وزارة المالية مطالبة بالأخذ في الاعتبار «العمر الزمني» للمشاريع الكبرى عند اعتماد تكاليفها

قطاع الطيران المدني لم يصل بعد إلى الحد الأدنى من مساهمته المطلوبة في إجمالي الناتج الوطني

التجديدات في المطارات السعودية لا تنتهي وصولا لخدمات راقية ومريحة للمسافرين («الشرق الأوسط»)
TT

* سلبا على التكلفة والجودة النوعية.

* ما مدى تأثر خط سير المشاريع في أي منشأة بتغير قياداتها، وما الذي ينبغي على الإدارات فعله لضمان عدم تأثرها بذلك؟

- لا أعتقد أن خط سير المشاريع في أي منشأة يتغير بتغير قيادتها، خصوصا أن منها ما هو مرتبط بميزانيات يتم تنفيذها عادة من جهات متخصصة في الإدارة المعنية، ولكن ما يختلف في بعض الأحيان هو مدى فهم المسؤول لأغراض الإدارة التي يرأسها ومدى وضوح الرؤية لديه ومن ثم وضع استراتيجية تخدم هذه الأغراض وربطها بقدر الإمكان مع الجهات ذات العلاقة لخدمة مصالح المواطن واقتصاد الدولة، ونظرا لأن عملية التنمية والتطوير هي عملية تراكمية في أي مجتمع متقدم فمن المفترض أن يستفيد الخلف مما أسسه أو قام به السلف.

* عادة ما تتجه أصابع الاتهام نحو أصحاب المناصب فيما يتعلق بأمور الاختلاسات والسرقات، ما أسباب تلك الاتهامات، وما مدى تأثيرها على عمل المسؤول وكيف يمكن التعامل معها؟

- لا بد أن تكون هناك أسباب لها تم البناء عليها، واختيار أي مسؤول قيادي من قبل الدولة مبني على معايير وتحاليل قبل الاختيار ومتابعة فيما بعد الاختيار بأساليب منها المعروف ومنها غير المعروف، وبالتالي أؤكد أن المراقبة ليست غائبة والموضوع بأكمله ليس في وضع «مفلوت» كما يتصوره البعض.

والثقة لدى العموم أمر ضروري وغيابها في أي مجتمع يعتبر مرضا وكلما ازدادت حدتها تأخرت كثيرا عملية التسارع في التنمية والتطوير، ولا سيما أن كبار المسؤولين هم في آخر الأمر بشر، ويتأثرون من هذه الشكوك ومنهم من يختار السلبية ويستسلم لها ولا يجد في نفسه الثقة التامة للإقدام على تنفيذ عمله بالسرعة المطلوبة واتخاذ القرار الذي يراه صحيحا ودون تأخير في ظل المعطيات القائمة مخافة الوقوع في خطأ وبالتالي يتأثر أداؤه وأداء الجهة المسؤول عنها بشكل كبير.

والتعامل مع مثل هذه الشكوك يتمثل في تكثيف الاتصال بالعموم وبمنسوبي إدارته لكي يحظى الجميع بنفس المعلومة والتعامل بشفافية كاملة ومن ثم تنفيذ مهامه بكل أمانة واقتدار.

* وماذا عن إشكالية عدم ثقة المواطنين في أداء المسؤولين؟

- ما يجب عمله هو وضع مؤشرات ومعايير أداء متنوعة وملموسة يتم بناء عليها تقييم أداء أي مسؤول من خلال أداء إدارته، وأعتقد أن اللجان في مجلس الشورى يمكنها بالتعاون مع مستشارين دوليين القيام بوضع هذه المؤشرات بدلا من الاعتماد على التقارير السنوية.

* أحد المشاريع التي تمّت خلال رئاستكم للهيئة هو فرض رسوم على مواقف السيارات في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، لماذا لم يتم تطبيقه في المطارات الأخرى، وبالنسبة لتخفيض الرسوم هل كان نتيجة فشل المشروع؟

- لكي أجيب عن هذا السؤال يجب الرجوع وراء.. إلى قرار الحكومة بتحويل رئاسة الطيران المدني إلى هيئة عامة لها استقلال إداري ومالي وتعمل بمعايير تجارية، وذلك بهدف إحداث النقلة النوعية في أداء الهيئة والأنشطة التابعة لها، ويأتي تبعا لذلك اعتمادها على عوائدها للصرف على احتياجاتها التشغيلية واستثماراتها الرأسمالية.

