باحث اجتماعي يطمح لتفعيل دور الأسرة من خلال الرؤى العلمية والحلول الفعلية

د. الزهراني لـ «الشرق الأوسط» : المجتمع السعودي مر بعدة مراحل تدعو إلى التغيير

وزير الشؤون الاجتماعية يلقي كلمة بالنيابة عن الأمير سلمان بن عبد العزيز خلال افتتاح المنتدى الاجتماعي الأول (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

يسعى منتدى اجتماعي أقيم في العاصمة السعودية الرياض إلى تقديم رؤى علمية ومبادرات وطنية من شأنها دفع عجلة التنمية المجتمعية في السعودية، وذلك بالعمل على استقطاب الجهات المختصة والقطاعات الحكومية المعنية بالشأن الاجتماعي في البلاد.

وحرص المشاركون في المنتدى على تقديم تلك الرؤى والمبادرات في قالب علمي موضوعي عن طريق البحوث والدراسات والمحاضرات، بما يحقق أهداف المنتدى ويلبي تطلعات المجتمع السعودي، حيث من المنتظر أن يخرج المنتدى بتوصيات ختامية ستتحول إلى برامج تنفيذية.

وناقش منتدى الرياض الاجتماعي أول من أمس الثلاثاء من خلال حلقة نقاش متخصصة تحاكي التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وانعكاساتها على الأسرة، كان متحدثها الرئيسي الدكتور عبد الرزاق الزهراني المتخصص في الشؤون الاجتماعية، وأبرز من خلالها التحديات التي تواجه الأسرة السعودية والتجارب الناجحة في تنميتها.

وقال الدكتور عبد الرزاق الزهراني في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ولكن بخلفية تاريخية، إن المجتمع السعودي مر بعدة مراحل تدعو إلى التغيير، ملخصا ذلك بمرحلتين، وهما مرحلة التغير البطيء قبل 50 عاما عندما كان الناس يعيشون في البوادي والأرياف ويعتمدون على أنفسهم في إنتاج ما يحتاجون إليه، حيث كانت الأسرة متعافية والروابط بين الآباء والأبناء قوية والمراقبة والضبط الاجتماعي ضمن حدود السيطرة، ولكن في فترة التسعينات وبعد الطفرة بدأت المتغيرات تتسارع، حيث بدأ استئجار الخادمات والسائقين إلى المنازل، وبدأ السفر إلى الخارج ودخول البث الفضائي الذي يتزايد، خصوصا في القنوات الفضائية، ثم بدأ وقت الإنترنت، وتتطور المواقع الاجتماعية كـ«تويتر» و«فيس بوك» وغيرهما، إضافة إلى كثرة العمالة في البلاد، وأصبح الانفتاح كبيرا على العولمة بمكوناتها المختلفة.

وزاد الدكتور الزهراني أن توجه المجتمع إلى الماديات والتكالب على الدنيا لجمع الأموال وتدبير شؤون الحياة، كل هذه الأمور أدت إلى تغيرات أسرية في المجتمع السعودي، كزيادة العنف الأسري والطلاق والتفكك وضعف صلة الرحم، مشيرا إلى أن دور المنتدى يتمثل في تشخيص الحالة بقدر الإمكان ووصف العلاجات اللازمة.

وركز الدكتور الزهراني خلال ورقته التي قدمها على تفعيل 3 أبعاد رئيسية، أولها يتمثل في البعد البنائي، وهو أن تقوم الأسرة بتحصين أبنائها ضد الانحرافات كما تفعل من تحصينهم ضد الأمراض، ثم بعد ذلك البعد الوقائي والمتمثل في وقايتهم من كل ما يمكن أن يؤثر عليهم ويدعوهم إلى الانحراف من أصدقاء وإعلام وغيره قدر المستطاع، وآخرها البعد العلاجي لمن يقع منهم في انحراف أو مخدرات، والمحاولة قدر الإمكان لانتشالهم وإعادتهم إلى الطريق المستقيم مرة أخرى ليكونوا أعضاء فاعلين في حياتهم الاجتماعية.

ووجه الدكتور عبد الرزاق الزهراني دعوته إلى الجهات المعنية لتفعيل المجلس الأعلى للأسرة والطفولة، وإدخال مواد على الأسرة والتعليم العام، خصوصا في المرحلة الثانوية، للتأكيد على أن الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة وليسوا معسكرين مختلفين كما ينظر البعض بمحاولته تأليب النساء على الرجال، والعكس صحيح.

