ملتقيات الأسر السعودية.. ظاهرة اجتماعية فرضتها الحياة العصرية

الشيخ عثمان بن عبد العزيز الثميري يكرم أحد المتميزين من أبناء أسرته في أحد الملتقيات الأسرية («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد السعودية خلال العقود الثلاثة الأخيرة تسارعا في نبض الحياة الاجتماعية، عطفا على ما تشهده البلاد من تنمية وقفزات حضارية متسارعة، جعلت التواصل الاجتماعي بين الأسر محددا بالمناسبات الخاصة كالأفراح، أو العامة كالأعياد، وخلافها من ملتقيات تجمع شتات أفراد الأسر الكبيرة، التي أضحى الكثير منها خارج مسقط رأس العائلة.

وكانت الكثير من الأسر السعودية إبان الستينات والسبعينات من القرن الماضي شهدت ترحال عدد منها للبحث عن فرص العمل والحياة التي توفر لها مصدر رزق لأفراد الأسرة الواحدة، وفي ظل تلك الظروف لجأت بعض تلك الأسر لإقامة ملتقيات أسرية تجمع فيها شتات الفرقة المكانية بين أسر العائلة الكبيرة، لتكون تلك الملتقيات حلقة وصل بين أجيال متعاقبة داخل نسيج العائلة الواحدة.

وفي السنوات الأخيرة ومع تسارع وتيرة الابتعاد المكاني بين أسر العائلة الواحدة، تنادى عدد من كبار القوم داخل العائلة السعودية يطالبون بعقد لقاء سنوي يجمع أفراد العائلة في يوم محدد ومكان معلوم للجميع، وغالبا ما يكون الموعد متزامنا مع إجازات سنوية، فيما يكون المكان المدينة التي يعود لها أهل تلك العائلة في الغالب.

وتشهد تلك الملتقيات محاولة لإقامة تكريم للمتميزين من أبناء الأسرة الواحدة، كما هو الحال مع عدد من الأسر السعودية، التي أصبح لملتقياتها أصداء في الوسط الاجتماعي، لما لها من أثر في تشجيع غيرها من الأسر لعقد ملتقيات مشابهة لها.

وتأتي أسرة الثميري، وهي إحدى الأسر العريقة في أواسط الجزيرة العربية، كمثال للأسرة السعودية الحريصة على جمع أفرادها تحت مظلة ملتقى الأسرة، الذي تسعى لعقده بشكل سنوي.

الشيخ عثمان بن عبد العزيز الثميري، أحد كبار أسرة الثميري والقاضي السابق، أوضح أن أسرته أطلقت أول اجتماعاتها الأسرية في صيف عام 1988 بمدينة أبها (جنوب السعودية)، موضحا أن أسرته استفادت من تجمع عدد من أفرادها خلال قضائهم لإجازتهم السنوية، ولافتا إلى أن فكرة ملتقى أسرة الثميري في بدايته كان مقتصرا على الرجال دون حضور العوائل، وفي أحد الاجتماعات الأسرية تم الاتفاق على حضور اللقاء الأسري للعوائل.

وزاد: «ونحن بصدد أن نخصص لقاء سنويا أيضا للنساء فقط»، مؤكدا أن الهدف منه التعارف بين أفراد الأسرة الكبيرة، حيث يجتمع الصغار بالكبار.

وأشار الثميري إلى أن موارد الصرف المالي، التي تتطلبها مثل تلك الملتقيات، كانت بمبادرات شخصية من قبل عدد من الموسرين داخل أسرة الثميري، مثمنا التجاوب السريع من قبل كل أبناء أسرته، ومشيرا إلى أن الصندوق الخاص بأسرة الثميري يتم الاعتماد عليه في الصرف على مثل تلك المناسبات العائلية، وهذا الصندوق هو أحد ثمرات اللقاء السنوي للأسرة، حيث تم الاتفاق على إنشاء هذا الصندوق وأن تكون المساهمة فيه من قبل الذكور من العائلة ممن يشغلون الوظائف.