وهذا النموذج معمول به في جميع الدول المتقدمة وحتى النامية، فمعظم المطارات الدولية في العالم إن لم يكن جميعها تعمل بمعايير تجارية وتقدم خدماتها المتميزة ومرافقها المريحة الفاخرة بناء على أجور يدفعها المسافر سواء في جلوسه أو انتظاره أو تسوقه أو استفادته من الخدمات المصرفية والفندقية والأكل والشرب وحتى مواقف السيارات، لذلك نجد أن هذه المطارات متقدمة جدا كونها لا تعتمد على الحكومة في تمويلها.

وهذه المطارات المتقدمة لم تكن بهذا المستوى حينما كانت تقدم خدماتها كجهة حكومية، فالمعروف أن الحكومات في جميع الدول تقدم الحد الأدنى من الخدمات لقضاء حاجة المستفيد في المغادرة والقدوم وليس الخدمة الفاخرة. كما أن الأفراد الذي يعملون في المطارات المتقدمة هم أشخاص تم اختيارهم بعناية وبناء على تخصصاتهم ويتم تحفيزهم من خلال رواتب وحوافز مغرية تتناسب مع طبيعة عملهم وبنظام الشركات.

وبالنسبة للمواقف في مطار الملك عبد العزيز، فقد كانت في حالة مزرية ليس فقط من حيث المكونات بل من حيث الخدمة لأنها مثل أي إدارة حكومية تعتمد على خزينة الدولة في التمويل، وهذا الجانب في آخر الأولويات. لذا كان الهدف هو الارتقاء بها مثل أي نشاط آخر في المطار، ونظرا لغياب مصدر التمويل فقد كان السبيل هو تخصيصه وتحميل المستفيد وبشكل معقول أجرة المواقف، ويعتبر المبلغ بسيطا جدا مقابل الخدمات والتنظيم الناتجين عنه.

وفيما يتعلق بالمطارات الدولية الأخرى في المملكة فهي في الأصل تحتوي على مواقف نظامية، غير أنها بحاجة إلى تطوير وارتقاء في التشغيل وهي مواقف نظامية سابقا وحاليا تخضع للإيجار أسوة بمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة.

وأنا شخصيا أفضّل أن تكون موارد الدولة المعتمدة في نسبتها الأعظم على النفط، والتي تتأثر من وقت لآخر بمستوى الطلب والأسعار العالمية، مخصصة لأمور تصب مباشرة في مصلحة المواطن الأساسية مثل التعليم والصحة والأمن وكذلك البنية التحتية التي تخدم الاستثمارات الخاصة وتوجد فرص وظيفية متنامية.

أما الخدمات التي يمكن تحويلها إلى أنشطة اقتصادية تجارية فإنها تستطيع القيام بذاتها من دون تمويل حكومي، حيث يتم تشغيلها بالنمط التجاري وبالتالي تتمكن من الارتقاء تدريجيا حتى تكسب قناعة ورضا المستفيد منها.

ومن الطبيعي أن نراعى ظروف المواطن، غير أنه في الوقت نفسه نحاول أن نوفر له خدمة متطورة بأقل التكاليف، ومع ذلك أؤكد أن تكلفة المواقف تعتبر نسبتها متدنية إذا ما أخذنا في الاعتبار الخدمة التي يجنيها من حيث الراحة والرقابة الأمنية وقياسا بعدد استخدامه للمطار.

* لماذا يرى الكثير أن المطارات السعودية من أسوأ المطارات الدولية مقارنة بدول العالم الأخرى، وكيف ترون حال الأسواق الموجودة في مطارات المملكة مقارنة أيضا بتلك الموجودة في المطارات الأخرى؟

- لا أعتقد أن المطارات من حيث المرافق أو الخدمات التي تقدمها ترتقي إلى طموحات المواطن أو توقعات الزوار كونها كانت تدار بنموذج حكومي في الوقت التي تدار فيه جميع المطارات المتقدمة من قبل شركات تعود ملكيتها جزئيا أو كليا للقطاع الخاص سواء ملكيات خاصة أو شركات مساهمة، وقد نجد في العديد منها كذلك نسبة ملكية حكومية.

