي بالآلاف من العاملين من أصحاب المؤهلات والخبرة كل في مجال اختصاصه وهم مواطنون جادون لديهم الرغبة والقدرة على الارتقاء بهذا القطاع الحيوي، والعديد منهم يحظون باحترام وتقدير على المستوى الدولي لمساهماتهم في الهيئات الإقليمية والدولية الخاصة بقطاع الطيران من خلال اللجان المنبثقة عنها.

* كم يبلغ إجمالي الميزانية التي أنفقتموها طيلة رئاستكم للهيئة العامة للطيران المدني، وما هي أبرز المشاريع التي تمت في عهدكم؟

- حظيت الهيئة بدعم من الحكومة في هذا الشأن حيث تم اعتماد 184 مشروعا جديدا في ميزانيتها بقيمة إجمالية وصلت إلى 19,5 مليون ريال، وهذا الرقم لا يتضمن التكلفة المعتمدة لمطار الملك عبد العزيز الدولي.

وقد ساهمت هذه الاعتمادات في بناء مطارات محلية جديدة وتطوير وتوسعة بعضها وبناء وإعادة بناء العديد من مدارج الإقلاع والهبوط وزيادة ساحات الطيران ومواقف الطائرات في مطارات السعودية، كما غطت إحلالا للعديد من الآلات والمعدات والنظم القديمة، عدا عن استبدال جميع سيارات وآليات الإطفاء، وبناء مبان جديدة للعديد من الإدارات المتخصصة في الهيئة مع تجهيزها بأحدث النظم.

كما أن الملاحة الجوية حظيت بمشاريع عديدة أبرزها مشروع إنشاء مركزين للمراقبة الجوية في الرياض وجدة وكذلك مشروع لإنشاء رادارات مدنية لزيادة فاعلية ووجود المراقبة الجوية في جميع أنحاء المملكة.

إضافة إلى مشاريع تم تنفيذها من قبل القطاع الخاص بأسلوب البناء وإعادة التمليك والتشغيل مثل صالات الحجاج ومحطة التحلية والعديد من المرافق في المطارات الدولية، كما أن مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة الآن في مراحله النهائية لترسيته بنفس الأسلوب.

* كيف تقيّمون التعاون بين الطيران المدني والخطوط الجوية السعودية في ظل وجود الكثير من الانتقادات حول غياب التنسيق بين الجهتين في العديد من القضايا المشتركة بينهما؟

- التعاون بين هيئة الطيران المدني والخطوط السعودية بلغ مراحل متقدمة خلال السنوات الماضية بل حقيقة قفز قفزات غير مسبوقة، ومن المهم أن نفهم طبيعة العلاقة بين الاثنين قبل الخوض في شرح مستوى التعاون حتى لا تتم إساءة الفهم.

الخطوط السعودية كونها ناقلا وطنيا شأنها في ذلك شأن أي شركة طيران، كانت تخضع لأنظمة ولوائح الطيران المدني في جزئيته التنظيمية فهو ينظم ويراقب حيازتها للطائرات وتسجيلها وترخيصها وصيانتها وبرامج تدريب عامليها وترخيصهم وكذلك سلوكياتهم وأداؤهم، فضلا عن أنه يباشر تحليل وفحص وإصدار النتائج لأي حوادث تقع - لا سمح الله - كل ذلك من خلال نظام ولوائح منبثقة منه، هذا بشكل عام علما أن كل تلك الأنظمة واللوائح تخضع لمعايير ومقاييس عالمية تشترك فيها جميع الدول.

ومن الطبيعي أن سلطة الهيئة في هذا الشأن تنطبق على الخطوط السعودية وأي ناقل وطني آخر في المملكة أو حتى قادم إليها أو عابر في سمائها وبدرجات مختلفة على الآخرين.

كذلك كانت تخضع الخطوط السعودية للجانب التنظيمي الاقتصادي المتعلق بالرحلات المحلية والدولية فيما يخص جداولها وطراز طائراتها وسعتها وأسعار تذاكرها وأدائها المالي مع القدرة على الاستمرار في التشغيل، علاوة على ذلك تخضع الناقلات الجوية إلى تشريعات أمنية في كل ما يتعلق بتشغيلها تصدرها وتشرف عليها الهيئة العامة للطيران المدني.

وباعتبار أن الخطوط السعودية ناقل وطني مقره الرئيسي في السعودية تعتبر المستفيد الأول من خدمات المطارات الدولية والمحلية وتشكل العميل الأول بل الشريك الرئيسي في هذه المطارات ولها بالتالي حقوق وعليها واجبات.

