رئيس حملة «السكينة»: «القاعدة» تروج لاستباحة رجال الأمن بـ«مجلة» و«رسائل إلكترونية»

قال لـ «الشرق الأوسط»: حاورنا 3250 فردا.. ومؤججو القطيف يركزون على الفتن وليس الإصلاح

عبد المنعم المشوح رئيس حملة «السكينة» و نموذج للحوارات مع أصحاب الفكر المتشدد وطريقة الرد عليهم
TT

كشف رئيس حملة «السكينة» الإلكترونية، التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية، عن بدء تنظيم القاعدة في إصدار وسائل إعلامية جديدة، عبارة عن مجلات مطبوعة ورسائل إلكترونية، تحث على استباحة دماء رجال الأمن في الدول الإسلامية، وأنه عجّل بالحملات المضادة لهذا التنظيم، وقام الموقع بترجمتها لثلاث لغات، هي الإنجليزية والروسية والأردية، مدعما إياها بالحجج والبراهين على جرائم هذا التنظيم.

وقال الشيخ عبد المنعم المشوح، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحملة نجحت في محاورة 3250 فردا من الجنسين، كانت تتركز معتقداتهم حول عدم شرعية الدول الإسلامية القائمة، وضرورة قيام خلافة إسلامية، وتكفير واستباحة دم رجال الأمن، وينتمي 80 في المائة من هؤلاء إلى الدول العربية. وأكد أن المحاورين رجعوا عن تلك المعتقدات، ويزورون ويدرسون حاليا على يد عدد من المشايخ والعلماء.

وأوضح المشوح أن حملته تقوم بدور كبير في منع تأجج الفتن في السعودية، وأن من يؤججها عبر شبكات التواصل الاجتماعي تكون آراؤه بعيدة عن المطالب الإصلاحية، في الجهاز الإداري في الدولة، وتتركز حول مذاهب تتسبب في إراقة الدماء بالمجتمع.

ولفت المشوح إلى أن الاحتجاجات الأخيرة في منطقة القطيف شرق السعودية، رصدت حملته قيامها على عبارات مذهبية تسببت في هذه الفتنة، وأن المواطن الذي قتل خلال الاحتجاجات وُجدت عبر صفحته في «تويتر» قبل مقتله بساعات عبارة «سوف تضج القطيف بموتي»، إضافة إلى كلمات غير متزنة، وهو ما يظهر أن القتيل كان مشحونا.

وأشار المشوح إلى أن «السكينة» ستقوم بدورها بفاعلية على صعيد ما يثار من جدل اجتماعي، كعمل المرأة في الأسواق، والاختلاط في العمل، وغيرهما من المسائل الخلافية حتى لا تتسبب في فتن وصراعات داخلية..

وإلى تفاصيل الحوار..

* بداية، إلى أين وصلت حواراتكم مع المتطرفين، وما هو حصاد 10 سنوات من الحوار، وما الجديد في هذا الجانب؟

- منذ انطلاق حملة «السكينة» ونحن نسير في اتجاهين: الأول هو الحوار والنقاش والرد على الأفكار المنحرفة وتفتيت الشبهات.. والثاني هو التأصيل العلمي والشرعي للمسائل والأحكام التي فهمها هؤلاء فهما خاطئا، وهو ما نسميه «البناء»، مما يعني بناء الأفكار وفق القواعد الشرعية الصحيحة الوسطية.

فخلال الفترة من 2003 وحتى 2006 كنا نغلّب جانب الحوارات والردود والمناقشات، ونحاول تكثيفها عبر الوسائل المتعددة، وبعد 2006 بدأنا نغلّب جانب البناء والتصحيح والتحصين ونقلل من الحوارات المباشرة مع وجودها واستمرارها بشكل محدود. وحاليا أنهينا الحوارات مع 3250 شخصية من الجنسين، وحرصنا منذ البداية على توثيقها ونسخها كما هي، وقد استفاد منها بعض الباحثين للحصول على درجات علمية وتحليل مضمونها، ونرحب باطلاع الباحثين والمتخصصين عليها للإفادة منها في دراساتهم.