ومن المؤكد أن النموذج التجاري يتماشى ويتناسب مع طبيعة عملها من حيث استيفاء المتطلبات الخدماتية لجمهور المسافرين أو توسعة مرافقها بناءً على النمو في حركتها، وذلك يتطلب ذهنية إدارية مختلفة عن تلك الحكومية في التحليل وسرعة اتخاذ القرار وتوفر التمويل في الوقت المناسب للتوسع أو اقتناء أنظمة جديدة أو تقديم خدمات متميزة تقابل احتياجات المسافر، كما أن الأفراد المستخدمين في إداراتها لا تقل كفاءتهم ومؤهلاتهم عن ما هو موجود في كبريات الشركات ويحصلون على مرتبات وحوافز مغرية.

فلا يمكن لمسؤول حكومي ليس لديه التأهيل التجاري والفني والاقتصادي المناسب أن يدير مرفقا تجاريا بهذا الحجم، خصوصا أن نظرته مقصورة على إدارة المرفق لتقديم خدمة «العبور» من حيث القدوم والمغادرة وليس كوحدة اقتصادية قائمة بحد ذاتها يكون فيها ليس مسؤولا عن الخدمات فقط بل عن العوائد والتكاليف، فالوظائف المتوفرة لديه محدودة بما يتم اعتماده له سنويا، وزيادتها نوعا وكما لا تتناسب مع حجم نمو الحركة، عدا عن أن تحويل متطلباته التوسعية لا يتم وإذا ما تم فإنه يكون بعد أن يفوق حجم الطلب العرض الذي لديه، الأمر الذي يخفض بشكل كبير من نوعية الخدمة ولا يوجد لديه أي فرصة لتسويق مطاره بتنافسية عالميا لدى شركات الطيران لجلب مزيد من الحركة وليس لديه دافع لكي ينمو بعوائد المطار سواء عن طريق الاستثمار أو الخدمات التجارية طالما أنه ليس مسؤولا عن ذلك أصلا.

وفي استراتيجيتنا الجديدة والتي بدأتها قبل سنوات قمنا بتعديل جذري لهياكل الهيئة الإدارية ونماذجها التشغيلية وأنظمتها ولوائحها لكي تتناسب مع المفهوم الجديد لعمل ونشاط هذا القطاع، والقادم سيكون أفضل حيث إن لدي ثقة كبيرة في إدارة الهيئة الجديدة كما أن مديري المطارات الدولية والمحلية مؤهلون فنيا أساسا، غير أنهم بدأوا تصاعديا في تبني الثقافة الجديدة من حيث التركيز على خدمة المستفيد وإدارة المطار كوحدة اقتصادية للاستفادة من كل ما تم، حيث إنني مؤمن بأن التطوير والتنمية هي عملية تراكمية.

* ترددت معلومات في السابق وخلال رئاستكم للهيئة العامة للطيران المدني حول تذبذب أوضاع موظفي الهيئة من الناحية الوظيفية، وتقليص أعدادهم، كيف تردون على ذلك، وما هي الأسباب؟

- في الواقع لا أعتقد أن هذه المعلومات صحيحة، فلقد قمنا في الهيئة بعملية تعتبر إعادة كاملة لتنظيمها وهيكلها الإداري بهدف الوصول إلى أهداف الدولة في تحويل رئاسة الطيران إلى هيئة عامة لها استقلال مالي وإداري وتعمل بمعايير تجارية، حيث إن محور التغيير هو العنصر البشري، وقد عملنا على تبني وترسيخ ثقافة عمل جديدة بموجب نموذج العمل الجديد ولوائحه وأساليبه ومؤشرات أدائه.

