الرياض: ملتقى المثقفين يختتم أعماله في ظل غياب الإبداع وإلقاء اللوم على الآخر

مثقفون لـ «الشرق الأوسط»: الملتقى نجح في رسم خريطة ثقافية دون إشراك أهل الثقافة

جانب من المسؤولين والحضور في ملتقى المثقفين الثاني («الشرق الأوسط»)
TT

مع إجماع المثقفين والمشاركين بأهمية مؤتمر المثقفين الثاني الذي اختتم أعماله، أمس (الخميس)، وبأنه محطة مهمة في حياة المثقف والثقافة، ذلك لأنه مناسبة طيبة لصياغة مشروع ثقافي كبير يسع الجميع بكل توجهاتهم وتياراتهم الثقافية والفنية، إلا أنه صاحبه الكثير من السلبيات.

وقال مثقفون ومثقفات لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الملتقى على أهميته وأهمية ما طرح فيه من قضايا ثقافية، إلا أنه غيب الإبداع في حضور المبدعين، حيث لم تقم أي جلسة للشعر أو القصة أو الرواية، الأمر الذي أدى إلى غياب المثقفين والأدباء كمتحدثين في الملتقى.

وأضافوا أن وزارة الثقافة والإعلام تسير في طريق تكرار نفس الأوجه الثقافية التي تدعى في كل محفل ثقافي من محافل الوزارة، بالإضافة إلى قلة الوقت المخصص للمداخلات والمناقشات وإغفال المتحدثين الإجابة عن أسئلة المتداخلين لضيق الوقت، في الوقت الذي ظهر فيه ضعف أداء بعض المتحدثين إما من حيث تقديم ورقة العمل أو من حيث محتوى الورقة.

وأوضحوا أن هناك الكثير من القضايا الثقافية التي غابت عن هذا الملتقى، حيث بقي الكثير من قضايا التشكيليين على سبيل المثال معلقة الوقت، حيث تم حصر كل قضايا التشكيليين في جلسة واحدة، فيما بقيت الكثير من المداخلات التي تطرح بسبب ضيق.

وفي هذا السياق، قال الناقد السعودي المعروف الدكتور عالي القرشي الأستاذ بجامعة الطائف لـ«الشرق الأوسط»: «إن ملتقى المثقفين الثاني استطاع لم شمل عدد كبير من المثقفين، بمختلف التفرعات الثقافية، وهو إنجاز حين يتحقق جدير بالاهتمام والتنظيم واستثماره إلى أقصى حد، لكن ما حدث في هذا الملتقى أن المثقف فيه كان حاضرا غائبا، كان حاضرا حين استدعي، وحاضرا حين قدمت له الندوات والأوراق، وحاضرا حين طلب منه اقتراح التوصيات، التي جملت مظلة الاستراتيجية الثقافية، وغائبا حين اختيرت عناوين الندوات، وحين اختيرت الأسماء، وفي بعض الأحيان وهو يدير الجلسات، فكم من جلسة أنهيت أو مددت أو قوطعت في غياب من بيده زمام ذلك وهو مدير الجلسة، فحين يغيب المثقف وهو شاهد أظنها مسألة تقدم مرآة غير صافية عن الملتقى».

وأضاف أنه «لو استشير المثقفون عبر استمارة استبانة للمواضيع التي يريدون مناقشتها، في ظل التحديات الحاضرة لكان ذلك أجدى في استثمار هذا اللقاء». وقال: «نحن في زمن لا ينوب فيه أحد عن أحد، ولو استشير المثقفون في ذلك، لرأينا في المنصة من يطرح حاجاتنا الثقافية ورؤيته لها، واستقباله للحوار والنقاش، إذ لم يكن الملتقى يحتمل تنظيرا واستعراضا إعلاميا لمنجزات الأجهزة وتجارب الأشخاص، ولرأينا متطلبات المرحلة والثقافة الجديدة».

وزاد بأن «المثقفين فوجئوا بغياب العنوان الجامع لحواراتهم، وذلك الترقيع الذي نشأ حول الاستراتيجية الثقافية التي سبق أن نوقشت بآلية جاوزت الآلية التي طرحت في هذا الملتقى بمراحل قبل ما يزيد على خمس سنوات، مؤكدا أنه لا يعترض على إعادة الطرح، ولكن برأيه لا بد أن يتم ذلك بآلية تنمو من الآلية السابقة ولا تقصر عنها».

واختتم حديثه بأن «المثقفين حضروا جميعا وقدموا رغم الغياب مبادرات ناجحة تليق بما يحملونه من أمانة ومسؤولية، وما تنهض به وزارة الثقافة نحو هذا المجتمع ورسالة الإنسانية التي يحملها».