وكونها تعمل بنموذج تجاري وبما أن الهيئة خطت خطوات كبيرة في التوجه لتشغيل مطاراتها بأسلوب تجاري، فقد تعيّن على الجهتين الدخول في ورش عمل مكثفة لترسيخ هذا المفهوم لدى منسوبيها للارتقاء بالخدمات التي يتم تقديمها مع الاهتمام بأن يقوم كل طرف بتنفيذ المهام الخاصة به وفق مهنية عالية واحترام واجباته التعاقدية والتي لم تكن في السابق موجودة.

وتتضمن الالتزامات التعاقدية حدا أدنى لمستوى الخدمات التي تقدم لكل طرف من الطرف الآخر وكذلك لجمهور المسافرين مع الاهتمام بالالتزامات المالية على كل طرف للطرف الآخر.

ومن الطبيعي أن ثقافة العمل الجديدة لا تظهر نتائجها الإيجابية بشكل سريع نظرا للاختلاف في وجهات النظر وطبيعة البشر في التعامل مع التغيير، غير أن التنسيق الكبير الذي يتم بين الإدارة العليا لدى الطرفين سوف يدفع العملية إلى التسارع من حيث توحيد وجهات النظر والارتقاء بالخدمات.

* عادة ما تكون هناك منظومة مشاريع تعود مبادرتها إلى شخص ما أو مسؤول معين، فما هي المشاريع التي كنتم أصحاب مبادرة في إدخالها إلى الهيئة العامة للطيران المدني؟

- من الصعوبة في أي مكان أن يتحدث الشخص عن نفسه، فدائما نقول إن العمل يتحدث عن نفسه، وفي جميع الأحوال أنا شخصيا من المؤمنين بأن المبادرات الشخصية لا يكتمل لها النجاح إلا بوجود قناعة لدى المنفذين لها وتعاونهم في تنفيذها.

من جهة أخرى أرجو السماح لي بالابتعاد قليلا عن الحديث عن المشاريع الرأسمالية من حيث بناء مرافق وأنظمة جديدة، والتركيز على المبادرات التي تختص بالجانب التنظيمي ونماذج وثقافة العمل الجديدة وكل ما يخص تطوير الموارد البشرية والارتقاء بها، فهي ما أعتز به خلال فترة عملي في الهيئة.

ولقد قمنا وبنجاح بإعادة تنظيم الهيئة العامة للطيران المدني بحيث تم فصل الجوانب التنظيمية عن الجوانب العملياتية ومقدمي الخدمة، وهذا هو التنظيم المعمول به عالميا ويقود في النهاية إلى وضع تصل فيه الحوكمة إلى ذروتها خصوصا بوجود مجلس إدارة ولجنة مراجعة وإدارة مراجعة داخلية.

كما قمنا أيضا بإصدار جميع اللوائح المنظمة لأعمال كل جهة بحيث تتضمن مواد وأساليب عمل جديدة تهدف إلى زيادة الكفاءة والأداء وخدمة المستفيدين من جمهور المسافرين وشركاء على أكمل وجه، إلى جانب إعادة توصيف جميع الوظائف بإشراك جهة استشارية ومشاركة كل منسوبي الهيئة كل في مجال اختصاصه، ووضع مؤشرات اقتصادية ومالية وفنية لتقييم الأداء، واعتماد سلم رواتب وحوافز جديدة لمقابلة الأداء المتميز، وتحويل المطارات الدولية للعمل بأسلوب تجاري، عدا عن اعتماد لجنة إشرافية لكل مطار كنواة لمجلس إدارة له بعد تحويل المطارات المعنية إلى شركات تقوم برسم سياساتها واعتماد خطط أعمالها سواء التوسعية أو الاستثمارية والتجارية وتقيم أدائها.

وشملت المبادرات التي شهدتها الهيئة أثناء فترة رئاستي لها تحويل الملاحة الجوية إلى وحدة عمل استراتيجية تقوم تدريجيا بذاتها وتعمل بأسلوب تجاري لضمان زيادة كفاءة أدائها واعتمادها على دخلها في تغطية تكاليفها التشغيلية ومصروفاتها الرأسمالية، ومن خلال استهداف مشاركة القطاع الخاص، قمنا بتخصيص الكثير من الأنشطة التجارية وهذا في حد ذاته أثمر عن عدة فوائد منها إلغاء الاعتماد على خزينة الدولة في التمويل، والارتقاء بأداء الخدمات، وزيادة الفرص الوظيفية غير الحكومية، وإيجاد مصدر دخل للهيئة من خلال المشاركة في الأرباح أو الحد الأدنى المضمون أيهما أكثر.

