الأمير سلطان بن سلمان: نريد مواطنا يعيش ثقافة بلده

ملتقى المثقفين ينادي بالتوسع في مفهوم السياسة الثقافية لتلازم السياسة التنموية

إحدى اللوحات التي ضمها معرض ملتقى المثقفين الثاني بالرياض («الشرق الأوسط»)
TT

ما زال ملتقى المثقفين الثاني يواصل جلساته وسط مساجلات ونقاشات ومداخلات ساخنة، رغم انخفاض الإقبال من قبل المثقفين، حيث تم طرح الكثير من الرؤى والأفكار على مدى جلساته الأخيرة، حول واقع وحاضر ومستقبل ثقافة الطفل ودور المراكز الثقافية في العطاء الثقافي، بالإضافة إلى حضور الفن التشكيلي الكيفي والنوعي، في الوقت الذي حاول المشاركون في آخر جلسات الأمس، الحديث حول التراث الموسيقى والفنون الشعبية.

وتناول الملتقى مساء أمس في جلسته الرابعة بعنوان «التخطيط الثقافي» التي حاضر فيها الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، والدكتور محمد الجاسر وزير التخطيط والاقتصاد، والدكتور عبد الله الجاسر نائب وزير الثقافة والإعلام، بينما أدارها الإعلامي محمد رضا نصر الله.

وقال الأمير الأمير سلطان عن تعزيز المكون الثقافي والتراثي: «عندما بدأنا عملنا في الهيئة العامة للسياحة والآثار عرضنا على مجلس إدارة الهيئة أننا نريد أن نعزز المضمون الثقافي والتراثي في السياحة الوطنية، حيث لا نريدها أن تكون سياحة لهو وعبث وترويح، بل أن تكون مرتبطة بالتراث والثقافة المحليين مثل سوق عكاظ وغيرها من الفعاليات الثقافية والسياحية التي تصل إلى 80 فعالية، وقد عملنا ضمن فرق وكانت البداية مرحلة شاقة، وكنا قد اجتمعنا بعدد كبير من الأشخاص المثقفين وتم تعيين سبعة أشخاص، وكان هناك دائما شخص يعنى بالثقافة».

وأوضح الأمير سلطان أن الخطة الاستراتيجية التي قدمتها الهيئة للدولة، والتي اشتملت على 16 مخرجا، أقرت في عام 2004م - 2005م، حيث كان هناك محور الثقافة والتراث، وهذا المحور، وفق الأمير سلطان، مهم بالنسبة للهيئة العامة للسياحة والآثار.

وأضاف: «بدأنا بتنفيذ الاستراتيجية محدد فيها جانب الثقافة والتراث، مشيرا إلى أن من مواطن الضعف في المملكة هو عدم معرفة المواطنين لبلادهم من حيث تاريخها وجغرافيتها، ومن حيث التصاقهم بالمناطق الأخرى وما يعرف بذاكرة المكان».

وقال: «إن ذلك الآن تحت التغيير، حيث نريد أن نثري هذه الحضارات الكبرى والتاريخ المتشعب الهائل في مكنونه من بواطن الأرض والمواقع الخربة إلى شيء معيش، حيث هناك قصة المكان كجانب ثقافي وهو برنامج ننفذه الآن».

وزاد أن أحد هموم الهيئة مد يد التعاون مع جميع الجهات، وخصوصا وزارة الثقافة والإعلام من أجل إعادة إحياء الثقافة للحضارات التي شهدتها المملكة عبر العصور وكذلك التاريخ الوطني والملحمة التاريخية لتوحيد المملكة، مستدركا أن الناس في الوقت الحالي لا يعيشون هذه الملحمة إلا عن طريق الكتب وليس عبر القرى والمواقع التاريخية التي شهدت هذه الملحمة التاريخية للمملكة.

وأشار إلى الاتجاه نحو تحويل قصور الملك عبد العزيز إلى مواقع ثقافية، تعرض فيها الوثائق التاريخية والصور التاريخية وتكون فيها الفصول الثقافية المتعلقة بالتاريخ الوطني، حتى يستطيع المواطن أن يعيش تاريخه وبلاده وليس يسكن فيها فقط.

من جهته، قال الدكتور عبد الله الجاسر في ورقته التي قدمها في الجلسة الرابعة: «إن وزارة الثقافة والإعلام تعتبر الثقافة ظاهرة إنسانية تعبر عن إنجاز تراكمي ومتنام ومتجدد يتفاعل مع الواقع المعيش ويستشرف المستقبل، وأن كل أمة من الأمم تؤمن بمفاهيم ثقافية خاصة، حيث تسعى وزارة الثقافة والإعلام إلى ترسيخ مفاهيم ثقافية مختلفة في مجالات فكرية واجتماعية وسياسية».

وأضاف: «نؤمن في الوزارة بأنه لا يمكن فصل الثقافة عن منظومة التنمية الشاملة لهذه البلاد، فالثقافة هي وسيلة للحوار بين الحضارات والثقافات الإنسانية، وهي في نفس الوقت أداة تعمل على تنمية المجتمع وتوسيع اهتماماته ومداركه في الأدب والفنون المختلفة التي تلامس قضايانا وهمومنا وتعمل على تشكيل شخصية الإنسان السعودي ورؤيته للعالم، ولكنها صناعة باهظة التكاليف تحتاج إلى تمويل مستمر لكي تؤدي نشاطاتها المتشعبة».

