«الجنادرية» تلبس اليوم رداءها الـ27 وتطلق تظاهرتها الثقافية والفكرية الكبرى برعاية الملك

الجنادرية غيرت الصورة النمطية لدى الغربيين عن مجتمع الجزيرة العربية
TT

وسط ظروف غاية في الصعوبة لعدد من الدول العربية، تلبس الجنادرية في عرسها الثقافي والتراثي والفكري السنوي رداءها السنوي الـ27 بعد أن تدثرت به أكثر من ربع قرن؛ حيث يرعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، اليوم الأربعاء، حفل افتتاح المهرجان الوطني الـ27 للتراث والثقافة، بانطلاق سباق الهجن السنوي الكبير في عامه الـ38 الذي كان بداية انطلاقة المهرجان منذ 27 عاما.

واستشعر راعي المهرجان، الملك عبد الله بن عبد العزيز، ما يجري في عدد من الدول العربية من أحداث، وأمر بإلغاء أوبريت الجنادرية والعرضة السعودية في مهرجان هذا العام، تضامنا ووقوفا مع الأشقاء من الشعب السوري وما يحدث من سفك لدماء الأبرياء وترويع الآمنين، إضافة إلى ما حدث في مصر من أحداث أدت إلى وفاة العشرات من الأبرياء، إلى جانب ما جرى ويجري في اليمن وليبيا من أحداث مؤسفة، وما مرت به تونس من أحداث، وسيحضر الرئيس الكوري الجنوبي، لي ميونغ باك، المهرجان، بصفة بلاده ضيف شرف لمهرجان هذا العام، وتزامن ذلك مع مرور نصف قرن على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وسيكرم خلال حفل الافتتاح الشاعر السعودي إبراهيم خفاجي باعتباره الشخصية السعودية المكرمة لهذا العام.

وثمَّن الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، الرعاية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين للمهرجان، مشددا على أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة يستمد رؤيته وبرامجه من نهج خادم الحرمين الشريفين ورؤيته المستمدة من قيم الإسلام ومُثل العروبة، وهو ما يحاول المهرجان تمثله وتأصيله في نفوس الأجيال، سواء في الفعاليات التراثية أم في البرامج الثقافية والفكرية والإعلامية.

وأكد أن الرعاية السنوية للمهرجان من القيادة السعودية هي وسام شرف للحرس الوطني وللمهرجان ولجميع اللجان العاملة، وهي أيضا دعم لمسيرة الثقافة والإبداع في المملكة وفي العالم العربي، منوها بالمشاركات المتميزة في المهرجان لدول مجلس التعاون الخليجي بشقيها الرجالي والنسائي.

ورحب رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية بمشاركة دولة كوريا الجنوبية الصديقة كضيف شرف في جنادرية 27، معربا عن اعتزازه بهذه المشاركة باعتبارها إحدى إضافات المهرجان الوطني التي يتم خلالها التعرف على ثقافات وتراث الدول الشقيقة والصديقة، وامتدادا للتقليد الثقافي الذي ينهجه المهرجان الوطني كل عام.

من جانبه، أوضح نائب رئيس الحرس الوطني المساعد نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان، عبد المحسن بن عبد العزيز التويجري، أن المهرجان يواصل رسالته في تعميق العلاقة بين ماضي هذه الأمة وحاضرها، وتفاعله مع القضايا الملحة التي تهم الأمتين العربية والإسلامية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة، مضيفا أن المهرجان يشهد تميزا في الكثير من الفعاليات والنشاطات؛ حيث تمت دعوة أكثر من 300 مفكر وأديب من مختلف دول العالم يشاركون في إثراء النشاط الثقافي هذا العام، الذي سيشمل إقامة الكثير من الأنشطة في عدة مدن تناقش محاور ثقافية مختلفة.

