ملتقى المثقفين الثاني.. غاب المثقفون حينما حضرت الثقافة

الأميرة عادلة بنت عبد الله لـ «الشرق الأوسط» : المرأة السعودية المثقفة صاحبة مبادرات جيدة ولكنها متواضعة

ملتقى المثقفين يقدم وجبات ثقافية في غياب المثقفين (تصوير: خالد الخميس)
TT

ابتدر ملتقى المثقفين على مدى اليومين الماضيين جلساته، بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض، بشيء من العتب المتبادل بين المؤسسات الثقافية الحكومية والمؤسسات الثقافية الخاصة، حيث كان القاسم المشترك الأعظم في هذا العتب المثقف السعودي والتمكين الثقافي للمرأة والإنتاج الثقافي والفكري السعودي ورؤساء الجلسات والمشاركين فيها.

وقالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة بمملكة البحرين في ما يتعلق بتعاطي بعض المثقفين للمواضيع الاجتماعية بفوقية: «المثقف هو أولا وأخيرا مواطن ولا يعيش في عزلة عن المجتمع، والمثقف الذي لا يتعاطى مشكلات مجتمعه ويسعى لإيجاد حلول لها لا يعي أهمية المسؤولية الاجتماعية، والبرامج المشتركة بين دول الخليج العربي في السابق كان لها مبادرات رائعة ومؤثرة، ويتضح ذلك من خلال البرامج التي كانت تنتج مثل (افتح يا سمسم)، ونتمنى عودة مثل هذه البرامج».

وأوضحت أن المبادرات الفردية لها تأثير فاعل، ويجب عدم انتظار مبادرات المؤسسات، فكل له دوره في التطوير، والمؤسسات الأهلية رافد للمؤسسات الحكومية.

وعن المثقفة السعودية قالت: «ما نراه ونسمعه ونقرأه عن المرأة السعودية يوضح لنا النهضة التي وصلت إليها، فمثلا في مجال الرواية، وأنا من قراء الرواية، المرأة السعودية لها حضور فاعل في مجال الرواية وفي شتى المجالات الثقافية، وهذا شيء نفتخر ونعتز به».

وفي ما يتعلق بالتمكين الثقافي للمرأة السعودية، أكدت الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن المرأة السعودية المثقفة تسير بنجاح ولها مبادرات واضحة وجيدة، ولكنها متواضعة، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة المحلية والدولية نموا وتسارعا يحتم مواكبته والإسراع في الخطى نحوه، مشيرة إلى أن الفتاة السعودية أخذت تجد حضورا في كل المحافل من خلال مشاركتها المتعمقة في كل الصعد، بما في ذلك الإنتاج المسرحي النسائي.

وتعتقد أن دور المثقفة في الحراك الاجتماعي مهم وخطير، ويعتمد على نوع الثقافة التي تحملها وتحاول إيصالها للمجتمع، كالدفع بالمجتمع إلى التطوير من خلال نتاجها الثقافي، وتمثيل ثقافتها فكرا وسلوكا، والعمل على نشر ثقافتها ومحاولة الدفاع عنها، مع القدرة على توضيح الأسس والمكملات وعدم الخلط بين الثابت من الحقائق والمتغير من العادات والتقاليد، بالإضافة إلى الالتزام بقضايا المجتمع بالتعرف على احتياجاته وإمكانياته، والعمل في ذات الوقت بالفكر وبالممارسة على الموازنة بين تلك الإمكانيات والاحتياجات.

كما دعت الأميرة عادلة في حديثها المرأة السعودية لتحمل مسؤولية الحراك الفكري في المجتمع، والإسهام في التغيير الاجتماعي الإيجابي، وذلك لقيادة المجتمع بفكرها، لا أن تقودها الجموع بعفويتها، وتحويل الشعارات الحالمة إلى معامل إنتاج وتنمية، مع ضرورة الانفتاح على العالم الخارجي مع الحفاظ على الهوية الثقافية والتفرد الحضاري، مشيرة إلى ضرورة تقييم ما تتلقاه من معارف من الوسائل المعلوماتية المختلفة بما يدعم دورها في معايشة قضايا العصر.

وتأمل من وزارة الثقافة والإعلام الاتجاه لدعم التمكين الثقافي للمرأة، من خلال توسيع حضور المرأة في الوزارة وتعزيز دورها بما يكفل المساهمة الثقافية والتنموية في المجتمع في المجالات التالية عن طريق الصقل العلمي والتدريب والمهني، بجانب النشر والتأليف والفنون.