وأوضح: «لا نستطيع أن نحصر قضايا الأسرة في موضوع واحد، ولكن هناك مجموعة من المتغيرات على رأسها المتغيرات الاقتصادية والتعليمية وغيرها، وكل هذه الأمور تصب في بحيرة الأسرة، وقد تؤثر فيها بقدر مختلف، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي»، معتبرا أن الجانب الاقتصادي هو المحرك الرئيسي للمتغيرات في المجتمع السعودي، مستشهدا في الوقت الذي تراجعت فيه قيمة الأسهم في البورصة السعودية قبل فترة مضت، التي أثرت بدورها على كثير من الأسر وفاقمت مشكلاتهم عندما تحول الأمر إلى كابوس، خصوصا لمن قاموا ببيع منازلهم أو الاقتراض لأجل الربح ويفاجأون بهزة ليست اقتصادية فقط وإنما هزت أركان منازل كثيرة آل بها المآل إلى السقوط أو الطلاق أو أصابت الأب بجلطة وأمراض مزمنة فاقمت هذه المشكلة. وطالب في الوقت نفسه أن لا يعقد قران للمقبلين الجدد على الزواج إلا عندما يأتون بما يثبت أنهم التحقوا بدورات أسرية لإرشادهم ومساعدتهم في عملية إنشاء أسرة سليمة وإدراكهم للمشكلات المتوقعة وحلولها ومعالجة قضاياهم المالية والاجتماعية وتجنب الخلافات بطريقة دبلوماسية ودية، ولو وجد هذا المجلس سيكون من أولوياته إقامت مثل هذه الدورات وجعلها شرطا من شروط الزواج، وهذا يحتاج إلى جمعيات متخصصة لإقامة دورات، خصوصا وأننا في السعودية لدينا حالات زواج يومية بشكل كبير، في هذه الحالة لا بد أن يرادف هذا التوجه الكثير من الدورات التي تؤهل الأسرة بشكل عام.

وعن استفسار لـ«الشرق الأوسط» حول أهم التوصيات التي من الممكن أن يخرج بها المنتدى من خلال تلك المحاور، أفاد الدكتور الحازمي بأنه لا بد من قيام كل جهة بدورها من أسرة ووسائل إعلامية ومدارس وتضمين مناهج التعليم في بعض المواد التي تعنى بإنشاء الأسرة، والتأكيد على أن الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة، والابتعاد عن التأليب من طرف ضد طرف آخر. وفي ذات السياق، ونيابة عن الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع، افتتح الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية مساء أول من أمس فعاليات المنتدى الاجتماعي الأول «الأسرة السعودية والتحديات المعاصرة»، الذي تنظمه جمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي «واعي» في الرياض خلال الفترة من 20 إلى 21 فبراير (شباط) الحالي.

وقال الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية خلال كلمة نقل فيها للحضور تمنيات الأمير سلمان بن عبد العزيز بنجاح هذا الملتقى، وتحقيق الغايات النبيلة التي عقد من أجلها.

وثمن العثيمين حسن اختيار الجمعية لموضوع المنتدى الحيوي والمهم الذي يطال أثره وتأثيره كل فرد في المجتمع، وتابع قائلا: «المعروف أن الأسرة هي أقدم المؤسسات الاجتماعية، وهي الحضن الأساسي للفرد، وفيها يجد الإنسان الرعاية، والحب، والدفء، والصلاح، والإصلاح، لذا لا عجب أن جميع الأديان والأعراف والنظم الاجتماعية أولت هذه المؤسسة العريقة كل ما تستحقه من العناية والاهتمام».

وقال: «القدوة والرعاية والعناية والمتابعة للأبناء والبنات هي المسؤولية الأولى للأبوين، وأرجو أن لا يأخذنا الحماس أو تدفعنا العاطفة إلى إلغاء دور الأبوين أو التقليل من مسؤوليتهما تجاه أفراد الأسرة. نعم، عندما تمر الأسرة بأزمات تأتي مؤسسات الدولة لنجدة الأسرة، والتخفيف من الأزمات والمشكلات، ومن هنا حرصت الدولة على تقديم الخدمات العاجلة أو الدائمة للمساعدة عبر برامج متطورة وحديثة».