ويرعى الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، غدا الخميس، حفل افتتاح النشاط الثقافي للمهرجان، الذي يتضمن محاضرات وأوراق عمل في موضوعات أبرز محاورها: رؤية خادم الحرمين الشريفين في الإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد، وجدلية العلاقة بين السلطة والمثقف في العالم العربي، والعرب وإيران.. محددات العلاقة ومستقبلها، والعرب وإيران.. فرص الشراكة والتعاون، والعرب وتركيا والأمن الإقليمي، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين العرب وتركيا، والعرب وأفريقيا والوجود الإسرائيلي، إضافة إلى قضايا تتعلق بالمجتمع السعودي، منها: المرأة وإشكالية المشاركة الوطنية الفاعلة، والشباب.. طموحات وتطلعات ومعوقات، إضافة إلى موضوع الإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات.

وستكون فعاليات الجنادرية الأخرى حاضرة في المهرجان من خلال قرية الجنادرية التي تبرز أوجه التراث الشعبي المختلفة، المتمثلة في السوق الشعبية التي تحتوي على 80 حرفة من أصل 300 حرفة يدوية مشاركة في دورة المهرجان، ومدرسة الكتاتيب التي تمثل لوحة فنية تمثيلية يقوم بها مطوع بمشاركة الطلاب، والمزرعة التقليدية التي تعكس طرق الزراعة القديمة وتعرض أمام الجمهور يوميا لمشاهدة السواري وصناعة العشش والدياسة، والختام والحراثة، وبذر الحبوب والحصاد وصرم النخيل والبناء القديم وشق الجذوع، كما ستكون هناك معارض للفنون التشكيلية و6 مسرحيات للطفل.

وأعطى الملك، على مدى نصف قرن، كل جهده وفكره للحرس الوطني، وأثمرت مجهوداته إنجازات وعطاءات ممتدة لهذا الجهاز في جميع المجالات العسكرية والأمنية والتعليمية والصحية والعمرانية والثقافية على امتداد مساحة الوطن.

ويقام مهرجان الجنادرية 27 وسط ظروف إقليمية وعربية غاية في الصعوبة، لكن على الرغم من ذلك فإن المهرجان الذي يعتبر حدثا لافتا على مستوى العالم سيكون بالفعل مظاهرة ثقافية تؤكد أن السعودية ستظل رقما مهما ليس في الجانب الاقتصادي والسياسي بل في الجانبين الثقافي والفكري، كما يؤكد المهرجان أن المؤسسة العسكرية المتمثلة في الحرس الوطني راعية المهرجان تجاوزت المفهوم السائد عن القطاعات العسكرية؛ حيث تحولت هذه المؤسسة إلى مؤسسة حضارية نجحت في صياغة الجندي السعودي ووسعت مداركه ورفعت مستوياته العلمية والثقافية، وهو ما جعل الحرس الوطني يسجل اسمه كمؤسسة ثقافية عالمية وأحد مفردات النهضة الحديثة للبلاد، ونبتة ثقافية وتنموية وصانعة للرجال وسط الصحراء، كما غير المهرجان الصورة النمطية المكررة عند الغربيين عن مجتمع الجزيرة العربية.

الجنادرية، تلك القرية التي قامت وسط الصحراء وتنمو في وديانها شجيرات العشرق تتلاعب بها الرياح مصدرة أصواتا تشبه خلاخيل النساء منبعثة من حبيبات ثمرتها التي أيبستها أشعة الشمس ورياح الخماسين الحارقة، أعاد مهرجانها الأصوات ذاتها من خلال وقع قرع الطبول ونغمات الربابة، آلة العربي التي تموت ويقطع بها سكون الصحراء ويبث فيها غنائياته في أحزانه وأفراحه، معيدا بذلك وقع سير الإبل ورغائها، في حين أن الحادي يردد شعر الرجز الذي يناسب وقع سير سفينة الصحراء، كما يستذكر المهرجان الذي حمل اسمه من صحراء الجنادرية الرملية واقع البلاد قبل التوحيد وبعده، ويرسم صورة لأصالة الوطن وتراثه ورحلة كفاح الآباء والأجداد، وستجسد 15 فرقة شعبية من مختلف أرجاء البلاد اللحمة الوطنية، كما تعطي 300 حرفة ومعرض حكومي خاص وعدد من الفعاليات المختلفة والمتنوعة واقع المسيرة التراثية والثقافية للوطن.