كما ترى ضرورة إعداد برامج تدريبية لتوعية العاملين في الوزارة بأهمية مشاركة المرأة في الشأن الثقافي، وتحفيز المؤسسات الإعلامية والثقافية لتحقيق العدل بين الرجال والنساء في السلم الوظيفي، مع أهمية تحديد جائزة للبرامج التي تدعم مكانة المرأة السعودية في المجتمع، وجائزة للمثقفات المساهمات في تنمية المجتمع، وترشيح المتميزات للجوائز العربية والعالمية.

واقترحت الأميرة عادلة حزمة توجهات لتغيير الصورة النمطية للمرأة، مؤكدة أن الكثير من الصور التي تقدمها وسائل الإعلام، خصوصا برامج التلفزيون للمرأة السعودية، تفتقر إلى معالجة الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع، موضحة أن معظم هذه الصور تقدم المرأة دون طموح أو وجهة نظر في القضايا العامة، إما تقليدية في المنزل وإما عاملة ضيعت الأسرة.

وأشارت إلى أن هناك تحديات إدارية تعيق تمكين المرأة الثقافي، تتجسد في محدودية الصلاحيات المعطاة للمرأة، وضعف مشاركتها في عملية صنع القرار ورسم التوجهات المستقبلية للمؤسسات الثقافية، مع محدودية فرص التعليم المتخصص والتدريب واكتساب الخبرات، كما تواجه تحديات اجتماعية متمثلة في مجموعة القناعات والممارسات المرتبطة بتوجهات المجتمع المحلي، والمؤثرة سلبا على فعالية القيادات في ممارستها لدورها القيادي، كنظرة الزملاء والرؤساء والمرؤوسين لها.

وأضافت أن هناك تحديات نمطية سائدة ترتكز على الصورة الذهنية للمرأة السعودية في المجتمع، والتي تشكلت وفق نظرة نمطية لقدرات المرأة وتؤثر على دورها في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، في الوقت الذي تعاني فيه من التحديات التنظيمية المرتبطة بطبيعة المؤسسات الثقافية وسياساتها وبيئتها التنظيمية والممارسات الإدارية السائدة فيها، والعلاقات التنظيمية ووضوح الأدوار والصلاحيات والمسؤوليات ودرجة المشاركة في صنع القرار.

أما التحديات الذاتية التي تواجه المرأة السعودية فتتمثل في العوامل الشخصية المؤثرة على فعالية القيادات النسائية العليا، متضمنا ذلك الصفات الشخصية، كالجرأة والقدرة على تحمل الضغوط والموازنة بين الالتزامات الأسرية ومتطلبات العمل الوظيفي في ظل تحديات خارجية تتمثل في شدة المنافسة من قبل المجتمعات الأخرى، المتصلة بالمنظمات العربية والدولية التي تسعى لتمكين المرأة، بالإضافة إلى العولمة والاقتصاد العالمي الذي يتطلب مواصفات متطورة لمواكبة التطور السريع.

وأشارت الأميرة عادلة إلى دراسة صادرة عن الأمم المتحدة في 2010، أظهرت أن عدم توازن الفرص بين الجنسين في السعودية أنتج ما نسبته 76 في المائة من الخسائر في التنمية والبشرية، وبرأيها أن هذه النسبة تعتبر أعلى نسبة في العالم العربي في اليمن.

وأوضحت الدكتورة لمياء باعشن في ورقتها «التهميش الذي تعاني منه المرأة المثقفة في وزارة الثقافة والإعلام» الكثير من الأمور التي تجعل وزارة الثقافة في موضع اتهام لإقصائها للمرأة، وأهمها: استبعادها من اللجنة الأساسية لوضع لائحة الأندية الأدبية، وبعد إقرار اللائحة صعقت النساء من تغييب تاء التأنيث من جميع سطورها، وقاومت الوزارة كل مطالبات النساء بإضافة الحرف التأنيثي معللة أن كلمة الأديب تشمل الجنسين. في كل دورة تعديلية للوزارة تشكل لجان خماسية وسداسية، ولكنهم لا يدعون امرأة واحدة. كما أنه حين شكلت اللجان الإشرافية على انتخابات المجالس البلدية لم تحصل المرأة على عضوية رسمية فيها.

وتساءلت الدكتورة عزيزة المانع في ورقتها عمن يحدد الدور الثقافي الذي يقوم به المثقف رجلا كان أو امرأة، وهل المثقف يختار دوره أم هو مفروض عليه، ثم تطرقت إلى أن الدور الثقافي الذي تقوم به المرأة يتحدد غالبا من خلال المجتمع الذي تعيش فيه المرأة، وحسب المساحة المحدد لتحركها، لذا لا يحق لها أن تحقق دورا إيجابيا بارزا ما لم يغير المجتمع موقفه الثقافي تجاهها.

