أزمة الإسمنت تفتح باب بوادر عجز في توفير 12 مليون طن لتغطية مشاريع حكومية

بسبب النقص في إنتاج المصانع وزيادة الطلب

التزام الشركات بالبيع بالسعر الرسمي يبعد مبررات رفع أسعار الإسمنت («الشرق الأوسط»)
TT

فتحت أزمة ارتفاع أسعار الإسمنت في السعودية «غير المبررة» باب توفير الإسمنت لتغطية المشاريع الحكومية، المدرجة في ميزانية هذا العام، وقدر متعاملون حجم تغطية الكمية المناسبة لهذا العام حسب الدراسات الاقتصادية والميدانية لتلك المشاريع بـ52 مليون طن.

فيما تقدر حجم الطاقة الاستيعابية، لمصانع الإسمنت في السعودية بـ40 مليون طن، أي ما يتوقع أن يحدث عجزا في توفير 12 مليون طن لتمويل المشاريع الحكومية، إذا ما استثني منها المشاريع الخاصة والإسكانية في السعودية.

وعقدت اللجنة الوطنية لشركات الإسمنت بمجلس الغرف السعودية اجتماعا لمناقشة القضايا ذات العلاقة بالقطاع، ومن بينها ارتفاع أسعار الإسمنت محليا، حيث وصل قيمة سعر الكيس فيها إلى 18 ريالا، وأعلن في الاجتماع أن جميع شركات الإسمنت تعمل بطاقتها القصوى «ولا يوجد مبرر لارتفاع الأسعار»، خاصة أن الشركات ملتزمة بسعر البيع الرسمي المحدد بـ13 ريالا للكيس.

بينما فندت مصادر في مصانع الإسمنت أن يكون الاجتماع ناقش الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار، والتي من أهمها عدم مناقشة مشاكل المصانع الجديدة والبالغ عددها 8 مصانع لم تقم بتوقيع عقود لشركة «أرامكو» للتزود وتوفير الوقود، حيث تسبب ذلك في ارتفاع أسعار التصنيع لقيام تلك المصانع بشراء المحروقات بالأسعار السوقية.

وأضافت المصادر «تجاهل الاجتماع دور الوسطاء في زيادة الأسعار من منظور سوقي، كزيادة في نسب الأسعار لتغطية نفقات العمالة وأجرة النقل، والتأخر في تسليم البضائع الذي يصل في بعض المصانع إلى 4 أو 5 أيام إلى حين تسليم البضائع، وهو ما تسبب في خسائر لبعض الموردين وخاصة في الهجر والمدن البعيدة عن المدن الرئيسية التي توجد فيها المصانع».

يأتي ذلك في وقت قامت فيه وزارة التجارة ممثلة في فرعها في منطقة الباحة بالتشهير لوافد تعمد رفع أسعار كيس الإسمنت في المنطقة وتحديدا في محافظة الرهوة، وبين في بيان التشهير الذي نشر في الصحف، أن الوافد تعمد رفع الأسعار بدون مبررات سوقية، وبينت الوزارة أنها لن تتسامح أو تتراخى في هذا الشأن لحفظ التسعيرة، وعدم المغالاة في الأسعار عن القيمة المحددة من قبل الوزارة.

وبالعودة إلى اجتماع اللجنة الوطنية لشركات الإسمنت، أوضح الدكتور زامل بن عبد الرحمن المقرن رئيس اللجنة في بيان وزع أمس، أن اللجنة بحثت العديد من المواضيع المتعلقة بنشاط الإسمنت في السعودية، ومن بينها ارتفاع أسعار الإسمنت الذي تشهده بعض مناطق المملكة في الوقت الحالي، مشيرا إلى تأكيد جميع الشركات أنها تعمل بطاقتها القصوى المتاحة، «ولا يوجد أي مبرر لارتفاع الأسعار في بعض مناطق المملكة خاصة أن جميع الشركات ملتزمة بالبيع بسعر 13 ريالا للكيس، تسليم المصنع، وهو السعر المحدد منذ ما يقارب الثلاثين عاما».