وبين الثميري أن ملتقى أسرته يعمد إلى تكريم عدد من المتميزين والمتفوقين في كل المجالات العلمية والعملية، موضحا أنه تم وضع آلية لتنفيذ حفل التكريم من خلال ترشيح المستحقين للتكريم من أفراد العائلة.

وأفصح عن وضع ضوابط وشروط لكل فرع من فروع جائزة التفوق والتميز التي تمنح للمستحقين منهم، ولافتا إلى وجود لجان تتولى تلك المهمة.

إلى ذلك عمدت أسرة الثميري في لقاء أسري نهاية عام 2011، إلى تكريم عدد من الذكور والإناث المتفوقين والمتميزين من أفراد أسرة الثميري، حيث تم تكريم نحو 7 أفراد، كان على رأسهم الدكتورة هند بنت عبد الله الثميري، مديرة القسم النسائي باللجنة الوطنية للطفولة، والمستشارة الأسرية المعروفة، وكان هذا التكريم الأول في اللقاءات الأسرية، وتم الجمع لتكريمهم من قبل عدد من أفراد الأسرة، حيث تم التبرع بمبلغ يقارب 50 ألفا من كل فرد من الأفراد المتبرعين.

وأبان الثميري أن اللقاء السنوي يقتصر على أفراد أسرة الثميري، مشيرا إلى أن هناك من يحضر من أقارب وأنساب الأسرة، دون توجيه دعوة رسمية لهم، ولافتا إلى تعدد الأنساب والأصهار من مختلف مناطق البلاد لأسرة الثميري، مما قد يوقع أسرته في حرج بدعوة أحد ونسيان آخرين، في وقت يرى فيه أن الاجتماع الهدف منه التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة.

وحول اختيار مدينة الرياض لتكون مقر اجتماع أسرة الثميري السنوي، بين الشيخ عثمان الثميري أن الرياض تتمتع بموقعها الذي يأتي متوسطا بين مختلف مدن البلاد، ولتعدد أماكن الإقامة من شقق وفنادق، بالإضافة لتوافر الاستراحات التي يمكن الاختيار من بينها لتكون مقرا لملتقى الأسرة.

وكان من نتائج الملتقى الأسري لأسرة الثميري ظهور منتدى على شبكة الإنترنت خاص بالأسرة، يتم من خلاله متابعة شؤون الأسرة والتعرف على أوضاعها والتقارب فيما بينهم ممن تفصلهم المسافات، بالإضافة لكونه مصدرا لأخبار الأسرة الواحدة، وتعريفا بها لبقية أسر البلاد.

وأسرة الثميري تعود أصولها لقبيلة زعب، وهي من القبائل الكبيرة في الجزيرة العربية ومنطقتها الحجاز، وتنحدر زعب لتتصل بقبيلة بني سليم، ومنها الخنساء أشهر شاعرات العرب، فيما تعد دروازة الثميري الشهيرة بوسط العاصمة السعودية الرياض، والتي تحمل هذا الاسم نسبة لجد العائلة «حسن الثميري» الذي تذكر المصادر التاريخية أنه كان أحد العاملين في الحراسات لجيش الدولة السعودية الأولى، وحيث كانت الرياض في القديم محاطة بسور له عدد من الأبواب، ومن تلك الأبواب بوابة يتولى فيها حسن الثميري رئاسة فرقة الحراسة المكلفة بتأمين البوابة، وفي إحدى الهجمات من قبل إحدى قبائل المناطق مجاورة للرياض قتل حسن الثميري خلال فترة وجوده بمقر الحراسة أعلى الدروازة، فسميت البوابة باسمه منذ ذلك الوقت، وعلى الرغم من كون الشارع في العصر الحاضر تمت تسميته بشارع الملك عبد العزيز، فإن الكثير من سكان مدينة الرياض لا يزالون يستخدمون اسم الثميري للدلالة عليه «شارع الثميري».