وبدأنا برامج تدريب جديدة متخصصة في هذا المجال داخل المملكة وخارجها شملت كل الأفراد تقريبا، كما أننا عدلنا من سلم الرواتب والحوافز لكي تتناسب مع هذا النموذج الجديد إلى الأفضل لكي ينعم بها المتميز وندفع المتكاسل لبذل المزيد.

أما من ناحية تقليص عدد الوظائف فإن استراتيجية الهيئة كانت تتضمن زيادة الوظائف في الـ5 سنوات الأولى من 5500 موظف إلى 7500 موظف تقريبا لمقابلة المخصصات الفنية والإدارية والمالية الجديدة وحركة السفر المتنامية.

* ما أسباب الانتقادات الحادة التي واجهتها وما زالت تواجهها الهيئة العامة للطيران المدني حتى الآن سواء من المواطنين أو حتى الكتّاب ووسائل الإعلام المختلفة؟

- جميع الاستفسارات والانتقادات التي اطلعت عليها كانت تتعلق بالمطارات وخدماتها وهذا أمر طبيعي لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها أن معظم مطاراتنا تم بناؤها منذ أكثر من 30 عاما ولم يتم دعمها بأي تطوير ملموس أو توسعة تقابل النمو المتزايد في حركة السفر أو حتى توسعة في الخدمات المفروض وجودها في المطارات.

ومرجع ذلك أن المطارات تدار بعقلية الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للمواطنين وليس وحدات اقتصادية مستقلة وتعمل بنماذج تجارية من حيث كفاءة الأداء وكسب رضا جمهور المسافرين، وكون طبيعة خدمة هذا القطاع ديناميكية من حيث التفاعل سريعا مع حركة نمو السفر فإن مرافقها لا تحتمل نظام التمويل الحكومي في التوسع وتطوير المرافق والصيانة وغيرها.

من جهة أخرى ثمة خلط بين الخدمات التي تقدمها المطارات والخدمات المسؤولة عنها شركات الطيران وبالتالي فإن كثيرا من القصور الذي يأتي من شركات الطيران يتم تحميله على هيئة الطيران والمطارات التابعة لها، ولا سيما أن إدارات المطارات تعد المسؤولة عن بناء المرفق وصيانته وتشغيله، إلا أن ذلك لا يعني أنها تقوم بالخدمات الأخرى بل هي من عمل شركاتها، فالمرفق من إدارات حكومية وشركات طيران وهي بالتالي تعمل كمنسق بين هذه الجهات.

وكثيرا ما تقصّر معظم هذه الجهات في عملها ويظهر في الواقع على شكل تكدس في المطارات من قبل المسافرين وبالتالي ازدياد الطلب على كل مرافق المطار، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور في الخدمات، ويزداد الأمر سوءا بقلة الوعي لدى بعض من المسافرين سواء في استخدام المرافق الموجودة في المطارات أو الحضور دون حجز بأعداد كبيرة وبالتالي التسبب في التكدس أو استخدام أمتعة غير مسموح بها دوليا من حيث الحجم والوزن واشتراك الناقلات الجديدة في السماح لهم بذلك وبالتالي التأثير على أنظمة الأمتعة، وأنا لا أقول هذا دفاعا عن خدمات المطارات حيث إنني في البداية ذكرت القصور في المطارات ولكن فقط لتوضيح مصادر القصور والتي يتسبب فيها أطراف أخرى، إلا أن الهيئة العامة للطيران المدني وبثوبها الجديد من حيث نماذج التشغيل لمطاراتها قد تجاوزت العديد من هذه المشكلات وهي في طورها المستمر للقضاء عليها كليا.

* لاحظ الجميع أن خروجكم من الهيئة العامة للطيران المدني جاء بصمت ودون سابق إنذار، ما السبب الحقيقي وراء ابتعادكم عن الهيئة بشكل مفاجئ؟

- مثل هذه المناصب يتم التعيين فيها لدورة تمتد لأربع سنوات والتجديد من عدمه أمر وارد، وأعتقد أن هذه سياسة حكيمة من ولاة الأمر فالمسؤول في كل دورة لو توفرت له المعطيات سيكون قادرا على أن يضع لمساته ويحقق الكثير ولا بد بعد ذلك من ضخ دماء جديدة قادرة على التطوير والارتقاء بالعمل.

