دعوة لتبني المساكن الاقتصادية والتوسع الرأسي في السكن

في ضوء دراسة أكدت أن الفيلات في جدة أكبر بثلاثة أضعاف منها بأميركا وأوروبا

TT

دعا عبد الله الأحمري، الخبير العقاري، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى تبني التوسع الرأسي في بناء المساكن الجديدة، وكذلك المساكن القائمة حاليا، بالإضافة إلى إنشاء المساكن الاقتصادية، وذلك من أجل تجنب التوسع الأفقي وترامي أطراف المدن السعودية الكبرى بوجه خاص، مع مقابلة وتيرة الطلب المتزايد للسكن.

واعترف الأحمري متأسفا بأن مساحات المساكن بأنواعها المختلفة في المملكة واسعة، بالمقارنة مع غيرها من بلدان العالم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، وليس في جدة فقط، قائلا «جدة مدينة اقتصادية، وذات ثقافة سكانية عالية، ولو تمت دراسة ما على غيرها من المدن، لاكتشف أنها أكثر مضاعفة».

وعزا ذلك التوسع إلى الموروثين الثقافي والاجتماعي اللذين يدعوان إلى أن يكون المنزل مكانا واسعا بقدر المستطاع، حتى يستوعب الأسرة الممتدة التي تزداد بشكل مستمر.

وأضاف «يضطر الكثير من ملاك العقارات بما فيها الفيلات، إلى التوسع خلال مراحل مختلفة، أو يضطر لمراعاة ذلك التمدد عند شراء العقار، فتجده يبحث عن أكبر المنازل، مما يسبب له خسارة هو في غنى عنها».

وشاطره الرأي في هذا الإطار عبد الله المضيان مهندس إدارة المرافق الذي قضى أربع سنوات من حياته في الولايات المتحد الأميركية، مبينا أن الأسرة في تلك المجتمعات تتكون مما بين اثنين إلى أربعة أفراد، وتتحد فيها أماكن المعيشة والضيافة للجميع، في حين تختلف في مجتمعنا غرف الضيافة وغرف المعيشة وتقسم أيضا بين الإناث والذكور.

ويؤكد صحة ذلك محمد العيدروس الذي يمتلك منذ 15 عاما فيلا بجدة يسكنها مع سبعة من أفراد أسرته، موضحا أنه اضطر لتوسعة مساحة تلك الفيلا قبل ثلاث سنوات، وذلك «لتحقيق المتطلبات الجديدة للأسرة»، على حد وصفه.

ولا يعتقد المضيان، الحاصل على ماجستير في الهندسة المعمارية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون للعامل الاقتصادي دور في هذا التوسع قائلا «في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بإمكان المواطن أن يمتلك فيلا بقيمة 150 ألف دولار أميركي بل وأقل من ذلك، في حين يحتاج ضعف ذلك بالحد الأدنى للحصول على فيلا بالسعودية».

وحول الأثر الاقتصادي للظاهرة، أوضح عبد الله الأحمري، الخبير العقاري، أن ذلك يقلل من العرض العقاري مما يزيد الأسعار، كما يبين أن التوسع في بناء العقارات أفقيا كان ضمن تلك العوامل التي تسببت في شح الأراضي الذي تعيشه مدن مختلفة من البلاد.

ومع تأكيده المشكلة، أبدى الأحمري تفاؤلا في سياق ذلك، ذاكرا أن الكثير من المطورين والشركات العقارية بدأت بشكل جدي بناء المساكن الاقتصادية، وذلك للتماهي مع رغبات الجيل الجديد من الشباب الذين يفضلون هذا النوع من المساكن، إذ إنها توفر ليس فقط في سعر الشراء أو الإيجار، بل تتجاوز هذا للتوفير في الصيانة والتأثيث التي باتت تكلف كثيرا.

وقدر الخبير العقاري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المساحة الأقرب والأفضل للتمام بالنسبة للأسرة هنا تتراوح بين 150 و320 مترا مربعا حسب حجم الأسرة، موضحا أن أقلها يفي لاستيعاب أسرة لا يقل عدد أفرادها عن خمسة، موضحا أنه حتى هذه المساحة تعتبر واسعة بالنسبة لدول العالم في الخارج.

ووجد عبد الله الأحمري أن فكرة التوسع الرأسي بدلا من الأفقي قد تساعد على إيجاد حل للمشكلة التي تسبب ترامي أطراف المدن.

بينما لم يجد المهندس عبد الله المضيان في ترامي أطراف المدينة مشكلة لو تم تفعيل خدمات النقل العام وتدعيم البنى التحتية في جميع مدن المملكة بما فيها الكبرى، ضاربا المثل بنيويورك الواسعة جدا والتي يسكن الكثير من أهلها خارجها، لكن خدمات النقل العام تجعل الوصول لجميع الأماكن وسط المدينة في وقت وجيز.

وكانت دراسة سعودية هندسية قد كشفت في أغسطس (آب) الماضي عن أن مساحة الفيلات والمساكن بمدينة جدة تعادل ثلاثة أضعاف مساحة الفيلات والمساكن في كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

وأشارت الدراسة التي أجراها المهندس الدكتور نبيل عباس، رئيس الاتحاد العربي للتحكيم الهندسي، إلى أن متوسط مساحة الفيلا الواحدة في مدينة جدة العام الماضي قدر بـ900 متر مربع، في حين كان متوسط مساحة الفيلا في كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا لا يزيد على 245 مترا في نفس العام.

وقال الدكتور نبيل عباس: «إن الدراسة توضح الإسراف الكبير في البناء وفي تصميم المساكن لدى المجتمع السعودي»، مشيرا إلى أن احتياجات الإسكان لا بد أن تكون طبقا للواقع وليس طبقا للأحلام والآمال العريضة.

وبين صاحب الدراسة أنه حتى لو أخذ في الاعتبار أن الأسرة السعودية أكبر نسبيا من الأسرة الأميركية أو الأوروبية، فلسنا أيضا بحاجة إلى كل هذه المساحة الزائدة ولا نحتاج إلى أن نصل إلى ثلاثة أضعاف.

وحول من يقول بأنه لا ضرر من اتساع المساكن، سيما أن مساحة المملكة لا تقارن بمساحة الدول الأخرى، أكد الدكتور نبيل عباس أن مساحة الدولة ليست هي المقياس بل كثافة السكان، وبين في هذا السياق قائلا «على العكس، فإن مساحات الولايات المتحدة أكبر بكثير، لكن الفرق في كثافة السكان، فمثلا هناك 300 مليون أميركي يعيشون في مساحة تقدر بثمانية مليون كيلومتر مربع، بينما هناك 25 مليون سعودي ويعيشون في مساحة تقدر بمليوني كيلومتر مربع».

وأوضح رئيس الاتحاد السعودي للتحكيم الهندسي أن المساحات الجاهزة للبناء في الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا أكبر بكثير من السعودية، مبينا أن لديهم مساحات خضراء وغابات مقارنة بالمناطق التي في السعودية والتي يقع أغلبها داخل النطاق الصحراوي، ورغم ذلك هناك توفير وتوازن في بناء مساحات البيوت والمساكن.

وأوصى الدكتور في هندسة وإدارة التشييد بأن تكون هناك توعية شاملة في المجتمع السعودي تؤسس لثقافة عدم الإسراف في البناء، والعمل على تصميم المباني المتوافقة للاحتياجات الحقيقية للمواطن، والتي تضمن الاستخدام المتعدد للمساحات والأماكن المعيشية.