واعتبر التويجري أن ما حققه المهرجان من نجاحات هو بفضل الله أولا ثم بفضل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده، وحرص الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان، على كل ما من شأنه تطور المهرجان في كل أنشطته المختلفة.

جاء اهتمام ورعاية الملك للحرس الوطني متناسبا مع تاريخ أولئك الأبطال الذين أسهموا في صنع تاريخ البلاد في رحلة التوحيد التي قادها الملك المؤسس عبد العزيز؛ حيث أمر عام 1954م بتشكيل «مكتب الجهاد والمجاهدين» ليضم أولئك المجاهدين الأوائل ويجمع شملهم، وكان هذا المكتب النواة الأولى للحرس الوطني؛ حيث اقتضت تطورات الأحداث ضرورة تحديث وتطوير مكتب الجهاد إلى شكل جديد، وصيغة جديدة تتوافق مع مقتضيات الواقع؛ حيث صدر الأمر الملكي قبل 57 عاما بتشكيل الحرس الوطني، وتدافع المجاهدون والأبطال للانضمام لهذا التشكيل الجديد (الحرس الوطني).

ومر الحرس الوطني بمراحل تأسيسية متعاقبة، تشكلت فيها أفواج المجاهدين المسلحين بالبنادق والأسلحة الخفيفة، حتى كان عام 1962م؛ حيث شهد الحرس الوطني منعطفا مهما في تاريخه، تمثل ذلك في صدور الأمر الملكي بتعيين الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز رئيسا للحرس الوطني، ومعه انتقل هذا الجهاز من مجرد وحدات تقليدية من المجاهدين إلى وحدات عسكرية مسلحة بأحدث ما أنتجته عقلية العصر من أسلحة ومعدات وتقنية حديثة. وقد اعتمد الحرس الوطني في كل مراحل تطوره على القوة البشرية باعتبارها القاعدة الأساسية لأي تنظيم؛ فالإنسان هو هدف التنمية، وهو بانيها، والمخطط لها، والمستفيد منها، والحاصل على خيرها، فكان الإنسان محور قوة الحرس الوطني ومجال تحديثه وتدريبه وتطويره، وفي عام 1967م صدر مرسوم ملكي بتعيين الأمير بدر بن عبد العزيز نائبا لرئيس الحرس الوطني. وسجل تاريخ الحرس الوطني أسماء كان لها دور في تفعيل خطط التطوير وتحقيق الإنجازات في هذا القطاع، من أبرزهم: عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، نائب رئيس الحرس الوطني المساعد، عبد العزيز بن عياف، وكيل الحرس الوطني، كما تم تشكيل لجنة عليا برئاسة الأمير بدر بن عبد العزيز لإعادة تنظيم الحرس الوطني وتطويره إداريا والوصول به إلى أعلى المستويات من الكفاءة والقدرة، وقد أدركت قيادة الحرس الوطني أهمية مواكبة التطورات التقنية والعسكرية التي يشهدها العالم اليوم، وتعدد أنواع الأسلحة من كيماوية إلى بيولوجية، وجرثومية، وذرية، وصواريخ عابرة للقارات، وطائرات قاذفة، وناقلات جنود ضخمة، ومدرعات، ودبابات صاعقة، وأقمار صناعية تجوب الفضاء، واتصالات مدنية، ولم يغب هذا التطور والتقدم المذهل عن أذهان مسؤولي الحرس الوطني؛ حيث شهد الجهاز نقلات تطويرية وحضارية، متوازيا مع القوة العسكرية، وأعيد تشكيل الجهاز العسكري ليصبح أكثر قوة وقدرة على مواجهة المهام الموكلة إليه في مرحلة البناء.