* هل هناك قرارات أخطأتم في اتخاذها أثناء رئاستكم للهيئة العامة للطيران المدني؟ وما هي المشاريع التي كنتم تريدون إدخالها لمنظومة الطيران المدني السعودي غير أنكم لم تتمكنوا من ذلك نتيجة لأي أسباب خارجة عن إرادتكم؟

- لا يمكن لأحد أن يعمل دون أن يخطئ، وعلى الرغم من أن طموحاتي دوما أعلى مما تحقق فإنني راضٍ عما قدمته لأنني لم أوفر وقتا أو جهدا في أي لحظة من فترة حياتي الوظيفية سواء في الهيئة أو ما قبلها، أما بالنسبة للقرارات التي اتخذتها، فأتمنى أن تكون صائبة قياسا بالمعطيات التي كانت قائمة في حينها.

وأعتقد أنني مع زملائي قد وضعنا جميع الخطط والإمكانات والمبادرات والمشاريع موضع التنفيذ والكفيلة قياسا بالفترة الزمنية المتاحة لإحداث نقلة نوعية في أعمال الهيئة، ومن الطبيعي أن ما تحقق ليس كافيا فطبيعة التغيير والتطوير تتطلب وقتا ودعما وتعاونا تتزامن مع المبادرات من جهات أخرى.

إلا أنني على ثقة أن رئيس الهيئة والقيادات العليا فيها لديهم القدرات والطموح إلى استثمار ما تم تنفيذه والارتقاء لمستويات أعلى.

* ما الذي تحتاجه الهيئة العامة للطيران المدني كي تقوم بدورها على أكمل وجه، وهل هناك خلل في تأديتها لواجباتها؟

- لا تحتاج لأكثر من بتنفيذ ما ورد في نظامها وتنظيمها وتطبيق اللوائح المنبثقة عنها وتسعى بجدية لنشر ثقافة العمل الجديدة ما بين منسوبيها، والتنسيق الكامل مع الإدارات الحكومية الشريكة معها في ترسيخ مفهوم نموذجها التشغيلي الجديد وآثاره الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع السعودي.

كما أن أهمية مشاركتها للقطاع الخاص وإيجاد البيئة المناسبة له من أجل الاستثمار في أنشطتها مطلوب وبأسلوب يوجد لديهم الثقة في علاقة مستدامة تعود على الجميع بالنفع، فضلا عن أن تسويق نشاط الطيران المدني لدى المصارف المحلية لاستقطاب تمويلها للقطاع مهم مع دعمهم بكل البيانات والإحصاءات التي تزيد من ثقافتهم وثقتهم بالقطاع، إلى جانب السعي حثيثا لرفع أي قيود قائمة بهدف تحرير القطاع.

* ما هي الأسباب وراء تأخر دخول وتشغيل الناقلات الخليجية في الطيران المدني السعودي بعد أن ازداد الطلب، مما أدى إلى تقصير الخطوط الجوية السعودية في تغطية حجم ذلك الطلب؟

- يجب أن يفهم الجميع أن الناقلات الخليجية تقوم حاليا بخدمة النقل الجوي بين السعودية ودولها من خلال اتفاقيات ثنائية، إضافة إلى أن المملكة تعطي هذه الناقلات خانات للقدوم أكبر من احتياج حجم الحركة الأصلي بينها وبين وأي دولة خليجية حرصا على العلاقة المتميزة فيما بينها على الرغم من أن ذلك يساهم في تسريب حركة أصلية بين المملكة ودول أخرى وبالتالي تتأثر سلبا عوائد اقتصادية كانت تخص دولتنا.