* هل هناك أمور مشتركة أثناء محاورتكم للمتطرفين، أم أنهم يختلفون باختلاف مواقعهم وجنسياتهم؟

- طبعا الحوار مع المتطرفين والغلاة يختلف باختلاف خلفياتهم والمحركات لهم، فتنظيم القاعدة والتنظيمات المشابهة له نعرف منطلقاتهم العلمية، أو بالأصح لديهم منطلقات يمكن مناقشتها، لكننا نعاني الآن مع المتطرفين الذين لا يملكون منطلقات أو قواعد أو حتى أهدافا، فهم تبنوا هذه الأفكار ليس إيمانا بها أو لرغبة دينية بقدر ما كان ذلك لرغبة في العنف والمواجهة والانتقام، والأدبيات الفكرية لهذه الجماعات متقاربة جدا ويعيدون صياغتها بشكل جديد، لكن المضمون متقارب والمنطلقات واحدة، فأصل أدبياتهم يقوم على إقامة الخلافة الإسلامية، وهذا التوجه معروف منذ أن تبنته جماعة الهجرة والتكفير في مصر، ويقوم على نقض شرعية الدول الإسلامية القائمة، وهذا الهدف لا يتم إلا بتأصيل تكفير الدول والأنظمة وتسويغ الخروج عليها بالسلاح، وتتفرع من ذلك عدة تشعبات عقدية وفقهية، لذلك عندما تتم مناقشتهم في التفاصيل والفروع يصعب الوصول إلى نتيجة، لكن مناقشتهم في أصولهم ومنطلقاتهم وأهدافهم تكون مؤثرة، لذلك ظهرت المراجعات من داخل هذه الجماعات، وتبعها إعلان توبة مجموعات اهتزت لديهم القناعات الشرعية والفقهية بأصول منهجهم.

* في ما يخص الحوار مع المتطرفين، ما هي آخر مواجهاتكم وإصداراتكم في ذلك.. وماذا رصدتم خلال السنوات الأخيرة من تحركاتهم وتوجيهاتهم في معظم الدول التي تشهد تنظيما فكريا من هذا النوع؟

- بناء على متابعتنا للعمليات خلال سنة 2011 والسنتين اللتين قبلها، لاحظنا تنامي الاعتداء على رجال الأمن والشرطة في مناطق الصراع، خاصة في اليمن والجزائر وباكستان وغيرها، وأصدرنا دراسة موسعة لمناقشة شبهات المعتدين في هذا الجانب وتحليلها شرعيا وفق القواعد العلمية المعتبرة.

* هل حاورتم أفرادا من خارج السعودية؟

- وفق المعطيات التي لدينا فإن 50 في المائة ممن حاورناهم كانوا من منطقة الخليج، و30 في المائة من الدول العربية المجاورة، و20 في المائة من أوروبا وأميركا، ونسبة الذين نتحاور معهم منذ 2006 تزيد من خارج السعودية، ونحن في حملة «السكينة» وإن كنا نحرص على التحصين في داخل السعودية فإن أهدافنا تصل إلى العالم الإسلامي ومناطق الأقليات المسلمة في العالم، وقد وجدنا تجاوبا كبيرا لدى الجاليات والأقليات المسلمة، والآن نحاول تلافي حاجز اللغة.

* كيف يمكن لكم تلافي حاجز اللغة؟

- نعمل على تطوير موقع «السكينة» بشكل كبير باللغات الإنجليزية والروسية والأردية. وسيتم إطلاق التطوير باللغة الإنجليزية قريبا بإذن الله، وكان اختيار اللغة الأردية لأهميتها لدى الأقليات والجاليات المسلمة المنتشرة في العالم، وللموقع الاستراتيجي للدول الناطقة بها. أما الروسية فلكثرة الجماعات المتطرفة المتناثرة الناطقة بالروسية ولحاجة الجماعات والأقليات المسلمة الوسطية والمعتدلة - وهي الأكثر ولله الحمد - إلى مواد علمية وسطية تطرح المفاهيم الصحيحة، وقد قامت وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية مشكورة بدعم هذا المشروع باللغات بشكل كبير واحترافي.

* تنظيم القاعدة وبعض التنظيمات العسكرية خاصة في أفغانستان وباكستان تنشط في نشر منشورات كثيرة ميدانيا، وتترجم تلك المنشورات بمعظم اللغات.. هل تتابعون مثل هذه الإجراءات؟

- نعم، وكان آخرها إصدار تنظيم القاعدة لمجلة صدر أول عدد منها الشهر الماضي، وحسب ما وردنا فإنها تحث على قتل واستباحة دماء رجال الأمن، وإن شاء الله ستكون ترجمة موقع الحملة ثمرة في الرد على تلك الشبهات وردع القائمين عليها.