وعملنا أيضا على إيجاد إدارة للتخطيط الاستراتيجي والتي قامت بإعداد وتنفيذ أول استراتيجية مالية عشرية للهيئة، إلى جانب ضم جميع المطارات المحلية تحت إدارة واحدة تقوم بالإشراف على تطويرها وتشغيلها وإدخال ثقافة المفهوم التجاري تدريجيا في أنشطتها، وتحويل معهد المراقبة الجوية في الهيئة إلى أكاديمية سعودية متكاملة من حيث المناهج والتقنية المستخدمة بمشاركة تحالف فرنسي وتعيين مجلس أمناء له بمشاركة أكاديميين من الجامعات السعودية والقطاع الخاص.

إضافة إلى ذلك، تم استقطاب شركات مطارات عالمية والتعاقد معها للمساعدة في تحويل المطارات الدولية للعمل بنموذج الأسلوب التجاري، وتدريب الفئات من منسوبي الهيئة محليا وخارجيا في مطارات تلك الشركات، وفتح المجال والترخيص للقطاع الخاص لتأسيس شركات نقل جوي جديدة، والبدء في تسيير رحلات دولية لبعض المطارات الإقليمية تيسيرا على المواطنين والمقيمين من عناء الانتقال من نقطة إلى أخرى دون الحاجة إلى التوقف في نقطة متوسطة وتخفيض تكلفة السفر، الأمر الذي من شأنه أن ينعش المدن السعودية اقتصاديا.

وأثناء فترة رئاستي للهيئة، تم اعتماد نظام جديد لحماية المستهلك وبرامج التدريب للتميز في الأداء بالمطارات والتي قامت الهيئة بالمبادرة بها ورعايتها لتشمل جميع شركاتها من جهات حكومية وشركات طيران، ومتابعة جميع المعاملات داخل الهيئة والاستعداد لمشروع الحكومة الإلكترونية وكذلك عمل نظام آلي لمتابعة المشاريع بشكل لصيق.

وخلاصة الأمر، أن هناك مشاريع بناءة ومبادرات كثيرة تم تنفيذها كان الأهم فيها هو التغيير الهيكلي الذي حدث، وثقافة العمل الجديدة التي تم ترسيخها واستهداف العنصر البشري كمحور لعملية التطوير.

* بماذا تصفون أنظمة المراقبة الأمنية في المطارات السعودية، وهل ترتقي إلى المستوى الذي كنتم تأملونه؟ - من العدل أن يقدّر الجميع صعوبة إدارة المراقبة الأمنية في المطارات وتنفيذها من دون مضايقة المسافر من آن لآخر وذلك في ظل التهديدات التي تبرز من فترة لأخرى والأعمال التخريبية والإرهابية ومحاولات التهريب وغسل الأموال، ومع ذلك تقوم الجهات الأمنية بكل اقتدار بعملها، وبأقل المضايقات لراحة المسافرين.

وجميع المهام الأمنية في المطارات تخضع لمعايير ومقاييس عالمية لا يمكن تجاوزها، حيث يتم فحصها بصفة دورية سواء في مطاراتنا أو في مطارات جميع الدول من قبل فريق تدقيق عالمي، وقد تمكنت مطارات المملكة من اجتياز برامج التدقيق العالمية بنجاح.

إضافة إلى أن إدارات جميع المطارات لديها لجان أمنية تجتمع بصفة دورية مستمرة لعلاج أي مستجدات وكذلك الإجراءات الأمنية وتطويرها لراحة وأمن المسافرين، عدا عن وجود لجنة إشرافية أمنية رفيعة المستوى يرأسها رئيس الطيران المدني وتشارك فيها كل القيادات الأمنية المختلفة لرسم السياسات الأمنية في المطارات الدولية والمحلية والإشراف على أدائها.

* ما هو رأيكم في مشاريع تطوير المطارات السعودية من ناحية خط سير عملها ومدى ملاءمتها للميزانيات المعتمدة لها؟

- إن مجلس إدارة الهيئة اعتمد خطة استراتيجية عشرية للهيئة العامة للطيران المدني تتضمن كل جزئية من أنشطتها، ومنها بناء مطارات جديدة وتوسعة وتطوير القائم منها، بل إن الأمر امتد إلى وضع استراتيجية عمل ونماذج تشغيل جديدة لبعض منها.

