نوادر العصر الجاهلي تقصي «عزيزي» وتكتب نهاية «الحشاشين»

كيف صبأ «أبو جهل» عن دينه ولعب «البولينغ» في شارع التحلية

التندر والفكاهة حاضران في المقاهي السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أن تخمد الثورات العربية، ربيع «عزيزي» ذلك الضيف المتندر الذي ملأ أجهزة «بلاك بيري» قبل عقول «النادمين»، وتحيده جانبا بعد أن مارس دور الإقصاء تجاه طرف «المحششين»، ونوادرهم، أذن لتندرات أخرى أن تبعث من مرقدها متجسدة في مساطيل العصر الجاهلي، لتطيح بـ«عزيز» كما أطاح الأخير بعملقة المحششين في الأوساط الشبابية المتفكهة.

«أبا الحكم يلعب البولينغ»، و«أشعب أحيط بمكيدة في كأس العالم»، و«جحا تأبط شرا في التحلية»، كان ذلك التسلسل التهكمي، والاستطراد اللفظي من أقاصيص شبيبة لم تتعد العشرين من عمرها، لتعبر بمنهاجها ما يربو على الألف عام، مستلهمة أسطر الحكواتية التي تدلت من طرائف الزهور.

ولم تعد آفة الأخبار رواتها، بل إن معضلتها في «مدبلجيها» الذين حاكوا المفردة، ونسجوا الخيال، ليبرع التفرد في الأقصوصة التي تشبثت بجلباب جيل التكنولوجيا، الذي سعى جاهدا لممارسة إسقاطاته على صعلكة أمرئ القيس، وجنون أبي جهل الذي صبئ عن عد دين أبيه وجده حينما اكتشف سرا أن مدرب حراس الفريق «الكاتالوني».

«اسكت يا صحصاح يا ابن الكحكوح.. تالله لاقلحشن رأسك وأزفلطن فلنشاتك إذا فهي الحرب.. يا قوم.. يا معشر قريش.. يا معشر قريش لقد صبئ الشعبان بن عبد الرحيم...لقد صبئ الشعبان بن عبد الرحيم.. ويل للعرب من شر قد اقترب أين أنت يا أبا جهل؟»، تلك الأمزجة التي داعبت خلجات الجيل المتفكه، تداعت بتهكمها العصر الجاهلي وأيقظته من سباته، بعد أن كان المشهد الجاهلي لا يتعدى ولا يبرح كتاب الأدب في الصف الأول ثانوي.

«بينما كان أبو جهل يشرب (كاباتشينو) في بني قينقاع (ستاربكس سنتر) وما إن شغل (البلوتوث).. فإذا بأحد شباب الخزرج يبعث له فيروسا» استلهام يعصف بالذاكرة في اليابس اليباب، ليخرج أزلام العصر الجاهلي من شرنقتهم، وينثر روائعهم الأدبية في قالب ساخر، قض مضجع «حانات» الجاهليين وجلبهم في مقاهٍ عصرية ينفثون فيها «المعسل»، وإن استدعى الأمر قليلا من «السيجار الكوبي».

سلطان الحامدي، الباحث الأسر والاجتماعي، قال معلقا: «إن الجيل رمى أوجاعه ومشكلاته عصره بعيدا عن حدود عصره، وطار بها بعيدا ليبحث عن النوادر وعن المقبلات المضحكة التي تجعله يضحك ويخرج من مشكلاته النفسية والاجتماعية».

وعلق الحامدي في حديثه، بأن معظم الشباب يقفزون على واقعهم بالذهاب إلى مجتمعات أخرى، وبيئات مختلفة يعيشون أدوارها، ويتجسدون بأنماطها، وهي عملية نفسية مفضية إلى إبداع، لأن هناك حالات نفسية تقود إلى الجنون، وبعضها إلى الانتحار، لا قدر الله، وأخرى إلى مزيد من حالات الإبداع التي تؤدي إلى عصف كبير بالذاكرة لتحاكي عدة مجالات كثيرة ابتداء بطرائف «المحششين» مرورا بطرائف «عزيزي»، وانتهاء بنكت العصر الجاهلي، وهي ظاهرة طبيعية في ظل تدخل التكنولوجيا في جميع فسيفساء حياتهم. وأشار الحامدي إلى أن «أعدادا كبيرة من المبدعين كانوا يعانون اضطرابات نفسية، ولم يمنعهم هذا الاضطراب النفسي من ممارسة الإبداع وممارسة حياتهم بشكل عادي، مبينا أن علاقة وطيدة بين علاقة المبدع بالمرض والاضطراب النفسي أو العقلي، فنحن نعلم أن المرض النفسي والعقلي يستهدف المبدعين، لأن كثيرا من المبدعين تعرضوا لأمراض نفسية وعقلية، نريد تجربة كل مبدع ومعرفته عن المرض النفسي والعقلي مع الإبداع.

خالد الحسيني، شاب في العقد الثاني من عمره، يصف نكات العصر الجاهلي بأنها عبارة عن مدونة أدبية فكاهية لجأ إليها كثير من الشباب كنوع من الترفيه نتيجة ما وصفها بالضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، حيث إن أوقات الشباب أصبحت بلا جدوى وبلا منفعة, وأصبح كثير من الشباب من دون هدف, وحياة بلا روح, ويرون أنه لا معنى لوجودهم, مما يجعله يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسية, وفي أحيان كثيرة إلى الإبداع بعيدا عن المواجهة وتحمل المسؤولية.