* شاركت «السكينة» في مؤتمرات خارجية، وكان آخر ذلك تقديم ورقة عمل في مؤتمر الإرهاب في سنغافورة.. ماذا استفدتم من ذلك، وهل هناك دول رغبت في نقل التجربة الحوارية إليها؟

- تجربتنا في سنغافورة التي التقينا خلالها مع متخصصين عالميين كشفت لنا حقيقة مهمة، وهي أننا في السعودية نملك أدوات نادرة، أدوات فكرية ودينية يحتاجها العالم للسلام، وأكد هذا التصور الرسائل التي وصلتنا بعد المؤتمر من بعض الحضور للتعاون المشترك وإبداء الرغبة الكبيرة في الإفادة من تجربتنا والمواد العلمية والفكرية المطروحة من جهتنا وترجمتها. أما في ما يتعلق بتجربتنا فقد زارتنا وفود لنحو 30 دولة، وجميعهم جاءوا في زيارات ودية وليست رسمية، وساعدناهم بخبراتنا.

* عملكم مشابه كثيرا لعمل وزارة الداخلية في برنامج «المناصحة» للمقبوض عليهم من التكفيريين، لكن مع اختلاف أن الأشخاص الذين تحاورونهم لا تعرفونهم.. هل تواجهون مشكلة في ذلك؟

- على العكس، الحوار عن طريق الإنترنت أفضل بكثير من المواجهة، لأن المتلقي يكون في وضعية نفسية جيدة تسمح له بتلقي الحجج والبراهين وهو مرتاح، لأن المواجهة تشتت الذهن، ويصعب معها الحوار مع بعض الأشخاص المتشددين في الرأي.

* كما هو ملاحظ موقع «السكينة» يشهد تنوعا وتطويرا في تعاطيه مع الأحداث.. ما هي خطتكم، وإلى أين يمكن أن تصل «السكينة»؟

- السكينة تواجه الفتن.. تنظيم القاعدة وجماعات العنف وإن كانت لا تزال موجودة ومؤثرة فإنها ليست الوحيدة التي تثير الفتن والفوضى، فقد أطلقنا حملة «درء الفتنة» واستفاد منها أكثر من مليون شخص، وهي تركز على أصول مهمة مثل وحدة الكلمة، حفظ الحقوق، رعاية المصالح الشرعية، حقن الدماء، تكريس مفاهيم الولاء والانتماء، وذلك في مواجهة موجات الفوضى ودعاوى المظاهرات والمسيرات ووسائل التعبير غير النظامية وغير المشروعة في السعودية.

كما أصدرنا عدة ملفات تفاعلية حول أحداث القطيف، وحاولنا طرح رؤية هادئة ومتزنة تعتني بالمحافظة على أمن واستقرار المنطقة وسلامة الدين والنفس، كما أسهمنا في إطلاق ملف يطرح رؤية شرعية متوازنة حول الأحداث الجارية في بعض البلاد الإسلامية والعربية، وما تبع الثورات من فوضى وتجاذبات فكرية، ونحن ندرك خصوصية كل بلد، لكن الذي يهمنا ونحرص عليه هو صيانة أصول الدين وحماية الشعوب من الانجرار وراء متاهات الفوضى، ففي هذا الزمن نحن أحوج ما نكون إلى ترتيب الأولويات والمهمات.

بالإضافة إلى ذلك قمنا بإطلاق ملف الحج، وهو يهدف إلى نبذ الاستغلال السياسي لموسم الحج، والتركيز على المعاني الإيمانية السامية فيه، وأطلقنا عدة مواد في رمضان حول آداب القنوت والدعاء والتحذير من الغلو في الدعاء، كذلك تطرقنا كثيرا لآداب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأطروحات العلمية التي نحاول من خلالها معالجة الظواهر الخاطئة ودعاوى المغالاة في استخدام الشعائر والأحكام الدينية.

* ذكرتم أن برنامج «درء الفتنة» تضمن مواجهة دعوات التظاهر المتتابعة داخل السعودية.. فإلى أي حد وصلتم، وهل توجد نتائج لعملكم؟

- انطلقنا في مشروعنا المواجه للتظاهر ووسائل التعبير غير الشرعية وغير النظامية مع انطلاق أول دعوة للتظاهر بشكل كبير، وتحركنا في ثلاثة اتجاهات: الأول الرصد الدقيق لهذه الصفحات والمواقع، وهذا يفيدنا كثيرا في فهم أساليبهم وطرق التعامل (الشرعي) معها، واكتشفنا بالوثائق أن أغلب هذه المواقع والصفحات تتم إدارتها وتحريكها من الخارج، ووفق المعطيات وجدنا أن 98 في المائة منها خارج السعودية!.. وللأسف أغلب هؤلاء يكذبون في ادعائهم الإصلاح أو المصلحة، وهم يرفضون الحوار تماما، وراسلناهم كثيرا وحاولنا الدخول في حوارات صريحة على صفحاتهم لكنهم يعمدون للحذف. والاتجاه الثاني صياغة مواد علمية مناسبة لمواجهة هذه الدعاوى وهذه الموجات الخبيثة، وقد أثرت هذه المواد كثيرا؛ لأن أغلب الناس ولله الحمد يريدون الخير ويرفضون مخالفة الدين أو عمل ما يفسد أمن بلادهم. والاتجاه الثالث مراسلة ومخاطبة أصحاب الصفحات والمواقع، لكن أصحاب الصفحات الخارجية يرفضون تماما أي تواصل، أما الصفحات التي داخل السعودية فأغلب أصحابها يستجيبون، ووصلنا معهم إلى منطقة فكرية لا بأس بها.

