لم تشأ قضية الإعلام وبحثها على طاولة الحوار من كافة جوانبها المثيرة للجدل خلال اللقاء التاسع للحوار الفكري في حائل، مساء أمس، أن تبقى في مسارها لبحث إشكالياته وتحدياته تحت عنوان «الإعلام السعودي.. الواقع وسبل التطوير».
فما إن بدأت مشاركات أقطاب الساحة السعودية من مسؤولين رسميين لوزارة الثقافة والإعلام، وممثلين لهيئات صحافية، ووسائل إعلامية، ونخبة من المفكرين والمثقفين، والشرعيين، حتى بدأت جميعها التهافت صوب «عباءة الإعلام»، ليتحول الصراع من بحث إشكاليات الإعلام إلى من يدير الإعلام السعودي.
فبمجرد خروج أصوات يؤكد انتهاك الثوابت الشرعية والإسلامية في الإعلام السعودي مع تطاول الإعلاميين على الدين والنيل من عفة المرأة، الأمر الذي بلغ ذروته بخروج رئيس النادي الأدبي في حائل مفجرا قنبلته بالمطالبة باستحداث منصب خبير لكشف الزندقة والإلحاد، على غرار خبراء الإرهاب انسجاما مع تحرك التيار المحافظ في التشدد، حتى تشرع أصوات أخرى لتلقي بسهامها في خطوة للدفاع عن استحقاقاتها المهنية؛ أبرزها حرية تدفق المعلومات، لتتلقف بدورها وزارة الثقافة والإعلام عباءة المصلحة الإعلامية بتأكيدها على ما أسهمت به لجنة المخالفات من إيقاع عقوبات وفرض غرامات في خطوة لإعادة «الإعلام الضال» إلى جادة الصواب واستيعاب مفهوم الحرية «المنضبطة».. ليكشف ذلك كله عن، حجم تأثير صرعة «التويتر» و«الفيس بوك» على تغريدات مشاركي اللقاء التاسع للحوار الوطني، فبات «كل يبغي بليلى وصالا»، منتقلا بتراشق أقطاب المجتمع السعودي وتحالفاته سواء كانت من التيار الصحوي، أو التيار الآخر، من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، لتخرج شعارات الحفاظ على المقدس، والسيطرة على الإعلام الجديد، وإلصاق التهمة بالإعلام في حرية التداعي عمن يمس الدين، حتى امتد صراع الأقطاب والتحالفات صفوف المشاركات أيضا.
فبعد أن كانت بداية مطالبة الدكتور عادل الشدي، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، بضرورة إعداد وثيقة وطنية للإعلام السعودي تراعى من خلالها الثوابت والمقدسات، أهمها تعظيم الله واحترام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو ما تحفظ عليه الدكتور عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد، مشددا على أن مجمل الوثائق الإعلامية التي أقرت على مستوى العالم العربي والإسلامي كانت قد طرحت من قبل وزارة الثقافة والإعلام السعودية، أحدثها ما أقر في أبوظبي.
خرجت الدكتورة رقية نياز، أستاذ الدعوة المشارك في جامعة الأميرة نورة، لتؤكد بصوتها الدعوي محاباة الإعلام لمن يتطاولون على الدين، مقابل إقصاء من يتحدثون باسم الإسلام، بما في ذلك من إظهار لصورة المرأة بطريقة لا تليق بعفافها ودينها، لتتساءل أمام وزارة الثقافة والإعلام عن سبب إعطاء جهات مشبوهة إنشاء مكتبات بالمقابل تمنع فيها مساجد الله من إنشاء المكتبات.
وفي مقابل مطالبة طلال بن حسن آل الشيخ، رئيس تحرير صحيفة «الوطن»، وزارة الثقافة والإعلام بضرورة إعادة النظر في نظام المطبوعات لمنح المزيد من الحريات المسؤولة، حملت نورة الصد، الداعية والمشرفة التربوية في وحدة التوعية الإسلامية بمكتب الإشراف التربوي في خميس مشيط، ووزارة الإعلام السعودية، المسؤولية الكبرى على ما حدث من تجاوزات على حد وصفها، رغم ارتكاز أسس ميثاق الإعلام السعودي على الكتاب والسنة والحفاظ على العقيدة الصافية. وبعد أن مارس بعض المشاركين دورهم الدعوي والاحتسابي الذي كما اعتبرته إحدى المشاركات «نداء الحق»، مع ذكر سيل من الآيات القرآنية في بادرة تذكير لعل تخشع بها قلوب الإعلاميين، ومنسوبي وزارة الثقافة والإعلام.
وأكد عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام، نفيه بوجود ما يسمى «الحرية المطلقة»، مؤكدا وضع الوزارة لضوابط محددة وواضحة، في هذا الشأن، مشيرا إلى أن لجنة المخالفات غير خاضعة لوزارة الثقافة والإعلام، وإنما هي لجنة قانونية، تضم عددا من المختصين اختيروا من قبل وزير الثقافة والإعلام، مخولين لإصدار القرارات.
ليكشف الجاسر في الوقت ذاته في خطوة للدفاع عن جدية دورها الرقابي بمتابعة وزارة الثقافة والإعلام لكل الفضائيات المملوكة لسعوديين، وتواصلها مع مالكي هذه الفضائيات، مشيرا إلى أن الكثير من المخالفات قد فرضت بحقهم.
في الوقت ذاته عاد وأكد عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد، وجود هامش الحرية الممنوح لوسائل الإعلام السعودية، منوها بأن الإشكال القائم حاليا لا يتعلق بالحرية البرامجية، وإنما ما وصفه بإشكال يرتبط بمدى «احترافية البرامج».
ليخرج عبد العزيز العقيل، الوكيل المساعد للإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام، مؤكدا على مسامع الإعلاميين من جديد منحهم هامش الحرية المطلوب، الذي من وجهة نظره اتضح من خلال معرض الكتاب الدولي، مطمئنا في الوقت ذاته الفريق الآخر من الحضور، من أن 90 في المائة من الكتب الممنوعة إنما تتعارض مع العقيدة مع عدد قليل تضمن ملاحظات إدارية وتاريخية، مشددا على أن المعيار الأول هو عدم تجاوز الثوابت الدينية من ثم التاريخية.
وكان قد انطلق اللقاء الوطني التاسع للحوار الفكري صباح يوم الأربعاء، متناولا عددا من القضايا والمحاور الرئيسية والمتعلقة بالإعلام، من بينها الحرية والمسؤولية والإعلام السعودي، ودور الإعلام الجديد وإسهاماته في توسيع المشاركة المجتمعية، إلى جانب موضوع الآفاق المستقبلية للإعلام السعودي.
وتوقع فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، خروج حوار المشاركين عن رؤية مستقبلية لمنهج الطرح الإعلامي في المجتمع السعودي، مبينا ان ما تشهده الساحة الإعلامية والثقافية من تجاذبات إعلامية، وتشنجات في طرح الآراء وتراشق إعلامي يصل في بعض الأوقات إلى النقد غير الموضوعي والجارح، يستدعي طرح هذا الموضوع للحوار.