من ناحيتها، قال الشاعرة الدكتورة أشجان هندي لـ«الشرق الأوسط»: «بدءا آمل أن يكون المؤتمر والمشاركون والمشاركات فيه قد وجدوا حصتهم من آمالهم فيه، وذلك بأن تتحقق الأهداف الأساسية التي تقف خلف إقامة مثل هذه الفعاليات. ولعلّ من الضروري أن أوضح أنني لا أطلق هنا آراء أو أحكاما غيابية عن مؤتمر لم أشارك فيه، ولم تصلني دعوة لحضوره».

وأضافت أن الصورة التي كونتها عن هذا الملتقى هي نتيجة ما قرأته من خلال الصحف وشاهدته من خلال وسائل الإعلام. وقالت «لفتني عدد الحضور الكبير المشارك في المؤتمر من المملكة ومن خارجها وأسجل تقديري للجهود الكبيرة التي بذلتها الوزارة بهذا الصدد لجمع هذا العدد الكبير من المثقفين والمعنيين بالثقافة لمناقشة همومنا وآمالنا الثقافية وترسيخ الخطوات التي قطعت في مؤتمرات سابقة مماثلة والتأسيس لخطوات أخرى قادمة أكثر إيجابية وفاعلية».

وأوضحت أنها كانت سعيدة بحضور الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، لهذا المؤتمر ومشاركتها في جلساته إلى جانب حضورها لفعاليات أخرى من مثل العرض المسرحي النسائي.

وأبانت أن هذا الحضور والمشاركة اللافتة للأميرة عادلة يمثلان دعما حقيقيا ومهما لدور المرأة السعودية والمثقفة تحديدا وترسيخا لحضورها في المجتمع بصورة تنقل حقيقة ما وصلت إليه المرأة السعودية من مكانة رفيعة ومميزة ولافتة داخل الصورة الأكبر للمجتمع السعودي على نحو عام والمجتمع الثقافي بشكل خاص.

وبالتالي ترى هندي أن الدعوة إلى تمكين المرأة السعودية في مجال الثقافة وغيرها من المجالات الأخرى وفقا لما يرتضيه الشرع الحنيف هو مطلب ضروري وهو تتويج حقيقي لكل الجهود الكبيرة التي قدمتها وتقدمها المرأة السعودية للوطن كنصف حاضر ومهم يستحيل حجبه أو تغييبه.

الشاعر حسن الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي قال لـ«الشرق الأوسط»: «بداية أعتبر أن الملتقى من المكاسب الكبرى للمثقفين وذلك للارتقاء بالعمل الثقافي في السعودية كحد أدني من الطموحات التي نسعى لتحقيقها».

ولكن الزهراني عاد وأشار إلى ثمة قصور برأيه ستصيب التوصيات التي من المفترض أن يخرج بها هذا الملتقى، وذلك بسبب تغييب المثقفين من الحضور عن الدعوة للمشاركة في صياغة هذه التوصيات، بحكم أنهم أدرى بهذه الصناعة وتحدياتها ومتطلباتها.

أما فيما يتعلق بالأوراق والمواضيع التي طرحت في برامج الملتقى فقال الزهراني: «كان جميلا ولافتا أن نجد هذه فعاليات دسمة ومفيدة، بعكس ما كنا نتوقعه، إذ كانت لدينا نظرة تشاؤمية، غير أنه لفت نظري تنوع مواضيع الجلسات، حيث كانت شاملة ومنوعة ولربما لبت أو نفذت الكثير من التوصيات السابقة التي أوصى بها المثقفون في الملتقى الأول، حيث إننا وجدنا المرأة وثقافة الطفل والتراث والفنون والموسيقى والسينما بالإضافة إلى الفن التشكيلي حاضرين في هذا الملتقى».

ويعتقد أن هناك كسرا للمألوف بشكل لافت، ألا وهو حضور الأميرة عادلة بنت عبد الله في مقدمة من تحدث في دور المرأة الثقافي، مبينا أنها تحدثت بكل وعي لفت أنظار الحضور، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأوراق التي كانت جريئة في طرحها في طرحت من مواضيع في هذا الملتقى، غير أن يعتقد أن الأكثر جرأة من ذلك هي المداخلات التي جاءت من الجنسين من الحضور.

ومع ذلك يرى الزهراني أنه غاب في هذا الملتقى الإبداع، حيث لم يكن كما يعتقد هناك جلسات شعرية قصصية أو روائية، في الوقت الذي يوجد في كم كبير من المبدعين في هذا الملتقى، حيث غاب الإبداع في حضور المبدعين.

كما ألقى الزهراني باللائمة على المثقفين ذلك لأنهم لم يستفيدوا من هذا التجمع الكبير، حيث أن هذا الحضور الكبير لم يتمخض كما يرى عن طرح رؤى ومقترحات حول ما يهم المثقف بعيدا عن الوزارة.

وقال: «كنت أتمنى في هذا الحضور الكبير أن يجتمع المثقفون ويعطوا الوزارة بكل حزم أفكارهم ورؤاهم وانتقاداتهم بالإجماع بدلا من أن تقال من وراء الكواليس وفي الجلسات الخاصة، ذلك أنه إن لم يبادر المثقفون بأخذ حقهم بأنفسهم فلا يلقوا باللائمة على الوزارة، لأنني على يقين من أن الوزارة ستستفيد إذا استطعنا أن نجتمع على بيان شامل لكل ما يطلبه المثقفون».

