«نطاقات» يخلخل البناء الوظيفي في الشركات ويخلق بيئة تنافسية للخبرات

خبراء يؤكدون وجود شح في التخصصات.. وارتفاع كبير في الأجور.. وعودة قطاعات متعثرة للسوق

توقعات بتجفيف نسب البطالة بين المواطنين خلال السنوات القليلة المقبلة
TT

تسبب برنامج «نطاقات» الملون لتحديد نسب توظيف السعوديين، في خلخلة القطاع الخاص وخلق بيئة تنافسية لاستقطاب الخبرات، ففي الوقت الذي يتوقع أن تتقوقع الشركات المتقاعسة، أعلنت شركات أخرى أن برنامج «نطاقات» جاء في الوقت المناسب للحد من تعثر قطاعات كانت في السابق تلزمها وزارة العمل بتوظيف عمالتها من السعوديين بنسبة 100 في المائة، كقطاع العقار ومحلات الذهب.

يأتي ذلك في وقت تستعد مؤسسات النقل في البلاد لعمل تكتلات للاستعداد لإنشاء شركات في النقل، سواء في قطاع «اللموزين» أو النقل المدرسي، بعد أن تسبب برنامج «نطاقات» في إمكانية إنشائها بعد أن حال هذا الأمر لأكثر من 10 سنوات، بسبب اشتراط وزارة العمل أن يكون جميع السائقين من السعوديين، وهو ما تعذر إيجاد أكثر من 5 آلاف فرصة عمل للسعوديين.

واعتبر خبراء في الموارد البشرية لـ«الشرق الأوسط» أنه خلق بيئة تنافسية بين الشركات وصفتها متعاملة بغير الاحترافية، لتسبب كثير من الشركات المتوسطة والأجنبية في خسائر لديها من قبل الخبرات البشرية، بعد أن قامت تلك المؤسسات بتدريب سعوديين على دورات داخلية وخارجية، وقامت شركات كبرى لديها نسب متدنية في استقطاب تلك الكفاءات برواتب كبيرة تصل إلى ضعف الراتب المقدم.

وأوضحت الدكتورة أمل أسعد شيرة، نائبة لجنة المورد البشرية في غرفة جدة ورئيسة التوظيف في إحدى الشركات الأجنبية المستثمرة في السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، أن برنامج «نطاقات» وضع الشركات في أزمة، رغم أن 60 في المائة من شركات القطاع الخاص كانت ملتزمة بنسب جدية في توظيف السعوديين، حسب ما أعلنته وزارة العمل مؤخرا، ويرجع السبب إلى قيام الشركات الكبرى المتعثرة في تحقيق توظيف مناسب في استقطاب السعوديين من أصحاب الخبرات لدى الشركات الأجنبية التي كانت في السابق تسابق الشركات الوطنية في توظيف السعوديين.

ووصفت الدكتورة أمل هذا الإجراء بغير الاحترافي في التنافس بين الشركات بالقطاع الخاص، وقالت «هناك شركات قامت بتدريب خريجي الحملات الجامعية وخاصة من المهن المهنية في دورات خارجية كسويسرا، وأميركا، وتأتي شركات كبيرة وخاصة في قطاع المقاولات بتوظيفهم، وعلى رواتب كبيرة، سبب في حدوث أزمة في إيجاد كوادر بشرية مدربة».

ولفتت الدكتورة أمل إلى أن حصول السعوديين على مرتبات عالية أمر صحي، وينعكس على رفاهية الموظفين، ولكن يجب أن تكون تلك الوظائف المعينة لها بعد مستقبلي، وليس أن يكون الهدف هو إحلال الوظائف الأجنبية بالعمالة السعودية، من دون أن يكون لتك الوظائف مؤشرات إدارية كسلم للرواتب، وحوافز ودورات مهنية وسلوكية تعطى على رأس العمل.

وأشار الاقتصادي عبد العزيز الحارثي والخبير في الموارد البشرية إلى أن برنامج «نطاقات» برنامج حديث، عمل وفق دراسات ميدانية، لتقدير حجم العمالة السعودية وفق خريجي الجامعات، من جميع التخصصات، يقابلها حجم المهن والفرص الوظيفية للتخصصات المناسبة لتلك المخرجات، فمن الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل، تسبب إثارة للجدل في القطاع الخاص في السعودية.

وقال الحارثي لـ«الشرق الأوسط» برنامج «نطاقات» وضع الشركات في موقف محرج، فليس هناك أعذار لعدم توظيف السعوديين، حيث حددت وزارة العمل نسبا محددة في كل نشاط، تم قياسها بشكل علمي والتي تفاوتت بشكل مناسب حسب حجم المهن والفرص والوظيفية المناسبة للسعوديين، وحجم التخصصات التي يمكن شغلها، سواء من خريجي الشهادات العلمية والمهنية، أو إخضاع متدربين بدورات تنتهي بالتوظيف، وهو ما عمل في معظم الشركات وخاصة في المهن الإدارية والإشرافية، ومهن البيع بمحلات التجزئة التي حددت دورات لا تزيد على شهرين، وتم تعيين آلاف السعوديين برواتب تتجاوز 3 آلاف ريال شهريا.

