جدل بين وسائل الإعلام والأجهزة الحكومية حول الشراكة بينهما

في ندوة نظمها معهد الإدارة العامة بالرياض.. ودراسة ميدانية تشمل 60 جهازا حكوميا

تشكل العلاقة بين وسائل الإعلام المحلية والأجهزة الحكومية بالسعودية إحدى عقبات تطوير الأداء بين الجانبين («الشرق الأوسط»)
TT

في مواجهة لم تخل من المكاشفة والشفافية في الطرح، وتبادل وجهات النظر وسهام النقد، بين وسائل الإعلام المحلي والأجهزة الحكومية، عرضت تلك في الندوة التي نظمها معهد الإدارة العامة «دور وسائل الإعلام في تطوير أداء الأجهزة الحكومية»، يوم أمس 27 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وافتتحها الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجه، وزير الثقافة والإعلام، بقاعة ابن خلدون بمركز الأمير سلمان للمؤتمرات بمقر المعهد بالرياض.

وكانت الورقة التي قدمها محمد بن سليمان الأحيدب، الإعلامي والكاتب في صحيفة «عكاظ» السعودية بعنوان «عندما يصبح الإعلام غاية والتنمية وسيلة»، سلطت الضوء على معوقات الاستفادة من وسائل الإعلام المحلي في دفع عجلة التطوير والتنمية، مما رتب عليها الكثير من المداخلات والتساؤلات الساخنة من الحضور.

وأكدت الورقة على أن الإعلام لا يمارس دوره المأمول في تعرية جوانب القصور وتشخيصه ليتسنى علاجها، وعدم قدرة عناصره المميزة على ممارسة هذا الدور، مرجعا ذلك إلى عوامل عدة منها غياب الإعلام المتخصص، والتأثير على بعض وسائل الإعلام من قبل المسؤولين، عن طريق توطيد العلاقة مع رئيس تحرير المطبوعة الإعلامية، لتبحر في اتجاه معاكس للموضوعية، وحتى للصالح العام والمصلحة الوطنية، أو تهديد الصحف بوقف الإعلانات أو انتهاج الأسلوب الجديد بالتعاقد مع مؤسسات إعلامية تجارية بعقود ضخمة، بهدف التلميع والتأثير على الوسائل الإعلامية، أو منح مميزات لأطراف فاعلة في وسائل الإعلام. وذكرت ورقة العمل أن علاقة الإعلام بالأجهزة الحكومية لا تعدو كونها علاقة ترهيب وترغيب، مقال يرهب المسؤول وتجاوب يرغب الصحافي، لكن الوضع السلبي لم يتأثر، وتطوير الأداء لا يحدث، لذا فإن كثيرا من أوجه القصور في الأجهزة الحكومية تعتبر مزمنة وربما دائمة. وشهدت الندوة مناقشة بحث ميداني من إعداد معهد الإدارة العامة، بالإضافة إلى عدد من أوراق العمل المقدمة من الجهات الحكومية والإعلامية المختلفة، في حين كانت تهدف ندوة «دور وسائل الإعلام في تطوير أداء الأجهزة الحكومية» إلى تعزيز الشراكة بين وسائل الإعلام والأجهزة الحكومية، وتحديد سبل الاستفادة منها في تطوير أداء الأجهزة الحكومية. في وقت أظهرت فيه تلك الدراسة الميدانية أن العلاقة بين الإعلام والأجهزة الحكومية تتسم بغياب مفهوم الشراكة، مما عطل الاستفادة من وسائل الإعلام في تحقيق التنمية الإدارية في المملكة. وكانت الدراسة أجريت على ما يقارب 60 مؤسسة حكومية وجهازا إعلاميا محليا، حيث تم توزيع 60 استبانة على مجتمع الدراسة، وقد بلغ عدد الاستبانات المستردة والمستوفاة، والتي تمت معالجتها إحصائيا 57 استبانة بنسبة قدرت بـ95 في المائة من حجم المجتمع المستهدف. وتلخصت أبرز نتائج الدراسة في ما يتعلق بالممارسات المهنية لوسائل الإعلام، وأهمية التدريب بالنسبة للإعلامي لكي يكون مؤهلا لأداء رسالته الإعلامية بكفاءة واقتدار، ومعتبرة أن المؤسسات الإعلامية لا تتبع معايير دقيقة في تعيين الإعلاميين لديها.

في وقت اتفق فيه المبحوثون على الدور الذي تمارسه وسائل الإعلام كسلطة رقابية على أداء الأجهزة الحكومية, ويأتي ذلك من خلال اتفاقهم على أن ارتفاع سقف الحرية الإعلامية أسهم في دعم عجلة التنمية في المملكة.

وفي ما يتعلق بالممارسات الإدارية وعلاقتها بالعمل الإعلامي، أكد المبحوثون وجود حساسية لدى المسؤول الحكومي من النقد الموجه له من وسائل الإعلام نتيجة عدم فهمه لدور الإعلام. بينما أظهرت الدراسة وجود قلة في أعداد المتخصصين الذين يعملون في إدارات العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية، مما يعكس ضعف الدور الذي تقوم به، سواء داخل المنشأة أو خارجها، من خلال تواصلها مع وسائل الإعلام. وكشفت الدراسة عن تنامي دور الإعلام الجديد في الرفع من مستوى الشفافية لدى الأجهزة الحكومية على الرغم من تجاهل الأجهزة الحكومية استخدام وسائل الإعلام الجديد. إلى ذلك حملت الدراسة صعوبة حصول الإعلامي على المعلومة من قبل الأجهزة الحكومية بسبب غياب مفهوم الشراكة بين وسائل الإعلام والأجهزة الحكومية، ولفتت إلى ضعف تأهيل المتحدثين الرسميين في الأجهزة الحكومية، مما يؤدي إلى نشر أخبار غير دقيقة للمتلقي.

وخلصت الدراسة إلى جملة من التوصيات من أبرزها ضرورة وجود إعلاميين متخصصين في مجالات (اقتصادية، اجتماعية، رياضية.. إلخ) حتى يتمكنوا من توصيل رسالتهم الإعلامية. ودعت إلى ضرورة إلمام الإعلاميين بالأنظمة والقوانين التي تحكم عمل الأجهزة الحكومية، ولافتة إلى ضرورة إعطاء مساحة أكبر لحرية النشر لتقوم وسائل الإعلام بدورها في الرقابة كسلطة رابعة. ولم تغفل الدراسة التوصية بالتزام وسائل الإعلام بالمواثيق المهنية في تحري الدقة في نشر أخبارها، وكذلك في ما يتعلق بنشر التصحيح لأخبارها المغلوطة.

ونبهت الدراسة إلى أهمية تفهم المسؤول لدور وسائل الإعلام والابتعاد عن الحساسية تجاه ما يطرح في تلك الوسائل، والتأكيد على تعاطي الأجهزة الحكومية مع وسائل الإعلام الجديد للوصول إلى جمهورها. يشار إلى أن ندوة «دور وسائل الإعلام في تطوير أداء الأجهزة الحكومية»، شهدت مشاركة عدد من الصحف ووسائل الإعلام المحلي بها، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين وكتاب زوايا والأعمدة الصحافية.