خلافات قضايا تأجير العقارات تدفع بخبراء للمطالبة بوجود جهة محايدة

تجاوز عددها في أروقة الجهات المختصة الـ27 ألف قضية

خبراء يرجعون أسباب ارتفاع أسعار الإيجارات في المباني الجديدة إلى غلاء مواد البناء والأيدي العاملة والأراضي («الشرق الأوسط»)
TT

دفعت أكثر من 27 ألف قضية عقارية تم النظر فيها من قبل اللجنة العقارية التابعة لمحافظة جدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالكثير من المسؤولين إلى المطالبة باستحداث جهة محايدة تتولى مهمة ضبط سوق العقار للحد من ارتفاع أسعار إيجارات الشقق والوحدات السكنية في ظل نشوب الكثير من الخلافات بين أصحاب العقارات والمستأجرين لديهم على خلفية عدم الالتزام ببنود العقود المبرمة فيما بينهم.

وطالب مصدر مسؤول بالغرفة التجارية الصناعية في جدة بضرورة استحداث آلية وضوابط للحد من ارتفاع إيجارات الشقق السكنية، وذلك عن طريق إنشاء جهة تحددها وفق مواصفات الشقة من حيث المساحة وعدد الغرف وموقعها وحالة المبنى التابعة له، باعتبارها عوامل مؤثرة على الفرد والمجتمع وأصحاب العقارات أنفسهم.

وذكر عبد الله الأحمري رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن الأنظمة العقارية في معظم دول العالم تنص على عدم السماح لأصحاب العقارات بزيادة أسعار الإيجارات على المستأجرين لأكثر من 5 في المائة بحسب عدد سنوات الإيجار.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية تعد جزءا لا يتجزأ من العالم، وينبغي تطبيق مثل هذه الأنظمة فيها شريطة ألا يسمح للملاك برفع أسعار إيجاراتهم إلا كل خمس سنوات وفق العقود المبرمة بينهم وبين المستأجرين لديهم».

وبين أن مثل تلك الإجراءات من شأنها أن تحكم سوق العقار والأمور المرتبطة بها، إلى جانب الحد من الإشكاليات المترتبة على رفع الإيجارات، والتي من ضمنها امتناع المستأجرين عن دفع ما عليهم من مستحقات أو حتى إخلاء الشقق لمالكيها في حال الاختلاف بينهم.

وكانت لجنة مشكلة من وزارات العدل والداخلية والتجارة، إلى جانب الغرف التجارية وممثل من اللجنة العقارية في غرفة جدة، قد رفعت قبل نحو شهرين عقدا موحدا لتوثيق العقود وبعض التنظيمات العقارية إلى المقام السامي، والذي بدوره وجه بتنفيذ ما أوصت به تلك اللجنة.

الكثير من الإشكاليات المتعلقة برفع أسعار إيجارات الشقق السكنية من قبل ملاكها بنسبة تجاوزت 100 في المائة خلال الفترة الأخيرة، عدا عن قضايا الخلاف بينهم وبين المستأجرين على خلفية عدم التزامهم بدفع الإيجارات، كانت سببا في تشكيل لجنة عقارية تابعة للمحافظة جدة بهدف النظر إلى مثل هذه النزاعات.

وبحسب اللجنة العقارية في محافظة جدة، فقد تجاوز عدد القضايا التي تم النظر فيها منذ إنشائها خلال السنوات الثلاث الأخيرة 47.346 ألف قضية عقارية، منها ما يقارب 2856 قضية في أول عام من تكوينها، و10327 قضية لعام 2009، إلى جانب 10926 أخرى العام الماضي، وأكثر من 3 آلاف قضية في غضون الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.

وأعلنت اللجنة في وقت سابق عن تحقيق تنفيذ أوامر الإخلاء بنسبة 35 في المائة بطريقة مباشرة عن طريق إلزام المستأجر بالإخلاء ومنحه المهلة المحددة، عدا عن 37 في المائة فيما يتعلق بأوامر الإخلاء بطريقة غير مباشرة بإخلاء المستأجر للعقار من تلقاء نفسه أو تسوية الخلاف بينه وبين صاحب العقار، مشيرة إلى أنه تم إنجاز أكثر من 72 في المائة من إجمالي عدد القضايا الموجودة لديها.