وقد بدأت الخطة فعليا، حيث تم بناء مطارات جديدة في ينبع والعلا وتبوك ونجران وبيشة، والتعاقد على بناء مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، وتشمل الخطة كذلك بناء مطار في كل من أبها والطائف والقريات والقصيم وجيزان، حيث تم على ما أذكر اعتماد ميزانيات لها، إضافة إلى ميزانيات أخرى لتطوير العديد من المطارات المحلية وهي في طور التنفيذ.

من جانب آخر فقد تم الانتهاء من المخططين الرئيسيين الجديدين لمطاري الملك خالد والملك فهد الدوليين في كل من الرياض والدمام، ونتوقع أن يتم اعتماد تمويل في ميزانية العام المالي القادم لتوسعة مطار الملك خالد الدولي حيث إن توسعته لا تحتمل أي تأخير، فالكل يعلم أن طبيعة تشغيل المطارات ديناميكية، وتتأثر الحركة فيها تصاعدا بالأنشطة الاقتصادية والتحرر في بعض السياسات، لذلك فإن التوسع في طاقات المطارات عملية مستمرة ولعل الواحد منا يلاحظ أنه نادرا ما يزور مطارا في أي مكان في العالم ولا يشاهد حركة إنشاء وتعمير فيه.

وفيما يتعلق بميزانيات المشاريع، فقد كانت كافية، إلى جانب أن التعامل مع وزارة المالية يقوم على مبدأ الشفافية المطلقة، وبأساليب علمية، غير أنه يجب الانتباه إلى أن الطلب على قطاع الطيران المدني قد نما بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ويعود ذلك إلى الانتعاش الاقتصادي في المملكة وما نتج عنه من الطلب المتزايد على حركة النقل سواءً بهدف التجارة أو الاستثمار أو العمل والأعمال أو طلب العلم أو الاستشفاء أو السياحة داخليا وخارجيا، مع زيادة حركة العمرة والحج.

وبالتالي كان لزاما على الهيئة الإسراع في تنفيذ العديد من المشاريع مع تفادي أن تؤثر عجلة التسارع على المنتج النهائي من حيث الجودة النوعية والتكلفة، آخذين في عين الاعتبار توفر الطاقة البشرية القادرة على الإشراف.

* إلى ماذا تعزون أسباب تعثر المشاريع الحكومية الكبرى وعدم الالتزام بالخطط الزمنية المحددة لها من وجهة نظركم؟

- معظم المشاريع في الإدارات الحكومية ليست مرتبطة بخطط طويلة المدى بحيث يتناسب حجمها مع حجم الطلب سواء القائم منه حاليا أو المستهدف مستقبلا.

وفي ظل غياب الكوادر المؤهلة لوصف المشاريع وتحديد جوانبها الفنية وشروط التقديم فإن ذلك يقود حتما إلى مشكلات كثيرة، فضلا عن عدم وجود الطاقات البشرية الفنية الكافية في جميع الإدارات الحكومية للإشراف على المشاريع الحكومية في كل مراحلها وبشكل لصيق خصوصا في الفترة التي تكثر فيها المشاريع.

ونلاحظ أيضا غياب الفهم الدقيق لنظام المشتريات الحكومية خصوصا من قبل الجهات الفنية في الإدارات الحكومية وبالتالي تظهر العديد من المشكلات جراء عدم ملاءمة وثائق المنافسة أو الشروط التعاقدية أو نتائج التقييم للنظام نفسه، إضافة إلى أن المدة الزمنية لاعتماد أي مشروع حكومي طويلة وفي الواقع يسبب ذلك في تغيير المتطلبات والمواصفات الفنية لجوانب المشروع خصوصا إذا ما ظهر جديد في التقنيات المستخدمة الأمر الذي يعني أوامر تعديل كثيرة تتسبب في تأخير المشاريع.

كما أن نظام المشتريات الحكومية يتطلب شيئا من التعديل بحيث يتضمن نوعا من المرونة تجعل المشروع تجربة ناجحة لكلا الطرفين المتمثلين في الجهة الحكومية المستفيدة والمقاول، وأعتقد أن الحكومة إذا ما قامت بتعديل الجوانب الرقابية المالية أثناء التنفيذ بشكل يهدف إلى الارتقاء بها، فإنه من المستحسن أن تبدأ في استخدام عقود (FIDICS) المستخدمة عالميا.

