خبراء: المراكز التجارية ظاهرة صحية قد تعطلها الأنظمة والخصوصية المحلية

جدة تمتلك 360 مركزا.. والتأشيرات السياحية فرصة لنمو المبيعات وتعزيز المنافسة العالمية

إحدى الفعاليات التي تستهدف الأسر في مركز تجاري في جدة، حيث تحتضن المدينة 360 مركزا تجاريا ميزتها عن غيرها من المدن («الشرق الأوسط»)
TT

أنتجت الحياة العصرية بتطوراتها المتسارعة على مستوى التنمية ظاهرة انتشار المجمعات التجارية بالسعودية، وتعد مدينة جدة (غرب السعودية) من مدن البلاد التي تزخر بعدد كبير منها، حيث إن الكثير من المستثمرين المحليين توجهوا باستثماراتهم نحو بناء تلك المجمعات التجارية، عطفا على حاجة جدة لها ولما تتمتع به من موقع سياحي وترفيهي.

وبصورة أساسية يعود ازدهار المجمعات التجارية المغلقة، لتوافقها مع رغبات المتسوقين، والذين يميلون لإيجاد احتياجاتهم من التسوق، والبحث عن أماكن للترفيه لأطفالهم، حيث تتمتع العديد من المجمعات بمواقع للمطاعم وأماكن تخصص للألعاب في مواقع مغلقة مكيفة مما يبعد المناخ الحار، والذي يغلب طوال السنة على مناخ مدينة جدة.

وتقدر الإحصاءات أن جدة تحتضن نحو 360 مركزا تجاريا، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة ظاهرة ميزت هذه المدينة عن غيرها من مدن البلاد، في وقت انقسم الشارع السعودي فيه بين مؤيد ومعارض لكثرتها، إلا أن آراء المختصين تؤكد أن هذه الظاهرة لها إيجابياتها على جميع الأصعدة.

من جانبه، يؤكد الدكتور سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف، أن انتشار المراكز التجارية في صالح الاقتصاد الوطني، لافتا إلى الفائدة الاقتصادية نتيجة البيع والشراء، وتدوير رأس المال، إلى جانب التنافس الذي ينتج عنه تخفيض الأسعار، والذي يعتبر في المقام الأول في صالح المواطن، إضافة إلى خفض نسبة البطالة من خلال توفير فرص وظيفية.

واعتبر المدينة التي تكثر فيها المراكز التجارية مدينة سياحية من الدرجة الأولى، لما تستقطبه من السياح من جميع المدن والدول الأخرى، والتي تعمل على إنعاش المدينة اقتصاديا والنفع على أصحاب الشركات والمؤسسات التجارية.

وأشار باعجاجة إلى الأسر المنتجة، والتي اعتنت بهم المنطقة الشرقية في السعودية من خلال توفير حاضنات لتشجيعهم، وتمنى وجود مثل هذه الحاضنات في مدينة جدة، وفي جميع مناطق السعودية، مبينا أن احتضان هذه الأسر المنتجة سيكون له يد طولى في الحركة التجارية، بتوفير الدخل الذي يغني الكثير من الأسر عن الحاجة لمد يد السؤال.

ويرى باعجاجة أن زيادة أعداد الأسر المنتجة لن يأتي إلا بتشجيع من القطاع الخاص، والغرف التجارية، وتسهيل القروض التي تعينهم على إنشاء مصانع ومشاريع.

ولخص أسباب تعثر مشاريع الأسر المنتجة، وإحجام الكثير من الأسر عن صناعة وتوفير بعض السلع البسيطة إلى عدم توفير الأراضي الكافية، وما يصاحبه من تعقيد النظام والروتين الإداري للحصول على تصريح.

واقترح أستاذ المحاسبة فكرة إنشاء سوق مركزية تتبناها الغرفة التجارية، تضم منتجات الأسر المنتجة فقط، مبينا ما سيعود من نفع على كلا الطرفين «الأسر المنتجة والمركز التجاري»، كانخفاض نسبة البطالة، وتوفير الأيدي العاملة، وتشجيع باقي الأسر على العمل، وتحويل المجتمع من مستهلك إلى منتج، والذي بدوره يعود بالنفع على الحركة الاقتصادية ككل.

وعلى الرغم من وجود المهرجانات التي تقام بشكل دوري في مدينة جدة، والتي تصاحبها الكثير من الفعاليات والسحوبات والجوائز، فإن المتسوقين يصفونها بالضعف مقارنة بالدول الأخرى.