ونوه بالتعاون السائد بين شركات الإسمنت السعودية لتوفير الإسمنت في المناطق التي يزيد فيها الطلب بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة، لافتا النظر إلى أن الأسواق اعتادت في هذا الوقت من العام أن يرتفع الطلب على الإسمنت خاصة مع طرح مشاريع كبرى.

وأشار متعاملون إلى أن معظم شركات المقاولات ليس لديها مخزون فعلي للإسمنت، وأن تلك الشركات قامت منذ وقت مبكر بالعقود مع شركات الإسمنت لتوفير كميات كبيرة، لتغطية مشاريعها وخاصة المشاريع الحكومية، الأمر الذي يزيد من احتمالية استمرار الأزمة في الوقت الحالي ما لم يتم التوسع في مصانع الإسمنت، وفتح مصانع جديدة تستوعب الطلب المتزايد على الإسمنت في الوقت الحالي، من 15 مصنعا إلى 25 مصنعا جديدا.

وكانت مصادر مطلعة في سوق الإسمنت السعودية قد كشفت عن مخاوف لتوقف خطوط إنتاج بعض مصانع الإسمنت، وذلك بعد بوادر أزمة حقيقية يشهدها القطاع خلال هذه الفترة من خلال النقص في حصص الوقود.

وبينت المصادر أن مصانع الإسمنت تواجه إشكاليات حقيقية في نقص حصص الوقود الذي عطل جزءا من خطوط الإنتاج في أوقات متقطعة خلال العام الماضي، متخوفين من عدم توفر الكميات المطلوبة لخطوط إنتاج المصانع خلال الفترة المقبلة أيضا مما قد يزيد من حدة الأزمة في السوق.

وقال لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق سفر بن محمد ظفير الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة «إسمنت المنطقة الجنوبية»: «سمعنا خلال هذه الأيام العديد من الأزمات في سوق الإسمنت وهذا ينم عن وجود سوء في التوزيع، فالمصانع تنتج طاقات أعلى من الطاقة التصميمية، وعلى سبيل المثال فإن إنتاجنا في (إسمنت الجنوبية) 20 ألف طن يوميا في كل من بيشة وجيزان وتهامة بينما يباع 23 ألف طن يوميا، أي ما نسبته 15 في المائة من الطاقة الفعلية مما يؤكد أن هناك زيادة في الإنتاج».

وأضاف ظفير «إن الطلب عال جدا فمن الآن وإلى شهر يوليو (تموز) المقبل تشهد جميع المناطق في السعودية نشاطا خلال هذه الفترة مع وجود العديد من المشاريع الحكومية والأهلية التي أمرت بها الدولة من خلال الأوامر الملكية التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين مؤخرا».

وأشار الرئيس التنفيذي لشركة «إسمنت الجنوبية» قائلا «نحن لا نتحكم في مسار الإسمنت عند خروجه وليس لنا أي تحكم في الأسعار، فنحن نبيعه بـ12.5 إلى 13 ريالا (3.4 دولار)، وعند تسليم الإسمنت تنتهي مسؤوليتنا عن الإسمنت المكيس الذي يمثل 40 في المائة في مصنعنا، فالإشكالية تكمن في الموزعين الذين لا يصلون إلى نقاط البيع لعدة أسباب، ويحاولون الاستفادة من خلال خلق خلل في العرض والطلب وعمل تجفيف لنقاط البيع، ومن ثم إجبار المستهلك على البحث عن شاحنات الإسمنت وبأسعار أعلى من السعر الطبيعي له».

وزاد «تكمن الثغرة هنا في عمليات التوزيع، فوزارة التجارة والدوريات الأمنية هي من يقوم بتلك المهمة، فالمسؤولية تقع على عاتقها، ونحن لا صلاحيات لدينا سوى شحن تلك الناقلات بالإسمنت وتنتهي مسؤوليتنا عند إعطاء التجار حصصهم المعتمدة لهم من الإسمنت».