ارتفاع أسعار الإيجارات، والشروط الشخصية التي بات أصحاب العقارات والمكاتب العقارية يضعونها من تلقاء أنفسهم، أصبحت تشكل عبئا كبيرا على المواطنين، خاصة ممن يريدون بدء حياتهم، الأمر الذي جعلهم يصفون عثورهم على منزل ملائم لإمكانياتهم المادية بـ«الحلم»، ليصبح السكن أول عائق يواجهونه أمامهم بمجرد تفكيرهم في الاستقرار.

ويرى المواطن جلال العمري، أن ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير مبرر وإشكاليات ملاك العقار مع المستأجرين تعود في الأساس إلى وجود عنصرية في التعامل، حيث إن هذه السوق قائمة على المحسوبيات وغيرها.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن معظم أصحاب العقارات لا يفكرون سوى في جمع النقود بأي شكل كان، حتى وإن كان على حساب حياتهم وحياة الآخرين، علما بأنهم يكسبون مبالغ طائلة دون الحاجة إلى رفع أسعار الإيجارات، وذلك من خلال توسعهم الكبير في شراء المزيد من البنايات وتأجير الشقق الموجودة بها».

وذكر أن أحد أصدقائه قام باستئجار شقة في بناية قديمة واستأذن صاحبها بإجراء الكثير من التعديلات على ديكوراتها، والذي وافقه على فعل ذلك، إلا أنه فوجئ بعد أن انتهى من إصلاحها برفع الإيجار عليه إلى الضعف، لافتا إلى أن المالك خيره بين الموافقة على الإيجار الجديد أو إخلائها.

وأضاف: «من الضروري جدا إنشاء جهة لتنظيم أسعار الإيجارات والعقار بشكل عام، على ألا تعمل تلك الجهة وفق المحسوبيات، إذ لا بد من أن تضم أفرادا أكفاء يستطيعون إدارتها والعمل فيها بعيدا عن الوساطات والمحاباة لبعض الأشخاص».

عبد الله بادريق، أحد أصحاب العقارات، أكد وجود ما وصفه بـ«المعاناة» بين الملاك والمستأجرين فيما يتعلق بالتزامهم بدفع الإيجارات، مشيرا إلى أن ذلك كان سببا في وضع شروط فردية من قبل صاحب العقار أمام المستأجر لضمان حقه، والتي من ضمنها الابتعاد عن التأجير للسعوديين وبعض الجنسيات العربية.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما يجعلنا نمتنع عن التأجير للسعوديين هو أن معظمهم من أصحاب الوظائف ذات الأجور المتدنية، والذين لا يستطيعون تحمل مبالغ الإيجارات، مما يجعلهم غير ملتزمين بذلك في ظل عدم وجود نظام يحمينا، ولا سيما أن البت في مثل تلك القضايا يستغرق وقتا طويلا دون فائدة»، مبينا أنه عادة ما يفضل الأجانب من ذوي الأجور المرتفعة – على حد قوله.

وأرجع أسباب وقوع أصحاب العقارات في إشكاليات مع المستأجرين إلى ثقتهم من عدم وجود جهة رادعة لهم تلزمهم بدفع ما عليهم من مبالغ وإيجارات، مشيرا إلى أن الالتزام بدفع الإيجارات ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بوظيفة جيدة، وإنما عائد إلى الشخص نفسه.

وأضاف: «ذلك يدفع بي إلى وضع شروط خاصة للمستأجر تتضمن خطاب تعريف براتبه من جهة العمل، وطلب رقم صاحب العقار الذي كان يسكن لديه في السابق للسؤال عن وضعه ومدى التزامه بدفع الإيجار، حيث إنني أقوم بالاستفسار عنه وكأنه متقدم لخطبة إحدى بناتي»، بحسب وصفه.

وبين أنه خلال السنوات الأخيرة لاحظ أن هذه الشروط أفادته كثيرا رغم أنها قد لا تكون مجدية في بعض الأحيان، مضيفا «أتحاشى التأجير للعريس كونه قد يريد التباهي أمام أهل زوجته باستئجار شقة أكبر من إمكانياته، إضافة إلى سؤال الأجنبي عن مدة سكنه في العقار السابق لتحاشي تأجيره في حال مكث هناك لمدة قصيرة».