وأضاف أنه كان من الممكن للمثقفين أن يشكلوا لجانا منهم وباختيارهم وإجماعهم لرسم المستقبل الثقافي، ومن ثم اقتراح تشكيل لجان وإعداد وبرامج ورؤى ومواعيد للاجتماعات ونضع الوزارة أما المطالبات مستقبل الثقافة، خصوصا أن من في الوزارة هم مثقفون قبل أن يكونوا مسؤولين، مؤكدا أنه مثل هذا المسلك مجديا في أنه كانت وزارة الثقافة والإعلام استجابت لما يطرحونه بعيدا عن التنظيم واللجان الروتينية التي لا تخدم الثقافة.

وفيما يتعلق بالإقبال الضعيف للمثقفين على فعاليات وجلسات الملتقى قال الزهراني: «أعتقد أن السبب يعود إلى أن مقر إقامة المثقفين كان بعيدا من مقر الجلسات، ولكن هذا لا يعفي المثقفين من هذا القصور الذي وقعوا فيه بسبب ضعف إقبالهم على الجلسات، فمن العار أن يدعى المثقف لحضور مثل هذه الفعاليات فغيب عنها أو يكون انتقائيا يجب أن نحضر جميعا للجميع».

أما الشاعرة ملاك الخالدي فهي تعتقد أن الملتقى تنبع أهميته من كونه أصبح محطة التقاء تجمع المثقفين ببعضهم ونقاشهم حول القضايا الثقافية والأدبية التي تهمهم، موضحة أن حضور شخصيات لها وقعها في إعطاء أفكار وتوصيات ونقاشات الملتقى كحضور الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز تعتبر قيمة أكبر.

وأما فيما يتعلق بأبرز السلبيات التي صاحبت هذا الملتقى، فهي غياب المثقفين والأدباء الشباب كمتحدثين في الملتقى، مع تكرار نفس الأوجه الثقافية التي تدعى في كل محفل ثقافي من محافل الوزارة، بالإضافة إلى قلة الوقت المخصص للمداخلات والمناقشات وإغفال المتحدثين الإجابة عن أسئلة المتداخلين لضيق الوقت، في الوقت الذي ظهر فيه ضعف أداء بعض المتحدثين إما من حيث تقديم ورقة العمل أو من حيث محتوى الورقة.

وتقترح الخالدي، إقامة مؤتمرات تخصصية، بمعنى مؤتمر للأدباء، مؤتمر للنقاد، مؤتمر للمترجمين، مؤتمر للتشكيليين، لأن المؤتمرات العامة برأيها تفتح الكثير من المواضيع دون إقفالها بنتائج مرضية أو دون إعطائها حقها من الطرح والنقاش، كما حدث في ندوة الفن التشكيلي في هذا الملتقى، حين بقي الكثير من قضايا التشكيليين معلقا وبقي الكثير من المداخلات التي تطرح بسبب ضيق الوقت، حيث تم حصر كل قضايا التشكيليين في جلسة واحدة، ومنها جاء اقتراح محمد رضا نصر الله في ختام الجلسة بشأن عقد ملتقى للتشكيليين.

وكان قد اختتم الملتقى أعماله مساء أمس وخرج بحزمة من التوصيات، فيما كان نشاط اليوم الثالث من فعاليات الملتقى الذي كان يواصل فعالياته في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض بجلسة عمل جاءت بعنوان «التراث الموسيقي والفنون الشعبية»، تم فيها استعراض موروث كل منطقة من المناطق وما يمثل من أهمية كبيرة في الجذب السياحي لتلك المناطق.

وتطرق المشاركون إلى الألوان المختلفة من هذا الفن الثقافي الذي يمثل مختلف ثقافات وشرائح المجتمع على امتداده الوسع، كما تحدثوا عن أبعاد الألوان الشعبية وأهميتها في حياة الشعوب والحرص على الاحتفاظ بها وتوارثها من أجيال إلى آخر عبر العصور واحتفاظ الكثير منها بالثبات وعدم التغير رقم قدمها وكذلك العقبات التي تواجه المهتمين بهذه الألوان الشعبية.

كما سلط الملتقى الضوء على «الفن التشكيلي» والتنظيمات المهنية ودورها في إثراء الحراك في الفنون التشكيلة وقيمة الفن من خلال رؤية مستقبلية نحو ثقافة تجارة الفن في المملكة العربية وتطرق المحاضرون لهذا الفن الثقافي المتأصل وأدواره الرائدة في توصيل الكثير من الرؤى الثقافية.

واستعرض المشاركون الرؤية المستقبلية للفن التشكيلي ودور العرض وجمعيات الفن التشكيلي والنقد الفني لهذا اللون الثقافي والمشاركات الداخلية والخارجية للمعنيين به.