وأوضح أن ما تحتاجه الوزارة فعليا هو التوسع في مفهوم السياسة الثقافية لكي تواكب أو تلازم السياسة التنموية، التي لا بد أن تستوحي خططها بالضرورة مع معطيات العمل الثقافي.

ولفت إلى أن من أهم التحديات الثقافية الحالية تحديات العولمة والاتصالية، حيث لا بد أن تكون الثقافة ومؤسساتها، حكومية أو أهلية، شريكا في جهود التنمية الشاملة لتعزيز التفاهم والمصالحة بين مختلف مكونات المجتمع السعودي والعمل على إقامة جسور للتعاون والتكامل بين المؤسسات الثقافية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بالثقافة. وأشار إلى أهمية الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة وما توجده من فضاءات متنوعة ومنابر اتصالية متعددة تساهم في التواصل والحوار بين أفراد المجتمع من خلال العمل الثقافي في المجتمع المدني وقياداته من الشباب من الجنسين. وأكد الجاسر أن مسيرة الإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود من خلال الحوار الوطني، ومن خلال حوار الأديان والثقافات والتحاور مع الآخر، وثقل هذه البلاد السياسي والاقتصادي، والأهم الإسلامي، يحتم أن تكون للثقافة في هذه البلاد جنبا إلى جنب مع وسائل الإعلام والاتصال دور هو الأبرز عربيا وإسلاميا.

بعد ذلك، فتح المجال لمداخلات الحضور والتحاور حول الكثير من الأفكار والرؤى التي طرحت.

وكان قد اختتم نشاط اليوم الثاني من فعاليات الملتقى الذي تتواصل فعالياته في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض بجلسة عمل خامسة، جاءت تحت عنوان: «المهرجانات الثقافية والأسواق القديمة».

وحاضر في هذه الجلسة، التي أدارها الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري، كل من معالي مدير جامعة حائل الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم، والدكتور أحمد بن عمر الزيلعي، والدكتور علي بن صالح المغنم.

وفي بداية هذه الجلسة، تحدث مدير جامعة حائل عن أهمية الأسواق القديمة للمواطن العربي والمواطن على هذا التراب بشكل خاص.

وتطرق في ورقته إلى التعريف بالتراث بشكل عام وأهميته التاريخية والمادية لكل عصر، مبينا أن الأسواق القديمة هي منظومة تاريخية للعرب في جزيرة العرب، حيث كانت التجارة هي العصب للحياة في هذه المنطقة، بالإضافة إلى الفعاليات الأدبية المصاحبة، مشيرا إلى أهمية سوق عكاظ التجارية والأدبية، مؤكدا أن التراث له قيمة اقتصادية كبيرة لدى الكثير من المجتمعات في الوقت الحالي.

وأضاف أن «سوق دومة الجندل يعد في المرتبة الثانية بعد سوق عكاظ التاريخي وربما يفوقه لو لم يكن سوق عكاظ بالقرب من مكة المكرمة».

من جانبه، ناقش الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي في ورقته التي كانت بعنوان «الأسواق الموسمية بمنطقة مكة المكرمة»، موضوع الأسواق وقسمها إلى أسواق أسبوعية ويومية ومسمياتها وما كان منها في الجاهلية والإسلام، ومنها سوق عكاظ، وسوق مجنة، وسوق حباشة، وسوق ذو المجاز ومواقعها الجغرافية.

واستعرض الزيلعي ما يعرض في تلك الأسواق من بضائع ومنتجات مختلفة، منها ما ينتج في الجزيرة العربية، ومنها ما يستورد ويجلب من خارج المنطقة.

وتحدث الدكتور على المغنم في ورقته التي جاءت تحت عنوان: «أسواق ومراكز شرق الجزيرة العربية القديمة من المملكة العربية بين البعد التراثي والتوظيف السياحي»، عن مراكز التجارة القديمة في الجزيرة العربية وأسمائها وأماكنها وبعدها التاريخي والحضاري، ناقش فيها الموضوع في ثلاثة محاور رئيسية: الأول البحث في البعد التراثي الطبيعي والحضاري لهذه الأسواق والمراكز، حيث يتضمن المبحث رؤية حول أهمية المواقع الأثرية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتطرق في المحور الثاني من هذه الورقة إلى التعريف بموارد التراث الطبيعي وموارد التراث الحضاري لمواقع أسواق شرق الجزيرة العربية ومراكزها التجارية القائمة على الصيد والغوص على اللؤلؤ والتجارة والزراعة والصناعة، ومنها الحرف والصناعات التقليدية القديمة وكل ما يتعلق بالمنجزات العمرانية بتلك المواقع كالمنشآت والخدمات والأماكن الترفيهية والطرق والمواصلات التي تساعد على قيام سياحة ثقافية.

وطالب في المحور الثالث بضرورة وضع منهجية لتوظيف تراث الأسواق والمراكز التجارية بالمنطقة الشرقية الطبيعي والحضاري في مجال السياحة الثقافية.