وفيما يتعلق بعقد الإيجار المبرم بينه وبين المستأجر، أفاد عبد الله بادريق بأن هذا العقد لا يحميه مطلقا، من وجهة نظره الشخصية. في حين أبان رعد الجعيد، مالك أحد المكاتب العقارية في جدة، أن مكتبه لا يتحمل مسؤولية التزام المستأجرين بدفع الإيجارات لأصحاب العقارات كونه يعد مسوقا فقط، إلا أنه يكون مسؤولا عن ذلك في حال تسلم إدارة أملاك عقار بالكامل.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «نقوم بطلب خطاب تعريف بالراتب من جهة العمل التابع لها المستأجر، غير أننا قد نقع في إشكاليات عدم التزامه بدفع الإيجار، وهو ما يجعل تعاملنا معه تعتمد على نيته فقط»، مؤكدا أن اللجنة العقارية التابعة لمحافظة جدة أسهمت في الحد من وقوع مثل تلك الإشكاليات.

خطابات التعريف برواتب المستأجرين تعدت لتصل حتى إلى زوجاتهم، ولا سيما أن بعضا منهم قد يتعرض إلى الفصل من وظيفته قبل انتهاء مدة العقد المبرم بينهم وبين أصحاب العقار، مما دفع بالملاك إلى تفضيل تأجير المتزوجين من موظفات في محاولة منهم للحصول على حقوقهم بأي شكل من الأشكال.

عائض المرزوقي، أحد المالكين لمجموعة من الشقق التي يقوم بتأجيرها سنويا، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه عادة ما يطلب خطاب تعريف براتب المستأجر وزوجته إذا كانت موظفة، وذلك ضمانا لحقه في المستقبل، بحسب قوله، لافتا إلى أنه يسعى للتأجير للمتزوجين من موظفات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عانيت من أحد المستأجرين حينما فصل من عمله قبل انتهاء مدة عقد الإيجار، ولم أتمكن من الحصول على بقية الإيجار إلى جانب عدم السماح لأصحاب العقار بإخراج المستأجر من منزله بالقوة»، موضحا أن زوجة المستأجر تكفلت بدفع ما تبقى من الإيجار بعد ذلك.

وفي الوقت الذي يجمع فيه أصحاب العقارات على عدم وجود جهة تعيد إليهم حقوقهم الضائعة، أكد مصدر مسؤول في شرطة جدة أن اللجنة العقارية التي تم تشكيلها منذ نحو ثلاث سنوات والتابعة لمحافظة جدة تعمل على حل الكثير من قضايا الخلاف بين ملاك العقارات والمستأجرين لديهم.

وأوضح الملازم أول نواف البوق المتحدث الرسمي باسم شرطة جدة المكلف، أنه منذ تشكيل تلك اللجنة اختلف الوضع تماما، خصوصا أن كثرة هذه القضايا كانت سببا في توجيه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بتشكيل لجنة تتخذ من محافظة جدة مقرا لها، والمكونة من أمير المنطقة ومحافظ جدة وضباط تابعين للشرطة وعدد من موظفي المحافظة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تتضمن مهمة تلك اللجنة النظر في قضايا إخلاء المستأجرين وما يتعلق بالإشكاليات بين أصحاب العقارات والمستأجرين»، نافيا أن تكون إجراءات الفصل في هذه القضايا طويلة، حيث إن بعضها لا يستغرق أسبوعا واحدا لحلها.

وذكر أن العقد المبرم بين صاحب العقار والمستأجر يحفظ حقوق الطرفين، خاصة أن بعض الملاك يقومون برفع الإيجارات على المستأجرين بشكل مفاجئ وقبل انتهاء مدة العقد بينهم ودون إعطائهم مهلة كافية للقبول أو الإخلاء.

واستطرد في القول: «هناك من يقوم بذلك حينما يتقدم إليه مستأجر آخر يريد دفع مبلغ أكبر، وهو ما يدفع به إلى افتعال أي مشكلة للمستأجر القديم من أجل إخراجه، إلا أن الإجراء النظامي في هذه الحالة هو اللجوء إلى اللجنة عن طريق محافظة جدة وإحالة القضية إلى القضاء إذا ما استدعى الأمر لذلك والنظر فيها وفق العقود والمستندات الموجودة لدى الطرفين».

ولفت إلى وجود ما سماهم «المدعين»، والذين قد لا يكونون أصحاب حق في الأساس، إلا أن الحد الفاصل في مثل تلك الأمور هو إجراءات ما يثب حقه من عدمه، ولا سيما أن الجهات المختصة تنظر في ما يأتيها من إجراء مقدم سواء للمستأجر أو صاحب العقار نفسه.