* أين وصل هؤلاء في مشروعهم؟

- هم أعلنوا ويعلنون دائما فشلهم، وهذا موجود بشكل صريح في صفحاتهم، فرغم البث الهائل من الخارج ومحاولة التلون والتنويع واستغلال ضعاف النفوس فإنهم فشلوا، بل وفي كل مرة يكون فشلهم أكبر من المرة السابقة.

* أصدرت وزارة الداخلية عدة بيانات بخصوص أحداث القطيف، وذكرت وجود مندسين، هل لمستم ذلك خلال حواراتكم؟

- لاحظنا دقة بيانات الداخلية، وهذا يفيدنا كثيرا على مستوى العلاج الفكري والشرعي، فعملنا يتركز على الجوانب الفكرية والشرعية، ونشعر بمأمن لكون الغطاء الأمني واضحا وشفافا فلا يحرجنا مع الطرف الآخر، فالمصداقية وقت الفتن مفتاح الحل بإذن الله، لذلك نجد إقرارا من عامة المشاركين في المواقع والصفحات بوجود «مجهولين»، ولديكم بعض الوثائق التي تدل على هذا الأمر.

* هناك أشخاص من المطالبين بالتظاهر يخرجون من دائرة المطالبات بالإصلاح إلى تأجيج المجتمع بالفتن، لحصد تأييد أكبر قدر من الموالين لأفكارهم..

- رصدنا ذلك، وللأسف وجودهم متكرر عبر «تويتر» والمواقع الإلكترونية الأخرى، والإصلاح مطلب لجميع الشعوب، والدولة حريصة على ذلك، لكن تأجيج الفتن هذا مرفوض من قبل عامة الشعب، ولو أخذنا على سبيل المثال القتيل الوحيد في أحداث القطيف لوجدنا أنه كان يكتب عبر صفحته في «تويتر» كلمات غير متزنة، وكان مشحونا، وقال قبل مقتلة بساعات قليلة «سوف تضج القطيف بموتي».

* يثار في المجتمع جدل كبير من بعض القضايا الاجتماعية، كعمل المرأة والاختلاط وغيرهما.. هل لدى «السكينة» دور في هذا التوجه والفصل فيه من قبل الخبراء؟

- هذا من أهم الأدوار التي قام عليها تأسيس الحملة، وكانت لنا مشاركات مؤخرا في هذا التوجه عبر لقاء مفتوح في جامعة الأميرة نورة، وكان الحوار شفافا، وكان يركز بالدرجة الأولى على عمل المرأة، والقرارات الحكومية التي تدعم هذا التوجه، وبما أن القرار صدر من الجهات الحكومية ذات العلاقة فإن الضوابط محفوظة ومكفولة بالضوابط الشرعية التي تشرف عليها وزارة العمل بشأن عمل الفتيات.

* وماذا عن التكفير في المجتمع، وكان آخره تكفير صحافيين وكتاب لمجرد أنهم أدلوا برأيهم حول مسائل فقهية، وتسبب ذلك في جدل كبير في المجتمع؟

- حملة «السكينة» منذ إنشائها كرست ثقافة أن يكون التكفير صادرا من جهات قضائية، ولا يحق لأي شخص مهما كان أن يصدر حكم التكفير، لخطورة المسألة وما يخلفه هذا الحكم على أسرته ومن حوله، وما ينعكس كذلك على المجتمع الذي حوله.

* ميدانيا، هل لكم مشاركات وتحركات على أرض الواقع؟

- نحن نتحرك وفق إمكاناتنا والصلاحيات الممنوحة لنا، ونؤمن بالتخصص واحترام الصلاحيات، وقد كانت لنا مشاركات مع بعض الجامعات، ونفذنا برامج مشتركة معها، كجامعة الأميرة نورة والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام، ووجدنا تجاوبا كبيرا من إدارات هذه الجامعات، مما يشجعنا على الاستمرار، لكن هذه البرامج تستنزفنا، ففريق العمل لدينا يحرص على أن يخرج أي عمل بصورة لائقة بسمعة «السكينة».