إلى ذلك، رفض محمد علوي الرئيس التنفيذي لشركة «أسواق البحر الأحمر» المالكة لمركز «الرد سي مول» في مدينة جدة، مقارنة المهرجانات، التي تقام في السعودية وخاصة في جدة، بمهرجان دبي للتسوق، مرجعا الفرق في الفعاليات إلى اختلاف الأنظمة والخصوصية من دولة إلى أخرى.

وزاد «من الصعب تطبيق الأنشطة التي تقام في مدينة دبي في مدينة جدة، لأن الأنظمة تمنع، فمثلا عروض الأزياء الحية، والتي تقام في المراكز التجارية في دبي تمنع الأنظمة السعودية إقامة مثلها في جدة، كذلك بعض الأنظمة تشترط في المسابقات والكوبونات الشراء من المستأجرين، وهذا يعتبر هنا ضد النظام، وعلى سبيل المثال عندما يعلن مركز تجاري عن سحب بجائزة شقة قيمتها 5 ملايين درهم أو سيارة من نوع (رولز رويز)، فمن المؤكد أن هذا المبلغ تم جمعه من مستأجرين المحلات في المركز التجاري، وهذا ما لا يعتمد في مراكز جدة نظرا لأنظمة الغرفة التجارية التي تمنع البيع والشراء في جوائز السحوبات».

ويرى علوي أنه عدا ذلك من الفعاليات لا يختلف عما تقدمه دبي، مؤكدا أنه يوجد مراكز تجارية تقدم الفعاليات الثقافية والفنية والتجارية والمسابقات والفعاليات التي تشارك فيها العائلات وتحقق لهم المرح والتسوق والربح.

وتعتبر المهرجانات السياحية التي تقام فعالياتها في المراكز عاملا مهما لتنشيط حركة البيع داخل المحلات، وزيادة نسبة البيع، التي قدرها محمد علوي بـ25 في المائة، مبينا أن مهرجان «جدة غير» حقق نموا في المبيعات قدر بنسبة 25 في المائة.

وتوقع محمد علوي نجاح مهرجان «هيا.. جدة» للتسوق، بنمو مبيعات لا تقل عن 25 في المائة، والذي أقيم ابتداء من 18 يناير (كانون الثاني) الحالي، ويستمر حتى 18 فبراير (شباط) المقبل، ويعتبر أول بذرة تزرع في جدة لتثبيتها كوجهة تسوق رئيسية في السعودية وفي منطقة الخليج.

ونظرا لما يصاحب مهرجانات جدة من تخفيضات في المحلات التجارية، والتي يشكك في مصداقيتها الكثير من المواطنين، يؤكد محمد علوي أن المواطن في الوقت الحالي أصبح على قدر عال من الثقافة والوعي الذي يجعله يميز بين التخفيضات الحقيقية والوهمية، واكتشاف الغش بسهولة.

واعتبر الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، أن المراكز التجارية حاجة وضرورة أوجدها المجتمع، نظرا لما تغطيه من جوانب عديدة يحتاج إليها المجتمع، إلى جانب أنها واجهات حضارية لكل مدينة تقدم خدمات سياحية لها بعد ترفيهي، وتسويقي.

ويرى أن انتشار المراكز التجارية بجميع مسمياتها وأحجامها شيء إيجابي، وظاهرة صحية في المجتمع، واصفا إياها بالمتنفس الذي تحتاج إليه العائلات السعودية والذي يوفر متطلبات الأسرة، نظرا لقلة الأماكن الترفيهية الجيدة.

وشدد الدكتور صالح الرميح على ضرورة وجود الجهات الرقابية الأمنية التي توفر للأسر داخل المراكز التجارية الأمان، والارتياح، والاستمتاع، ومنع المتطفلين الذين يسيئون لهذه الأماكن ويعكرون صفو العائلات، معتبرا الاهتمام بالناحية الأمنية يحجب النواحي السلبية التي قد توجه أصابع الاتهام لانتشارها.

وأيد إقامة المهرجانات التي تصاحبها فعاليات للطفل وللأسرة، وفق آليات وضوابط تتوافق مع ثقافة المجتمع السعودي، مشيرا إلى ضرورة النظر في تخصيص جزء من المركز التجاري لإقامة الفعاليات والبرامج أثناء تصميمه.