غير أن فكرة إعطاء الناقلات الخليجية الحق في خدمة النقل الداخلي غير واردة لعدة أسباب، من ضمنها أن النقل الجوي أمر سيادي لكل دولة ولا توجد دولة في العالم تسمح لناقل مسجل ومرخص في دولة أخرى أن يقوم بحركة نقل داخلية داخل أراضيها علاوة على أنه خطر على النواحي الأمنية والأمن الاقتصادي كذلك، إضافة إلى أنه من غير الممكن لأي ناقل خليجي مرخص في دولته ومقره الرئيسي أن يستطيع وبطريقة مجدية اقتصاديا العمل في السعودية داخليا، إلا إذا كان لديه مقر رئيسي آخر هنا وفي هذه الحالة يتم الترخيص له على أنه ناقل سعودي وطني مسجل، الأمر الذي يترتب عليه أن يخضع لكافة التشريعات الخاصة بالملكية الجوهرية ونسبة الإدارة السعودية الوطنية فيه والواردة في لوائح التراخيص الاقتصادية للناقل الجوي في المملكة. كما أن أسعار النقل الداخلي في المملكة متدنية جدا وثابتة منذ أكثر من عشرين عاما ولا يمكن لأي ناقل جوي مهما كانت كفاءته أن يحقق أرباحا منها، لذلك لا أعتقد أن أي ناقل جوي خليجي يستطيع العمل في هذا المناخ ولن تكون سوق النقل الجوي السعودي الداخلي جاذبة له.

* برأيكم ما الذي ينقص السوق السعودي للطيران من أجل تحقيق جو مشجع على جذب استثمارات القطاع الخاص إليه؟

- تعد السعودية أكبر سوق للطيران في الشرق الأوسط، فحجم الاقتصاد السعودي وقوة النشاط فيه وعدد سكانه من مواطنين وزائرين وعمال شكلوا جميعا سوق سفر كبيرة علاوة على أن السوق المحلية للنقل الجوي في المملكة تعتبر أكبر سوق نقل جوي من المحيط إلى الخليج، مما يدل على أن السوق موجودة وهو ما لا يتوفر لكثير من الدول، ولكن تبقى السياسات.

ونحن في الهيئة قمنا وبموجب صلاحياتنا وسلطتنا المخولة لنا بموجب النظام والتنظيم واللوائح المنبثقة عنها بإيجاد البيئة المناسبة للاستثمار من قبل القطاع الخاص في قطاع النقل الجوي وشرعنا في الترخيص لشركتين تمهيدا لمنح تراخيص أكثر تدريجيا حسب النمو في السوق بشكل عام وأداء السفريات بشكل خاص مع حرصنا على التدرج في الارتقاء وبطاقتنا الرقابية في الهيئة.

غير أن الهيئة والناقلات الجديدة واجهت صعوبات تتمثل في ضعف أسعار النقل الجوي الداخلي والسقف الموضوع لها والذي مضى عليه أكثر من عشرين عاما، علما بأن نسبة التضخم بشكل عام زادت عن 30 في المائة، بينما تجاوزت نسبة التضخم في النقل الجوي الـ80 في المائة، والمتضمنة حيازة الطائرات والوقود والعمالة وقطع الغيار، فضلا عن عدم حصول الناقلات الجديدة على الدعم بالنسبة للوقود في النقل الداخلي أسوة بالخطوط السعودية، كما يوجد عدد من الوجهات داخل المملكة والمسماة بـ«النقاط الإلزامية» ذات جدوى اقتصادية ضعيفة نظرا لانخفاض الحمولة منها وإليها.

والهيئة بذلت جهودا كبيرة مع الاستعانة بمستشارين دوليين في هذا المجال لتجاوز تلك المصاعب قبل وبعد فتح القطاع من خلال الحلول الكفيلة بالتغلب عليها، ليس فقط لإنقاذ وضع الناقلات الجديدة بل للوصول إلى أهداف فتح القطاع، ولكن للأسف لم يكتب لهذه الحلول أن تنفذ ومع استمرار الوضع على ما هو عليه فقد تراكمت الخسائر على الناقلات الجديدة، الأمر الذي حدا بإحداها للخروج عن التشغيل ولم يكن هناك مجال للأخرى للاستمرار إلا بالتركيز وبشكل أكبر على النقل الجوي الدولي.

وشخصيا أومن أن قطاع الطيران المدني واعد ومجز للاستثمار فيه ومن أكثر القطاعات القابلة للنمو وبنسب عالية على مدى سنوات عديدة حتى يصل إلى مرحلة النضوج، وإذا ما تم تحريره بالشكل الصحيح فيه فإن قطاعات أخرى مساندة كبيرة سوف تظهر معه، الأمر الذي سوف يوجد فرصا وظيفية كبيرة للمواطنين.