ويعتبر عام 1974م نقلة كبيرة في جهاز الحرس الوطني وإيذانا ببدء مرحلة أكثر طموحا عندما وقع الأمير (الملك لاحقا) عبد الله بن عبد العزيز اتفاقية لتطوير الحرس الوطني، وفق أحدث النظريات العسكرية تنظيما وتسليحا وتدريبا، ليشمل قوات المشاة، الميكانيكية الحديثة، والمدرعات والمدفعية، والصواريخ الميدانية، والرادارات وشبكات الاتصالات العسكرية، ووحدات الهندسة العسكرية، والإمداد والتموين، وكل متطلبات القوات الحديثة من مراكز قيادة وغيرها. كما شهد التطوير سلاح الإشارة للحرس الوطني؛ حيث تم في عام 1978م توقيع اتفاقية بين الحرس الوطني والحكومة البريطانية لتقديم أحدث أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتدريب الفنيين بالحرس الوطني على التشغيل والصيانة.. وتهيئة الاتصالات الداخلية، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية لتلبية مطالب القطاع، كما تخدم هندسة الميدان جميع قوات الحرس الوطني العسكرية، وتلبي متطلباتها في الحرب والسلم، في جميع ما يخص أعمال الهندسة العسكرية.

وأجرى الحرس الوطني، خلال عدة عقود، منذ توقيع اتفاقية التطوير، عشرات التمارين التعبوية من أجل اختبار القادة والضباط والقيادات والوحدات والتشكيلات، ومعرفة ما وصلت إليه من كفاءة في تحقيق مهامها القتالية، وأهدافها التدريبية، وكفاءة السيطرة على القوات، والمقدرة على نقل الإصابات والإخلاء الطبي وكفاءة الشؤون الإدارية والإمداد والتموين. وحرص الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز، قبل أن يصل إلى سدة الحكم، على حضوره تلك التمارين وتخريج الوحدات التي تم تدريبها. وقاد نجاح هذه التمارين الأمير (الملك) عبد الله بعد رعايته لأحدها قبل عدة سنوات إلى القول: إن ما شهدناه اليوم في هذه المناورات يجعلني فخورا ومعتدا ومتفائلا بأن جندي الحرس الوطني قادر على أن يتجاوز بكفاءة تامة كل تعقيدات الأسلحة الحديثة؛ فقد تجاوزها واحدا واحدا، فكلما وضعنا في يده سلاحا حديثا وقدرنا لفهمه فترة زمنية، تجاوزها بسرعة، وما هذه الدقة في الرماية وفي الإصابة، وما الانضباط وما الحيوية التي رآها الجميع إلا نتيجة جهد شاق، ومران صعب، قابلهما في هذه الصحراء أعواما وشهورا طويلة.

وأولى قائد الحرس الوطني قضية التعليم وبناء الإنسان في هذا الجهاز اهتماما كبيرا؛ فالإنسان، في نظر مؤسس هذا القطاع، الثروة الحقيقية والعنصر الفعال في التنمية، بل هو أداتها وغايتها، فكانت رعاية عبد الله بن عبد العزيز للمدارس والمؤسسات التعليمية ودعمه لها لا تحده حدود؛ فأمر ببناء المدارس والمراكز العسكرية والفنية المختلفة وفتح فصولا تعليمية في الوحدات والألوية لتثقيف وتعليم منسوبي الحرس الوطني. وقبل 36 عاما أصدر الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز، رئيس الحرس الوطني، أمرا بإنشاء إدارة الثقافة والتعليم لتكون مسؤولة عن متابعة برامج التعليم في جميع مراحله، وبعد افتتاح المدن السكنية تم تحويل مدارس تعليم الكبار إلى مراكز لهذا النوع من التعليم، كما تم التوسع في إنشاء المدارس من مرحلة الروضة وحتى الثانوية، كما تم تطوير المدارس العسكرية وزودت بكل متطلباتها من ميادين الرماية وساحات التدريب وميادين الاقتحام لتأهيل جميع الرتب العسكرية.