واقترح على أصحاب المراكز التجارية عمل دراسات لذائقة المتسوق، بمعنى معرفة ما هي الأشياء التي يفضلها المتسوق، وما هي البرامج التي يطالب بوجودها، لقضاء وقت ممتع مع الأسرة.

واعترض تيسير الكريم مدير عام التسويق لمجموعة «الحكير»، على العشوائية في بناء المراكز التجارية، لافتا إلى أن انتشار المراكز التجارية بشكل مدروس، والاهتمام بها، هو أحد أنواع التطوير الذي يعود بالنفع على الدولة والمواطن.

ويرى أن اختيار موقع الأرض الذي يقام عليها المركز التجاري، لا بد أن يكون مؤمنا ومدروسا من قبل الأمانة بشكل واف، معترضا على ما يتم في كثير من الأحيان من ملاك الأراضي الذين متى ما أرادوا بناء مركز تجاري بنوه، بغض النظر عن اعتبارات كثيرة، تتسبب في خسائر لأصحاب المحلات ولصاحب المركز التجاري أيضا كمستثمر.

وناشد مدير عام تسويق مجموعة «الحكير» التجار وأصحاب المحلات التجارية بالالتزام بالتخفيضات وعدم التلاعب بها، وتوفير تخفيضات حقيقية للمستهلك، والزائر، والضيف، والمقيم، وتطوير برامج التخفيضات التي تعود بالنفع على المستهلك، سواء كانت برامج تسعيرية، أو ترويجية، وانتقد تصرفات الكثير من التجار الذين يستغلون فترات المواسم والأعياد ويقومون برفع أسعارهم.

وقال «أتمنى من التجار البعد عن التخفيضات الوهمية، والقيام بالتصرفات التي تبعد كل البعد عن مصلحة المستهلك، وأناشد الجهات المسؤولة بتشديد الرقابة، وتفعيل دور حماية المستهلك، بمراقبة البضائع التي يعمل عليها التخفيضات، هل هي نفسها التي كانت موجودة قبل التخفيضات، أم أنها بضائع مخزنة في المستودعات منذ سنين.. فمن المفترض أن التخفيضات تقام على جميع البضائع، ولا تصنف البضائع إلى تشكيلة جديدة لا تشملها التخفيضات، وأصناف تشملها التخفيضات وحتى 70 في المائة، ولا أحد يدري من أين أتوا بهذه البضاعة، فلم يشاهدها المستهلك من قبل في المحل».

وأضاف أن «الهدف من ابتكار فكرة التخفيضات في الدول الأوروبية وأميركا الرائدة في هذا المجال، أتى في الأصل لتشجيع التاجر، وحصوله على الفائدة، أما ما يحدث لدينا يعتبر خطوة منقوصة، غير كاملة، فالتاجر ينتهز فرصة التخفيضات ليروج لبضائعه القديمة، مما يجعل الكثير من المستهلكين الواعين يحجمون عن شراء هذه المنتجات المخفضة».

ويرى أن نظام الاستبدال والاسترجاع، على الرغم من أنه لا يرقى لما وصلت إليه الدول المتقدمة، فإنه يعتبر جيدا، ولا مانع من تطويره وأخذ التجربة من الدول الرائدة في تطبيق هذا النظام.

وعلى الرغم من أن مدينة دبي مدينة رائدة في الترويج للسياحة، تعتبر المنطقة الغربية في السعودية ومدينة جدة بشكل خاص لا ينقصها أي من المقومات التي لدى دبي لتعزيز السياحة، لافتا إلى الأعداد الضخمة التي تتوافد إلى المنطقة الغربية بغرض الحج والعمرة، حيث تفوق أعدادهم أعداد زوار مدينة دبي بكثير.

إلى ذلك، طالب تيسير الكريم بفتح باب السياحة للأسر من الخارج، وخاصة أن السعودية تمتاز بالأمن والأمان، الذي فقدته العديد من الدول الأخرى، وهو عامل مهم لجلب السياحة، ولا بد من الاستفادة منه، والاستفادة من الشريحة التي كانت تذهب للدول التي فقدت الأمان فيها في الوقت الحالي، بتطبيق ضوابط معينة، لا تسمح باستغلال هذه الزيارة لأغراض أخرى، فالسعودية تمتلك كل المقومات السياحية التي تمتلكها الدول الأخرى.