ولعل أحد المؤشرات التي يمكن النظر إليها هي نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج الوطني ومقارنتها مع نفس النسبة لنفس القطاع في الدول الأخرى المتقدمة وبالتالي الاستنتاج أن هذا القطاع قابل للنمو إلا أنه لم يبلغ حصته في الاقتصاد الوطني.

والمشكلات التي تنبأت بها وهي تحدث حاليا وأضرارها سوف تتفاقم مستقبلا إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه تتضمن تعطيل المساعي الرامية لتحرير القطاع والرجوع إلى سوق الناقل الواحد خصوصا في النقل الداخلي وعودة الخطوط السعودية إلى الخدمة الإلزامية وحدها ومن ثم زيادة الأعباء عليها وتفاقم خسارتها، وبالتالي اعتمادها بشكل أكبر على الدعم الحكومي وإعاقة خصصتها، وكذلك تزايد ضعفها للمنافسة في السوق الدولية للطيران، وعزوف المستثمرين والمؤسسات التمويلية عن هذا القطاع نظرا لعدم إيجاد البيئة التي تكفل النجاح في هذا القطاع.

وبازدياد ضعف الناقل الأكبر سوف تتأثر مطارات المملكة في عدم النمو في حركة النقل وبالتالي تتأثر عائداتها من جراء ذلك، مما يعيق تمكنها من الاعتماد على عوائدها في تغطية مصاريفها التشغيلية والاستثمارية، إضافة إلى التأثير سلبا على فرص تطوير الأنشطة والاستثمارات في الخدمات المساندة لقطاع الطيران والقطاعات الاقتصادية الأخرى المكونة لمجمل الاقتصاد الوطني، وحرمان سوق العمل من الآلاف من الفرص الوظيفية، وتصدير العوائد الاقتصادية الوطنية من هذا القطاع إلى الدول المجاورة، وتعطيل الجدوى الاقتصادية لوسائل النقل الجديدة القادمة (القطار).

ويجب التوضيح أن الهدف ليس زيادة الأسعار على الرغم أنه منطقي إذا ما أخذ عامل التضخم وزيادة التكلفة في الاعتبار بل هو تحرير الأسعار وذلك لإيجاد سوق تنافسية تقوم من خلالها الشركات بطرح باقات متعددة ومتنوعة للأسعار يكون الكاسب الأعظم فيها جمهور المسافرين، هذه الباقات تتحرك ارتفاعا وانخفاضا وبناء على العديد من الأمور مثلما هو معمول به في جميع الدول. وأنا شخصيا أجزم بأن عملية تحرير الأسعار سوف ينتج عنها فوائد كثيرة لجمهور المسافرين يأتي في مقدمتها وجود كم هائل من السعة المقعدية بقطاع النقل الجوي الداخلي وكذلك أسعار قد يكون أكثر من 20 في المائة منها أقل مما يتم طرحه حاليا.

ولو أننا عملنا على إزاحة القيود التي يعاني منها القطاع سواء المباشرة أو غير المباشرة، مع تسخير الخدمات الحكومية وذوات العلاقة لدعم نموه كما هو معمول به في معظم الدول الناجحة في هذا المجال لأصبح لدينا قطاع من أكثر القطاعات جاذبية للاستثمارات الخاصة والدعم المصرفي ومن أكبر القطاعات التي توفر فرصا وظيفية وأسرعها نموا من حيث نسبة مساهمته في إجمال الناتج الوطني.

* وصفكم البعض بـ«الرجل الحالم» أثناء رئاستكم للهيئة العامة للطيران المدني، فهل كانت مشاريعكم وخططكم غير متلائمة مع الواقع الموجود؟

- لم أسمع بهذه الجملة ولكن أعتقد أنها أمر أعتز به، ومن يعتقد أنني كنت أحلم هو إنسان سلبي ويفترض أن الدولة لا ترغب في التغيير والتطوير وما تحقق في الهيئة خلال السنوات الماضية يدحض مثل هذا المفهوم.