ومع التقدم الهائل في تقنيات الأسلحة وإنشاء الجامعات والكليات العسكرية في العالم، كان لا بد من تطوير وحدات الحرس الوطني عسكريا، لتكون قوة نظامية تساير تطور العصر، وتستطيع القيام بواجباتها خير قيام، وتوج هذا التوجه بإنشاء كلية الملك خالد العسكرية قبل 28 عاما، وتمثل الكلية النظرة العسكرية الحضارية الشمولية التي يتبناها الحرس الوطني في مجالات التعليم والتدريب والتربية العسكرية وإعداد القادة العسكريين الشباب، كما أكد ذلك الأمير (الملك) عبد الله عند افتتاح الكلية في 3 - 3 - 1403هـ؛ حيث قال: «على أن يكون هذا التطور محوره الأساسي هو إعداد الإنسان المؤهل القادر على حمل الأمانة.. وأن مهمة هذه الكلية هي أن تقوم مع أخواتها الأخريات بتأهيل العلم العسكري بين شبابنا، كي يعي حاجات بلادنا، مستمدا قوته من انتمائنا الإسلامي العربي العريق، ومن سير أبطالنا ومعاركنا، ولحظات تاريخنا المجيد، الذي برز فيه قادة رواد في فنون القيادة والتعبئة والاستراتيجية».

وشكلت كلية الملك خالد العسكرية مرحلة مهمة من مراحل الحرس الوطني، وتم تجهيزها بأحدث الإمكانات لتكون على مستوى تطلعات الحرس الوطني في خريجيها، ومستوى تأهيلهم العلمي والعسكري والثقافي، مستفيدة من خلاصة تجارب الكليات العسكرية والجامعات السعودية والعربية والدولية.

وسجل الحرس الوطني نجاحا في مشاريع الإسكان لمنسوبيه، وأنفق المليارات عليها من خلال المدن السكنية التي يبلغ عددها 6 مدن بلغ عدد فيللاتها نحو 13 ألف فيللا في مدن الرياض وجدة والأحساء والدمام والطائف بإنفاق وصل إلى أكثر من 15 مليار ريال.

ووثب قطاع الحرس الوطني وثبات عملاقة في مجالات الخدمات الطبية من خلال إنشاء المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية وتطورات هذه الخدمات لتصل إلى مدن طبية عالمية تجرى فيها أدق العمليات وإجراء الدراسات حول الأمراض المستعصية، ولفت الحرس الوطني بنجاحه في إجراء عمليات فصل التوائم؛ حيث يتم نقل حالات من الداخل والخارج لإجراء عمليات الفصل بأيدٍ سعودية وتحت إشراف أحد منسوبي هذا القطاع الذي تحول إلى وزير للصحة، وهو الدكتور عبد الله الربيعة، كما يتم في مستشفيات ومدن الحرس الطبية إجراء عمليات زراعة الكبد، والتشخيص الدقيق لأمراض الكبد.

ولم ينس الحرس الوطني ضرورة مكافحة الأمية بين منسوبيه العسكريين من خلال تدعيم تعليم الكبار وإنشاء المدارس الخاصة بذلك بهدف تجفيف منابع الأمية ونشر العلم والمعرفة بين أفراده، ورسم الحرس الوطني على صفحات البلاد معالم حضارية، مؤكدا جهود الملك عبد الله، التي أسهم بها بتحول هذا القطاع من قوة عسكرية مجردة إلى كبرى المؤسسات العسكرية والحضارية العملاقة من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، الذي سجل اسمه كإحدى الفعاليات الثقافية والتراثية العالمية، معيدا إلى الأذهان تلك الفعاليات والأسواق التي كانت تقام في مدن الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده، وكمنافس قوي للمهرجانات العالمية والعربية في الوقت الحاضر.

ورعى الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز، منذ أكثر من ربع قرن، المهرجان؛ فهو صاحب فكرته وراعيه الأول منذ أن انطلق كسباق للهجن، ثم تطور شيئا فشيئا إلى أن أصبح مهرجانا بفعالياته المختلفة بل اعتبر واحدا من أبرز المهرجانات الثقافية في المنطقة العربية، وملتقى حوار ثقافي وفكري واسع بين كبار المثقفين والمفكرين والأدباء العرب.

ونبعت فكرة المهرجان باعتبار الثقافة أحد المحاور الأساسية التي ينهض عليها التطور في البلاد، ومن أجل ترسيخ القيم والعادات، وجمع شمل المثقفين العرب، والتحاور فيمن بينهم من أجل الخروج بصياغة فكرية تخدم الأمة.