ومن أكثر المهن التي تشهد شحا في توفيرها، التخصصات الهندسية، والفنية، والتقنية، وعلمت «الشرق الأوسط» أن تلك الكوادر جاءت عن طريق مكاتب توظيف متخصصة، وعن طريق التعامل المباشر والعلاقات بين المؤسسات والشركات الخاصة.

بينما تتوافر كوادر كبيرة من الجنسين في المهن الإدارية، وجميع تلك المهن أخضعت لمقابلات شخصية، قبل الحصول على عقود للتوظيف.

وفي نفس السياق، قال عبد الله الزهراني الذي يحمل دبلوما في تخصص الإنتاج من كلية التقنية: «حصلت على فرصة وظيفية قبل شهرين براتب يزيد على مرتبي السابق 60 في المائة، وطبعا قبلت العرض ولم أتردد رغم أن عملي في السابق كانت يوفر لي بيئة عمل مناسبة، ولكن لحاجتي لدخل مناسب يساعدني على الزواج جعلني أقدم استقالتي، ومباشرة عملي الجديد حتى قبل الحصول على أوراقي ومستحقاتي».

وأضاف «ليس هناك مستفيد من عمل (نطاقات) بشكل مباشر سوى السعوديين، بعد أن كانت عملية التوظيف ترجع لأسباب مزاجية، من قبل أصحابها، وليس لأهداف وطنية، الأمر الذي انعكس على ارتفاع نسب البطالة في السعودية».

وشارك الزهراني الأمر عبدو الودكاني، الذي طالب أن تكون هناك وظائف يلزم فيها السعوديين، رغم أن هناك مهنا يلزم القوانين أن تشغل بالسعوديين نظرا لكثرة وجود تلك التخصصات بين صفوف الخرجين، إلا أن تلك القوانين لا تجد من يتابع تطبيقها، ومراقبتها. وأشار الودكاني إلى أنه لم يغادر عمله للحصول على فرص وظيفية، وإنما فضل البقاء بعد أن حصل على زيادة مناسبة، ودورة خارجية لدورة تدريبية لمدة شهرين لتسلم مهام وظيفية إشرافية في المؤسسة التي يعمل بها.

ويعد برنامج «نطاقات» بديلا لبرنامج السعودة، ويعمل على دراسة نسب السعودة الواقعية ومستوحاة من واقع السوق، بحيث أجريت عشرات الورش في القطاع الخاص، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، ومديري مكاتب العمل في السعودية، لمراجعة آليات برنامج السعودة السابقة.

وصنفت وزارة العمل البرنامج الجديد لمنشآت القطاع الخاص إلى 3 نطاقات ملونة، ورمز لها بالألوان «الأخضر، الأصفر، الأحمر»، وتكفل تلك المعدلات تحقيق نسب التوطين بتلك المنشآت، على أن تقبع المنشآت المحققة لنسب توطين مرتفعة في النطاق الأخضر، بينما تقبع المنشآت الأقل توطينا في النطاق الأصفر، ثم يليها الأحمر على التوالي حسب نسبة كل منها.

وفرض عدد من العقوبات على المنشآت متذيلة التصنيف في اللون الأحمر، مثل عدم تجديد رخص العمل، وبالتالي عدم تصدير إقامة للعمالة الأجنبية التي تكون عاملة في ذات المنشآت.

أما في ما يتعلق بموظفي تلك المنشآت المصنفة باللون الأحمر، فيحق للعاملين أن ينتقلوا إلى العمل في المؤسسات ذات التصنيف الجيد، ويعول على البرنامج، التعامل بشكل جاد على من يخالف تلك القوانين، التي تأخذ تسهيلات للعمل في المملكة دون الإيفاء بمتطلبات السعودة.

وستمنح المنشآت الواقعة في النطاق الأخضر حرية انتقاء وتوظيف، ونقل كفالة العمالة الوافدة من المنشآت الواقعة في النطاقين الأحمر والأصفر، وذلك دون موافقة صاحب العمل، وسبق أن أعلن عن تفاصيل المزايا والتسهيلات الإضافية من خلال البوابة الإلكترونية لوزارة العمل، التي ستستفيد منها المنشآت «الخضراء»، بينما ستحرم منها المنشآت «الصفراء» و«الحمراء».

ومع نهاية المهلة المحددة لوزارة العمل لتطبيق نسب السعودية المحددة من قبل الوزارة، يتوقع أن تخرج ما يمثل 10 في المائة من حجم المؤسسات في القطاع الخاص، بينما يتوقع أن تعود نشاطات تعثرت بسبب قرارات سابقة وجاء برنامج «نطاقات» ليعيد الأمل في استمرارها والتوسع فيها.

ومن بين تلك المؤسسات محلات الذهب، وشركات «اللموزين»، ومحلات العقار، التي ألزمتها وزارة العمل بإحلال جميع عمالتها الأجنبية وتوظيف السعوديين بنسبة 100 في المائة، وهو أمر ساهم في تعثر وخروج الكثير من المؤسسات من النشاط والبحث عن قطاعات تجارية أخرى.