وشدد المتحدث الرسمي باسم شرطة جدة المكلف، على ضرورة تنفيذ العقد المبرم بين صاحب العقار والمستأجر بكافة بنوده، حيث إنه لا يحق لأي مالك رفع قيمة الإيجار فجأة دون سابق إنذار أو قبل انتهاء مدة العقد، بحسب قوله.

وزاد: «تكمن المشكلة الحقيقية في جهل الكثيرين بالقوانين والأنظمة والتعليمات، إلى جانب انعدام ثقافة قصد الجهة المتخصصة، إذ إن اللجنة موجودة في محافظة جدة إلا أن الكثيرين يقصدون جهات أخرى كالمحاكم والشرط وغيرها»، مطالبا بضرورة اللجوء أولا للجنة وليس لأي جهة أخرى.

وبالنسبة إلى التلاعب في أسعار الإيجارات وارتفاعها بشكل مفاجئ دون أي مبررات، أفاد الملازم أول نواف البوق بأن ذلك يعود إلى أصحاب العقارات أنفسهم من منطلق حريتهم بالتصرف في أملاكهم أو حتى اختيار المستأجرين.

ولكنه استدرك قائلا «بعضهم يسكنون من دون عقود وفق اتفاق شفهي فقط مع أصحاب العقار، وهو ما يكون سببا في ضياع حقوقهم، خاصة أن الجهات الأمنية تنظر في العقد الذي عادة ما يكون موثقا، وقد يتم توثيقه أيضا من قبل الغرفة التجارية أو الشرطة لزيادة مصداقيته، الأمر الذي يسهل من البت في القضية أيضا».

وأكد وجود أوامر بمنع صاحب العقار من إخراج المستأجر بالقوة وذلك من منطلق ضرورة لجوئه أولا إلى الجهات المختصة، حيث إن فصل الكهرباء أو الماء عن المستأجرين من قبل ملاك العقارات يعتبر تعديا على صلاحيات الغير في ظل وجود جهات معنية مسؤولة عن إصدار مثل تلك القرارات، موضحا أن اللجنة التابعة للمحافظة تنظر إلى عدد كبير من هذه القضايا، والتي تحل بعضها في وقتها وتحيل البعض الآخر إلى المحكمة ليتم حلها بشكل سريع دون تأخير.

وبالعودة إلى رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، فقد أشار إلى عدم وجود أي مبررات أمام أصحاب العقارات القديمة لرفع إيجاراتهم في وجوه الشباب من ذوي الأجور المتدنية.

وتابع: «قد يكون ملاك المباني الجديدة تعرضوا لارتفاع في أسعار مواد البناء والأيدي العاملة والأراضي وغيرها، إلا أن من يمتلك بنايات تتجاوز أعمارها الـ15 عاما ليس من حقهم رفع إيجاراتهم، مشددا على ضرورة مراعاة أوضاع المستأجرين، خصوصا أن ارتفاع الإيجارات يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تولد عدم الالتزام بدفعها أو التأخر فيها أو حتى المماطلة في إخلاء الشقق».

وربط عبد الله الأحمري الغلاء الذي وصفه بـ«الفاحش» في معظم المنتجات والسلع بارتفاع الإيجارات بشكل عام، مستدلا على ذلك بتفاوت الأسعار بين محل وآخر بحسب موقعه أو قيمة إيجاره أيضا، بحسب قوله.

وطالب حماية المستهلك بضرورة التدخل في كل ما يمس المواطن وليس فقط على مستوى السلع والمنتجات الغذائية أيضا، وذلك من منطلق أن السكن يعتبر أساس احتياجات المستهلكين، منتقدا في الوقت نفسه عمل تلك الجهة من خلال تأكيده عدم وجود أي دور لها على أرض الواقع رغم توجيهات القيادة بمكافحة الفساد والغش وتوفير الحماية للمواطنين.

وختم حديثه قائلا «لا بد من تضافر الجهود ليكون المواطن مستقرا في حياته، ولا سيما أن ما يعانيه من إشكاليات عائدة إلى نقص التشريعات وانعدام وجود آلية معينة في ظل اعتماد بعض المسؤولين على التنظير من فوق كرسي عاجي دون النزول إلى مستوى المواطنين وحل مشاكلهم اليومية».