وقد انطلق المهرجان عام 1985م لتحقيق أهداف، أهمها: تأكيد أهمية التراث، وتغطية الجوانب الثقافية والفنية باعتبار الثقافة هي المدخل إلى الحضارة، والعمل على إيضاح العلاقة التبادلية بين التراث والنمو الثقافي؛ فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر؛ فالهدف الشاغل لكل منهما هو صنع حضارة الأمم، وتحقيق هدف إظهار الوجه الحضاري المشرق للسعودية من خلال التعريف بأوجه النشاطات الثقافية والفنية المختلفة وإبراز دور كل منها، خاصة تلك التي تستمد مادتها من التراث؛ حيث إنها توضح جهود أسلافنا في شتى ميادين المعرفة، والإنجازات الضخمة التي حققوها، وتربط حاضر هذه الأمة العريقة بماضيها المجيد، وإبراز رسالة الأدب العربي والشعر الشعبي وأهدافهما في مضمار الحياة، من خلال الندوات الأدبية، والأمسيات الشعرية، وشعر النظم والمحاورة، وإشراك فرق الفنون الشعبية من مختلف مناطق السعودية لتعبِّر بفنونها ورقصاتها الشعبية المختارة عن صميم البيئة، وتسليط الضوء على دور الفن التشكيلي في الحفاظ على الثقافة وصيانتها في المجتمع باعتباره وسيلة مهمة من وسائل التسجيل التاريخي من خلال إعداد معارض مختلفة تبرز التراث بكل أشكاله. كما يهدف مهرجان الجنادرية إلى استعراض بعض جوانب التراث والثقافة في المجالات المختلفة من خلال معارض للصحف والدوريات الإعلامية ورسوم الأطفال، وصور الفروسية والهجن، وصور الصيد والرياضة، وإقامة الأسواق الشعبية، ورسم صورة لطبيعة الحياة التي عاشها الأجداد والآباء، وإظهار الأنشطة التي كانت تمارَس في القدم مثل الفلاحة، والدياسة، والسواني، والحراثة، وإثراء الفنون الشعبية بفرق السعودية المختلفة لتعبر كل فرقة تعبيرا حيا عن صميم البيئة الجغرافية التي نشأت فيها من خلال التعبيرات والأهازيج والرقصات التي تنبع من ذات المجتمع. ويهدف المهرجان أيضا إلى تطوير سباقات الهجن التي كانت بدايات انطلاقة المهرجان؛ ففي عهد الملك فيصل كان التركيز على سباقات الهجن، ثم أصبح الحفل يقام سنويا، وتطور شيئا فشيئا في عهد الملك خالد، ثم برز تطوره بتشجيع من الملك فهد وبإشراف من الأمير (الملك) عبد الله، ولي العهد آنذاك، الذي أولى المهرجان اهتمامه البالغ، حتى أصبحت الجنادرية واجهة حضارية تضم سباق الهجن، ومهرجانا يضم فلكلورا شعبيا لكل مدينة ومحافظة من مدن السعودية ومحافظاتها، ومباني تبين الطراز المعماري لكل منطقة، بالإضافة إلى الحرف والصناعات القديمة والحديثة، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية وندوات ومحاضرات يشارك بها مفكرون وعلماء من مختلف دول العالم.

وخلال السنوات الـ25 الماضية توسع المهرجان وأصبح يُعرف بمهرجان الجنادرية، وحقق شعبية واسعة على الصعيد الداخلي، وسمعة كبيرة على الصعيد العالمي لكونه نشاطا ثقافيا وفكريا، يرتبط ارتباطا وثيقا بمجمل الظروف الثقافية والمناخ الفكري السائد في المنطقة العربية. ونجح المهرجان في إزالة الصورة النمطية المكررة التي كانت تعرض في وسائل الإعلام الغربية عن الجزيرة العربية وإنسانها، والتي تصور مجتمع الجزيرة في «صورة جماعات البدو أمام الخيام والجمال».