وأرجع متعاملون أسباب ذلك لعدم وجود عمالة مدربة تحتوى العدد الكبير من مجموع النشاطات في السعودية، ولقلة الرواتب المقدمة التي يرفضها السعوديون، جملة وتفصيلا.

وأشار محمد العمودي، أحد المستثمرين في محلات الذهب، إلى أن برنامج «نطاقات» وتحديد نسب محددة لتوظيف السعوديين في محلات الذهب سيساهم في عودة النشاط والتوسع فيه، وحصر المهن المحددة وفق النسب التي ألزمت وزارة العمل مؤسسات ومصانع الذهب في المهن الإدارية والقيادية للسعوديين فقط، وترك مهن البيع وغيرها من المهن البسيطة للعمالة الوافدة.

ويواجه قطاع النقل أزمة حقيقية في توفير العمالة السعودية كسائقين، بالمقابل تواجه تلك القطاعات مشاكل في جلب عمالة من الخارج لاشتراط توظيف السعوديين، ففي كل عام يتسبب نقص سائقي الحافلات السعوديين في كل موسم للحج والعمرة إلى الاستعانة بنحو 240 شركة تعمل في مجال الحج، ونقابة السيارات، والجهات المسؤولة عن نقل الحجاج، إلى الاستعانة بنحو 4 آلاف حافلة بسائقيها من نحو 4 دول عربية وأجنبية تتقدمها تركيا ولبنان.

ورفع معظم سائقي السيارات إلى وزارة العمل مقترحا لتحديد نسب تتناسب مع حجم العمالة المتوافرة للسعوديين، للإسراع في إنشاء شركات النقل التي حددها المستثمرون بنحو مليار ريال كرأسمال للاستثمار في أول شركة يزمعون إنشاءها، لخدمة قطاع النقل المدرسي، بحيث تعمل كتكتل لتوحيد نشاطهم وتنظيم عملهم بمبالغ تتراوح ما بين 100 إلى 150 مليون لكل شركة يتم إنشاؤها في كل مدينة، والمتوقع أن يصل عدد الشركات الرئيسية إلى 6 شركات موزعة في المدن الرئيسية، وتعمل كل شركة على فتح فروع لها.

وقال إبراهيم الريبي، متعامل في النقل المدرسي «إن إنشاء شركة نقل يعتبر أحد الحلول المناسبة لإنهاء المشكلات التي تواجه أصحاب النقل المدرسي، من أهمها نسبة السعودة الإلزامية بنسبة 100 في المائة، وعدم وجود سائقين من السعوديين يعملون في هذه المهنة، وإن وجدوا لا نضمن استمرارهم بالمهنة، إضافة إلى ارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار خلال السنوات الأخيرة بنسبة 70 في المائة».

وكشف محمد آل طاوي، عضو لجنة الموارد البشرية في غرفة جدة، لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق عن أن الشركات المتعثرة، التي توجد حاليا ضمن حدود اللون الأحمر، ليست من الشركات الصغيرة كما يشاع، وإنما توجد به شركات شهيرة، من بينها شركه مقاولات كبرى، تحتاج إلى أكثر من 20 ألف سعودي للعمل لديها للخروج من دائرة الخطر.

وقال آل طاوي، إن «لجنة الموارد البشرية ستسهم في دعم قرار برنامج (نطاقات)، من حيث توجيه الشركات التي لم تحقق نسب سعودة لديها، حيث حددت وزارة العمل نسبة سعودة عن كل مهنة، فهناك شركات حددت لها نسب بسيطة كالمقاولات، وبعض الشركات نسب مرتفعة جدا».

وحول أعذار بعض الشركات في عدم وجود سعوديين يعملون في بعض المهن كمهن الصيادين، وشركات سيارات النقل والدباغة، اعتبر عضو لجنة الموارد البشرية محمد آل طاوي أعذارهم غير مقنعة، وأن هناك وظائف في شركاتهم يمكن توظيف السعوديين فيها، كالتعقيب والإشراف الميداني، وسائق، وغيرها من المهن.

وأرجع آل طاوي إشكاليات الشركات والمؤسسات في تنظيم هيكلتها وتوطين الوظائف لديها، إلى ضعف ثقافة التوطين لديها، وكثرة المؤسسات التي تعمل بطرق غير نظامية وهو ما يعرف بالتستر التجاري.

وأعرب عن توقعه أن تكون تلك المؤسسات هي أول الخارجين من السوق، ولن تجد أمامها إلا إما أن تكون مؤسسات نظامية تتبع نظام الاستثمار الأجنبي في البلاد، من تصاريح رسمية، أو ترك النشاط التجاري.

يشار إلى أن السعودية تسعى عبر الاستعانة ببرنامج «نطاقات»، للتفريق في التعامل بين منشآت القطاع الخاص ذات معدلات التوطين المرتفعة والأخرى التي لا ترغب في التوطين، وذلك بربط البرنامج بعدد من المؤشرات، المتدرجة، وتشمل كل فئة على عدد الحوافز والتسهيلات التي تتأهل لها المنشآت حسب معدلات توطين الوظائف بها.