الدكتور ثريا العريض تناولت في ورقتها الحديث عن دور المرأة من اتجاهين: أن حضور المرأة لا يتناسب مع وجودها الفعلي إحصائيا، إذ تمثل 50 في المائة من خريجات المؤسسات التعليمية، ويبقى إدخالها كعضو فاعل في المؤسسات الرسمية غير متحرك إلا بقرار حاسم من صانع القرار.

من جهته أوضح فيصل بن معمر، الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في أولى جلسات الملتقى، التي كانت تحت عنوان «المكتبات العامة»، أن المكتبات تشكل سجلا لذاكرة الشعوب بما يدونها أبناؤها من إنتاجات فكرية لتبقى علامة بارزة ومضيئة في حضارات الأمم وثقافاتها الإنسانية المتنوعة، وتعد في الوقت نفسه مقياسا لتقدم المجتمعات بقدر ما تحتوي على مؤلفات وكتابات تعنى بها هذه الشعوب وتحرص على العناية بها للاستعانة بها في الرجوع إليها في طلب الكثير من الأمور والمعلومات.

وفي هذا الإطار أثار الدكتور هشام العباس في ورقته التي جاءت تحت عنوان «دور الخدمات السيارة في تعزيز التواصل الثقافي بين الأمم في الألفية الثالثة» تساؤلا كبيرا حول قدرة المكتبات في العالم العربي على الاستفادة من التقنيات التي تطورت في الفترة الأخيرة، لتحقق التواصل الثقافي المطلوب.

ووصف أستاذ علوم المكتبات، العباس، المكتبات المتنقلة في العالم العربي بالنامية، مضيفا: «لا تزال في مراحلها البدائية رغم مرور نصف قرن على إنشاء أول مكتبة متنقلة في الوطن العربي»، مشيرا إلى أن تأخر المكتبات العربية يأتي بسبب عدم توافر سياسات وطنية للمعلومات ومراكزها ومنها المكتبات، وضعف بنية الاتصالات التقنية، وضعف بنية الكوادر المعلوماتية الوطنية، وضعف الإنفاق على المعلوماتية ومراكزها.

عقب ذلك ألقت الدكتورة فاتن بامفلح ورقتها التي كانت بعنوان «خدمات المعلومات في المكتبات العامة السعودية»، انتقدت فيها خدمات المعلومات المقدمة في المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام السعودية، مبينة أن هناك خدمات رئيسية يقتصر تقديمها على نسبة من المكتبات دون غيرها على الرغم من أهميتها، وعلى سيبل المثال: الخدمات المرجعية التي تقدم في 78 في المائة من المكتبات فقط وخدمات الإرشاد والتوجيه التي تقدم في 64 في المائة من المكتبات فقط، إضافة إلى خدمة الاستنساخ (التصوير) التي تقدم في 78 في المائة من المكتبات فقط، وخدمات الإحاطة الجارية التي يقتصر تقديمها على 75 في المائة من المكتبات.

وذكرت بامفلح أن نسبة كبيرة من المكتبات العامة تعيش في معزل عن التطورات الحديثة في التقنية وتوظيفها لتقديم خدمات المعلومات للمستفيدين، حيث إن خدمات قواعد البيانات الإلكترونية لا تتوافر سوى في 35 في المائة من المكتبات، أما خدمة الإنترنت فغير متاحة سوى في 57 في المائة من المكتبات، موضحة أن هذا الأمر غير منطقي وغير مقبول في العصر الذي تسعى فيه الدولة نحو مجتمع المعلومات وتقليص حجم الفجوة المعلوماتية سواء على المستوى الوطني بين الأفراد أو على المستوى الخارجي بين الدول.

وأوصت بضرورة تقديم خدمات المعلومات بفعالية، مبينة أن النجاح متوقف على عدة عناصر تتكامل معا، منها مصادر معلومات جيدة ومتنوعة تتفق مع احتياجات المستفيدين، وتنظيم المعلومات بحيث يسهل الوصول إليها، وإخصائيو معلومات أكفاء ومؤهلون للعمل على تنظيم المعلومات وإتاحتها للمستفيدين، وبيئة ملائمة لتقديم الخدمات تتمثل في المبنى والقاعات، وواجهات المستخدم للنظم الإلكترونية، وميزانية كافية لتعزيز وتقديم الخدمات، والحرص على تطوير مباني المكتبات، وتقديم خدمات معلومات لكل فئات المجتمع، والاهتمام بتوفير تقنيات المعلومات وشبكة الإنترنت، وتحقيق التعاون بين المكتبات العامة وغيرها من المكتبات.