وفي هذه الناحية، يتوجب على وزارة المالية أن تأخذ في الاعتبار حين احتساب التكلفة للمشاريع عمرها الزمني وتشغيلها بحيث لا يتم اعتماد الأرخص من حيث التكلفة الرأسمالية بل الأكفأ من حيث الأداء والأطول عمرا والأرخص من حيث التشغيل والصيانة.

وبشكل عام، فإن جميع المشاريع الكبرى سواء كانت خاصة أو حكومية في دول كثيرة تشتمل على سياسة حوافز للمقاول أو إدارة المشروع إذا ما تم اكتماله في جدولة المستهدف وبتكلفة أقل، وهذا الجانب غائب في مشاريعنا.

ومن وجهة نظري الشخصية أيضا، فإن غياب المقاولين المتخصصين في المشاريع ذات الطابع التخصصي مثل المطارات والمستشفيات ربما يكون سببا في تعثر المشاريع الحكومية الكبرى، ومن المؤكد أن بعض المتخصصين لديهم ملاحظات ربما تكون أعمق وأكثر دلالة على ذلك الأمر.

إضافة إلى غياب مفهوم إدارة المشاريع، وهو تخصص مهم جدا له إجراءاته العلمية في التحكم بكل مراحل المشروع، وعادة ما يتم إنجازه من قبل شركات متخصصة، إلا أنه للأسف معظم المشاريع الصغيرة والمتوسطة تتم إدارتها من قبل المصمم نفسه والذي ليس لديه الموارد البشرية أو الإجراءات العلمية الكافية للقيام بهذه المهمة.

* من المؤكد وجود ملفات فساد في أي منشأة على وجه الأرض، من واقع تجربتكم في رئاسة الهيئة العامة للطيران المدني ما هي الطرق التي اتخذتموها لمحاربة الفساد في الهيئة، وكم يبلغ إجمالي عدد القضايا التي قمت بمعالجتها في هذا الشأن؟

- تفتقر الإدارات الحكومية إلى سياسات ولوائح وأساليب عمل، مما يجعلها عرضة في بعض الأحيان للعبث وأنا أعني هيكلا متكاملا من حيث حسن اختيار الأفراد والقيادات المؤهلة الكافية، وبناءً على وصف وظيفي مثالي لكل مهمة ومتطلباتها وبرامج متخصصة للعاملين ومؤشرات أداء وحوافز مع مراجعة دورية ورقابة مالية مدعومة بمراجعة داخلية.

كما أن المشاريع نفسها تفتقر إلى الأطر المرجعية المتكاملة والشروط التعاقدية المناسبة والجداول الزمنية المحددة، والتحديد الجيد لمواطن المخاطرة في زيادة التكاليف وتأخير التنفيذ ومعالجتها.

وشخصيا، كانت فلسفتي في القضاء على الفساد قائمة على معالجة الأسباب واقتلاعها من جذورها، حيث إن معالجة واقع الفساد حالة بحالة لا تكفي، وإلا فسوف يصبح المسؤول مركزيا بشكل كبير مما يؤدي إلى تأخير العمل وتنفيذ المشاريع بل يضيف أبوابا جديدة للفساد، لذلك قمنا في الهيئة بإعادة تنظيمها بحيث يتوفر لدينا نظام حوكمة متكامل.

* بالحديث عن مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ألا ترون أن المدة الزمنية الموضوعة للانتهاء من تطويره طويلة؟

- مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي يتمثل في بناء مشروع مطار جديد كليا وليس توسعة لمبنى قائم، وما يصعب المهمة في الإنجاز أن العديد من الأنظمة والمعدات يتم استيرادها من الخارج، عدا عن أنها تصنّع خصيصا للمطار بناء على تصميمه حيث عادة ما يختلف مطار عن آخر من حيث الاحتياجات لبعض الأنظمة والمعدات الداخلية، وعادة ما يتم التأخير في إحدى المراحل التي تتضمن التصميم والتصنيع والشحن.

كذلك الاعتماد على العمالة المستوردة لا يعتبر مثاليا لمثل هذه المشاريع الكبيرة نظرا لعدم توفرها بالعدد الكافي وضعف تخصصها، إلى جانب أن طبيعة تشغيل المطارات تتطلب التنسيق مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة، ونادرا ما تكون الأوضاع مثالية، ونظرا لأن المشروع يتم تنفيذه في موقع حي فإن الفشل في التنسيق يوجد تحديا في إنجاز المشروع في الوقت المناسب.

وفي جميع الأحوال أستطيع أن أقول بأن إنجاز المشروع في ثلاث سنوات مناسب ويجب عدم التسرع حتى لا ينعكس ذلك